القدس المحتلة- أفادت تقارير وتقديرات سياسية وحقوقية أن الحكومة الإسرائيلية تلقت رسائل حول إمكانية صدور أوامر اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ضد مسؤولين إسرائيليين كبار من ضمنهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

ويعكس الصمت الإسرائيلي الرسمي تجاه هذه التقارير الهواجس التي تعيشها تل أبيب بظل استمرار الحرب على غزة، مع ازدياد التقديرات بإمكانية تقديمها للمحاكمة الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب.

ووسط الرسائل التحذيرية الدولية، عقد ديوان نتنياهو جلسة سرية الثلاثاء، تم خلالها استعراض سيناريوهات مثيرة للقلق ومخاوف جدية مرتبطة بصدور مذكرات اعتقال دولية بحق قيادات أمنية وعسكرية وسياسية إسرائيلية، وذلك حسب تقرير للقناة 12 الإسرائيلية الخميس.

وشارك بالمشاورات السرية كل من وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر، ووزير القضاء ياريف ليفين، ووزير الخارجية يسرائيل كاتس، بالإضافة لمختصين ومحامين يتعاملون مع هذه القضية في وزارة الخارجية والأمن.

وهيمنت على النقاشات مسألة الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، وتصريحات عدة دول بأن إسرائيل تنتهك القانون الدولي، فضلا عن معاملة السكان المدنيين في قطاع غزة بطريقة تنتهك اتفاقية جنيف الرابعة.

نتنياهو طلب خلال لقاءاته بوزيري خارجية بريطانيا وألمانيا مساعدتهم في القضية أمام المحكمة الدولية (الفرنسية) مشاورات سرية

وأوضح مراسل الشؤون السياسية في القناة 12 الإسرائيلية يارون إبراهام، أن المشاورات السرية والطارئة التي عقدت بعيدا عن الإعلام في مكتب نتنياهو بمشاركة كبار قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية والسياسية والقضائية بإسرائيل، تؤكد جدية الرسائل التحذيرية والخوف من إصدار أوامر اعتقال دولية ضد قادة إسرائيليين، في ظل استمرار الحرب على غزة.

وبحسب التقديرات، يقول إبراهام، إن فرصة إصدار مذكرات الاعتقال زادت بشكل كبير، وربما تتم محاولة إصدارها في نهاية مايو/أيار المقبل.

وعليه، حسب المراسل، تقرر في نهاية جلسة الاستماع السرية التحرك قبالة المحكمة في لاهاي، والتوجه لجهات دبلوماسية دولية ذات نفوذ وتأثير من أجل منع صدور أوامر الاعتقال، بدون الكشف عن هوية هذه الجهات، التي يرجّح أن تكون أوروبية وأميركية.

لكن المراسل كشف النقاب عن أن نتنياهو، وفي لقاءاته أيضا مع وزيري خارجية بريطانيا وألمانيا بالقدس، طلب مساعدتهم في القضية أمام المحكمة الدولية. وقال إبراهام إن "هذا تعقيد قانوني ليس بسيطا، وهو ما تدركه إسرائيل من الماضي، لكنه يبدو الآن أكثر قوة وتعقيدا بعد الحرب في غزة المتواصلة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي".

ولم تستبعد صحيفة "معاريف" في تعليقها على التحركات ضد إسرائيل بالمحكمة الدولية أن يتم تقديم نتنياهو إلى المحاكمة الدولية في حال لم يتم الامتثال للأوامر الصادرة عن المحكمة، والتي قد تتمثل بقرارات مستقبلية تطالب إسرائيل بوقف فوري لإطلاق النار في غزة.

وقدرت الصحيفة أن الرسائل التحذيرية جدية، مستذكرة انضمام المزيد من الدول إلى الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل واتهامها بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ومنع دخول المساعدات والإغاثة، وعدم تجنبها استهداف المدنيين، وهو ما يشكل انتهاكا لاتفاقية جنيف عام 1949، بشأن حماية الأشخاص المدنيين.

وبشأن الإجراءات الرسمية التي تقوم بها إسرائيل لمنع صدور أوامر الاعتقال، لفتت الصحيفة إلى تجند بعض الدول الأوروبية إلى جانب إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية، مستشهدة بإعلان الحكومة الألمانية قبالة المحكمة أن أمن إسرائيل هو "جوهر" أمنها القومي، وذلك ردا على الدعوى القضائية التي رفعتها نيكاراغوا ضدها واتهامها بالتواطؤ مع "الإبادة الجماعية بغزة"، بسبب المساعدة الأمنية لإسرائيل.

إشارة تحذير

وخلص تقرير صادر عن مركز أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب بعنوان "قرار محكمة لاهاي.. إنجاز عملي وإشارة تحذير"، إلى أن المحكمة الدولية لم تقبل طلب إسرائيل برفض الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا وأمرت بإصدار عدد من الأوامر المؤقتة، والتي ستكون سارية المفعول حتى صدور الحكم النهائي في هذه الدعوى المتوقع أن تستمر عدة سنوات، وهو ما يعتبر إشارة تحذير لإسرائيل.

ولفت التقرير إلى أن اتفاقية حظر الإبادة الجماعية التي دخلت حيز التنفيذ عام 1951، تعرّف هذه الإبادة بأنها "أفعال معينة ترتكب ضد أفراد مجموعة قومية أو دينية أو إثنية أو عنصرية، بقصد تدمير المجموعة كليا أو جزئيا"، وهي الشبهات المنسوبة لإسرائيل في كتاب الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا.

وأوضح التقرير أن القلق الرئيسي لإسرائيل يتعلق بأن تصدر المحكمة قرارا بوقف إطلاق النار في غزة من جانب واحد، دون أن تكون قادرة على إجبار حماس على القيام بذلك أيضا.

وفي ضوء ذلك، خلص التقرير إلى أنه "ستكون إسرائيل مطالبة بالتصرف بطريقة مسؤولة وحكيمة فيما يتعلق بالحملة القانونية التي تُشن ضدها بشكل عام، وخاصة فيما يتعلق بإجراءات المحكمة الدولية".

"أكلنا الطعم"

وخلافا للصمت الحكومي الإسرائيلي الرسمي، أظهر نشطاء ومعارضون لحكومة نتنياهو ولخطة التعديلات في الجهاز القضائي الإسرائيلي، ومنهم قائمون على الاحتجاجات المطالبة بصفقة تبادل مع المقاومة الفلسطينية، تفاعلا مع الرسائل التحذيرية من المحكمة الدولية، واعتبروها رسالة ردع وتحذير للقادة الإسرائيليين.

وغرّدت الناشطة الإسرائيلية دليلة مور، على حسابها بمنصة "إكس" قائلة "لسنوات عديدة، يدّعي اليسار والمحكمة العليا أنه فقط بسبب المحكمة العليا لم يتم وضع كبار المسؤولين الإسرائيليين في قفص الاتهام في محكمة لاهاي، لكن اليوم يحدث ذلك، وهناك احتمال كبير لإصدار مذكرة اعتقال ضد نتنياهو ومسؤولين كبار آخرين من المحكمة الجنائية، لقد أكلنا الطعم واتُهمنا في لاهاي".

وكتب عامي درور، أحد النشطاء الذين يقودون الاحتجاجات ضد الحكومة الإسرائيلية "العالم لا يتوقف للحظة واحدة، ويواصل الإجراءات ضد حكومة نتنياهو"، وأضاف في تغريدة له "نتنياهو خطير على إسرائيل، نتنياهو خطير على الشرق الأوسط، نتنياهو خطير على السلام العالمي، وقته قصير!".

كما كتب الناشط الحقوقي والمحامي أوري برايتمان "حتى الآن، كان نتنياهو يخشى السجن بسبب أفعاله الجنائية بإسرائيل، وهو الآن -بظل الحرب على غزة- يخاف أكثر من المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات المحکمة الجنائیة المحکمة الدولیة من المحکمة فی لاهای

إقرأ أيضاً:

مسؤول أممي سابق لـعربي21: يجب فرض عقوبات دولية رادعة على إسرائيل

دعا المسؤول الأممي السابق وكبير مستشاري القضية الفلسطينية في منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، ليكس تاكنبرغ، قادة المجتمع الدولي إلى ضرورة "فرض عقوبات رادعة على إسرائيل، وأن يُشجّعوا على ىسحب الاستثمارات من الشركات التي تُمكّن الاقتصاد الإسرائيلي من مواصلة الحرب، والتوقف ليس فقط عن توريد الأسلحة لإسرائيل، بل أيضا التوقفعن شراء الأسلحة الإسرائيلية وبرمجيات المراقبة والمعدات الإسرائيلية الأخرى".

وأكد تاكنبرغ، مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "سياسة التجويع التي تنتهجها إسرائيل منذ بدء العدوان، قبل 19 شهرا، تُعد جريمة حرب تُستخدم كسلاح إبادة جماعية"، مشيرا إلى أن "المجتمع الدولي التزم الصمت طويلا، مما منح إسرائيل غطاءً لمواصلة عدوانها، قبل أن يبدأ هذا الصمت بالتصدع مع تزايد الغضب الشعبي العالمي ووضوح مواقف الخبراء القانونيين".

ولفت المسؤول الأممي السابق، إلى أن "هناك تحوّلا في موقف بعض الدول الغربية التي بدأت تدين علنا الإبادة الجماعية، وتكشف الوجه الحقيقي للحرب على غزة"، مرجّحا أن السبب في هذا التحول هو "الخوف من أن يُنظر إليهم في المستقبل كمتواطئين في الجرائم المرتكبة".

وفيما يتعلق بمحاسبة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، قال تاكنبرغ إن "الحكم النهائي في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل قد يستغرق عاما أو أكثر، لكنه سيكون ذا أهمية قانونية وتاريخية بالغة، لأنه سيضع إطارا قانونيا واضحا حول طبيعة جرائم إسرائيل ومسؤوليتها كدولة".

وشدّد تاكنبرغ على أن "الاعتراف بوقوع الإبادة الجماعية في غزة يفرض التزامات قانونية على الدول، من بينها فرض العقوبات الرادعة ووقف الدعم العسكري والاقتصادي لإسرائيل"، مطالبا بوقف فوري لإطلاق النار واستئناف العملية السياسية كخطوة أولى لوقف المجازر.

وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":

كيف تقيّمون عملية توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة؟


لقد شاهدنا خلال الأيام القليلة الماضية أن الخطة الإسرائيلية-الأمريكيةالرامية إلى تجاوز النظام الإنساني المتعارف عليه منذ زمن طويل من المجتمع الدولي، والأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير الحكوميةفشل تماما، كما توقع العديد منا منذ أسابيع، منذ أن تم الإعلان عن تفاصيل الخطة الجديدة.

لقد شاهدنا الصور المروّعة لمئات الفلسطينيين الجائعين في غزة وهم يحاولون الوصول إلى ما يُطلق عليه "نقاط توزيع آمنة" أنشأها هذا النظام الجديد، مما أدى إلى فوضى مأساوية ومعاملة لا إنسانية للفلسطينيين، وإصابة العشرات ومقتل أحدهم، وهذا يُظهرالقصور التام في هذا النظام الجديد.

ما يُطلق عليه "مؤسسة غزة الإنسانية" ليست سوى ستار للتغطية على حرب الإبادة الإسرائيلية الجارية ضد الفلسطينيين، بما في ذلك التطهير العرقي، واستخدام التجويع كسلاح حرب.

يبدو أن حكومة نتنياهو –وقد صرّحت بذلك أيضا- أدركت أن الحرمان الكاملمن الغذاء، ومواصلة الحصار التام على الغذاء، أمر لا يمكن تسويقهللعالم، لذلك حاولوا خلال الأشهر الماضية إنشاء نظام بديل، لكن كما أوضحتمنظمات الأمم المتحدة المختلفة، فإن هذا النظام البديل لا يستوفي الحد الأدنى من المعايير الإنسانية، مثل الحياد، والاستقلال، وعدم التحيّزولا حتى المعايير الأساسية للكرامة الإنسانية ومبدأ "عدم الضرر".

في ظل النظام القائم التابع للأمم المتحدة، كان هناك أكثر من 400 نقطة توزيع يتم عبرها تقديم الغذاء والمساعدات الإنسانية الأخرى لأكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة.

أما في ظل النظام الجديد، فلن يكون هناك سوى أربع نقاط توزيع كحد أقصىبالنسبة لهذا العدد من السكان. كيف يمكن لنقطة توزيع واحدة أن تخدم نصف مليون شخص؟،هذا أمر مستحيل وخطير وغير إنساني، كما ذكرت سابقا.

نعم، إنه كما قلت ليس سوى ورقة توت وستار للتغطية على خطط إسرائيل المستمرة لتطهير قطاع غزة عرقيا.

ما تقييكم لموقف الأمم المتحدة من آلية توزيع المساعدات في غزة؟

كما ذكرتُ في إجابتي السابقة فإن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير الحكوميةأو ما أسميه المجتمع الدولي الإنساني ككل رفض هذه الخطة للأسباب التي ذكرتها سابقا؛ فهي لا تلبي الحد الأدنى من المعايير المهنية لتقديم المساعدات الإنسانية، والتي تم تطويرها على مدى عقود إن لم يكن أكثر من ذلك، وهي في جوهرها أداة إضافية لمواصلةالتطهير العرقي، بل تسهيله، لأنه من أجل الحصول على المساعدات ضمن ما يسمى"مؤسسة غزة الإنسانية"، يجب على اللاجئين السير إلىواحدة من نقاط التوزيع الأربع، والتي يبدو أن اثنتين منهم فقط تم إنشاؤهما في الوقت الحالي.

ومن أجل ذلك يتم إبعادهم أكثر عن المناطق التي يريد الجيشوالحكومة الإسرائيلية تطهيرها وطرد الفلسطينيين منها.

لذلك، ناهيك عن كونه مجرد ستار للتغطية على استمرار الحرب، فإن النظام الجديد للمساعداتيُستخدم أيضا كأداة لفرض التهجير القسري على السكان الفلسطينيين.

ما هو موقف المجتمع الدولي من سياسة التجويع التي تتبعها إسرائيل في غزة؟ 

التجويع في غزة، واستخدام الحصار، واستخدام حرمان الناس من الغذاء والمساعدات الإنسانية الأخرى والكهرباء والمياه والوقودفي سياق الحرب الإسرائيلية الجارية، بدأ تقريبا منذ بداية الحرب قبل 19 شهرا. وكما رأينا، فقد ظل المجتمع الدولي صامتا لفترة طويلة جدا ودعم في البداية إسرائيل بقوةبعد هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ثم استمر في التأكيد على "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس" بشكل غير مناسب تماما ومُخالف للقانون الدولي، لأن الدفاع عن النفس لا يمنح إسرائيل الحق في الغزو وشنّ حرب إبادة جماعية ضد سكان أرض محتلة؛ فهذا لا يحدث في إسرائيل ذاتها، بل يحدث في أرض قالت محكمة العدل الدولية إن على إسرائيل الانسحاب منها هي والضفة الغربية.

لقد ظل المجتمع الدولي صامتا لوقت طويل جدا، وبالتالي مكّن إسرائيل من الاستمرار. مؤخرا فقط، مع تفاقمالمجاعة والتجويع في قطاع غزة وانتشار الصور المروّعةعلى شاشات هواتفنا وتلفزيوناتنا، ومع تصاعد غضب المجتمع المدني فيالعديد من البلدان والمدن الكبرى حول العالم، الذين خرجوا للتظاهر، ومع بدء وسائل الإعلام في الاعتراف بأن ما يحدث ليس مجرد حرب بين طرفين،بل هو بالفعل إبادة جماعية، ومع تصاعد وضوح الخبراء الدوليين في القانونوالإبادة الجماعية في إدانة ما يحدث، بدأنا نلاحظ أن هناك بداية تغيير في موقف المجتمع الدولي تجاه الحرب الإسرائيلية، وخاصة تجاه سياسة التجويعالإسرائيلية في غزة.

إسرائيل تقصي نفسها عن المجتمع الدولي الذي يجب ألا يتجاهل المجازر المروعة وشبه اليومية في غزة، ولا يمكن أن ننتظر أكثر من ذلك، ولا يمكن أن يكون الوضع أكثر فظاعة مما نشهده الآن. نحن نشهد تطهيرا عرقيا خطيرا بحق المدنيين في قطاع غزة، والمشكلة هي الإرادة السياسية، ليست فقط الإرادة السياسية في إسرائيل، بل أيضا الإرادة السياسية في الولايات المتحدة التي هي الداعم الأكبر لتل أبيب، وكذلك الإرادة السياسية لدي باقي دول المجتمع الدولي، من أجل إجبار إسرائيل على وقف الحرب وإدخال المساعدات إلى غزة، وعلينا أن نقول بصوت عالٍ: يجب إنهاء تلك المأساة الآن وفورا.

هل تشعر أن هناك تحولا ملموسا في موقف الدول الغربية تجاه الجرائم الإسرائيلية في غزة؟

الضغط على القادة الغربيين للتخلي عن دعمهم الأعمى لإسرائيل في بداية الحرب كان يتصاعد خلال الأشهر والأسابيع الماضية، بالتحديد مع ظهور آثار الحصار الأخير ومنذ أن انتهكت إسرائيل وقف إطلاق النار من جانب واحد في بداية شهر آذار/ مارس، وضد سياسة التجويع التي تسببت في المجاعة الحالية، والتي تأتي في أعقاب 19 شهرا من حرب الإبادة المستمرة.

لذلك، بدأ القادة الغربيون يرون أنهم مُضطرون للاختيار بين الاستمرار في دعم إسرائيل من جهة، أو من جهة أخرى المخاطرة بالتعرض لاتهامات من إسرائيل أو منظمات مؤيدة لها بأنهم معادون للسامية.

لكنهم رغم ذلك، بدأوا يتحدثون علنا، بدأوا ينددون علنا بالإبادة الجماعيةوبسياسة التجويع. ورأينا عددا من الساسة الغربيينيخرجون أخيرا عن صمتهم بعد طول انتظار، ليعلنوا وصف وتسمية الحرب على حقيقتها.

وقد أشار عدد من القادة الأوروبيين إلى أنها إبادة جماعية، وقد رأينا أنه بمجرد أن خرج بعض القادة البارزين بمواقف واضحة، بدأ العديد من الآخرين يتبعونهم بسرعة، على ما يبدو خوفا من أن يكونوا في نهاية المطاف في الجانب الخاطئ من التاريخ، وأن يُنظر إليهم كمتواطئين في تنفيذ الإبادة الجماعية.

هذه خطوة مهمة، لكن الاعتراف بطبيعة ما تفعله إسرائيل فيقطاع غزة، وبشكل متصاعد أيضا في الضفة الغربية، يحمل معه مسؤوليات؛ فليس الحديثوحده كافيا.

بموجب القانون الدولي، جميع الدول مُلزمة بألا تكون متواطئة وألا تدعمأعمال الإبادة الجماعية، أو أيّا من الجرائم ضد الإنسانيةأو جرائم الحرب، ويجب أن تُتخذ خطوات فعلية لوقف ذلك، وهذا يعني أنه مع اعتراف القادة الآن بما يجري، فإن عليهم الآن واجبا قانونيايصعب عليهم إنكاره.

يجب عليهم فرض عقوبات رادعة وقوية على إسرائيل، وأن يشجعوا على سحب الاستثمارات من الشركات التي تمكّن الاقتصاد الإسرائيلي من مواصلة الحرب، والسماح والدعوة لمقاطعة تلك الشركات، والتوقف ليس فقط عن توريد الأسلحة لإسرائيل، بل أيضا التوقف عن شراء الأسلحة الإسرائيليةوبرمجيات المراقبة والمعدات الإسرائيلية الأخرى، حيث تتورط أكثر من 100 دولة في شراء هذه الأسلحة والمعدات والأجهزة والبرامج من إسرائيل، وهو ما يسمح للاقتصاد الإسرائيلي بمواصلة الحرب.

هذه الآن هي الخطوة التالية التي يجب أن نراها، يجب على القادة الغربيين أن يستخلصوا الدروس من هذه الاستنتاجات ويتخذواإجراءات ملموسة لوقف التجويع، ولن يتحقق ذلك إلا بوقف إطلاق نار شاملوإنهاء الحرب ثم استئناف العملية السياسية.

هل تعتقد أن هناك تنسيقا أوروبيا - أمريكيا لتصعيد الضغط على رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؟  

إنه مزيج من بعض الجهود المنسقة؛ فقد رأينا مثلا بيانا مشتركا بينبريطانيا وفرنسا وكندا يدين بشدة سياسة التجويع الإسرائيلية، ويُهدّد بعواقب إذا لم تتوقف تلك السياسة.

بالتوازي مع ذلك، نرى الأثر النفسي لتغيير عدد من القادة المؤثرينلهجتهم بشكل مفاجئ، مما دفع قادة آخرين كانوا مترددين أو متفرجينللشعور بالضغط وقرّروا الانضمام إلى أولئك الذين اتخذوا مواقف صارمة.

لذلك، هو مزيج من التنسيق والضغط النفسي، الضغط من أسفل لأعلى، من المظاهرات المتزايدة في دول الغرب، ومن أفراد المجتمع المدني لاستغلال القوانين والضغط بهذا الاتجاه.

إلى أي مدى تعتقد أن الضغط الأوروبي والأمريكي سينجح في إنهاء الأزمة الإنسانية والحرب في غزة؟

من الواضح جدا أن الضغط المباشر الوحيد القادر على إجبار إسرائيل على التوقفهو أن تعلن إدارة ترامب، وتحديدا ترامب نفسه، بوضوح أنه "يجب أن تتوقف الحرب الآن"، وليس فقط أن يذكر ذلك ضمن منشور عابر على وسائل التواصل الاجتماعي، أو في أحد مقابلاته الإعلامية العديدة، بل أنيوجهرسالة واضحة لا تحتمل التأويل إلى نتنياهو، وهذا ما سيوقف الحرب فعلا.

والسؤال الآن هو: كيف نصل إلى هذه النقطة؟، وكيف يمكن للآخرين أن يلعبوا دورا في ذلك؟،أوروبا مهمة جدا؛ فالقادة الأوروبيون هم الكتلة التالية من القادة الذين سمحوا باستمرار الحرب، وما أعتقد أنه مهم للغاية أيضا، هم قادة دول الخليج.

ترامب كان مؤخرا في الخليج، حيث زار الإمارات وقطر والسعودية، وهو يرى أن هناك فرصا هائلة للاستثمار والأعمال.

لكن الحرب وصور الأطفال الجائعين لا تخلق المناخ المناسب لصفقات اقتصادية ناجحة.

أعتقد أن هذا ما بدأ يدفع ترامب لأن يكون أكثر انتقادا وأكثر نفادا للصبر وانزعاجا من مناورات نتنياهو المستمرة.

ومن المهم أن يقوم قادة الخليج بتذكير ترامب بمحادثاتهمخلال زيارته للخليج ويواصلوا الضغط عليه، جنبا إلى جنب مع القادة الأوروبيينلوقف هذه الحرب.

هل أعتقد أن ذلك سينجح؟، نعم أعتقد ذلك، لأن إسرائيل لا تمتلك رؤية ولا تمتلك استراتيجية، والسبب في استمرار الحرب هو اعتباراتسياسية داخلية، وتهديدات أحزاب ورموز اليمين المتطرف المستمرة لنتنياهو بالانسحاب من الائتلاف الحكومي في حال رضخ للضغط الأمريكي والضغوط الأوروبية، ووافق على وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، لأن ذلك لن يؤدي فقط إلى إسقاط الحكومة، بل سيؤدي إلى نهاية مسيرة نتنياهو السياسية؛ إذ يواجه نتنياهو عدةقضايا فساد داخلية وهي جارية حاليا، إضافة إلى مذكرات اعتقال صادرة عنمحكمة العدل الدولية.

لذلك، فإن سقوط حكومته يعني على الأرجح بداية محاكمتهوسجنه في النهاية. ومن المؤسف أن هذا الخوف الشخصيوهذه الاعتبارات الشخصية هي على الأرجح السبب الرئيسي الوحيد الذي حالحتى الآن دون إجبار إسرائيل على وقف الحرب المستمرة.

ما توقعاتكم بشأن الحكم المرتقب من محكمة العدل الدولية في قضية الإبادة في غزة؟ ومتى سيصدر؟ 

فقط للتذكير جنوب أفريقيا رفعت دعوى قضائية ضد إسرائيل بموجباتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية مُتهمةً إسرائيل بأن ممارساتها خلال حربها منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023تُشكّل ممارسات إبادة جماعية ينطبق عليها تعريف الإبادة الجماعيةبموجب الاتفاقية، حيث القتل العمد وتشويه سكان غزة، وكذلك فرض ظروف معيشية تجعل من بقاء المجموعة مستحيلا، وهذه عناصر أساسية ضمنتعريف الإبادة الجماعية في الاتفاقية.

محكمة العدل الدولية، في كانون الثاني/ يناير من العام الماضي أصدرت بيانا يفيد بأن جنوب أفريقيا أثبتت احتمال انتهاك حقوق الفلسطينيين بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعيةأي أن هناك قضية أولية وأدلة أولية على ارتكاب إبادة جماعية، وذلك في انتظار تقدم إجراءات المحكمة. كان هذا قرارا مؤقتا يتضمن أوامر فورية للحكومة الإسرائيلية لوقف ممارسات الإبادة فورا. أوامر مُلزمة قانونيا، وهذه الأوامر تم تكرارها وتوسيعها في أحكام لاحقة، إذا لم أكن مخطئا، في آذار/ مارس وأيار/ مايو من العام الماضي، لكنها كانت أحكاما مؤقتة، والقضية ما تزال جارية.

جنوب أفريقيا قدّمت أدلتها، والآن إسرائيل ستحصل على الفرصة، بما أنها قضية بينها وبين جنوب أفريقيا، سيكون أمامها فرصة للرد وتقديم أدلتها المضادة إذا رغبت في ذلك، ثم سوف تُعقد جلسة استماع قد تستمر لأسبوع تقريبا بحضور الطرفين، وربما بحضور شهود وخبراء، وتقديم الأدلة، ثم سيصدر الحكم النهائي.

وأعتقد أن ذلك سيستغرق سنة أخرى على الأقل، وربما سنة ونصف قبل أن يصدر الحكم النهائي.

ما يمكننا قوله الآن هو أن هذه العملية القضائية مهمةكحكم قانوني على الحرب الإسرائيلية من أجل وضع إطار قانوني واضحلتقييم ما إذا كانت إسرائيل قد ارتكبت فعلا إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني، وربما عناصر أخرى، لأن الإبادة مظلة تضم تحتها عددا من الجرائم الدولية التي تُرتكب بنيّة واضحة، وحتى إن ارتكبت كل واحدة منها على حدة، فإنها تظل مخالفة للقانون الجنائي الدولي.

وبالتالي فإن هذا الحكم سيُشكّل قرارا قانونيا، لكن الحقيقة أن هذا الإجراء يستغرق عدة سنوات من لحظة البدء وحتى صدور الحكم، ما يعني أنه ليس أداة من أجل وقف الحرب بشكل فوري؛ فهذه المسؤولية تقع على عاتق المجتمع الدولي.

ليست لدينا حكومة عالمية يمكنها محاسبة إسرائيل. لدينا أمم متحدة غير مثالية حيث لا يزال مجلس الأمن تحت هيمنة الدول الخمس الدائمة العضوية التي تمتلك حق الفيتو. لكن مع ذلك، الحكم سيكون في غاية الأهمية، لأنه سيقدم الجواب القانوني النهائي حول طبيعة سلوك إسرائيل، وسيكون لهذا أيضا أهمية حاسمة فيما يتعلق بالمسؤولية الجنائية الفردية، وكذلك مسؤولية دولة إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يفرض عليها واجب تقديم تعويضات، وهذا بطبيعة الحال أمر بالغ الأهمية.

توقعاتي بشأن الحكم مثلما ذكر العديد من الخبراء القانونيين وخبراء الإبادة الجماعية، أن المحكمة ستجد أن هذه الحالة تمثل نموذجا للإبادة الجماعية بكل عناصرها، بما في ذلك حقيقة أن غزة أصبحت غير قابلة للحياة، وأن البنية التحتية الأساسية التي تمكّن الناس من البقاء على قيد الحياة قد دُمّرت تماما.

وأيضا التصريحات الواضحة جدا من مسؤولين إسرائيليين، والتي تُظهر نية الإبادة بشكل علني حتى هذه اللحظة، وبدلا من التراجع أو الخوف من المساءلة القانونية، يبدو أن القادة والسياسيين الإسرائيليين أصبحوا أكثر حدة في التعبير عن نيتهم في الإبادة، والتهجير القسري، والقتل، وتشويه سكان غزة.

لذلك، لا شك لديّ أن محكمة العدل الدولية ستجد أن إسرائيل قد ارتكبت جريمة إبادة جماعية.

كيف تقيّم مجمل المساعي الرامية لمحاسبة إسرائيل في المحاكم الدولية؟

الجهود موجودة وكانت قوية كما رأينا، جنوب أفريقيا استغرقت بضعة أشهر لجمع المعلومات الأولية وتقديم الدعوى. قدّمت الدعوى قبل نهاية عام 2023، بعد أشهر قليلة فقط من بدء الحرب. وفي نفس الوقت، كانت المحكمة الجنائية الدولية منخرطة بالفعل في التحقيق حول الانتهاكات المحتملة للقانون الدولي والجرائم الدولية المحتملة بموجب نظام روما الأساسي، وقد أصدرت مذكرات اعتقال. نعم استغرق الأمر عاما كاملا منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، لكن على الأقل هناك عمل قد تم إنجازه، وآليات المحاسبة الدولية تم تفعيلها وتم استخدامها.

كما ذكرت سابقا هذه الآليات مهمة من أجل المساءلة القانونية مستقبلا وتقديم تعويضات. لكنها ليست كافية أو قوية بما يكفي لوقف الإبادة الجماعية بشكل فوري.

هذا لا يمكن أن يحدث إلا من خلال تحمل الدول الفاعلة في المجتمع الدولي مسؤولياتها وأن تقول هذا يكفي، هذا يجب أن يتوقف فورا.

مقالات مشابهة

  • للمرة الـ38.. نتنياهو يمثل أمام المحكمة للرد على تهم فساد
  • نتنياهو يمثل اليوم للمرة الـ38 أمام المحكمة للرد على تهم فساد
  • إعلام إسرائيلي: نتنياهو يمثل أمام المحكمة المركزية بتل أبيب
  • مسؤول أممي سابق لـعربي21: يجب فرض عقوبات دولية رادعة على إسرائيل
  • الدويري: المقاومة بغزة تقود حرب استنزاف تختلف عن تلك التي قادتها الجيوش العربية
  • مفاجأة من المحكمة الدولية في شكوي بيراميدز ضد الأهلي
  • فرنسا تعلن تضامنها مع المحكمة الجنائية الدولية
  • انزعاج أممي بالغ إزاء فرض عقوبات على أربع من قاضيات المحكمة الجنائية الدولية
  • تضامن فرنسي مع المحكمة الجنائية الدولية رداً على العقوبات الأميركية
  • واشنطن تفرض عقوبات على 4 قضاة من المحكمة الجنائية الدولية