في يناير، لم تخلص محكمة العدل الدولية إلى أن حملة إسرائيل في غزة تعتبر "إبادة جماعية" كما طالبت القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا، لكن الأزمة الإنسانية المتفاقمة في القطاع قد تدفع المحكمة إلى أن تفعل ذلك، وفق تحليل من مجلة "تايم" الأميركية.

وأكدت المحكمة آنذاك على مبدأ حق إسرائيل في الاشتباك العسكري، لأهداف مثل الدفاع عن النفس، وملاحقة المسلحين، وإنقاذ الرهائن.

ومع ذلك، خلصت المحكمة إلى أنه من "المعقول" أن تكون الجرائم المتعلقة بالإبادة الجماعية، قد وقعت، وهو استنتاج أثار غضب إسرائيل.

وفي ستة "إجراءات مؤقتة"، وجهت المحكمة إنذارا فعليا إلى إسرائيل. وحثت الإجراءات إسرائيل وقواتها بشكل أساسي على ضمان عدم حدوث إبادة جماعية أثناء الرد على هجوم 7 أكتوبر، و الاحتراس من التحريض على الإبادة الجماعية، والحفاظ على الأدلة وتقديم تقارير إلى المحكمة. كما حثت المحكمة إسرائيل على "معالجة ظروف الحياة التي يواجهها الفلسطينيون في قطاع غزة".

ويقول التحليل إن جوهر اتفاقية الإبادة الجماعية، وهي المعاهدة الدولية التي تمنح المحكمة الاختصاص، هو أن الإبادة الجماعية ليست مجرد "قتل جماعي" للمدنيين بل هي محاولة تدمير شعب.

ويتم ذلك عبر أربع وسائل، إلى جانب القتل، يمكن أن يحدث ذلك من خلال: "التسبب في ضرر جسدي أو عقلي خطير، وفرض ظروف الحياة التي تهدف إلى إحداث الدمار المادي للمجموعة، وفرض تدابير لمنع المواليد ونقل الأطفال قسرا من مجموعة إلى أخرى.

وفي الأسابيع التي تلت أمر محكمة العدل الدولية، انخفض عدد ضحايا المعارك، لكن مع ذلك، تعمقت الأزمة الإنسانية، وهو الجزء الذي أعربت مجموعة الأزمات الدولية عن قلقها الصريح بشأنه.

وتفيد تقارير الأمم المتحدة أنه اعتبارا من أواخر مارس، تم تهجير 75٪ من سكان غزة من منازلهم. ومن المرجح أن يؤدي احتمال شن هجوم على مدينة رفح جنوب غزة إلى تفاقم الوضع بشكل كبير.

ويتوقع تحليل أجراه التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو تحالف لرصد الأزمات بين مجموعات الإغاثة الدولية الرائدة في العالم، أنه بحلول منتصف الصيف وعلى افتراض تصعيد الصراع بما في ذلك هجوم بري في رفح، من المتوقع أن يواجه نصف سكان قطاع غزة (1.11 مليون شخص) ظروفا كارثية وأخطرها المجاعة.

وتقول المجلة إنه يجدر بنا أن نتساءل عما إذا كانت الأزمة الإنسانية تشكل إبادة جماعية، وما إذا كان يمكن اعتبار الموقف الإسرائيلي عملا أو سياسة من أعمال الإبادة الجماعية بحسب البند الثاني أي "فرض ظروف الحياة التي تهدف إلى إحداث الدمار المادي للمجموعة"، أي ما إذا كانت الظروف "فرضت عمدا" في عملية حسابية "لتحقيق تدمير" السكان الفلسطينيين في غزة، مع وجود نية لفعل ذلك.

وتخلص المجلة في تحليلها إلى أن القضية أقل تعقيدا، لأن النزوح القسري لجزء كبير من سكان غزة من شمال القطاع إلى الملاجئ ومدن الخيام في الجنوب، بالتزامن مع سياسة تقييد الإغاثة في غزة بأكملها، جعل المجاعة حتمية عمليا.

وأي تقييم معقول للعواقب المترتبة على هذه السياسات لابد أن يصل إلى خلاصة مفادها أن السكان سيواجهون نوع المخاطر التي يواجهونها الآن، تضيف المجلة.

والواقع أن التوقعات التي وضعتها شبكة نظم الإنذار المبكر بالمجاعة في أواخر العام الماضي أثارت هذه المخاوف على وجه التحديد.

وتدابير التخفيف من حدة المجاعة الخطيرة غير كافية على الإطلاق مثل الإنزال الجوي والأرصفة المؤقتة تظهر وعيا بالحاجة إلى الإغاثة على مستوى أكبر، وكون إسرائيل تستشهد بهذه التدابير، على الرغم من أن بلدانا أخرى اتخذتها، كدليل على حسن نيتها ونواياها النظيفة، ليس تبرئة لها، وفق التحليل.

ويرى التحليل أن المناقشات السياسية حول قضايا تشمل وضع السيادة، والضمانات الأمنية، والمساءلة عن الجرائم الدولية تشكل جزءا أساسيا من الحل متوسط الأجل لغزة، لكنها لا يمكن أن تبدأ إلا بعد معالجة الأزمة الإنسانية في غزة.

وتختم المجلة أن المسؤولية الأخلاقية تفرض العمل على تجنب كارثة إنسانية يمكن إيقافها، وليس فقط لأن هذه الأزمة الإنسانية يمكن أن تدفع المحكمة إلى وصف ما يقع بالإبادة الجماعية رغم أنها يمكن أن تفعل ذلك.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الإبادة الجماعیة الأزمة الإنسانیة یمکن أن فی غزة إلى أن

إقرأ أيضاً:

إلى أين يتجه تحقيق “الجنائية الدولية” الجديد بشأن دارفور؟

الخرطوم – فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا جديدا في انتهاكات واسعة وقعت بإقليم دارفور غربي السودان، صنفتها منظمات حقوقية بأنها ترقى إلى جرائم حرب وإبادة جماعية، ويتوقع صدور مذكرات توقيف بحق متهمين في تلك الجرائم.

وفي خطوة يمكن أن تقطع الطريق أمام قيادات تطمح في لعب دور سياسي خلال مرحلة ما بعد الحرب وتقيد تحركاتها الخارجية، حسب مراقبين.

وأطلق المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان حملة تدعو لتقديم أي معلومات تؤكد التقارير الواردة عن ارتكاب جرائم في إقليم دارفور ومدينة الفاشر (العاصمة الإدارية للإقليم) التي تشهد اشتباكات بين الجيش والقوة المشتركة للحركات المسلحة من جهة وقوات الدعم السريع من جهة أخرى.

وقال خان في كلمة مصوّرة نشرتها المحكمة على منصة إكس، يوم الثلاثاء، “اليوم أطلق دعوة طارئة لتقديم المعلومات والتعاون من قبل الشركاء أينما كانوا لمعالجة الأزمة المتفاقمة في دارفور بالسودان”.

وفي إطار متابعة الإجراء الأممي، دعا خان كل المعنيين إلى تزويد المحكمة بأي مادة مصورة فيديو أو صور، أو تسجيل صوتي تمكَّن المدنيون في قلب الحدث من الحصول عليه، فضلا عن تزويدها بوسيلة تواصل مع شهود عيان لدعم التحقيقات الدولية.

وكشف المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن الدلائل التي جمعتها محكمته حتى الآن تظهر تكرار ارتكاب فظائع وجرائم بحق المدنيين، وخاصة هجمات تستهدف مخيمات النازحين، بما فيها انتهاكات جنسية.

من جانبه، دعا حاكم إقليم دارفور مني مناوي المجتمع الدولي للتحرك السريع ومساعدة المحكمة الجنائية الدولية في جمع أدلة جديدة حول الجرائم التي تُرتكب في الإقليم.

وأكد مناوي على أهمية التحرك السريع وتقديم الدعم للمحكمة الجنائية الدولية لضمان تحقيق العدالة وتقديم المسؤولين عن الجرائم إلى المحاكمة.

ودخل ملف السودان إلى المحكمة الجنائية الدولية في مطلع أبريل/نيسان عام 2005 عندما تبنى مجلس الأمن الدولي قرارا فرنسيا يقضي بإحالة مرتكبي التجاوزات بإقليم دارفور إلى المحكمة.

وأصدرت المحكمة الجنائية مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني المعزول عمر البشير في 2009، ثم وزير الدفاع السابق عبد الرحيم حسين، ووزير الدولة بوزارة الداخلية الأسبق أحمد هارون.

كما شملت مذكرات التوقيف عبد الله بندة -أحد قادة الحركات المتمردة-، وعلي عبد الرحمن “كوشيب” الذي سلم نفسه للمحكمة في يونيو/حزيران 2021 بعد وصوله إلى أفريقيا الوسطى، وبدأت محاكمته لاحقا حيث يواجه 31 تهمة، من بينها ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في دارفور.

وبعد التغيير الذي شهده السودان والإطاحة بنظام البشير في أبريل/نيسان 2019، وجدت الحكومة الانتقالية نفسها أمام التزام بشأن التجاوب مع مقتضيات القانون الدولي والتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، وزارت الخرطوم المدعية للمحكمة السابقة فاتو بنسودا والمدعي الحالي كريم خان.

ووقعت المحكمة الجنائية في أغسطس/آب 2021 مذكرة تعاون مع حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك قبل شهرين من الإطاحة به من قبل الجيش.

وأقر اتفاق جوبا للسلام الموقع بين حكومة حمدوك والحركات المسلحة في أكتوبر/تشرين الأول 2020، مثول المطلوبين للمحكمة الجنائية، وصار الاتفاق جزءا من الوثيقة الدستورية التي تحكم البلاد.

ويوضح الخبير القانوني نبيل أديب أن التحقيق الجديد للمحكمة الجنائية الدولية في إقليم دارفور يستند إلى قرار مجلس الأمن في 2005 الذي أحال ملف انتهاكات الإقليم إلى المحكمة باعتبارها “مهدِّدا للأمن والسلم الدوليين”، ومع استمرار الانتهاكات يستمر التفويض وولاية المدعي العام للمحكمة.

ويقول أديب للجزيرة نت إن الحكومة السودانية ملزمة بتنفيذ قرارات المحكمة، بحكم عضويتها في المنظمة الدولية على الرغم من أن السودان لم يصادق على ميثاق روما المؤسس للمحكمة الدولية بعد توقيعه على الميثاق، لكن ذلك لا يعفيه لأن عدم المصادقة تقصير من الحكومة.

وحسب الخبير القانوني، فإن اتفاق جوبا للسلام الذي بات جزءا من الدستور المؤقت للبلاد نص على مثول المطلوبين للمحكمة الدولية، وهم البشير وحسين وهارون.

ويعتقد الخبير القانوني أن المثول للمحكمة لا يعني نقل المطلوبين إلى مقر المحكمة في لاهاي فقط، لأن ميثاق روما يتيح للمحكمة تشكيل محاكم مختلطة من قضاة دوليين ووطنيين في الدولة التي يوجد فيها المتهمون أو خارجها، أو التفاوض على شكل معين لمحاكمة المطلوبين بمقتضى قانون المحكمة.

ومنذ اندلاع الحرب الحالية في أبريل/نيسان 2023، اتهمت منظمات دولية قوات الدعم السريع، بارتكاب انتهاكات في إقليم دارفور، وفرضت الإدارة الأميركية في سبتمبر/أيلول الماضي عقوبات على كل من عبد الرحيم حمدان دقلو نائب قائد قوات الدعم السريع، وقائد القوات في ولاية غرب دارفور عبد الرحمن جمعة.

وجاءت العقوبات ردا على أعمال العنف التي شهدتها ولاية غرب دارفور بمقتل حاكم الولاية خميس أبكر والتمثيل بجثته، ثم كشفت تقارير الأمم المتحدة أن 15 ألف شخص من قبيلة المساليت قتلوا على أساس عرقي.

ووجهت المنظمة الدولية اتهامات لقوات الدعم السريع ومليشيات موالية لها بارتكاب تلك الجرائم، غير أن القوات تنكر بشدة، وتقول إن أي جندي تخلُص إلى تورطه فيها سيقدم للعدالة وأبدت استعدادها للتعاون مع أي تحقيق مستقل.

بدوره، يعتقد الباحث الحقوقي إبراهيم حامد أن هناك انتهاكات من أطراف الحرب في دارفور، وتنحصر الاتهامات الموجهة للجيش في استخدام الطيران المقاتل ووقوع ضحايا مدنيين عن طريق الخطأ أو وجودهم في مواقع تنتشر فيها “الدعم السريع” التي تتهمها جماعات محلية ومنظمات دولية بجرائم موثقة في غرب دارفور، وفي الفاشر حاليا عبر استهداف مخيمات النازحين وحرق قرى في غرب المدينة ونهب وتخريب المستشفى الجنوبي.

ووفقا لحديث الباحث للجزيرة نت، فإن مدعي المحكمة الجنائية زار مخيمات اللاجئين السودانيين في تشاد وغالبيتهم من ولاية غرب دارفور، والتقى ضحايا وشهودا مما مكنه من الحصول على أدلة مبدئية تسمح له بتقديمها إلى غرفة القضاة الأولية واستصدار مذكرات توقيف بحق المتهمين.

ويعتقد المتحدث ذاته أن عدم جلب المطلوبين للمحكمة، من قيادات النظام السابق قد يضعف من تحقيقات مدعي الجنائية الدولية، لكن صدور مذكرات جديدة ستكون لها آثار سياسية أكبر من القانونية حيث ستقيد حركة وسفر المتهمين وتحرج حلفاءهم وتدمر صورتهم وتقطع الطريق أمام طموحاتهم السياسية.

المصدر : الجزيرة نت

مقالات مشابهة

  • الهيئة الدولية لدعم فلسطين: معاناة بقطاع غزة بسبب انتشار المجاعة
  • باحثة: 93 دولة تتحرك لدعم المحكمة الجنائية في مواجهة إسرائيل
  • 93 دولة تدعم المحكمة الجنائية الدولية في مواجهة إسرائيل
  • في ظل الحرب والحصار.. شبح المجاعة يحوم على رؤوس الغزيين
  • رئيس البرازيل: ادعاء "إسرائيل" استخدامها حق الدفاع انتقام
  • إلى أين يتجه تحقيق “الجنائية الدولية” الجديد بشأن دارفور؟
  • سياسي: إسرائيل تتبع سياسة الأرض المحروقة بفلسطين ولا تخشى محكمة العدل (فيديو)
  • محكمة العدل الأوروبية تغرم المجر مليون يورو يوميًا حتى تمتثل لقوانين الاتحاد الأوروبي الخاصة باللاجئين
  • "العدل الأوروبية" تغرّم المجر بسبب سياسات اللجوء
  • إلى أين يتجه تحقيق الجنائية الدولية الجديد بشأن دارفور؟