الاهتمام العالمي بالحوكمة (1- 2)
تاريخ النشر: 14th, April 2024 GMT
د. علي بن حمدان البلوشي
ساهمت المؤسسات الدولية في العقد الأخير من القرن العشرين في صياغة مفهوم الحوكمة كمفهوم معاصر لتسهيل أمور المجتمعات وضمان حياة كريمة لهم على المستويات الاقتصادية، السياسية والاجتماعية في ظل غياب الأسس الشرعية لنظم الدول النامية حيث أدركت حكومات هذه الدول أن الخروج من الأزمات الشرعية هو تطبيق مبادئ الحوكمة وتمكنت الحكومات من خلال توعية وإقناع مجتمعاتها بأن إصلاحات الحوكمة تؤدي إلى إصلاح النظام السياسي وإتاحة مساحة من الحرية للتعبير عن الرأي والمشاركة في إحداث التغيير.
وقد نما الاهتمام بمفهوم الحوكمة في الدول المتقدمة أولاً وكذلك في الدول النامية التي شهدت تطورات اقتصادية. واهتمت المؤسسات والمنظمات الإقليمية والدولية بموضوع الحوكمة منذ العقود القريبة خاصة بعد الأزمات الاقتصادية والمالية العالمية. جاء القصور في آليات الشفافية والحوكمة في بعض من المؤسسات المالية العالمية في مقدمة أسباب انهيار هذه المؤسسات إضافة إلى ضعف الرقابة والإشراف وقلة الخبرات المحاسبية المتخصصة. وعليه، اهتمت المؤسسات الدولية بمفهوم الحوكمة لتكون ركيزة أولية لمعالجة التحديات الاقتصادية والمالية وقد ظهر ذلك في الكثير من المنظمات والهيئات المحلية والدولية للتأكيد على فوائد مفهوم الحوكمة وتطبيقه في مختلف الدوائر الاقتصادية ومنها: لجنة كادبوري Committee Cadbury والتي تم تأسيسها لوضع إطار لحوكمة المؤسسات باسم Practice Cadbury Best عام 1992 في المملكة المتحدة، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) والتي قامت أيضًا بوضع مبادئ حوكمة الشركات Principles Governance Corporate of عام 1999 وصندوق المعاشات العامة(Calpers ( في الولايات المتحدة الأمريكية، كذلك لجنة Committee Ribbon Blue في الولايات المتحدة الأمريكية والتي أصدرت مقترحاتها.
وتتضح أهمية الاهتمام العالمي بموضوع الحوكمة الذي اختلف العلماء والمفكرون حول الوصول إلى تعريف موحد لمصطلح الحوكمة، فقد عرفت مؤسسة التمويل الدولية IFC ( الحوكمة بأنها: "النظام الذي يتم من خلاله إدارة الشركات أو المؤسسات والتحكم في أعمالها". كما عرفت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية(OECD ) وفقًا للكاتبة سليمة، )1915) بأنها: "مجموعة من العلاقات التي تربط بين القائمين على إدارة الشركة ومجلس الإدارة وحملة الأسهم وغيرهم من أصحاب المصالح" وعرف أسام سعيد محمد (2011) الحوكمة بأنها الإدارة الحكيمة التي تؤكد على المشاركة والشفافية والمحاسبية والكفاءة وتحقيق العدالة وتطبيق القانون تمارسها الدوله من خلال القطاع العام ويشارك معها وميارس القطاع الخاص والمجتمع المدني لتحقيق التنمية المستدامة. فيما أكد تقرير التنمية الإنسانية العربية (2011) للحوكمة على الجانب التنموي الذي يساهم على رفاهة الانسان ويتيح له الفرص للمشاركة في الانشطة الاقتصادية والاجتامعية والسياسية.
وإجمالًا فإن فإن الحوكمة تعني وجود نظم وقوانين تحكم العلاقات بين الأطراف الأساسية في الشركة أو المؤسسة من أجل تحقيق الشفافية والعدالة، ومكافحة الفساد.
ومن الأسباب التي أدت إلى أهمية الحاجة إلى الحوكمة الأزمات الاقتصادية والمالية التي شهدتها بعض من دول شرقي آسيا وأمريكا اللاتينية وروسيا في عقد التسعينيات من القرن العشرين، وكذلك ما شهده الاقتصاد العالمي في الآونة الأخيرة من أزمة مالية عالمية، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. وكانت أولى هذه الأزمات تلك التي عصفت بدول جنوب شرقي آسيا ومنها ماليزيا وكوريا واليابان عام 1997، فقد نجم عن هذه الأزمة تعرض العديد من الشركات العملاقة لضائقات مالية مما لزم إلى وضع نظم وقواعد للحوكمة لضبط عمل جميع أصحاب العلاقة مع المؤسسة أو الشركة، وتزايدت أهمية الحوكمة نتيجة لاتجاه كثير من دول العالم إلى التحول إلى النظم الاقتصادية الرأسمالية التي يعتمد فيها بدرجة كبيرة على الشركات الخاصة لتحقيق معدلات مرتفعة من النمو الاقتصادي، وقد أدى اتساع حجم تلك المشروعات إلى انفصال الملكية عن الإدارة، وشرعت تلك المشروعات في البحث عن مصادر للتمويل أقل تكلفة من الاستدانة فاتجهت إلى أسواق رأس المال. وساعد على ذلك ما شهده العالم من تحرير للأسواق المالية، فتزايدت انتقالات رؤوس الأموال عبر الحدود بشكل غير مسبوق، و دفع اتساع حجم الشركات، وانفصال الملكية عن الإدارة إلى ضعف آليات الرقابة على تصرفات المسؤولين والمديرين، وإلى وقوع كثير من الشركات في أزمات مالية.
وقامت الدول باتخاذ اجراءات وقائية للحد من المشاكل المالية والاقتصادية حيث وضعت الجهات الرقابية في الولايات المتحدة الأمريكية قواعد تتميز بالحوكمة الجيدة لسربان-أوكسلي عام 2006 نتيجة انهيار شركة إنرون الأمريكية بسبب تساهل المدققين الخارجيين مع مجلس الإدارة وعدم دقة التقارير المالية الصادرة عن الشركة.
وساهمت جهود المنظمات الدولية في مجال التنمية الإنسانية سواء السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى ظهور مفهوم الحوكمة و قد ركزت هذه الجهود على المساءلة المالية للحكومات والادوات الحكومية للسياسات الاقتصادية لضمان العدالة والمساواة المجتمعية.كما تم التركيز على الجوانب الديمقراطية للحوكمة وتمكين دور المجتمع المدني في مجال إعداد التشريعات والقوانين. وهذا ما أكدت عليه منظمة التنمية الاقتصادية وأهمية العلاقة بين جودة و فعالية الحوكمة وبين رخاء المجتمع. ويمكن الاستنتاج أن مفهوم الحوكمة توسع ليشمل مجموعة العلاقات القائمة بين الحكومة والمواطنين سواء كأفراد أو كجزء من مؤسسات سياسية واجتماعية واقتصادية.
لقد أصبح تطبيق مبادئ الحكم العادل هدفًا تسعى إليه المؤسسات الدولية لضمان تنمية متساوية وعادلة بمشاركة مجتمعية من أجل الحفاظ على مكونات البيئة للأجيال المستقبلية، وهذا ما قامت به الدول المتقدمة بهدف تطوير وحوكمة أنشطتها ومراقبة الأداء من خلال اتباع منهجية علمية واضحة ومعايير محددة لتطبيق مبادئ الحوكمة من أجل تنمية مستدامة.
لذلك.. بات مفهوم الحوكمة مفهوماً شاملاً ومتكاملاً للأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الدول المتقدمة خاصة، أما في بعض الدول النامية، فهي ما تزال في حاجة ماسة إلى تعزيز كفاءتها وأهمية ترجيح المصالح العامة على المصالح الشخصية من أجل تطبيق الحوكمة الحقيقية في أنشطتها المختلفة. وقد رحبت المنظمات الدولية ومنها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بتطبيق مبادئ الحوكمة للحد من تدخل الدولة والسماح بتحرير الأسواق.
** أستاذ مساعد بالكلية الحديثة للتجارة والعلوم
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مشاريع الأسر المنتجة طوق نجاة لقطاع كبير من النساء
الأسرة /خاص
تمتلئ الأسواق المحلية بمنتجات يمنية صنعتها المرأة حيث تنافس هذه المنتجات الخارجية المستوردة وتعتبر هذه المشاريع بوابة امل للعديد من الأسر المنتجة حيث استطاعت المرأة من خلال هذه المنتجات إعالة أسرتها، وانخرطت المرأة اليمنية في سوق العمل وبرزت قدراتها، ومهاراتها في مختلف المجالات الإنتاجية وذلك في إطار الاهتمام والتحفيز من قبل حكومة التغيير والبناء ممثلة في وزارة الصناعة والاستثمار.. ومن هذه البرامج المهمة كما يقول مختصون إقامة المعارض النسوية بصورة دورية والتي تمثل فرصة مناسبة أمام المرأة لعرض منتجاتها وبالتالي الإسهام في دعم المنتج المحلي والاقتصاد الوطني.
وأشادت النساء العاملات من ذوي المشاريع الصغيرة بمستوى اهتمام الجانب الرسمي ممثلا بوزارة الصناعة والاستثمار وكذلك اهتمام الجانب الخاص بدعم مثل هذه المنتجات والأنشطة الخاصة بالمنتجات النسوية وهو ما ينعكس إيجابيا على مستوى المشاركة الإيجابية للمرأة في عملية البناء والتنمية.
وتقول نجود البرطي صاحبة مشروع “بخور يمني” أن مساندة وتشجيع المرأة على الانخراط في سوق العمل وإبراز قدراتها وتنمية مهاراتها في مختلف مجالات الإنتاج يساهم في زيادة قدرات النساء على الإنتاج ودعم السوق المحلي بالأنواع المختلفة من المنتجات، وان دعم وتشجيع المشاريع الصغيرة والأسر المنتجة على طريق تحقيق الاكتفاء الذاتي الذي يحظى بأولوية خاصة من قبل الدولة والحكومة، داعية أصحاب المنتجات المحلية وخصوصا شريحة المشاريع الصغيرة إلى الانخراط في الأنشطة المتنوعة التي تقام في العاصمة صنعاء وتسويق منتجاتهن فالتسويق يمثل أحد الركائز المهمة لتكبير المشاريع..
وان شراء منتجات تصنعها المرأة اليمنية يعتبر رسالة تنموية اقتصادية تدعم المرأة اليمنية المنتجة وتعزز دورها الاقتصادي في المجتمع وتشجعها على الإنتاج والابتكار والتسويق.
وتقول أنهار محمد: “عشرة أعوام ” إنها تقوم بتسويق منتجات صنعتها والدتها وهي عبارة عن مجامر من الفخار والجص ذات إشكال متنوعة تنبئ عن عقلية نسوية اقتصادية قادرة على أحداث التأثير الحقيقي في المسار التنموي.
التمكين الاقتصادي
المرأة اليمنية سواء في الريف أو في المدن تبقى شريكة رئيسية في عملية البناء والتنمية وهو ما يجعل من تشجيعها وتنمية مهاراتها موضوعا مهما ويؤكد مختصون بأن تمكين النساء اقتصادياً واجتماعياً يجعلهن قوة فاعلة للتغيير والبناء في المجتمع الحضري وكذلك في الريف، حيث يتضاعف دور المرأة في إدارة الأسرة ورفع وتيرة الإنتاج وخصوصا الزراعي منه.
الحكومة اليمنية عملت في الآونة الأخيرة على الاهتمام بالجانب الزراعي وقد وضعت حكومة التغيير والبناء تطوير الزراعة في رأس برنامجها، ولا شك بأن هذا الاهتمام الرسمي سينعكس إيجابياً على مستوى الحياة المعيشية في الريف والحضر.
ويوضح المختصون وخبراء الاقتصاد أن توفير فرص التدريب والتعليم للنساء من شأنه أن يساهم في تجويد وتعزيز الدور النسوي في التنمية وفي تحسين الدخل ورفع مستوى حياة الأسرة والمجتمع وبالتالي الإسهام الفعلي في جهود مكافحة الفقر والجوع ومواجهة معضلة سوء التغذية وكذلك الإسهام في توفير فرص العمل وتقليص نسبة البطالة في أوساط النساء.
وعلى الرغم من الدور الكبير المناط بالمرأة في الحياة العامة فإن لا أحد ينكر أن هناك صعوبات وتحديات كبيرة لا تزال تعترض سبيلها ومن تلك المعوقات وفق ناشطات يمنيات الحصول على النصيب الأقل من الموارد والخدمات التي يحتجن إليها لزيادة إنتاجهن ودخولهن المادية كما يفتقرن إلى التعليم والتفرد بمشاريعهن الخاصة ومحدودية سيطرتهن على الموارد وكل ذلك يضعف من قدرتهن على تحسين إمكانياتهن المهنية لكسب الدخل الأمر الذي يحتاج بحسب مختصين إلى خطوات وإجراءات ضرورية لتعزيز دورهن ومسؤولياتهن في خدمة مجتمعهن المحلي والوطن بشكل عام و تؤكد الباحثة الاجتماعية فاطمة الرعدي على أهمية توسيع وترسيخ الاهتمام الرسمي بالمرأة، وإعطائها الأولوية في البرامج والأنشطة الإنسانية المقدمة لليمن، من خلال دعم العلمية التعليمية ودعم تعليم المرأة وبرامج محو الأمية، ودعم الجوانب التوعوية والإرشادية وتوفير الخدمات الصحية للنساء وجعلها قادرة للقيام بهذه المسؤولية الوطنية الكبيرة بالشكل المطلوب وأيضا يجب دعم مشاريع النساء مادياً وتوفير قروض سهله لكي تستطيع المرأة أن تنهض بمشاريعها ومنتجاتها.