لجريدة عمان:
2025-05-18@22:24:55 GMT

الحل واحد.. وطالب الأرض اثنان

تاريخ النشر: 7th, April 2024 GMT

أعاد طوفان الأقصى الحديث عن «حلِّ الدولتين» إلى الواجهة من جديد، بعد عقود من اعتقاد البعض أنه يمكن للفلسطينيين والإسرائيليين أن يعيشوا جنبًا إلى جنب في دولتين منفصلتين، ممّا يعني تنازل الفلسطينيين عن حقوقهم في أجزاء كبيرة من أرض فلسطين التاريخية لصالح الكيان الصهيوني.

فكرة حلّ الدولتين ليست جديدة، وإنما تعود إلى عام 1947، عندما وافقت الأممُ المتحدة على خطة لتقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية ويهودية، مع فرض حكم دولي على القدس، إلا أنّ الدول العربية رفضت وقتها هذا القرار، لكن المتغيرات في الوطن العربي، خاصة بعد زيارة الرئيس السادات للقدس، فرضت واقعًا جديدًا على الأرض، أدت بالعرب أن يقبلوا ما كانوا قد رفضوه من قبل؛ فعلَت أصواتٌ تنادي بانسحاب إسرائيل من المناطق التي احتلتها عام 1967، كخطوة أولى لحلّ الدولتين، قبل أن يوافق العرب عام 2002، على «المبادرة العربية للسلام»، التي نصّت على مبدأ حلّ الدولتين، واقترحت إقامة دولة فلسطينية مقابل تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل.

ولم تأت تلك المبادرة إلا بعد أن أصدر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عام 1988، إعلانَ الاستقلال، الذي تحدث لأول مرة عن «دولتين لشعبين»، مُعترِفًا بذلك بدولة إسرائيل وسيادتها، وهو الذي أدّى به إلى توقيع اتفاقيات أوسلو في الثالث عشر من سبتمبر 1993، التي بموجبها وافق فيها الفلسطينيون على حقّ إسرائيل في الوجود، إذ فوجئ العالم بالإعلان عن تلك الاتفاقيات في واشنطن، عندما صافح الرئيسُ عرفات، رئيسَ الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين في حديقة البيت الأبيض، برعاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، ومنحت اتفاقيات أوسلو حكمًا ذاتيًّا محدودًا للفلسطينيين تحت مسمى «السلطة الفلسطينية» ومقرّها رام الله، مع هدف نهائي يتمثّل في إنشاء دولة فلسطينية يعيش شعبُها بحرية وسلام إلى جانب إسرائيل، وهو الذي لم يحدث حتى هذه اللحظة؛ بل إنّ الذي حصل أنّ تلك الاتفاقيات كبّلت الفلسطينيين، وضيّقت عليهم الخناق، وقضت تمامًا على منظمة التحرير الفلسطينية، التي تأسست عام 1964، وكان هدفها الأساسي استعادة كلّ فلسطين، كما أنّ اتفاقيات أوسلو فرضت واقعًا جديدًا على الأرض، كان من أبرز نتائجه ظهور حركتي حماس والجهاد الإسلامي، اللتين تمسكتا بالكفاح المسلح ضد الكيان الإسرائيلي، فنتج عن ذلك المزيد من الانقسامات الفلسطينية - الفلسطينية، لدرجة أن يصل الأمر «بالبعض» أن يساند الكيان في حربه ضد غزة، وكأنّ الحرب ليست ضد فلسطين والفلسطينيين.

جاءت الحرب في غزة لتؤكد على أنّ حلّ الدولتين ليس إلا وهمًا، فقد كرّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفضه لأيِّ سيادة فلسطينية، حتى مع إصرار حليف إسرائيل القوي الرئيس الأميركي جو بايدن والاتحاد الأوروبي، على التأكيد على أنّ حلّ الدولتين هو الحل الوحيد الممكن للصراع التاريخي. وما يشغل نتنياهو ليس إقامة دولة فلسطينية، فهو مهتم بتطبيع علاقات الكيان مع الدول العربية، وهذا ما أعلنه من على منبر الأمم المتحدة، بقوله «إن فكرة حلّ الدولتين باتت من الماضي، وإنّ المستقبل تطبيع علاقات إسرائيل مع الدول العربية».

يتحدث نتنياهو بصوت عال ضد قيام الدولة الفلسطينية، ولم يرفع صوته إلا لأنه وجد تجاوبًا من بعض الدول العربية مع توجهاته تلك، في فترة رأينا فيها كيف تراجعت مكانة السلطة الفلسطينية، التي انبثقت عن اتفاقيات أوسلو؛ فباتت لا تمارس إلا سيطرة محدودة على بعض أقسام الضفة الغربية المحتلة، فيما توسَّع البناء الاستيطاني في الضفة الغربية، إذ ينفذ الجيش الإسرائيلي بانتظام مداهمات دامية للفلسطينيين، وهذا يكفي مؤشرًا لشكل الدولة الفلسطينية المقبلة، في حال قيامها جنبًا إلى جنب مع الكيان الصهيوني، إذ ستكون دولة منزوعة السيادة، ولا تملك لنفسها نفعًا ولا شيئًا، لكنها قد تملك لنفسها ضرًا؛ فإسرائيل تصر على أنه في حال قيام الدولة الفلسطينية، يتعين أن تكون منزوعة السلاح حتى لا تهدد أمنها، لكن إقامة دولة بلا سلاح ولا سيادة ليست المشكلة الوحيدة، فهناك نقاط خلاف شديدة بين الطرفين، منها مسألة المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، إذ يعتبر الفلسطينيون المستوطنات اليهودية المقامة على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967 غير قانونية (وهي كذلك)، فيما ترفض إسرائيل ذلك، وتستشهد بعمق روابطها التاريخية والتوراتية بهذه الأراضي، لكن المشكلة الأكبر تتعلق بالقدس، حيث يتمسك الفلسطينيون بأن تكون القدس الشرقية، التي تضم مواقع ذات مكانة دينية خاصة لدى كلٍّ من المسلمين واليهود والمسيحيين، عاصمة لدولتهم، فيما يصر الكيان على أنّ القدس يجب أن تظل عاصمتها «الأبدية غير القابلة للتقسيم».

أمام نقاط الخلاف هذه، تقف حركة حماس ضد جميع الخطوات الساعية إلى تفتيت الأراضي الفلسطينية التاريخية -حسب تعبير الحركة في أحد بياناتها الرسمية- حيث ترفض أيَّ محاولة للاعتراف بدولة إسرائيل، ورغم إعلان حركة حماس سنة 2017، قبولها إعلان قيام دولة فلسطين عاصمتها القدس الشريف على حدود 1967، فإنها رفضت الاعتراف بالكيان الإسرائيلي، وأكدت أنها تسعى إلى تحرير جميع أراضي فلسطين التاريخية.

إذا كان طوفان الأقصى قد أعاد حلّ الدولتين إلى الواجهة، فإنّ هناك من يرى أنّ ذلك الحلّ هو الأنسب والأفضل في الوضع الراهن؛ لكن الواقع يرفض التسليم بذلك، فإذا كان العرب قد وافقوا على ذلك -تطبيقًا للمبادرة العربية- فهذا يعني أنهم وافقوا على الحلّ وهم في حالة ضعف، وسط هرولة عربية للتطبيع مع الكيان، واهمين أنّ تصفية القضية الفلسطينية ستجعل الدول العربية تعيش في رخاء، وكأنّ القضية هي التي عرقلت ذلك الرخاء، وهو ما ردده من قبل الرئيس السادات، عندما وعد الشعب المصري بالرخاء الذي لم يروه أبدًا، إذ كان الاعتقاد السائد بأنّ (السلام) سوف يؤدي إلى حلِّ جميع مشاكل مصر الاقتصادية.

في اعتقادي أنّ حلَّ الدولتين محكومٌ عليه بالفشل مسبقًا؛ فهو ضمن مخططات تصفية القضية الفلسطينية بأوهام دولة لا تملك السيادة ولا القوة، وموقفُ حركة حماس من ذلك الحل هو الأصوب والأنسب، وقديمًا لخّص ديفيد بن جوريون الأزمة كلها في جملة واحدة: «ليس هناك حل؛ الأرض واحدة.. وطالب الأرض اثنان».

زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلّف كتاب «الطريق إلى القدس»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: اتفاقیات أوسلو الدول العربیة دولة فلسطین على أن

إقرأ أيضاً:

قادة 7 دول أوروبية: لن نصمت أمام الكارثة التي تجري في غزة

طالب قادة 7 دول أوروبية، الاحتلال بوقف عداونه على قطاع غزة، مشددين على رفضهم الصمت أمام كارثة إنسانية، ورفع الحصار عن القطاع.

جاء ذلك في بيان مشترك لقادة إسبانيا والنرويج وآيسلندا وأيرلندا ولوكسمبورغ ومالطا وسلوفينيا، أعلنوا خلاله رفضهم لأي خطط للتهجير القسري من القطاع أو إحداث تغيير ديمغرافي.

وقال القادة في البيان: "لن نصمت أمام الكارثة الإنسانية المصنوعة بأيدي البشر، والتي تجري أمام أعيننا في غزة".

ولفتوا إلى أن "أكثر من 50 ألف رجل وامرأة وطفل فقدوا حياتهم في غزة".

وحذر القادة الأوروبيون من أن "كثيرين آخرين قد يتعرضون للموت جوعا خلال الأيام والأسابيع القادمة ما لم تتخذ إجراءات فورية".

وفي هذا الصدد، دعوا حكومة الاحتلال، إلى التراجع الفوري عن سياساتها الحالية، والامتناع عن تنفيذ عمليات عسكرية إضافية في غزة.

كما دعوها إلى "رفع الحصار بالكامل عن غزة، بما يضمن إيصال المساعدات الإنسانية بشكل آمن وسريع ودون عوائق إلى جميع أنحاء القطاع، من قبل الجهات الإنسانية الدولية ووفقا للمبادئ الإنسانية".

وشددوا على "ضرورة دعم الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، بما في ذلك وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وضمان وصولها الآمن وغير المقيد" إلى المحتاجين في غزة.



كما دعا القادة "جميع الأطراف إلى الانخراط الفوري، وبحسن نية، في مفاوضات تهدف إلى وقف إطلاق النار وإطلاق سراح جميع الأسرى، مع الإقرار بالدور الهام الذي تلعبه الولايات المتحدة ومصر وقطر في هذا الشأن".

من جانبه أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعة أنه يشعر بأن الأزمة الإنسانية في قطاع غزة غير مقبولة، وأضاف أنه يأمل مناقشة الأمر قريبا مع رئيس حكومة الاحتلال، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وقال خلال حضوره اجتماعا للزعماء الأوروبيين في ألبانيا "الوضع الإنساني في غزة لا يحتمل".

وأضاف ماكرون "نبلغ مستوى لم نشهده من قبل، من حيث الأثر الإنساني، منذ بداية هذا الوضع"، وتابع: "الأولوية هي للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في القتال بين إسرائيل وحركة حماس واستئناف دخول المساعدات الإنسانية".

وقال "ستتاح لي فرصة التحدث في هذا الشأن مع رئيس الوزراء نتنياهو، وأثرت هذه المسألة أيضا مع الرئيس ترامب".

وكان رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، الأربعاء، وصف دولة الاحتلال، بأنها "دولة إبادة جماعية".

جاء ذلك خلال جلسة مساءلة في البرلمان بالعاصمة مدريد، ردا على انتقادات وجهها النائب الكتالوني غابرييل روفيان، الذي اتهم الزعيم الاشتراكي بالإبقاء على العلاقات التجارية مع الاحتلال رغم حرب الإبادة المتواصلة في غزة.

وقال سانشيز مؤكدا: "أريد أن أوضح أمرا هنا، سيد روفيان. نحن لا نتعامل تجاريا مع دولة ترتكب إبادة جماعية، لا نفعل ذلك".

وأضاف: "أعتقد أنني أوضحت قبل أيام، من على هذا المنبر، ما كنا نتحدث عنه تحديدا عندما تم طرح بعض الأمور التي لا تتوافق مع الحقيقة".

وبحسب تقارير إعلامية إسبانية، فهذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها سانشيز علنا مصطلح "دولة إبادة جماعية"، وهو تعبير يستخدمه باستمرار شريكه في الائتلاف الحاكم، حزب "سومار" اليساري.

مقالات مشابهة

  • ما سر الحشرة الزومبي التي تخرج بالملايين في أميركا كل 17 سنة؟
  • نهى بكر: كلمة الرئيس السيسي بشأن غياب الحل العادل للقضية الفلسطينية يشكل تهديدًا للمنطقة
  • الرئيس عباس أمام القمة العربية التنموية: نؤكد أهمية دعم موازنة فلسطين
  • «لا سلام مع إسرائيل بدون الدولة الفلسطينية».. رسائل الرئيس السيسي في القمة العربية ببغداد
  • وزير الخارجية يبحث مع نائب رئيس دولة فلسطين تطوُّرات القضية الفلسطينية
  • تجربة تايغا.. لم حاول السوفيات تفجير 250 قنبلة نووية بمكان واحد؟
  • الرئيس السيسي: قيام دولة فلسطين الحل الوحيد للخروج من دوامة العنف في الشرق الأوسط
  • قادة 7 دول أوروبية: لن نصمت أمام الكارثة التي تجري في غزة
  • فلسطين: القمة العربية سترفض مشروع التهجير .. وتناقش دعم أونروا وحل الدولتين
  • اليمنيون يباركون العمليات بعمق الكيان ويدعون الشعوب العربية للتحرك(صور)