يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص

مع نهاية كل عام دراسي تكرس جماعة الحوثي جهودها وتقود حملات مكثفة من خلال المنابر ووسائلها الإعلامية وقيادتها وعقال الحارات والمشرفين التابعين لها، وذلك لإقناع أولياء الأمور في المناطق الخاضعة لسيطرتها، بإلحاق أبنائهم في مراكز الجماعة الصيفية.

وتولي الجماعة المراكز الصيفية التابعة لها مع كل عام اهتماما كبيراً، وتحشد لها الإمكانات، وتنفق مبالغ طائلة لدعم هذه المراكز وتكثف الحملات الإعلامية لها وتستخدم وسائل الترهيب والترغيب، لضمان الدفع بمئات الآلاف من النشء لهذه المراكز البعيدة وإبعادهم عن التعليم، والتي تنحصر مهمتها في زرع الأفكار الطائفية، كما تعمل من خلالها على تغيير وتحريف الهوية اليمنية وتغيير لمسارها وترسيخ للطبقية.

وتزعم الجماعة الحوثية، أن هذه المراكز، “حواضن تربوية آمنة لاستيعاب الطلاب والطالبات خلال العطلة الصيفية”، وتقول إن لها “دور في بناء جيل واعٍ متسلحٍ بالثقافة القرآنية والعلوم النافعة في ظل سعي الأعداء لإفساد الشباب من خلال الحرب الناعمة”، وهي في الحقيقة تمار الخداع، لتفخيخ عقول الأجيال وزرع الكراهية والطائفية في المجتمع اليمني.

وحسب مزاعم قيادات حوثية، فإن هذه المراكز استهدفت العام الماضي 2023 مليون خمسمئة ألف طفل يمني، هو ما يعني أن هذا العدد الكبير تلقى خلال شهرين لغسيل دماغ، من خلال شحنهم بأفكار منحرفة وهدامة تؤسس للعنف والكراهية والاقتتال بين اليمنيين إلى  درجة أن لا يتورع المتخرج من هذه المراكز الطائفة، في ارتكاب جرائم شنيعة بدءا بأسرته ومجتمعه الذي يعيش فيه .

“قنابل موقوتة”

وفي هذا السياق، يقول مراقبون تربويون، إن ما تقوم به الجماعة الحوثي من كل عام في هذه المراكز، ليس إلا تفخيخ للمستقبل من خلال تعبئة آلاف الطلبة بالأفكار الطائفية القاتلة وتحويلهم إلى قنابل موقوتة جاهزة للإنفجار في أي لحظة.

ويقول وكيل وزارة حقوق الانسان اليمنية، ماجد فضائل، إن المراكز الصيفية الحوثية تشكل خطرا كبيرا على أجيال كاملة حيث يتم تنشئة الأطفال على الأفكار الطائفية وثقافة القتل والإرهاب وتعمل الجماعة الحوثية الطائفية على غسل أدمغتهم بتشويه الحقائق وترويج أفكار متطرفة تستهدف استقرار المجتمع وسلامته.

الصحفي، أحمد شبح يرى أن “المراكز الصيفية المغلقة” الحوثية هي معسكرات تدريبية جهادية تنظيمية خالصة مخصصة لتأطير طلاب الثانوية والشباب فوق (14عاما) من أبناء السلالة والمشرفين الحوثيين.

وذكر أن يتم تغييب الطلاب المستهدفون في هذه المراكز، بأكثر من 40 يوماً وإخضاعهم لدورات مكثفة في القتال والعقيدة، وتخريج عناصر تدين بالولاء المطلق لسيد الجماعة والعداء لليمن والعرب.

“تفخيخ لعقول الأجيال”

بدوره، يقول نائب رئيس شعبة التوجيه المعنوي بمحور تعز العقيد عبدالباسط، إن خطورة المراكز الصيفية الحوثية أشد من خطورة الانحرافات السلوكية، كون المنحرف في الفكر شديدة خطورته وصعب إقناعه والمنحرف في السلوك من السهولة علاجه واصلاحه، وكون فساد التصور هو الدافع والأساس لفساد التصرف.

وأضاف البحر، في تعليقه على خطورة هذه المراكز ، قائلاً: “من المعلوم أن المليشيات جرَّفت كل منابع ومنابر الفكر الصافي القائم على التوازن والوسطية والاعتدال كجامعة الايمان مثلا ولم تبقِ إلا على مراكز الغلو الطائفي العصبوي المقيت وثقافة الموت والأحقاد واللعن والعنف والكراهية، ولذلك كله يمكنني القول أن المراكز الصيفية الحوثية تفخيخ لعقول الأجيال وزرع للكراهية والطائفية في المجتمع اليمني.

وشدد البحر على أهمية استشعار المسؤولية من قبل أولياء الأمور في مناطق سيطرة الحوثيين،  في ظل تنامي الأفكار الطائفية والعصبية من خلال قيام الكل بواجبه ومسؤولياته لتحصين الجيل من الخرافات وكافة الانحرافات، مؤكداً أن استعادة الدولة ومؤسساتها هو الضامن الأهم لحماية المواطنين من الافكار الضالة ولاستعادة حقوقهم وحرياتهم الفكرية والسلوكية.

وفي الآونة الأخيرة، وثق التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الانسان (تحالف رصد) زيادة في تجنيد الأطفال منذ أن بدأ الحوثيون هجماتهم على البحر الأحمر في نوفمبر 2023، حيث يستغل الحوثيون الحرب في غزة وتعاطف اليمنيين مع القضية الفلسطينية لتعبئة وتجنيد الأطفال.

ويستخدم الحوثيون المدارس والمرافق التعليمية لأغراض التجنيد والتعبئة، بما في ذلك إنهاء استخدام الأنشطة المدرسية لأدلجة عقول الأطفال وتحريضهم أو تعريضهم للأفكار العنيفة والمتطرف.

“الأقارب أول الضحايا”

ومنذ تدشين هذه المراكز الطائفية، تصاعدت خلال الأربع السنوات الأخيرة، ظاهرة قتل الأقارب في مناطق سيطرة الجماعة، طالت الآباء والأمهات والأبناء والإخوة والأخوات وغيرهم من الأقارب، في ظاهرة سابق لم يسبق أن شهدها اليمنيون.

ويرجع كثير من المراقبين الأسباب في اتساع ظاهرة قتل الأقارب، إلى تعمد الجماعة الحوثية في تغذية الشباب والأطفال بالعنف والتحريض على القتل، إذ تؤكد تقارير حقوقية، أن استهداف الأقارب من الدرجة الأولى يقف وراءه أشخاص ملتحقين بالمراكز الحوثية.

وأشاروا إلى أن “غسيل الأدمغة والتحشيد والفرز العنصري والطبقي وحشد الأطفال للجبهات، أدى إلى تصدع كبير داخل الأسرة مما سبب حالة من التفكك والاختلاف والصراع داخل الأسرة الواحدة “، كما أن وسائل التحريض والتعبئة وخطاب الكراهية الذي تكرسه أدى إلى ترسيخ حالة من المقت والكراهية في وعي المنتسب لها يوجه ضد الأسرة والمجتمع الذي ينتمي إليهما.

ولعل حادثة مقتل مشرف ثقافي حوثي وإصابة آخر الأسبوع الماضي، على يد ولي أمر طفل تعرض للاعتداء الجنسي في أحد المراكز الصيفية، في مديرية معين بالعاصمة صنعاء، احدى الأمثلة على نتائج هذه المراكز الملغمة بالأفكار الدخيلة على المجتمع اليمني.

ونهاية الشهر المنصر، أقدم مسلح حوثي ممن التحقوا بهذه المراكز في مديرية أفلح اليمن شمال محافظة حجة، على قتل طفل وإصابة شاب آخر، دون مبرر ومنع المواطنين من إسعافهما لساعات، في حادثة تكررت خلال الثمان السنوات الماضية وفي مناطق مختلفة من البلاد.

وحسب رصد سابق للشبكة اليمنية للحقوق والحريات، فإن 161 مواطناً يمنياً قتلوا أو أصيبوا برصاص أبنائهم الأطفال المجندين لدى الحوثيين منذ مطلع العام 2021، تحت تأثير دورات الشحن والتعبئة الطائفية الإرهابية.

مراكز عسكرية بأفكار متطرفة

ووفقا للشبكة، فإن جماعة الحوثي أوكلت لقياداتها ومشرفيها الأمنيين والعسكريين الإشراف على تلك المراكز الصيفية التي تشبه الدورات الثقافية والتدريبية التي يقيمونها للمجندين الجدد، ولكن ببرامج وقت أقل إلا أنه يتم في هذه المراكز تكثيف النشاط الفكري التعبوي للأفكار الحوثية الطائفية المتطرفة، خصوصاً كتيبات وملازم مؤسسة الجماعة الصريع حسين الحوثي.

وذكرت الشبكة أن تلك المراكز تمارس سياسة تفخيخ عقول الأطفال والأجيال القادمة بأفكار متطرفة، كما يتعرض الأطفال في هذه المراكز للعنف الجسدي والتحرش الجنسي، مشيرة إلى أن تدريبات تلك المراكز تقوم على معارك افتراضيه للأطفال وتدريبات على حمل واستخدام السلاح وإعدادهم كمرحله أولى استعداداً لنقلهم لجبهات القتال.

من جانبها، حذرت الحكومة اليمنية من “مخاطر هذه المراكز”، معتبرة أنها تنشر الأفكار الدخيلة على المجتمع اليمني، وتغسل عقول الأطفال بشعارات طائفية وكراهية، وتحويلهم إلى أدوات للقتل والتدمير، ووقود لمعارك الجماعة التي لا تنتهي، وقنابل موقوتة لا تمثل خطراً على النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي في اليمن فحسب، بل يشكلون تهديدا جدياً للأمن والسلم الإقليمي والدولي”.

وأشارت إلى أن “تقارير ومسوح ميدانية أجرتها عدد من المنظمات الحقوقية المتخصصة، كشفت أن غالبية الأطفال الذين جندهم الحوثيون خلال السنوات الماضية، وزجت بهم في جبهات القتال، تم استدراجهم عبر هذه المراكز.

ونوهت إلى أن “غالبية جرائم “قتل الأقارب” التي انتشرت في السنوات الماضية بمناطق سيطرة المليشيا كانت لأطفال تم استقطابهم في تلك المراكز والحاقهم بدورات ثقافية. ”

اقرأ أيضا “الصيف&”.. فقاسة قتلى الحوثيين الجدد (تقرير خاص) استهداف تلاميذ اليمن.. مناهج مفخخة تنذر بجيل طائفي يمجد العنف والموت كيف يساهم خطاب الكراهية في تأجيج الصراع باليمن؟

 

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: الأطفال الحوثيون المراكز الصيفية اليمن تجنيد الأطفال تفخيخ جرائم المراکز الصیفیة المجتمع الیمنی الجماعة الحوثی فی هذه المراکز تلک المراکز من خلال إلى أن

إقرأ أيضاً:

تحذير أمريكي من جهات دولية روسية وصينية تسعى لشرعنتهم وتبييض صورتهم ... مليشا الحوثي تدخل في تنسيق عسكري مباشر مع موسكو وتتلقى دعماً استخباراتياً من الأقمار الصناعية الروسية و أسلحة صينية

 

حذرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، من أن جماعة الحوثي تسير بخطى متسارعة نحو انتزاع اعتراف دولي زائف، عبر حملات دعاية دولية ممنهجة، تسوّقها كـ"حركة مقاومة مشروعة" بدلًا من كونها ميليشيا طائفية انقلبت على الدولة اليمنية وتحكم بالحديد والنار.

 

ونشرت المجلة مقالا للباحثة السياسية فاطمة أبو الأسرار، أشارت فيه إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بين الولايات المتحدة والحوثيين في البحر الأحمر، لم يكن انتصارًا للسلام بقدر ما شكّل هدية سياسية للجماعة التي سرعان ما استثمرته لتعزيز سرديتها أمام الرأي العام العالمي.

 

اتهمت أبو الأسرار وسائل إعلام رسمية روسية وصينية، خصوصًا قناة "آر تي"، بلعب دور أساسي في إعادة تصدير الحوثيين كـ"ضحايا للتدخل الأمريكي"، وتقديم هجماتهم على الملاحة في البحر الأحمر كأعمال مقاومة مشروعة.

 

وأضافت أن كتابًا مثل سيرغي ستروكان ومحللين صينيين شاركوا في هذه الحملة، متجاهلين الطبيعة القمعية للجماعة، وارتباطها العضوي بالحرس الثوري الإيراني.

 

وذكرت الباحثة أن الجماعة دخلت في تنسيق عسكري مباشر مع موسكو، من خلال إرسال مقاتلين يمنيين للقتال في أوكرانيا، وتلقّي دعم استخباراتي من الأقمار الصناعية الروسية، بالإضافة إلى حصولهم على أسلحة صينية.

 

شددت أبو الأسرار على أن الخطر لا يكمن فقط في الصواريخ والطائرات المسيّرة، بل في الرواية الإعلامية التي تنقلها الجماعة إلى الخارج، وتخدع بها قطاعات واسعة من الرأي العام العالمي.

 

واعتبرت أن الحوثيين يستغلون قضية فلسطين لإضفاء الشرعية على سلوكهم القمعي، كما أن خطابهم المناهض للغرب يُستخدم كغطاء لحملات الاعتقال والتجنيد الإجباري ونهب الأموال في الداخل اليمني.

 

دعت الكاتبة الولايات المتحدة إلى التحرك الفعّال، ليس فقط في الرد على الهجمات، بل في تفكيك شبكة العلاقات الدولية التي تمكّن الحوثيين من تصدير روايتهم وتقديم أنفسهم كقوة مقاومة. كما دعت إلى دعم الأصوات اليمنية التي تواجه هذه الأكاذيب، وتسليط الضوء على الانتهاكات اليومية التي ترتكبها الجماعة بحق اليمنيين.

 

نص مقال الباحثة فاطمة أبو الأسرار:

 

في السادس من مايو/أيار، أدى وقف إطلاق نار مفاجئ بين الولايات المتحدة والحوثيين - استثنى إسرائيل صراحةً - إلى توقف الصراع في البحر الأحمر. كما منح الميليشيات فوزًا دبلوماسيًا نادرًا وغير مستحق. فبعد أشهر من استهداف السفن التجارية واستدراج قوة عظمى إلى الحرب، خرج الحوثيون المدعومون من إيران حاملين ما يطمحون إليه أكثر من الأرض: الاعتراف. لم يصلوا إلى هذا المأزق بمفردهم.

 

فقد أدت حملة موازية لتبييض الروايات، شنتها وسائل الإعلام الحكومية الروسية، والمنظرون المناهضون للغرب، والمؤثرون الانتهازيون، إلى تلطيف صورة الجماعة. ومهدت هذه الحملة الطريق لواشنطن لمعاملتهم ليس كإرهابيين، بل كشركاء تفاوضيين محتملين.

 

في مقال بعنوان "لا تصنع حوثيًا لنفسك" نشرته قناة آر تي في مارس/آذار، جادل المعلق الروسي سيرغي ستروكان بأن الغارات الجوية الأمريكية في اليمن قد خلقت "صورة عدو" مصطنعة للحوثيين. صوّرهم ستروكان ليس كإرهابيين، بل كقوة سياسية فعلية تتفاعل مع الديناميكيات الإقليمية، وكتب أن الغارات الجوية الأمريكية الأخيرة "تحمل جميع سمات التدخل".

 

وبينما صُممت المقالة كنقد للسياسة الأمريكية، فإنها تعكس نمطًا أوسع: تطبيع الحوثيين من قبل أصوات أجنبية متحالفة مع ما يُسمى بالسرديات المناهضة للإمبريالية. ما يُغفل في هذه الروايات هو السلوك الاستبدادي للجماعة في الداخل، بالإضافة إلى دورها الاستراتيجي كامتداد للنفوذ الإيراني الإقليمي.

 

تجلّت هذه الرواية نفسها جليةً عندما استضاف الحوثيون مؤتمرًا رفيع المستوى في صنعاء حول فلسطين في الشهر نفسه. هذا المؤتمر، الذي عُقد بعد أسبوع من الغارات الجوية الأمريكية اليومية التي بدأت في 15 مارس/آذار، استقطب وفودًا من العراق إلى أيرلندا.

 

وكما هو الحال في مقال ستروكان، أعاد هذا الحدث تسمية ميليشيا طائفية بحركة مقاومة، مُتشبِّهًا بعلم التحرير الفلسطيني، ومُقدَّمًا لجمهور عالمي حريص على تجاهل جوهر الجماعة الاستبدادي.

 

في معرض تسليط الضوء على تنامي نفوذ الحوثيين الدولي، حضر المؤتمر رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي، والسياسي الجنوب أفريقي زويليفيليلي مانديلا (حفيد نيلسون مانديلا)، وعضوا البرلمان الأوروبي السابقان كلير دالي وميك والاس من أيرلندا. كما حضر ما شياولين ، وهو باحث صيني منتسب إلى جامعة تشجيانغ للدراسات الدولية وصحفي سابق يتمتع بعلاقات وثيقة مع وسائل الإعلام الحكومية الصينية.

 

ولكن ربما كان الأكثر دلالة هو تشكيلة الأصوات. فقد شارك كريستوفر هلالي، السكرتير الدولي للحزب الشيوعي الأمريكي الذي تأسس حديثًا، المنصة مع ستيفن سويني، الصحفي البريطاني ومراسل شبكة آر تي الممولة من الكرملين، وجاكسون هينكل ، وهو مؤثر على وسائل التواصل الاجتماعي ومؤسس مشارك للحزب الشيوعي الأمريكي. (عند عودته إلى الولايات المتحدة، تم احتجاز هلالي لمدة ثلاث ساعات من قبل الجمارك وحماية الحدود الأمريكية، مما عزز من أوراق اعتماده داخل هذه الدوائر).

 

كشف وجود كل هؤلاء الأفراد في اليمن عن نفوذ الحوثيين المتزايد ليس فقط داخل ما يسمى بمحور المقاومة الإيراني ولكن أيضًا داخل تحالف أوسع من الأيديولوجيين المناهضين للغرب الذين يعملون جنبًا إلى جنب مع الأنظمة الاستبدادية. وكان المؤتمر بمثابة لمحة عن كيفية قيام الشبكات الهامشية، المدعومة من وسائل الإعلام الحكومية والآلية الأيديولوجية، بإضفاء الشرعية على التشدد على الساحة العالمية.

 

إن نشر قناة RT لتبرئة الحوثيين ليس مصادفة. فقد تطورت علاقة الجماعة بروسيا مؤخرًا إلى شراكة متعددة الأبعاد، حيث يساهم الحوثيون بنشاط في الجهود الحربية الروسية من خلال تجنيد مدنيين يمنيين للقتال في أوكرانيا، غالبًا عن طريق الخداع.

 

وتشير التقارير الأخيرة إلى أن الجماعة تفاوضت ليس فقط مع روسيا، بل أيضًا مع الصين لتوفير ممر آمن لسفن هاتين الدولتين عبر البحر الأحمر مقابل دعم سياسي، مستفيدةً في الوقت نفسه من مكونات أسلحة صينية المصدر، ومعلومات استخباراتية روسية عبر الأقمار الصناعية للاستهداف البحري، وغطاء دبلوماسي في مجلس الأمن الدولي .

 

في هذا السياق، تكشف استراتيجية الحوثيين في إرسال الرسائل عن ثلاثة أهداف استراتيجية متميزة: فهي تُقدم مبررًا بأثر رجعي لهجماتهم على الملاحة الدولية؛ وتُصنّع شرعية دولية رغم افتقارها للاعتراف السيادي؛ وعلى الصعيد المحلي، تُعزل المعارضة اليمنية بالإشارة إلى أن القوى العالمية قد قبلت فعليًا بحكم الحوثيين كأمر واقع . يُمثل هذا تكتيكًا حربيًا هجينًا كلاسيكيًا، يجمع بين العمليات الحركية وحملات التأثير لتحقيق نتائج استراتيجية لا تستطيع القوة العسكرية وحدها تحقيقها.

 

استفاد المشاركون في مؤتمر صنعاء من هذه الاستراتيجية المنسقة بتعزيز وهم الزخم الأيديولوجي العالمي. جاءت كلمات مسجلة مسبقًا من النائب البريطاني السابق جورج غالاوي، والفيلسوف القومي الروسي المتطرف ألكسندر دوغين، وأليدا جيفارا، ابنة تشي جيفارا، وقد اختيرت كلماتهم لثقلها الرمزي أكثر من أهميتها الدبلوماسية.

 

يعكس هذا الحدث المُدبَّر بدقةٍ ما يُميّز الحوثيين عن الجماعات المتطرفة كالقاعدة أو الدولة الإسلامية. ففي حين تتبنى هذه الجماعات أيديولوجيةً عدائيةً صارمةً تجاه الأجانب، يُقدّم الحوثيون صورةً مختلفةً تمامًا: صورةً ودودةً، بل ومحبوبةً ، خاصةً لدى الجمهور الغربي.

 

بدعم إيراني أيضًا، لم يعد الحوثيون مجرد متمردين مسلحين؛ بل هم قوة هجينة بالوكالة تتمتع بحماية دبلوماسية ومعدات عسكرية واستثمار استراتيجي طويل الأجل. فعلى عكس الحركات الجهادية التي يحركها النقاء العقائدي، فإن الحوثيين انتهازيون سياسيون.

 

سيقبلون المساعدة من أي شخص يرغب في تقديمها. وقد مكّنتهم هذه البراغماتية ليس فقط من البقاء، بل من الازدهار أيضًا. على مر السنين، تمتعوا بسمعة سخية بشكل مدهش بين الدبلوماسيين الغربيين، الذين قدم لهم بعضهم هدايا، وكتبوا مقالات رأي لتحسين صورتهم ، وعاملوهم بمستوى من الاحترام نادرًا ما يُمنح للمتمردين.

 

تم استخدام كل من دالي ووالاس كرموز للتحدي الغربي، حيث قدما تأييدًا مثيرًا للقلق للحوثيين في المؤتمر. كان خطاب والاس على وجه الخصوص محملاً بالخطاب المناهض للغرب وألقي بحماس ثوري ممارس. واتهم إسرائيل بأنها "لا تفهم إلا لغة العنف"، ووصف القوى الغربية بأنها المهندسة الحقيقية للإرهاب العالمي، وصوّر اليمن على أنها طليعة في النضال العالمي ضد الإمبريالية.

 

ولكن ربما كانت اللحظة الأكثر دلالة عندما أعلن أن "المستقبل الآن ملك للصين"، مشيدًا بضبط النفس المفترض من جانب بكين من خلال الادعاء بأنها لم تسقط قنبلة منذ 50 عامًا. لقد كان بيانًا لم يضف طابعًا رومانسيًا على القوة الاستبدادية فحسب، بل تجاهل أيضًا انتهاكات الصين الموثقة جيدًا لحقوق الإنسان : الاعتقال الجماعي للأويغور في شينجيانغ؛ والقمع في هونغ كونغ؛ وعدوانها العسكري المتزايد في بحر الصين الجنوبي.

 

دأب الحوثيون على التلاعب بالروايات الدولية لمصلحتهم، بدءًا من اتفاق ستوكهولم الذي جمّد ديناميكيات ساحة المعركة لصالحهم، وصولًا إلى جهود الضغط لتصويرهم كمقاومة محلية ضد السعودية بدلًا من ميليشيا استبدادية.

 

من منظور استراتيجي، سعى مؤتمر صنعاء إلى ملء الفراغ الذي خلّفته وكالات الأمم المتحدة التي انسحبت من مناطق الحوثيين بسبب تزايد عدوانهم وعدم القدرة على التنبؤ بتصرفاتهم. سبق أن التقت وكالات الأمم المتحدة بقيادة الحوثيين ، وشرعنت عن غير قصد مطالبتهم بالسلطة، سواء من خلال مبادرات دبلوماسية فاشلة مكّنت الجماعة، أو من خلال التقاط الصور في خضمّ عدوان الحوثيين وسرقة المواد الغذائية .

 

إن المخاوف بشأن معاناة الفلسطينيين في سياق الحرب بين إسرائيل وحماس - وهي جوهر ادعاء الحوثيين بالصلاح - يتشاركها الكثيرون في جميع أنحاء المنطقة وخارجها. ومع ذلك، فإن الحوثيين، بالنظر إلى سجلهم الخاص في القمع الداخلي والعدوان الإقليمي، غير مؤهلين للعمل كمدافعين موثوقين.

 

يصبح التناقض أكثر وضوحًا عند فحص الواقع على الأرض. بينما يشيد والاس بالتزامهم المفترض بالقانون الدولي، فإن الحوثيين يعتقلون ويعذبون ويخفون بشكل منهجي الأقليات، بمن فيهم البهائيون والصحفيون والمعارضون السياسيون. لقد احتجزوا موظفي الأمم المتحدة بتهم تجسس ملفقة ، مما أجبر الأمم المتحدة على التخلي عن عملياتها في الأراضي الحوثية منذ فبراير .

 

إن تركيز إدارة ترامب الضيق على إضعاف قدرات الحوثيين الهجومية في البحر الأحمر يمثل نهجًا تكتيكيًا لمشكلة استراتيجية، لكنه لا يعالج البيئة الأوسع التي تُمكّن الحوثيين من إبراز قوتهم. إن تُركت حملة الشرعية التي يشنها الحوثيون دون معالجة، فإنها تُهدد بترسيخ مكانتهم كامتداد دائم لقدرات إيران على إبراز قوتها في شبه الجزيرة العربية.

 

سيُغير هذا التطور جذريًا حسابات توازن القوى الإقليمية، مما يُقوّض الشراكات الأمنية الأمريكية في الخليج، ويُوسّع العمق الاستراتيجي لإيران، وهو أمرٌ مُقلقٌ بشكل خاص مع استمرار طهران في طموحاتها النووية.

 

ولعل الأمر الأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية هو برنامج التلقين الجيلي الجاري تنفيذه في الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون، وهي حملة تهدف إلى إنشاء قاعدة سكانية ملتزمة أيديولوجياً من خلال استغلال القضايا الإسلامية القومية مثل فلسطين.

 

إن صانعي السياسات في واشنطن مُحقّون في تركيزهم على عنف الحوثيين الخارجي، لكن عليهم توسيع جهودهم الدعائية المضادة، وتحديدًا استهداف الشبكات التي تُضخّم رسائل الحوثيين، بما في ذلك تحديد وكشف السلوكيات الزائفة المُنسّقة عبر المنصات.

 

علاوةً على ذلك، ينبغي أن يُسلّط التواصل الدبلوماسي مع الحلفاء التقليديين في المنطقة الضوء على التناقض بين رسائل الحوثيين الدولية وقمعهم الداخلي. كما ينبغي أن تستهدف العقوبات تحديدًا الأفراد الذين يُسهّلون تواصل الحوثيين الدولي، وليس فقط قيادتهم العسكرية. وأخيرًا، ينبغي على الولايات المتحدة الاستثمار في إبراز الأصوات اليمنية الأصيلة القادرة على تقديم بدائل موثوقة لروايات الحوثيين.

 

رغم ادعاء الرئيس الأمريكي ترامب، عقب إعلان وقف إطلاق النار، أن الحوثيين قد "استسلموا"، سارع كبار مسؤولي الحوثيين إلى إعادة صياغة وقف الأعمال العدائية، واصفين الولايات المتحدة بالقوة العظمى البراغماتية التي تُدرك تكلفة استمرار التصعيد.

 

لكن زعيمهم، عبد الملك الحوثي، ناقض حتى هذا التخفيف، مُعيدًا تصوير اللحظة على أنها انتصار للحوثيين: "لم يكن الموقف الأمريكي، كما زعم الكافر المجرم ترامب، نتيجة مناشدة أو استسلام من اليمن".

 

لا يزال الحوثيون منخرطين في صراعٍ متعدد الأوجه بين إيران والقوة الأمريكية، صراعٌ يُسلّح ممرات الشحن ، والروايات الإعلامية، والجهات السياسية الغربية في آنٍ واحد.

 

وبينما تُركّز العمليات البحرية الأمريكية على الأعراض التكتيكية، ينتشر المرض الاستراتيجي الأعمق دون رادع. وتمتد السابقة التي تُرسى هنا إلى ما هو أبعد من البحر الأحمر؛ إذ تُظهر لكلّ مُخرّبٍ مُحتمل مدى فعالية استغلال الأصوات الغربية لإضفاء الشرعية على أفعالٍ كانت ستُدان عالميًا لولا ذلك

مقالات مشابهة

  • تقرير حكومي فرنسي: جماعة الإخوان متغلغلة في مفاصل الدولة
  • “بين زيت الزلابيا وشيخ الكنافة”.. كيف حوّل الحوثي حياة اليمنيين إلى جحيم للجرائم المُمنهجة؟
  • مليشيا الحوثي تستبدل معدات اتصالات إيرانية بأخرى من ‘‘روسيا والصين’’
  • جماعة الحوثي: سنوجه ضربات لتل أبيب خلال الساعات المقبلة
  • جماعة الحوثي: سنوجه ضربات لتل أبيب في الساعات المقبلة
  • الحوثي تتوعد بضرب مطار بن غوريون خلال الساعات المقبلة انتصارا لغزة
  • نقابة المعلمين اليمنيين تُدين التعديلات الحوثية على المناهج وتحذر من خطر تطييف التعليم
  • أنشطة توعوية لطلاب المراكز الصيفية في المحويت
  • تحذير أمريكي من جهات دولية روسية وصينية تسعى لشرعنتهم وتبييض صورتهم ... مليشا الحوثي تدخل في تنسيق عسكري مباشر مع موسكو وتتلقى دعماً استخباراتياً من الأقمار الصناعية الروسية و أسلحة صينية
  • القمة العربية: تاكيد مصري سعودي على أمن الملاحة الدولية وابو الغيط يقول: ''جماعة الحوثي فاقمت معاناة اليمنيين''