على مدار الأسابيع الماضية، تصاعد الحديث عن ما يعرف بمنطقة نيتساريم، وسط قطاع غزة، وتكثيف المقاومة الضربات عليها، مستهدفة جنود الاحتلال المتمركزين فيها لفصل القطاع إلى جزئين.

ويعود التاريخ بنيتساريم، إلى العام 1972، إلى البؤرة الاستيطانية، التي أنشأت في منطقة زراعية فارغة، جنوب غرب مدينة غزة، على بعد نحو 5 كيلومترات من المدينة، لتكون حلقة من حلقات الاستيلاء على أرض القطاع، بعد اكتمال الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.



وكانت نيتساريم، جزءا مما يعرف بمجمع "غوش قطيف"، وهو تكتل استيطاني من 21 مستوطنة، كانت تغزو قطاع غزة، قبل انسحاب الاحتلال عن القطاع عام 2005، وسعى الاحتلال من وراء إنشاء هذا الكم الكبير من المستوطنات، إلى تقسيم قطاع غزة إلى حالة أشبه بمجزر منعزلة، غير مترابطة سوى بحواجز عسكرية، والتنقل بينها من أشد الصعوبات، لإبقاء الفلسطينيين تحت العذاب الدائم والتحركات المحسوبة.

وأنشأت حركة استيطانية تدعى هاشومير هاتزير، التي تتبع تيار الصهيونية الدينية، البؤرة الاستيطانية في نيتساريم، والتي تحولت لاحقا إلى مستوطنة، ومع توسعها، بدأت تأخذ شكل الحصن، بسبب انعزالها عن بقية المستوطنات، ووقوعها في منطقة قريبة من مدينة غزة.



وبذل الاحتلال جهودا كبيرة، من أجل تحصين مستوطنة نيتساريم إبان وجودها، وأسند مهمة حمايتها لكتيبة كاملة من مشاة الجيش، فضلا عن توفير سرية دبابات ترابط في المنطقة، لمواجهة أي تحرك فلسطيني في المنطقة على وجه السرعة، وفرز قوة كبيرة في المنطقة، إضافة إلى الحواجز العسكرية والنقاط العسكرية، التي وصلت إلى 10، وكانت مهمتها التنكيل بالفلسطينيين، وخلق عراقيل لحركتهم ومراقبتهم، في حالة أشبه بما يجري في الضفة الغربية اليوم.

وبسبب الحماية الأمنية الكبيرة للمستوطنة، لم تكن العمليات مؤثرة بصورة كبيرة، خلال سنوات الانتفاضة الأولى، بسبب ضعف إمكانيات الفلسطينيين المقاومة، ووقعت عدة محاولات اقتحام من قبل مقاومين.

عمليات موجعة

سنوات الانتفاضة الثانية كانت أسوأ على نيتساريم وعموم مستوطنات الاحتلال بغزة، بسبب تطور الأسلحة، ووجود قاذفات الهاون والصواريخ قصيرة المدى، فضلا عن امتلاك القدرات والتدريبات والأسلحة الخفيفة بوفرة أفضل من السابق.

ودفع تصاعد العمليات على مستوطنة نتساريم، إلى غضب في صفوف المستوطنين، ولجأ رئيس حكومة الاحتلال الراحل أرئيل شارون إلى زيارتها واللقاء بمجلسها الاستيطاني، وإطلاق تصريحه الشهير، نيتساريم كتل أبيب، في إشارة إلى بذل كل الإمكانيات للدفاع عنها، أمام هجمات المقاومة، بسبب موقعها الاستراتيجي الذي يفصل القطاع إلى شمال وجنوب.

ووفقا لكتائب القسام، وفي إحصائية، لحصاد العمليات ضد نيتساريم، فقد نفذت العديد من الهجمات على المستوطنة ما بين عامي 2000-2005، أسفرت عن مقتل 15 جنديا ومستوطنا، وأصيب العشرات.

ومن العمليات الشهيرة التي وقعت ضد نيتساريم، تفجير عوبة ناسفة عام 2000، في رتل للاحتلال، أسفر عن مقتل جندي.

كما نفذت المقاومة عملية تفجير بعبوة ناسفة، ضد دبابة عام 2002، في منطقة محور نيتساريم كارني الواصل إلى الشريط الفاصل، ما أسفر عن مقتل 3 جنود وكانت واحدة من العمليات الموجعة للاحتلال.

وفي عملية تفجير عبوة ناسفة أخرى، عام 2002، قتل أحد جنود الاحتلال، لكن العملية الأصعب كانت في اقتحام مقاومين اثنين عام 2003، لقاعدة الحماية العسكرية للمستوطنة، وخوض اشتباك عنيف، أسفر عن مقتل 3 جنود.

ودفعت هذه الإخفاقات مواجهة المقاومة الفلسطينية، التي صعدت من عملياتها، إلى تفكير الاحتلال جديا، في مغادرة المنطقة، بسبب الكلفة الكبيرة التي بات يدفعها، ليخرج شارون قبل مغادرة القطاع بنحو عام إلى إطلاق تصريح شهير آخر قال فيه: "قريب هو اليوم الذي نغادر فيه نيتساريم".

الانسحاب

بعد 33 عاما، على إقامتها والاستيلاء على أراضي الفلسطينيين فيها، أجبر الاحتلال، تحت تصاعد هجمات المقاومة، على اتخاذ قرار بإخلاء مستوطنة نيتساريم، وعمد إلى تجريف كافة المباني فيها، وأبقى الكنيس اليهودي بداخلها، بعد تفكيك كافة محتوياته.

كما فككت القاعدة العسكرية التي تحميها، وكافة الحواجز العسكرية، قبل انسحاب قوات الاحتلال، إلى ما خلف السياج الفاصل في الأراضي المحتلة عام 1948.

نيتساريم مجددا

لكن مع العدوان الجاري على قطاع غزة، لجأ الاحتلال إلى دخول منطقة نيتساريم مجددا، بسبب معرفته بأهميتها الاستراتيجية، في تقسيم القطاع إلى شطرين، كما كان الوضع سائدا قبل عام 2005 إبان احتلاله للقطاع.

وقام الاحتلال، بإنشاء طريق غير معبد حتى اللحظة، منذ الشريط الفاصل، إلى بحر غزة غربا، من أجل سرعة تحرك قواته، في المنطقة، كما أنشأ تجمعين للقوات على شارعي صلاح الدين، وسط القطاع، والرشيد على بحر غزة، من أجل إدامة مراقبة المكان، ومنع عودة الفلسطينيين النازحين جنوبا إلى مناطقهم في الشمال.

ويعد مطلب انسحاب قوات الاحتلال من محور نيتساريم، أحد الشروط الرئيسية، التي ترفض المقاومة الفلسطينية، التفاوض عليه، من ضمن شروط وقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى، بسبب الأهمية الاستراتيجية للمنطقة، في بقاء قطاع غزة وحدة واحدة، وضمان حرية حركة الفلسطينيين داخل أراضيهم.



وخلال الجولات الأولى من المفاوضات، كان الاحتلال، يرفض الانسحاب من محور نيتساريم، ويصر على خلق واقع جديد، لإعادة احتلال أجزاء من القطاع، وإدامة فصل الشمال عن الجنوب، لكن التسريبات الأخيرة للمفاوضات، ومع تصاعد الضربات على القوات المتواجدة في المحور، أشارت إلى موافقته على الانسحاب، بشرط وجود قوات مصرية، لتفتيش النازحين العائدين إلى شمال القطاع، والتأكد من عدم حملهم أسلحة كما يدعي.

لكن حركة حماس، وبيان رسمي، قالت إنها ترحب بأي قوة عربية "تشارك في تحرير فلسطين، وبخلاف ذلك، فإن أي قوة مهما كانت ستعامل معاملة الاحتلال".








المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية نيتساريم غزة المقاومة الاحتلال غزة الاحتلال المقاومة نيتساريم المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی المنطقة قطاع غزة عن مقتل

إقرأ أيضاً:

المقاومة بين ضغط العدو وصمت القريب

 

 

 

أحمد الفقيه العجيلي

 

تبدو المفارقة في المشهد العربي اليوم لافتة: فبعض الأنظمة تبدو أكثر تشددًا تجاه حركات المقاومة مما هي عليه القوى الكبرى نفسها. ولا يرتبط الأمر بخلاف سياسي محدود؛ بل بتراكم تاريخي وتعقيدات تتداخل فيها هواجس الأمن الداخلي، وتحولات الإقليم، ومحاولات إعادة بناء الأولويات بعيدًا عن القضية الفلسطينية.

حركات المقاومة- وفي مقدمتها حماس- تمثل نموذجًا حساسًا لدى عدد من الأنظمة. فهي قوى شعبية تمتلك خطابًا مؤثرًا، وحضورًا ميدانيًا متماسكًا، وقدرة على الاستمرار رغم الظروف القاسية.

هذا النموذج يُثير مخاوف متوارثة من انتقال "عدوى القوة الشعبية" إلى الداخل، كما حدث حين ألهبت ثورات الخمسينيات مشاعر الشعوب العربية، أو عندما فجّرت انتفاضة 1987 موجة تعاطف وضغط شعبي هزّت المنطقة بأكملها. لذلك تصبح هذه الحركات هدفًا مزدوجًا: تُحارَب من الاحتلال لأنه يراها خصمًا مباشرًا، وتتحفظ عليها بعض الأنظمة لأنها تمثل نمطًا لا ترغب في رؤيته يتكرر.

الأحداث الأخيرة كشفت هذه المعادلة بوضوح؛ فبعد طرح "خطة ترامب"، التي تكشف عن ثغرة قاتلة: غياب الضمانات الحقيقية لوقف الخروقات الإسرائيلية. هذه الخطة لم تُبنَ على أساس موازين قوى متكافئة أو حقوق ثابتة؛ بل اعتمدت في جوهرها على أجندة أمريكية- إسرائيلية تهدف إلى تصفية المقاومة ونزع سلاحها أولًا، دون إلزام الاحتلال بضوابط ردع فعالة لوقف الاستيطان أو الاغتيالات أو التعدي على المقدسات.

وبالتالي تجعل تركيزها كله على مطالبة المقاومة بالتنازل، دون وضع آليات عقابية لإلزام الطرف الإسرائيلي.

والأدهى، أن دور الوسطاء العرب والدوليين يظل في الغالب ضعيفًا وغير فعّال عند وقوع الخروقات الإسرائيلية الكبرى؛ فبدلًا من ممارسة ضغط حقيقي لفرض عقوبة على العدو، تقتصر ردود فعلهم غالبًا على بيانات حذرة أو متابعة للمشهد، ما يضعهم في موقع "المراقب" بدلًا من "الضامن الفعّال". هذا الضعف في آليات الضمان يرسخ الانطباع بأن أي تسوية تُطرح، هي بالأساس إطار قابل للتلاعب من قبل الاحتلال، يتيح له استخدام الوقت لصالحه للمزيد من القضم والتمدد.

التاريخ القريب يدل على أن أي تسوية لا تنطلق من الإرادة الفلسطينية تتحول إلى إطار قابل للتلاعب. حدث ذلك في كامب ديفيد، وفي أوسلو، ويتكرر اليوم مع خطة ترامب. فالاحتلال يملك القدرة على إعادة تفسير البنود واستخدام الوقت لصالحه، بينما تكتفي الأطراف العربية المعنية بمتابعة المشهد أكثر مما تُسهم في تشكيله.

ويبقى السؤال: هل يمكن لمثل هذه الخطط أن تنجح؟ التجربة تشير إلى أن نجاحها يتطلب قبولًا فلسطينيًا واسعًا، وهو ما لم يتحقق، خصوصًا أن الخطة بُنيت على منطق أحادي يجعل "الحل" أقرب إلى إعادة ترتيب الاحتلال بلغة سياسية ناعمة. وهكذا تبقى المقاومة- رغم اختلاف تقييم أدائها- الطرف الوحيد الذي يتحرك على قاعدة الفعل لا البيانات.

بحسب ما أتابعه من قراءات وتحليلات، فإن فرص نجاح أي خطة لا تُلزم الاحتلال بقواعد واضحة وتضمن الحد الأدنى من الحقوق، ستظل ضعيفة. فالخطة التي تستند على الضغط على المقاومة دون ردع الاحتلال، تشبه محاولة بناء بيتٍ على أرض رخوة؛ أول هبّة ريح تكشف هشاشته.

ولعل العدو يدرك- قبل غيره- أن كسر حماس ليس سهلًا؛ فالمقاومة التي صمدت تحت الحصار، وتحت النار، وتحت كل حملات التشويه، ليست مجرد تنظيم؛ إنها حالة وعي تشكّلت عبر عقود من الجراح والأمل. وهذا ما يجعل بعض الأنظمة أكثر حذرًا… وربما أكثر عداءً.

في الجوهر، الموقف المتشدد تجاه المقاومة لا يرتبط بقيم سياسية بقدر ما يرتبط برغبة عدد من الأنظمة في طيّ صفحة الصراع، أو على الأقل تحييده عن حساباتها الجديدة. لكن وجود مقاومة فاعلة يعيد تذكير الجميع بأن الملف لم يُغلق، وأن أي ترتيب لا يأخذ حقوق الفلسطينيين بجدية لن يعيش طويلًا.

لهذا تبدو المفارقة مفهومة: تُنتقد المقاومة لأنها ترفض التكيف مع المعادلات الجديدة، ولأن استمرارها يربك خطاب “الاستقرار بأي ثمن”. أما الاحتلال، فاعتاد أن يجد من يخفف عنه عبء الانتقاد، حتى وهو يمضي في خروقاته يومًا بعد يوم.

ولذلك، كلما اشتد الهجوم على حماس… ازددتُ يقينًا أن ما يؤلم خصومها ليس فعلها، بل ثباتها.

وما يزعجهم ليس قوتها، بل قدرتها على النجاة. وما يخيفهم ليس خطابها؛ بل الأمل الذي تبقيه حيًا في قلوب الناس.

هذه الصورة ليست تحليلًا سياسيًا بقدر ما هي قراءة واقعية لمشهد يتكرر عبر العقود: حين يتراجع الصوت الرسمي، تظل القوى الشعبية- مهما اختلفت التقديرات حولها- هي الكف التي تمنع سقوط القضية بالكامل.

في النهاية.. يظل الثابت أن من يحمل البندقية ومن يرفض الانحناء هو الأكثر استهدافًا. أما من يفاوض بلا أوراق قوة، أو يساير الرياح حيثما هبّت، فلن يكون موضع قلق لأي أحد.

مقالات مشابهة

  • إصابة 3 فلسطينيين في قصف للاحتلال على جباليا و خان يونس بقطاع غزة
  • "لجان المقاومة": ما يجري في غزة فصل جديد من حرب الإبادة وسط صمت دولي
  • روضة الحاج: يا بلادي أنا بالبابِ وفي كفي الأناشيدُ التي كنتِ تحبينَ
  • غزة: 12 ضحية وانهيار 13 منزلًا وأكثر من 27 ألف خيمة بسبب المنخفض الجوي
  • سوريا وفرنسا تطلبان من لبنان اعتقال مدير المخابرات الجوية السابق.. ماذا نعرف عن جميل حسن؟
  • ماذا نعرف عن إبراهيم السالمي رئيس التحرير الجديد لوكالة الأنباء العُمانية؟
  • بالفيديو.. ياسر مدخلي لـ"ياهلا بالعرفج": مسرح الخشبة هو الحياة الموازية التي نتمناها ونبحث عنها ونصلح فيها ما نعجز عن إصلاحه في الحياة!
  • المقاومة بين ضغط العدو وصمت القريب
  • تقدير إسرائيلي.. تنسيق قطر مع أمريكا بشأن غزة يُضيّق الحيز الاستراتيجي للاحتلال
  • أمن المقاومة يحذّر من منشورات دعائية ألقتها مسيّرات الاحتلال وسط النصيرات