سياسة النفس الطويل للرياض بملف السلام ومأزق ذراع إيران
تاريخ النشر: 27th, April 2024 GMT
في خطاباته الأخيرة، شن زعيم جماعة الحوثي عبدالملك الحوثي هجوماً حاداً على السعودية والإمارات، بشكل لافت وغير مسبوق منذ أشهر طويلة امتنعت فيها الجماعة عن ذلك.
وهاجم زعيم الجماعة السعودية والإمارات –دولتي التحالف العربي لدعم الشرعية– مؤخراً في خطاباته الأسبوعية، واتهمها بالوقوف إلى جانب إسرائيل في عدوانها على قطاع غزة وتقديم الدعم لها ومساندتها إعلامياً وسياسياً، بحسب زعمه.
وشن الحوثي أعنف هجوم على الإمارات والسعودية في خطابه السبت، بتدشين المراكز الصيفية التي تقيمها الجماعة للأطفال بمناطق سيطرتها، بمزاعم قيامهما بتعديل المناهج الدراسية وحذف آيات قرآنية وأحاديث نبوية منها لإرضاء إسرائيل والغرب.
وبدا واضحاً تركيز زعيم الجماعة على توجيه الهجوم نحو السعودية، في موقف لافت يأتي بعد أن خففت الجماعة الحوثية من هجومها الحاد ضد الرياض التي تقود التحالف العربي لدعم الشرعية لأشهر طويلة ضمن أجواء التهدئة التي أحدثها اتفاق التهدئة الأممية في أبريل من عام 2022م والذي أنهى الاشتباك العسكري المباشر بين الطرفين.
كما أن هذا الهجوم يأتي على عكس اللهجة التي أبداها الحوثي في خطابه بالذكرى التاسعة للحرب أواخر مارس الماضي، والتي خاطب فيها الرياض بشكل ودي كان أقرب إلى الاستجداء، مطالباً إياها بالعودة إلى مسار السلام والتوقيع على خارطة الطريق التي تم التوصل لها بعد مفاوضات طويلة امتدت لعامين بوساطة عُمانية.
إلا أن التوقيع على الخارطة تعثر عقب تدشين الجماعة لهجماتها ضد الملاحة الدولية في نوفمبر من العام الماضي ليتوقف معها مسار السلام، مع تقارير ومعلومات تؤكد وضع أمريكا وبريطانيا شروطاً تربط بين العودة لمسار السلام ووقف هذه الهجمات، وهو ما يُفسر مطالبة زعيم الجماعة للرياض في خطابه بالذكرى التاسعة للحرب بعدم التجاوب مع الضغوط الأمريكية في ملف السلام.
مناشدة الرياض لتفعيل مسار السلام ثم مهاجمتها من قبل الجماعة الحوثية، هو ذات الأمر الذي مارسته الجماعة منتصف العام الماضي قبل تدشين هجماتها ضد الملاحة الدولية بمزاعم مناصرة الشعب الفلسطيني بقطاع غزة بوجه العدوان الإسرائيلي، وهو ما يعني عودة الجماعة إلى ذات المأزق الذي عانت منه حينها.
مأزق يتلخص في عجز الجماعة عن تحمل حالة "اللاحرب واللاسلم" في الملف اليمني التي انتجها اتفاق التهدئة الأممية، حيث تمثل حالة الحرب بيئة مناسبة للجماعة في التخلص من أي التزامات تجاه السكان بمناطق سيطرتها من خدمات ورواتب، بالإضافة إلى أن حالة الحرب تشكل ضماناً للجماعة باحتواء الصراعات الداخلية لقياداتها وعدم خروجها عن السيطرة.
ما يعني أن توقف حالة الحرب يعني عودة المطالبة بهذه الالتزامات وصعوبة تحكم الجماعة بصراعاتها الداخلية، على عكس الحال بالنسبة للرياض التي لا ترى ضراراً من استمرار حالة اللاحرب واللاسلم" في الملف اليمني، بل أنها تتناسب مع سياستها المعهودة في التعامل مع الملفات والأزمات بنفس طويل.
كما أنها –أي الرياض– تدرك أن رضوخ جماعة الحوثي لوقف الحرب ولو مؤقتاً عبر اتفاق الهدنة لم يكن إلا نتيجة للعجز العسكري الذي مُنيت به في الجبهات بعد 7 سنوات، وصعوبة استمرارها بالحرب، كما أن اتفاق التهدئة الذي توصلت إليه مع إيران الداعم الرئيسي للجماعة برعاية صينية منتصف العام الماضي، يُصعب من قدرة جماعة الحوثي على أن تستأنف الحرب ضدها بغياب الدعم الإيراني.
معطيات ووقائع ترسم المأزق الذي تعاني منه جماعة الحوثي من استمرار حالة "اللاحرب واللاسلم"، خاصة بعد أن فشل رهانها على هجماتها ضد الملاحة الدولية التي بدأتها قبل 5 أشهر إرضاءً لرغبات إيران، في ابتزاز الرياض ومن خلفها الإقليم والمجتمع الدولي وإخضاعهم جميعاً لرغباتها وأحلامها بتسليم اليمن لها مقابل وقف الهجمات.
وهو ما يُفسر قيام جماعة الحوثي خلال الساعات الماضية بتسريب تقارير تزعم أنها تنوي مهاجمة القوات العسكرية الغربية في إريتريا، وأنها تنوي تصعيد هجماتها ضد الملاحة الدولية، بالإضافة إلى التصعيد داخلياً في الجبهات العسكرية.
كما زعمت هذه التقارير عقد اجتماع بين قياداتها ومستشارين في الحرس الثوري الإيراني في صنعاء للترتيب والكشف عن صواريخ نوعية جديدة ذات مدى وسرعة أكبر وقدرة انفجارية، بالإضافة إلى نقل عدد من الصواريخ الباليستية إلى الجوف وصعدة، في تهديد مبطن للسعودية، يهدف بشكل واضح إلى ابتزازها وإجبارها على التسريع بملف السلام هرباً من المأزق الذي تعاني منه الجماعة.
المصدر: نيوزيمن
كلمات دلالية: ضد الملاحة الدولیة جماعة الحوثی
إقرأ أيضاً:
أيهما أفضل للتغيير.. الحرب أم السلام؟
لنقل إن النظام السياسي الغربي، في جوهره، لا يختلف كثيرًا عن ذلك الذي يقوم عليه الكيان الصهيوني، أو ما كان قائمًا في جنوب إفريقيا من تمييز عنصري. فلا تناقض جوهريًا بين قيم الغرب وسياساته وبين من يدعمهم، كما يتوهم البعض، إذ إن هذين النموذجين السيئين ما هما إلا امتداد متقدم للغرب في الشرق والجنوب. ولولا ما يلحق الحكومات الغربية من خسائر فادحة، سواء مادية أو شعبية، لبقينا إلى اليوم تحت وطأة الاستعمار الأوروبي. إن منطق الطغيان والاستعلاء في الأرض هو ما يستجلب سنن التغيير الإلهية: "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد."
دروب التغيير
لا بدّ للتونسيين من إعادة تقييم أدواتهم السياسية، التي لا تزال تُحظى ببعض المصداقية في نظر فئات منهم، مثل رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان والاتحاد العام التونسي للشغل. إذ إن المناكفات السياسية، كما تفعل عبير موسى، قادرة على إفساد المشهد برمته، وتعكير حياة شعب بأكمله لا يملك من عمره إلا هذا الذي يعيشه.
الحنين إلى الماضي سمة الشعوب التي تخاف على مستقبلها من حاضرها المتردي. وأعجب لمن لا يرى صلة بين واقع تونس اليوم وماضيها، رغم قدرته على الربط حين ينظر إلى تجارب الشمال الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية، التي أفضت إلى ما يعتبر اليوم "مرحلتها الذهبية". الحضور التونسي الدولي ليس لافتًا، وتونس ليست قوة مؤثرة في المسرح العالمي، ولكن في هذا الابتعاد عن الأضواء فرصة للقيادة التونسية لإصلاح بعض من شأنها، كما تفعل القيادة في أفغانستان، التي تخطو بشعبها خطوات ثابتة تستحق الدراسة والاقتداء.
محددات داخلية وخارجية
ثلاثة عوامل رئيسية ينبغي وضعها في الحسبان:
أولًا ـ قيس سعيّد جاء بانتخابات ديمقراطية لم يُشكك أحد في شرعيتها، لكن السلم الديمقراطي قد يُفضي أحيانًا إلى استبداد في غياب حراك شعبي يذود عن مكتسبات الثورة.
ثانيًا ـ الرئيس إما أنه يُهيمن على أجهزة الدولة العميقة، ولا سيما الأمنية منها، أو أنه يخضع لها، أو أنهما متحالفان لإدارة البلاد بهذا الأسلوب، مما يعني أنه لا يتحمل وحده مسؤولية السنوات العجاف التي أوصلت التونسيين إلى ما هم عليه.
الحنين إلى الماضي سمة الشعوب التي تخاف على مستقبلها من حاضرها المتردي. وأعجب لمن لا يرى صلة بين واقع تونس اليوم وماضيها، رغم قدرته على الربط حين ينظر إلى تجارب الشمال الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية، التي أفضت إلى ما يعتبر اليوم "مرحلتها الذهبية".ثالثًا ـ هناك غطاء خارجي لهذا الانحراف، سواء من "حمَلة لواء الديمقراطية" في الغرب أو من أعدائها في الشرق.
كلمات الأسى والأمل التي ترد في رسائل المسجونين ظلمًا في تونس الخضراء لا تعبّر عن وحدة في الرؤية، فهم مختلفون حتى في لحظات المحنة، كاختلافهم زمن السلطة. فهل كانت الديمقراطية مشكلتهم حين حكموا؟ وأي رسائل كانوا سيرسلون إلينا لو التقوا في الدار الآخرة بين يدي ربهم العدل الرحيم؟
في الشأن السوري
كسر شوكة الدولة السورية هو المحذور الأكبر في المسار الذي تسلكه القيادة الجديدة في الشام. كما أن تليين بنية الجيوش وربطها باتفاقات هشة لا تخدم مصالح الأمة يُعد خطرًا بالغًا. لذلك، فإن السلطة الحالية بحاجة إلى خطاب يزرع الثقة لدى الناس في قدرتها على حفظ المصالح العليا، إذ إن الانفتاح على الأعداء، وعلى رأسهم الكيان الصهيوني، دون ضوابط أو حواجز، لا يُبشّر بخير.
لعل في النهج الذي تسلكه حركتا حماس والحوثي في مواجهة الظلمة، ما يقدّم بديلًا مشرّفًا لحكام سورية حين يواجهون الضغوط، وهو خيار أفضل من النهج البراغماتي الذي تنتهجه القيادة التركية.
تبنّي المثقف لرؤية السلطة يفقده استقلاله ورؤيته المتكاملة، خاصة إذا خلط بين الدولة والسلطة، وسار في اتجاه يخالف نبض الأمة ومزاجها العام، كما يحدث في الأردن اليوم، حيث لا يزال قادته يمنّون على الإسلاميين بما لا يملكون: "من منحهم هذه السلطة ليعطوا؟ ومن هم هؤلاء الذين تم استبعادهم؟ وماذا لو جاء للأردن ما جاء للنظام البائد في الشام؟"ملاحقة الذباب الإلكتروني وغيره من الحشرات الإعلامية أمر محمود، لكن ماذا عن أولئك الذين تواصلوا مع الكيان الصهيوني وقبلوا منه غطاءً من الذل والعار، عبر بعض عرب الدروز؟ على القيادة السورية البحث عن شخصيات جامعة، وإن لم تكن من الصفوف الأولى، ودفعها لتحمّل مسؤولياتها الوطنية.
وكما تقول القاعدة الفقهية: "السكوت في معرض الحاجة بيان." فعلى السلطة أن تصارح الشعب: هل سلّمت أرشيف الجاسوس إيلي كوهين أم لم تفعل؟ وما المصلحة المرجوة من هذه الفضيحة؟
حين تُثبت النظرية فشلها، لا ينبغي الإصرار عليها، بل يجب البحث عن بديل لها. لقد استند اليسار قديمًا إلى "اشتراكية" الإسلام، إما لقصر في أدواته أو لتسويق نفسه. وقد فتحت السلطة السورية الأبواب لاقتصاد السوق دون مبرر سوى الحاجة إلى رؤوس الأموال، لكن هذا التوجه لن ينجح في مجتمع يؤمن بنظامه الاقتصادي الخاص.
اليسار واليمين، في أفضل أحوالهما، أدوات لفهم الآخر، لا مشاريع للسيطرة الكاملة. أما تبني أحدهما بالكامل فهو عودة للفساد من بابه الأول.
نحو مقاومة فاعلة
ينبغي على محور المقاومة أن يندمج أكثر مع الأمة، ويتخلى عن التقوقع المذهبي أو الأيديولوجي، لأن خزان المقاومة الحقيقي كان دومًا في مركز الأمة، لا في أطرافها فقط. كما يجب تطوير قدرات الرماية، إذ كشفت تجربة حزب الله عن قصور في ترسانته الصاروخية. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي."
التزامات المثقفين
ظاهرة "الفناكيش" ليست حكرًا على دولة بعينها، بل تظهر حيثما وُجد الظلم والاستبداد وسوء الحكم. على المثقفين الأحرار أن يستمروا في تنوير شعوبهم، وأن يحذروهم من الانخداع بالإشاعات التي تصرف الأنظار عن القضايا الحقيقية.
تبنّي المثقف لرؤية السلطة يفقده استقلاله ورؤيته المتكاملة، خاصة إذا خلط بين الدولة والسلطة، وسار في اتجاه يخالف نبض الأمة ومزاجها العام، كما يحدث في الأردن اليوم، حيث لا يزال قادته يمنّون على الإسلاميين بما لا يملكون: "من منحهم هذه السلطة ليعطوا؟ ومن هم هؤلاء الذين تم استبعادهم؟ وماذا لو جاء للأردن ما جاء للنظام البائد في الشام؟"
لو بُعث نبي في هذا الزمان وأمر الطرفين المتقاتلين في السودان أن يصطلحا، وأمرهم بردّ النزاع إلى الله والرسول، أكانوا فاعلين؟ أم كانوا غافلين حتى يأتيهم العذاب؟
حين تذوق الشعوب ويلات الحرب، تدرك قيمة نعمة الأمن، فتعود إلى رشدها. ولو كانت عاقلة لما تركت أسباب الاقتتال تتراكم حتى تنفجر.
أما عن المؤتمر الوطني السوداني، فإن وصفه بالإسلامي فيه كثير من المبالغة، وتحميل الحركات الإسلامية وزر الفتنة لا يستقيم. فأين هم قادة المؤتمر الشعبي، وحزب الأمة، وبقية التيارات المؤمنة بمرجعية الإسلام في الحكم؟ لا نكاد نسمع لهم صوتًا ولا نرى لهم مشورة في هذه الفتنة العمياء.
*كاتب وإعلامي جزائري