لجريدة عمان:
2025-12-11@02:19:10 GMT

الحوار.. وإنزال الفلسفة إلى الاجتماع

تاريخ النشر: 8th, December 2025 GMT

«الإنسان حيوان ناطق».. وخلف نطقه يكمن عقله، ومِن العقل انبثق الحوار والتفلسف، فلا فلسفة مِن دون حوار، ولا حوار مِن دون فلسفة، وقد نفض العقل عن نفسه عباءة السفسطائية بحوارات سقراط الحكيم.

إنَّ الإنسان وهو ينبثق بالوعي؛ عاش حواراً نفسياً دائماً، لأنَّ لحظة هذا الانبثاق مذهلة، تتراءى لنا أثناء انبجاس الوعي لدى الطفل، وهو يتحول شاباً، ماراً بمرحلة المراهقة التي تكثر فيها أحلام اليقظة، إذ إنَّ هذه الأحلام ـ مهما كانت مشتتة ـ ليست إلا حواراً مع النفس، أدركه الإنسان أو لم يدركه.

وهكذا الإنسان في نشأته الأولى عاش حواراً مستمراً مع نفسه، توارثناه نحن البشر، كما ورثنا منه محاولة فهم الطبيعة، وفك غموضها، واكتناه ماهيتها، واستشراف مآلاتها. وكما تطور الحوار مِن الذات إلى الآخر بانفكاك عقدة اللسان، ثم بنشوء منطق اللغة وعلمها، فاللغة ـ كما يتصورها مارتن هيدجر (ت:1976م) ـ (جوهرية لأنَّها حوار)؛ تطور أيضاً تفكير الإنسان محاولاً وضع منطق لفهم الأشياء وإدراك حركة الحياة، وما تخفيه مِن ماهيات، فكان علم الفلسفة.

وهذا ما يفسر نشوء «فن المحاورات» في حقبة تأسيسية مِن تطور الفلسفة؛ وهي الحقبة اليونانية، حيث أصبح الدرس الفلسفي بعدها ليس كما كان قبلها.

لقد كان للفلسفة السفسطائية أثر بالغ على تطور هذا الفن على يد سقراط (ت:399ق.م) وتلميذه أفلاطون (ت:347ق.م)، فقد اعتمد الدرس الفلسفي عند السفسطائيين على البيان المتوالد إلى حد التناقض، حتى اتهموا بـ(أنَّهم كانوا قادرين على تحويل القضية الضعيفة إلى قوية، والعكس بالعكس، ويبدو أنَّ مبدأ التدريب الخطابي عندهم كان يقوم على أنَّ هناك بخصوص أي موضوع وجهين متناقضين: أحدهما قوي، والآخر ضعيف.

بحيث إنَّ مهمة الخطابة هي جني الفوز للجانب الضعيف عن طريق التأكيد على ما هو محتمل بالإقناع) -عزت قرني، الفلسفة اليونانية-. فكان لابد أنْ يؤطر البيان في مصطلحات للمعاني يُتفق عليها، وقد قام بهذا العمل حوار سقراط. وتحت وقعه ضبط أرسطو (ت:322ق.م) التفلسف بوضع علم المنطق. ولم يقتصر فن المحاورات على الفلسفة اليونانية، وإنَّما كان له صدى في فلسفات أخرى كالفلسفة الصينية، حيث ألّف وانغ تشونغ (ت:97م) كتاب «حوارات في الميزان».

كان مهمًا وضع منهج متفق عليه بين الأطراف المتحاوِرة، وإلا لأصبح كل طرف يسير في طريقه الخاص، إنَّ أهم ما قدمه الحوار للفلسفة هو أنَّه اضطرها إلى وضع منهج له، فكان فضلها عليه أنْ وضعت أسس هذا المنهج وأطره. والحوار.. هو الجسر الرابط بين فن الخطابة الذي سار عليه السفسطائيون والمنطق الذي نظّر له واعتمده أرسطو، ومنذئذٍ.. كان لابد مِن محددات منهجية تتفق عليها الأطراف. فخرج الحوار مِن تمحّك الجدل البياني إلى سلاسة الحوار الاجتماعي، حيث أصبح يهتم بالشأن الإنساني في الحياة. الدين.. كذلك اشتمل على حوارات، ففي القرآن.. وُجِد الحوار بين الله وملائكته، وبينه وبين إبليس، كان حواراً فلسفياً عميقاً حول الإنسان، إلا أنّه بلغة الدين الميسرة ببلاغة البيان. ووُجِدت كذلك أنواع مِن الحوار؛ مثل: الجدل الديني: (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) «النحل:125»، والجدل الاجتماعي: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا) «المجادلة:1» . فلسفياً.. ليس بالضرورة أنْ ينتصر في الحوار أحد الأطراف، أو يُسَلِّم الطرفان بحكم ما، وإنَّما ما يثيره الحوار مِن أسئلة واعتراضات ويولّده مِن أفكار وآراء؛ مطلوب بذاته، لأجل الإثراء المعرفي واستمرار الدرس الفلسفي، يقول أفلوطين (ت:-270م): (لو لم يكن فوجوريوس يسألني لما كان لدي اعتراضات أقوم بحلها، وعليه لم يكن لدي ما أقوله) -حسن التحافي، حوار الحضارات-، ويرتفع مقصد الحوار مِن كشف خطأ المحاوِر إلى تكوين علاقة سامية معه، عبرها تكون المعرفة جسراً للتواصل النفسي والاجتماعي، يقول لاكوردير (ت:1861م): (إنّي لا أقصد بالحوار إفهام محاوري بالخطأ، وإنَّما أبغي الاتصال به في سبيل حقيقة أسمى) -التحافي، سابق-.

الحوار يبدأ مع النفس، فالحوار النفسي طبيعة إنسانية، فلو افترضنا وجود طفل معزول عن البشر؛ فإنَّه سيواجه أسئلة داخل نفسه تُسْلِمه إلى حوار معها، وكلما تقدم به العمر ازدادت أسئلته وتفاعل الحوار في نفسه.

أضف إلى ذلك؛ الفضول الذي جُبِل عليه الإنسان والغموض الذي يلف الحياة، فكان لابد أنْ يتساءل مع نفسه، فهناك أجرام تدور في أفلاك السماء، وكائنات تهيم على وجه الأرض، وأخرى تسبح في الماء وتطير في الهواء، وأعاصير وفيضانات تداهمه بين الحين والآخر، ووحوش تهجم عليه؛ تنازعه البقاء. مِن هذا الحوار النفسي انبثقت أمهات الاختراعات لكي يُسخَّر له الطبيعة وما فيها، التي ما كان لزماننا أنْ يكون على ما هو عليه؛ لولا أنَّ أجدادنا دخلوا في حوار جاد.

ومِن قوقعة الحوار النفسي انطلق الإنسان إلى رحاب الحوار الاجتماعي، فبحواره مع أخيه؛ تتطارحا همومهما ورغباتهما وآمالهما، ولأنَّ الحياة قائمة على سنة الاختلاف؛ نتج عنه تنوع في الرؤى والممارسات. وبمقدار أهمية الموضوع والسلطة التي تهيمن عليه يُضفى على كثير مِن الآراء قدسية، وبمرور الأيام تتشكل المعتقدات، ثم تصبح أدياناً يحرم انتهاكها.

كان على الفلسفة أنْ تحلل هذه الحالة، وأنْ يُعمِل الفلاسفة عقولهم حول المعتقدات المتوارثة؛ سواء أكانت بصبغتها الدينية، أم بصيغتها الأسطورية، أم بلغتها الأدبية، وكانت الفلسفة ـ وهي تقوم بذلك ـ تستفيد مِن التجارب التي تكتسبها، ولتباين تجارب الناس واختلاف أفهامهم في حوادث الدهر، يحصل الحوار دائماً حولها، وبهذا نشأت العلوم في أحضان الفلسفة، وكانت الأديان مساءلة دائماً أمامها.

الحوار منظومة متكاملة.. تتمثل عناصرها في القضية المقصودة به، وفي جذورها، وتطورها التاريخي، وما يدور حولها. وفي البيئة الحاضنة لها، والسياق الاجتماعي الذي يحتويها. وفي فلسفة المجتمع الذي تعيش فيه الأطراف المتحاورة ومعتقداته. وفي تصورات كل طرف مِن أطراف الحوار، وطبيعته النفسية وخلفيته الثقافية. وفي العلاقة بين الأطراف المتحاورة وارتباطاتهم الجانبية، وفي المآلات التي ينتهي إليها الحوار.

إنَّ الحوار لا ينبغي أنْ يكون مبتوراً أو سطحياً، ولا مبتوتاً عن التغيرات العالمية والتحولات الاجتماعية، ولا يستثنى منه شريحة اجتماعية معينة؛ تحت أي مبرر. فالحوار.. هو لأجل المجتمع، وينبغي أنْ يشمل كل شرائحه، التي يمكن أنْ تدخل في الموضوع المطروح. والحوار.. كذلك؛ منظومة متشابكة ومعقدة، تحتاج إلى حكماء ومفكرين لتفكيكها وتعميم الاستفادة منها، وإلى حفر في عمق الوجود الإنساني، وتطوره الحضاري، وفهم لدين الإنسان الفطري وتدينه الاجتماعي، والفرق بينهما، وإلى لقاءات مستمرة، ليس بين المفكرين فحسب، وإنَّما بين صنّاع القرار؛ مِن السياسيين والاقتصاديين والنفسيين والاجتماعيين والدينيين. ولا يكتفي الحوار ليأتي بالثمرة المرجوة منه؛ بتداول الأفكار وتحرير المفاهيم والخروج بالرؤى والتوصيات، وإنَّما يحتاج أيضاً إلى بناء متكامل في الإنسان والسياسة والمجتمع والاقتصاد ومناهج التفكير وأدوات الرفاه.

فمثلاً؛ الحوار حول ظاهرة العنف.. يبدأ بالحديث عن فلسفة الحياة ذاتها، ثم عن استراتيجية المنطقة وما يراد منها ولها، وعن أدوات التحول السياسي والحضاري، وعن علاقة الدين بالدولة، وماهية التدين، وتقاطعه مع مفاهيم كبرى أصبحت مِن أسس الحياة اليومية كالحرية والمساواة والديمقراطية والليبرالية والعلمانية، ثم الحوار حول علاقة الشعوب بعضها ببعض، وحول مفهوم الهُوية والخصوصية.

والحوار حول التحولات في الهُوية.. يأخذ في الحسبان العديد مِن الجوانب؛ مثل: توزيع الثروات بين الشعوب، والحدود السياسية بين الدول، هل تبقى كما هي، تتحدد بها الثقافة والهُوية والسيادة، أو تتحول في ظل العولمة إلى حدود إدارية فقط، كل حكومة تدير قطاعها، ويحل مفهوم الإنسانية محل الهُوية الوطنية والقومية؟

ختاماً.. الحوار كل هذا وأكثر، إنَّه منظومة؛ تبدأ من الشأن اليومي، ولا تنتهي بالقرار السياسي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الحوار م ن حوار م ن ما کان

إقرأ أيضاً:

امين عام اتحاد الجامعات العربية في حوار خاص مع الفجر....حول مستقبل الجامعات العربية

في أجواء أكاديمية رفيعة تعكس قيمة التعاون الدولي في التعليم العالي، افتتح الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي، والدكتور عمرو عزت سلامة، الأمين العام لاتحاد الجامعات العربية، والدكتور السيد قنديل رئيس جامعة العاصمة، والدكتور إبراهيم صابر محافظ القاهرة، أعمال المنتدى الخامس لاتحاد رؤساء الجامعات الروسية والعربية، الذي تستضيفه جامعة العاصمة على مدار يومي 7–8 ديسمبر 2025 تحت شعار: “جسور حضارات المعرفة: التعليم، الابتكار، والمستقبل المستدام”. ويُعد المنتدى واحدًا من أهم الفعاليات التي تجمع القيادات الأكاديمية من الدول العربية وروسيا الاتحادية، إذ يهدف إلى تعزيز الشراكات العلمية، وتوسيع آفاق التعاون البحثي، وتبادل الخبرات في مجالات التعليم، التحول الرقمي، والذكاء الاصطناعي.

وشهد الافتتاح حضورًا رفيع المستوى ضم نخبة من رؤساء الجامعات العربية والروسية، بينهم الدكتور كونستانتين موغيليفيسكي نائب وزير العلوم والتعليم العالي الروسي، والدكتور سادوفنيتشي رئيس جامعة لومونوسوف عبر الفيديو كونفرانس، والسفير غيورغي بوريسينكو سفير روسيا بالقاهرة، إلى جانب وفود رسمية وأكاديمية واسعة.
وفي هذا السياق، أجرت «الفجر» حوارًا صحفيًا خاصًا مع الدكتور عمرو عزت سلامة، أحد أهم القيادات المؤثرة في منظومة التعليم العالي العربي، للحديث عن مبادرات الاتحاد، ورؤيته لمستقبل التعليم العالي، وتأثير الذكاء الاصطناعي، ومستقبل التصنيف العربي للجامعات.

 دكتور عمرو… في البداية نرحب بكم في هذا الحوار الهام، ونود معرفة كيف ترون انعقاد المنتدى الخامس لاتحاد الجامعات العربية والروسية في هذا التوقيت؟

 أشكركم… وسعيد للغاية بوجودي اليوم وسط هذه الكوكبة من القيادات الأكاديمية. هذا المنتدى يحمل أهمية كبيرة لأنه يقوم على بناء جسور حقيقية بين الحضارتين العربية والروسية، ليس فقط في التعليم بل في الابتكار والبحث العلمي وأدوار الجامعات في التنمية المستدامة. نحن أمام مرحلة تاريخية تتطلب تعاونًا أكاديميًا واسعًا، وهذا ما نعمل عليه منذ اليوم الأول.

 منذ توليكم منصب أمين عام اتحاد الجامعات العربية، يلاحظ نشاط غير مسبوق… ما أهم المبادرات التي أطلقتموها خلال هذه الفترة؟

 بالفعل… منذ توليت المسؤولية وضعت هدفًا واضحًا: أن يكون اتحاد الجامعات العربية واحدًا من أقوى منظمات العمل العربي المشترك. نحن في العالم العربي نمتلك إمكانات بشرية وأكاديمية هائلة، ولكنها تحتاج إلى تنظيم وتكامل وتبادل خبرات. لذلك أطلقنا عددًا كبيرًا من المبادرات التي أعتبرها حجر أساس في تطوير التعليم العالي العربي.

من أهم هذه المبادرات:

1- مشروع الإطار العربي الموحّد للمؤهلات

هذا المشروع من أكبر المشروعات التي نعمل عليها، وهو شبيه بأنظمة المؤهلات في أوروبا وآسيا وأمريكا. المنطقة العربية كانت الوحيدة التي لم يكن لديها إطار موحد، لذلك بدأنا العمل على هذا المشروع بهدف توحيد معايير المؤهلات الجامعية وتسهيل الاعتراف المتبادل بين الدول العربية.

2- مبادرة منطقة التعليم العالي العربية الموحدة

وهي مرتبطة بالمشروع الأول، وتهدف إلى خلق فضاء عربي موحد للحراك الأكاديمي، شبيه بمنطقة بولونيا في أوروبا. عندما يكون لدينا إطار مؤهلات عربي موحد، تصبح حركة الطلاب وأعضاء هيئة التدريس أسهل، وتصبح درجات الجامعات العربية معترفًا بها داخل المنطقة بشكل منظم.

3- التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي في الجامعات العربية

هنا أود أن أؤكد أننا في الاتحاد نؤمن بأن المستقبل يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالذكاء الاصطناعي. لذلك نظمنا مؤتمرات وورش عمل وويبنارات لرفع الوعي لدى الأساتذة والطلاب والإداريين حول كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في التعليم والإدارة الجامعية.

كما أنشأنا مركز الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي في جامعة عجلون بالمملكة الأردنية الهاشمية، وهو مركز إقليمي يعمل على تطوير أدوات تطبيقية لمساعدة الجامعات في الانتقال نحو الأنظمة الحديثة.

4- تعزيز العلاقات الدولية للجامعات العربية

لدينا اليوم تحالفات قوية مع اتحادات جامعات من مختلف دول العالم:

الاتحاد الروسيالاتحاد الصينيالاتحاد الهندياتحاد جامعات جنوب شرق آسيااتحادات الجامعات الأوروبيةالأفريقيةوالأمريكية بشقيها الشمالي واللاتيني

هدفنا هو فتح آفاق التعاون العلمي، وتبادل الطلاب، وتنفيذ مشروعات بحثية مشتركة.

واحدة من مبادراتكم المهمة هي "التصنيف العربي للجامعات". كيف نشأ هذا المشروع؟ وما رؤيتكم للمستقبل؟

 بالفعل… التصنيف العربي للجامعات مشروع كنت أحلم بتنفيذه منذ سنوات طويلة. اليوم أصبح لدينا تصنيف عربي حقيقي قائم على معايير موضوعية وعادلة بالكامل.

والأهم أنه:

تصنيف مجانياختياريلا يتدخل فيه البشر نهائيًا100% يعتمد على البيانات والمعايير العلمية

وهذه العناصر الأربعة تجعل التصنيف العربي مختلفًا عن معظم التصنيفات التجارية العالمية.

نحن نعمل حاليًا على دورته الثالثة، وسيتم الإعلان عن النتائج في 22 ديسمبر الحالي، ونطمح إلى أن يتحول مستقبلًا إلى تصنيف دولي عربي يشمل جامعات من مختلف دول العالم.

 ما أهم المعايير التي يعتمد عليها هذا التصنيف؟

 التصنيف يعتمد على أربعة معايير رئيسية:

1- التعليم والتعلم

ويتضمن جودة العملية التعليمية، البرامج، المعايير الأكاديمية، ونسبة الأساتذة للطلاب.

2- البحث العلمي

قياس مخرجات النشر الدولي، الاستشهادات، التعاون البحثي، وتأثير الأبحاث.

3- العلاقات الدولية وخدمة المجتمع

يشمل الانفتاح على العالم، الشراكات، والتواصل مع المجتمع المحلي والإقليمي.

4- الابتكار وريادة الأعمال (المعيار الفريد عربيًا)

وهذا المعيار أضفناه لأننا نؤمن بأن الابتكار هو القاطرة الحقيقية للتنمية الاقتصادية. والعالم بدأ اليوم في تقليد هذه الفكرة.

 ذكرتم مرارًا أهمية الذكاء الاصطناعي… كيف سيؤثر على التعليم العالي في رأيكم؟

 هذا سؤال محوري… والحقيقة أنه ليس من السهل الإجابة عليه بدقة، لأن العالم كله ما زال يبحث عن إجابات. لكن ما هو مؤكد أن الذكاء الاصطناعي سيغير جذريًا:

دور الجامعةدور عضو هيئة التدريسآليات الإدارة الجامعيةعمليات التقييمأساليب التعلمونظام الحوكمة بالكامل

فالطالب اليوم يستطيع الوصول للمعلومة أسرع من الأستاذ، وبالتالي لم يعد دور الأستاذ هو التلقين، بل الإرشاد والتحليل والتوجيه.

أما الجامعات فعليها أن تعيد بناء أنظمتها لتتناسب مع أدوات الذكاء الاصطناعي التي أصبحت جزءًا من الحوكمة والرقابة والتنظيم.

 هل هناك تعاون دولي في هذا المجال من خلال الاتحاد؟

 نعم… نحن ننظم سنويًا مؤتمرًا دوليًا بالتعاون مع اتحاد الجامعات الصينية بعنوان: “الذكاء الاصطناعي ومستقبل التعليم العالي”.
وهذا المؤتمر أصبح منصة عالمية مهمة لمناقشة التحولات الكبرى في التعليم ودور الذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل الجامعات.

كما نعمل مع الجامعات العربية على إدخال البرامج المرتبطة بالتكنولوجيا المتقدمة، وتحفيز الجامعات على التحول الرقمي الكامل.

 وما الرسالة التي توجهونها اليوم للجامعات العربية في ظل هذا التحول العالمي؟

 رسالتي واضحة: الجامعة التي لا تدخل عالم الذكاء الاصطناعي ستخرج من سباق التنافس الدولي خلال سنوات قليلة.
التحول الرقمي لم يعد رفاهية، بل ضرورة وجودية.
والابتكار وريادة الأعمال يجب أن يكونا محورًا رئيسيًا داخل الجامعات، لأنها الأداة التي ستدفع التنمية في الدول العربية.

اختُتم الحوار مع الدكتور عمرو عزت سلامة وقد حمل بين طياته رؤية شاملة لمستقبل التعليم العالي العربي، رؤيته التي تنطلق من الوعي بالتحديات الجديدة، والإيمان بقدرة الجامعات العربية على التحول إلى قوة معرفية مؤثرة عالميًا. ما طرحه من مبادرات—بدءًا من الإطار العربي الموحد للمؤهلات، مرورًا بمنطقة التعليم العالي العربية الموحدة، ووصولًا إلى مشروع التصنيف العربي للجامعات—يعكس جهودًا جادة لتأسيس منظومة تعليمية عربية حديثة تستند إلى الابتكار والتحول الرقمي والمعايير العلمية العادلة.

وفي ظل التحولات المتسارعة التي يفرضها الذكاء الاصطناعي، تبدو الجامعات العربية أمام لحظة تاريخية تتطلب إعادة التفكير في دورها، وتطوير أدواتها، وتوسيع شراكاتها الدولية، بما يتوافق مع رؤية الاتحاد في تحقيق تعليم عربي قادر على المنافسة عالميًا. وفي ضوء هذه الرؤية، يبقى اتحاد الجامعات العربية بقيادة د. سلامة منصة محورية تدعم المؤسسات الأكاديمية في عبور المستقبل بثقة واستعداد.

مقالات مشابهة

  • أمل مبدى: قادرون باختلاف غيّر الثقافة المجتمعية وحقق نقلة حقوقية حقيقية.. ويجب البناء عليه
  • قومي حقوق الإنسان: الكرامة الإنسانية هي الأساس الذي يُبنى عليه أي نظام ديمقراطي
  • المستشار محمود فوزي: حقوق الإنسان منظومة متكاملة تحتاج الشمول والاستدامة..ونعمل بمنهجية ثابتة لتحقيقها وفق توجيهات القيادة السياسية
  • شاهد بالفيديو.. أول من دخل عليه بعد وفاته.. صاحبة الشقة التي يسكن فيها المذيع الراحل محمد محمود حسكا تكشف تفاصيل جديدة: “وجدته كأنه نائم”
  • الاعتصام بالله .. معركة الوعي التي تحدد معسكرك، مع الله أم مع أعدائه
  • «قمة بريدج 2025».. حوار عالمي حول مستقبل الإعلام
  • امين عام اتحاد الجامعات العربية في حوار خاص مع الفجر....حول مستقبل الجامعات العربية
  • السوداني:حصر سلاح الفصائل الحشدوية يحتاج الى حوار سياسي !!
  • الرجوب يرد في حوار مع عربي21 على خطة واشنطن لغزة.. حل الدولتين أو لا سلام