علي جمعة: القلب له بابان.. وعلى كل مسلم بدء صفحة جديدة مع الله
تاريخ النشر: 9th, May 2024 GMT
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، انه علينا أن نبدأ صفحة جديدة مع الله تعالى ولو مائة مرة في اليوم، فسيد المرسلين ﷺ الذي غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ورفعه الله مقاما عليّا قال: (إِنَّهُ لَيُغَان عَلى قَلْبِي، وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ كلَّ يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةٍ), استغفاره من جنس آخر غير استغفارنا، لكنه يعلمنا الاستغفار الذي يتواءم ويتناسب مع طبيعتنا ورتبتنا؛ فالقلب له بابان: باب مفتوح على الخلق ، وباب مفتوح على الحق - سبحانه وتعالى - .
الباب المفتوح على الحق تدخل منه الأنوار وتنكشف به الأسرار.
والباب المفتوح على الخلق يتعامل به الإنسان مع الناس في مصالح الدنيا ومشاغلها.
وسيد الخلق وإمام المرسلين ﷺ أُمر بتبليغ الدعوة من ربه وأرسله الله رحمة للعالمين وللناس كافة، فهو مأمور أن يتعامل مع الناس، فكانت الأنوار تدخل من شدة العبادة والتعلق بالله فتُغلِق باب الخلق، ريح من الأنوار يدخل فيغلق باب الخلق فلا يريد أن يرى أحد، يريد أن يعتزل ؛ لأن مَنْ كان أنسه بالله لا يطيق الناس، وهذا لا يجوز في حقه ﷺ لأن هناك رسالة لابد أن يبلغها، فيستغفر الله - سبحانه وتعالى - لانغلاق باب الخلق عنده حتى يفتح.
أما نحن فغين الأغيار هي التي تغلق باب الحق؛ فننشغل بالأشياء والأشخاص والأحوال والأحداث وننشغل بكل شيء دون الله عز وجل؛ فيجب أن نستغفر حتى تدخل الأنوار ويُفتح باب الحق.
سيدنا أبو الحسن الشاذلي استشكل الحديث, فمعنى "يُغان" أن تأتي سحابة أو شيء من هذا القبيل ، وقال : كيف يغان على قلب سيدنا رسول الله ﷺ إذا كان أنا لا يغان على قلبي ؟ فرأى النبي ﷺ في المنام وقال له : يا عَليّ غَين أنوار لا غَين أغيار.
غين أنوار دخلت من باب الحق فأغلقت باب الخلق.
فالغَين نوعان: غَين أغيار؛ يغلق باب الحق، وغَين أنوار؛ يغلق باب الخلق، وفي كليهما نستغفر ربنا، لأن إغلاق أي منهما يُعْتَبَرُ نقصا، ولذلك سيدنا النبي ﷺ من اشتغاله بربه وشدة تعلق قلبه بالله تعالى تغيب عنه الرسوم -الاكوان-، فسهى في الصلاة - وهذا في الظاهر - حتى يعلمنا عندما نسهو في الصلاة ماذا نفعل، قالوا :
يا سائلي عن رسول الله كيف سها ** والسهو من كل قلب غافل لاهي
قد غاب عن كل شيء سره فسها ** عما سوى الله فالتعظيم لله
يعني سيدنا رسول الله ﷺ استغرق مع الله، إلى أن ظهر بمظهر النسيان أمام الخلق؛ إِلَّا أن قلبه لم يغفل عن الله، بل غفل عن الرسوم.
أين هذا من نسياني في الصلاة؟
أنا أنسى؛ لأني منشغل بالدنيا.
وهو ينسى؛ لأنه منشغلٌ بالله.
فكلانا يصدق عليه السهو؛ ولكن أين السهو هذا من هذا؟.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: باب الحق
إقرأ أيضاً:
الإفتاء: القلب السليم أصدق من صورة الطاعة أو المعصية
أكدت دار الإفتاء المصرية أن طاعة الله ورسوله هي سبيل الفوز الحقيقي برضا الله وجنته، وأن من ثمرات الطاعة مرافقة النبيين والصديقين والشهداء، مستشهدة بآيات قرآنية متعددة تدل على أن الطاعة طريق النجاة، ومنها قوله تعالى: ﴿ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات...﴾ [النساء: 13]، و﴿فقد فاز فوزا عظيما﴾ [الأحزاب: 71].
وشددت الدار في بيانها على أن المعصية سبب في الهلاك والعذاب والغضب الإلهي، مصداقا لقوله تعالى:﴿ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا﴾ [الأحزاب: 36].
القلب هو المعيار الحقيقي
وأوضحت دار الإفتاء أن القلب هو الميزان الحقيقي في القرب من الله، مستندة إلى قول الله تعالى:﴿فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب﴾ [الحج: 46]، وإلى حديث رسول الله:
«إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم».
الطاعة ليست بالمظهر
وأكدت الدار أن الطاعة التي لا تورث تواضعا وانكسارا، وتنتج عنها حالة من الكبر والعجب، لا تعد طاعة حقيقية، بل قد تصبح سببا للخذلان، بينما قد تكون المعصية التي تدفع الإنسان إلى التوبة والتذلل والخشوع أقرب إلى القبول عند الله، مشيرة إلى قول الإمام ابن عطاء الله السكندري:“معصية أورثت ذلا وافتقارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا”.
وبينت دار الإفتاء أن هذا المعنى يتفق تماما مع مقاصد الشريعة وأصول السلوك الروحي، إذ يركز على مراقبة القلوب لا مجرد الظواهر، مشيرة إلى أن المقصود ليس مدح المعصية أو ذم الطاعة، وإنما التحذير من الغرور والتعالي بعد الطاعة، والتنويه بقيمة التوبة والخضوع بعد الذنب.
دعوة للتوبة والتجرد
ونقلت دار الإفتاء قول العارف بالله أبو مدين:
“انكسار العاصي خير من صولة المطيع”، مؤكدة أن الانكسار والافتقار صفات عبودية يحبها الله، بخلاف الاستكبار الذي هو من صفات الربوبية، ولا يليق بالعبد.
وختمت الإفتاء بيانها بالدعاء أن يرزقنا الله قلوبا سليمة، خاشعة، لا تعرف الكبر بعد الطاعة، ولا تيأس بعد الذنب، مستشهدة بقوله تعالى:
﴿يوم لا ينفع مال ولا بنون ۞ إلا من أتى الله بقلب سليم﴾ [الشعراء: 88-89].