الدكتور أيمن عيد الحجار يكتب: قصة حديث
تاريخ النشر: 28th, March 2024 GMT
أخرج الترمذى فى جامعه من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِىِّ بْنِ حَمْرَاءَ، رضى الله عنه، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاقِفاً عَلَى الْحَزْوَرَةِ (سوق فى مكة)، فَقَالَ: «وَاللَّهِ، إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّى أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ»، قال الترمذى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
قصة هذا الحديث أن النبى، عليه الصلاة والسلام، حينما أراد أن يهاجر ووقف على مشارف مكة، فاضت مشاعره نحو وطنه، فقال هذه الكلمات الخالدة، فالحديث يبين أن الوطن له قيمة عظيمة، لا يدركها إلا الإنسان الذى سلمت فطرته، فقد قالوا: فطرة الإنسان معجونة بحب الوطن؛ فالوطن هو الذى شهد ملاعب الصبا، وترعرع المرءُ بين أحضانه، وتنسَّم هواءه، فالوطنُ يُمثِّلُ اللحظةَ الأولى التى صافحَتْ فيها نسمات الهواءِ، وأشعَّة الشمسِ وجهَ المرءِ لحظةَ الوجود والميلاد، وهو الذى يَشهدُ فى غالبِ الأحيان لحظةَ المماتِ، وما بين الميلادِ والمماتِ فهناكَ تجربةُ الحياةِ التى لا يُمكن أن يُنسى معها الوطنُ الجامعُ للَّحظتين كما يقول العلماء، وتظهر بجلاء ووضوح قيمة الأوطان وضرورة المحافظة عليها من خلال تلك القيم التى وردَتْ فى الأحاديث النبوية، فمن ذلك أن السُّنَّة النبوية جاءت لتبين أن الأوطان محبوبة دائماً عند أصحاب الوفاء والنُّبْل والخُلُق؛ فالحديث يُبيِّن فضل مكة، وأنها خيرُ البلاد، وأيضاً يبين الحديث مدى التعلق القلبى لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، بوطنه الذى لا يبغى به مكاناً بديلاً، ولا موطناً آخر، ولولا أن قريشاً أخرجته منه بصدودها ما كان يفكُّر قطُّ فى الخروج منه إجلالاً وإعزازاً للوطن. ولمَّا نزل الوحى على النبى، صلى الله عليه وسلم، ارتجف فؤاده، ورجع إلى خديجة رضى الله عنها، وذهبت به صلى الله عليه وسلم إلى ورقة بن نوفل -كما فى الصحيح- فأخبره أنه الوحىُ، ثم قال له: «لَيْتَنِى أَكُونُ حَياً إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ»، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَمُخْرِجِىَّ هُمْ؟»، قَالَ: «نَعَمْ».
قال السُّهيلى: يُؤْخَذُ مِنْهُ شِدَّةُ مُفَارَقَةِ الْوَطَنِ عَلَى النَّفْسِ؛ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ قَوْلَ وَرَقَةَ أَنَّهُمْ يُؤْذُونَهُ وَيُكَذِّبُونَهُ، فَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ انْزِعَاجٌ لِذَلِكَ، فَلَمَّا ذَكَرَ لَهُ الْإِخْرَاجَ تَحَرَّكَتْ نَفْسُهُ وِذَلِكَ لِحُبِّ الوطن وإِلْفه فَقَالَ أَومخرجى هُمْ؟.
ويبين الإمام الذهبى تعلق النبى، صلى الله عليه وسلم، بالوطن ومحبَّته له، فقال: «وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يحِبُّ عَائِشَة، وَيحبُّ أَباهَا، وَيحبُّ أُسَامَة، وَيحبُّ سِبْطَيْه، وَيحبّ الحَلْوَاء وَالعَسَل، وَيحبّ جَبَل أُحُد، وَيحبُّ وَطَنه، وَيحبُّ الأَنْصَار، إِلَى أَشيَاء لاَ تحصَى مِمَّا لاَ يغنِى المُؤْمِن عَنْهَا قَطُّ». ومما يؤكد هذا المعنى ما أخرجه البخارى فى صحيحه، من حديث أنس، رضى الله عنه، قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، فَأَبْصَرَ دَرَجَاتِ المَدِينَةِ، أَوْضَعَ نَاقَتَهُ، وَإِنْ كَانَتْ دَابَّةً حَرَّكَهَا»، قال ابن بَطَّال: «وقد جبل الله النفوس على حب الأوطان والحنين إليها، وفعل ذلك عليه السلام، وفيه أكرم الأسوة، وأمر أمته بسرعة الرجوع إلى أهلهم عند انقضاء أسفارهم».
وقد كتب الجاحظ كتابه «الحنين إلى الأوطان»، وذكر فيه من النقولاتِ العزيزةِ من نثرٍ وشعرٍ ما يجعلُ القارئ يرتفع عندهُ الشعورُ بحبِّ الوطن ومعرفةِ قيمته، ومن تلك الأقوال: لا يُعرف وفاءُ الرجل إلا بحنينه إلى وطنه، ومنها عُسرك فى دارك، أعزُّ لك من يسرك فى غربتك، وأنشد قول الشاعر الحكيم: لقُرب الدار فى الإقتار خيرٌ... من العيش الموسَّع فى اغترابِ، فقيمة الوطن كبيرة، وينبغى أن يسعى الإنسان للحفاظ على وطنه، وذلك ببنائه بالعمل الجاد، وتمنى الخير له، وعدم سماع الشائعات، والعمل على استقراره.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: حب الوطن الهجرة النبوية الشريفة صلى الله علیه وسلم ى الله ع
إقرأ أيضاً:
كلمتان تَمَسَّك بهما في العشر من ذي الحجة لتتعرض لنفحات الله
قال الدكتور أيمن أبو عمر، وكيل وزارة الأوقاف: إن سيدنا لقمان اختصه المولى عز وجل بالحكمة، ومن إكرامه له سمى سورة فى القرآن باسمه وهذه الحكمة عطية الله تعالى لمن يشاء، يقول الله عز وجل {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} .
وأضاف فى فيديو له منشور عبر منصة الفيديوهات “يوتيوب”، إن من وصايا لقمان لابنه أن قال له (يا بني عود لسانك على اللهم اغفر لي)، فإن لله ساعات لا يرد فيها الدعاء لعل تصادفك ساعة من هذه الساعات يغفر الله لك ولا تشقى بعدها أبدا.
دعاء العشر من ذي الحجة يقضي حاجتك((اللهم يا مقيل العثرات يا قاضي الحاجات اقضِ حاجاتي وفرّج كربتي وارحمني ولا تبتليني وارزقني واكرمني من حيث لا أحتسب)).
حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المداومة والحرص على الدعاء في هذه الأيام الطيبة التي نعيشها الآن –العشر الأوائل من شهر ذي الحجة- بإثنين وثلاثين كلمة، وهي: «لاَ إله إلاَّ اللَّه وحدَهُ لا شرِيكَ لهُ، اللَّه أَكْبَرُ كَبِيرًا، والحمْدُ للَّهِ كَثيرًا، وسُبْحانَ اللَّه ربِّ العالمِينَ، وَلاَ حوْل وَلا قُوَّةَ إلاَّ باللَّهِ العَزيز الحكيمِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وارْحمني، واهْدِني، وارْزُقْني».
فضل العشر من ذي الحجةأكدت دار الإفتاء المصرية، أنه بعد أيام قليلة تحل علينا العام أفضل أيام الدنيا، وهي أيام العشر الأوائل من ذي الحجة التي ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم بقوله جل وعلا: «وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ».
وأضافت الدار في فيديو موشن جرافيك، أنتجته وحدة الرسوم المتحركة بالدار، أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أرشدنا إلى أن العمل الصالح في هذه الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة أحب إلى الله من غيرها؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام» يعني العشر الأوائل من ذي الحجة. قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء».
وقالت الدار في فيديو الرسوم المتحركة إن نفحات الدَّهر لا تنتهي، وعطايا الرحمن ليس لها حد، وشعائر الإسلام تمدنا بما يقربنا إلى ربنا جَلَّ وعلا قال تعالى: «كُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا» (سورة الإسراء: 20).
أعمال العشر من ذي الحجةقالت دار الإفتاء المصرية، إن فضل العشر الأول من ذي الحجة عظيم، حثنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على اغتنامها، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قَالَ: «مَا الْعَمَلُ فِي أيَّامٍ أفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ» قَالُوا: "وَلاَ الْجِهَادُ؟" قَالَ: «وَلا الْجِهَادُ، إلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ» [رواه البخاري].
وأوضحت «الإفتاء» في فتوى سابقة لها، أن هناك تسعة أعمال مستحبة في العشر من ذي الحجة لكي نفوز بفضلها، وهي أولًا: كثرة الذكر، حيث يستحب الإكثار من الذكر في العشر من ذي الحجة، مُستشهدة بما قال الله تعالى: «وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ» الآية 28 من سورة الحج، وثانيها: التهليل والتكبير والتحميد، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ» رواه الإمام أحمد.
وأضافت أن ثالثها الصوم، ويُسن صوم أول تسعة أيام من ذي الحجة، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر أول اثنين من الشهر والخميس، فيما رواه أبو داود، ورابعًا أنه يُستحب لمن أراد أن يُضحي ألا يأخذ شيئًا من شعره أو أظفاره، وخامسًا صيام يوم عرفة، حيث قال رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» رواه مسلم.
وتابعت: سادسًا الدعاء يوم عرفة، مُستندة لما قال النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أفضل الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وأفضل مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ» موطأ مالك، وسابعًا لبس الثياب الحسن يوم العيد، فقد ورد في مستدرك الحاكم، عن الحسن بن علي -رضي الله تعالى عنهما- قال: «أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العيدين أن نلبس أجود ما نجد، وأن نتطيب بأجود ما نجد وأن نُضحي بأثمن ما نجد».
وواصلت: ثامنًا ذبح الأضحية، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما عملَ آدميٌّ من عملٍ يومَ النَّحرِ أحبُّ إلى اللهِ من إهراقِ الدَّمِ، إنَّهُ ليأتي يومَ القيامةِ بقُرونها وأشعَارِها وأظلافِها -أي: فتوضع في ميزانه- وإنَّ الدَّمَ ليقعُ من اللهِ بمكانٍ قبلَ أن يقعَ من الأرضِ فطيبُوا بها نفسًا» رواه الترمذي، تاسعًا: الحفاظ على نظافة الأماكن العامة والطرق.