جبر الخواطر من الأخلاق الإسلامية السامية والتي يكون لها عظيم الأثر في النفس وتبقى محفورة في الذاكرة والقلب، ومن جبر الخواطر أن يجبر المسلم نفوساً قد كسرت وقلوباً فطرت وأجساماً أرهقت وأشخاصاً أرواح أحبابهم أزهقت، فما أجمل هذه العبادة وما أعظم أثرها.
وقد حثت الآيات القرآنية والسنة النبوية على جبر الخواطر من خلال الأحداث أو التوجيه المباشر يقول تعالى : {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }، النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب مكة التي عاش فيها طفولته بين عشيرته وأحبابه بجانب الكعبة المشرفة، فيأمره الله بتركها عندما تآمروا عليه ويخرج ليبلغ دينه، ثم يجبر الله بخاطر نبيه ويواسيه ويصبره بقوله سبحانه (لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) مقسماً بذلك أن يرده الى مكة، فتنزل تلك الآيات سلوانًا وأنساً للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فالله عزوجل من أسمائه الجبار يجبر الكسير والضعيف والفقير والمريض واليتيم وكل من يحتاج إليه فهو جبار متصف بكثرة جبره لحوائج خلقه ،
ومن السنة النبوية قصة غزوة حنين عندما قسم النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم وأعطى حديثي الإسلام من أعيان قريش المئات من الإبل كأبي سفيان بن حرب وأبي سفيان بن الحارث والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن، وكان عطاؤه تأليفاً لقلوبهم فوجد الأنصار في قلوبهم شيئاً بحكم الطبيعة البشرية؛ حيث لم يأتهم من تلك الغنائم إلا القليل فالنبي صلى الله عليه وسلم يثق بإيمانهم وسماحة نفوسهم فلما علم بما في نفوسهم جمعهم وجبر بخواطرهم وقال لهم: (أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم، ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم في رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلك الناس شعباً،
وسلك الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار، قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله قسماً وحظاً، ثم انصرف رسول الله) موقف عظيم يجبر بخواطر من آووه ونصروه عندما قلَّ الناصر ذهب إليهم ضعيفاً مطارداً فاستقبلوه وآزروه لنشر رسالة الإسلام، لم ينس ذلك فجبر بخاطرهم ،
إن الأمثلة كثيرة ولابد لنا من امتثالها، عندما ترى ضعيفاً ارتمى إليك فاجبر بخاطره، عندما ترى ابنك قد انكسر فاجبر بخاطره، عندما ترى زوجتك وقد ألمّت بها الهموم فاجبر بخاطرها ،
وجبر الخواطر لا يكون بالقول فقط بل يكون بالفعل و القول والمشاعر وكل مايجبر به الخاطر، حتى الطفل عندما يبكي وتضمه أمه فهي تجبر بخاطره،
يجب أن يكون ذلك أساساً في حياتنا ومعاملاتنا فما أجمل أن يشاد بإنسان أنه صندوق لجبر الخواطر، هي وظيفة الكل القاضي والشرطي والمعلم والطبيب والإداري وعامة الناس ، عندما يأتي مريض قد أصابه من الوجع ما أقض مضجعه فيجبر بخاطره ذلك الطبيب ويواسيه كيف سيكون الوقع على قلبه؟ قد تتحسن صحته لكلمتين قد سمعها ، عندما يقع بين الزوجين خلاف فيحضرون عند المصلح أو القاضي فيجبر بخاطرهما ويعيدهما إلى الحياة كيف سيكون أثر ذلك الموقف،
عندما يأتيك من ابتلاه الله بالمخدرات فتحتويه وتدله على الخير وتجبر بخاطره عندما تركه الصديق ونفر منه القريب فيعافيه الله ويعود للحياة كيف سيكون أثر ذلك الموقف في نفسه؟ سوف يدعو لك كلما سجد لله ، جبر الخواطر بلسم الجروح والماء العذب البارد،
يقول الإمام سفيان الثوري: “ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلي ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم “ ،هل مررت بموقف أظلمت فيه الدنيا أمام عينك من ابتلاء وحار عقلك وانسكبت دمعتك وأصبحت تمشي في الأرض حيراناً فيأتيك الفرج بعدالله يسوقه إليك بمن يجبر بخاطرك ويقف معك في محنتك؟ فيبقى ذلك في مخيلتك بعد انتهاء الكرب،
فاشكر الله على تلك النعمة التى أسدى بها لك بأن سخر لك من يقف معك ويملأ نفسك نوراً وقلبك لذة وسروراً، ذلك الصدر الرحب والمورد العذب، إن اليد التي تصون الدموع هي أفضل من اليد التي تسكبها ، والتي تشرح الصدور هي أشرف من التي تكمدها.
نسأل الله أن يجعلنا نوراً على قلوب المكلومين وأن يفرج هم المهمومين وينفس كرب المكروبين ويقضي الدين عن المدينين ويشفي مرضانا ومرضى المسلمين.
المصدر: صحيفة صدى
كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم جبر الخواطر
إقرأ أيضاً:
خطرفات وثغرات في رؤيا الحكيم المنامية
ما قاله الشيخ محمد هاشم الحكيم من انه راي الرسول صلي الله عليه وسلم في رؤيا منامية اثار كثير من الجدل في الأوساط السودانية خاصة وان الرواية التي رواها عن الرؤيا المنامية قد اشتملت علي مغالطات تتعلق باصل الرؤيا المنامية وحقيقتها مما افاض فيه المتداخلون والمعلقون عبر وسائط التواصل الاجتماعي ونقول في هذا الخصوص ما يلي:
اولا : قدم الحكيم لرؤياه المنامية بالحديث عن تاييده للقوات المسلحة وهذا واجبه وواجب كل سوداني في معركة الكرامة .
ولكن في الأمر شئ من الارباك للمستمعين عندما تحدث الحكيم عن سلاح المدرعات هل كان الحكيم داخل معسكر المدرعات ((مقاتلا)) ام كان في بيته في منطقة الشجرة او الحماداب وقد استطعت بصعوبة ان استخلص انه مكث في بيته ما شاء الله له ان يمكث ثم خرج الي مناطق آخري من السودان .
ثانيا : تحدث الشيخ محمد هاشم الحكيم قائلا رأيت سيدي عليه الصلاة والسلام ولم يذكر الرسول محمد صلي الله عليه وسلم باسمه المعلوم علي وجه الدقة والتحديد المطلوب في مثل هذه الحالات .
ثالثا : قال انه راي سيده حالسا في صالون كبير وعظيم في مجمع يرتدون جلباب أهل السودان وجلس الي جواره فهل كان المقعد المجاور للنبي صلي الله عليه وسلم فارغا حتي ياتي الحكيم ويجلس عليه ام انهم افسحوا له في المجلس هذا غير انه لم يبين مكان الجلوس هل في السودان ام خارج السودان وهل استطاع ان يتعرف علي شخص من الحاضرين في مجلس الرؤيا المنامية ؟
رابعا : لم يحفظ الشيخ محمد هاشم الحكيم الكلمات والعبارات التي قال ان صلي الله عليه وسلم قالها له علي وجه الدقة وقال : ان سيدي صلي الله عليه وسلم قال لي ما معناه ولم استبن الأمر وكان من الواجب عليه ان يحتفظ بالرؤيا لنفسه حتي لا ينقل عن الرسول صلي الله عليه وسلم ما يضعه في خانة من تقول علي بما لم اقل… وهو الحديث الذي استدل به في بداية حديثه عن رؤيته المنامية
خامسا : قال الشيخ محمد هاشم الحكيم ان سيده صلي الله عليه وسلم قال له الحرب انتهت وكما علق احد الشيوخ : إذا قال صلي الله عليه وسلم الحرب انتهت يعني انها توقفت تماما لان الصادق المصدوق لا ينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي ولا يكون قوله للتطمين او حمال اوجه او ان الحرب توقفت مجازا وليس حقيقة وكل الناس يعلمون ان المعارك بين القوات المسلحة ومليشيا الدعم السريع تدور رحاها في كردفان و دارفور بحشود غير مسبوقة من جانب التمرد ! فاذا قال نبي الله ان الحرب انتهت معناه مافي طلقة واحدة تخرج من البنادق.
سادسا : قال الحكيم ان سيدي صلي الله عليه وسلم قال له كلم الجيش والدعم السريع ان يتفاوضا والاصل في المتقاتلين والمتحاربين ان يتصالحا وهو اقرب الي فهم وحديث النبوة من كلمة تفاوض التي لا معني لها طالما ان الحرب قد انتهت .
الحرب انتهت فعلي ماذا التفاوض ؟ وهناك استرسال في الكلام يعبر من بنات افكار الحكيم عن الصلح وقرا الايات القرانية علي طريقة لا تقربوا الصلاة المعروفة لكونه توقف عند قوله تعالي وان طائفتان من المؤمنين اقتتلا فاصلحوا بينهما .ولم يكمل الآية : فإن بغت احداهما علي الاخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفئ الي أمر الله الي اخر الايات .
سابعا : اهل العلم من المسلمين يجوزون قتال الدعم السريع من هذا الباب وهو باب البغي والعدوان وما يعرف بجهاد الصائل وهذا ما اجمع عليه الفقهاء بان النبي صلي الله عليه وسلم قد شرع للمسلم ان يقاتل من اخذ ماله او انتهك عرضه وقال عليه الصلاة والسلام من مات دون ماله وعرضه فهو شهيد .
ثامنا: في السيرة النبوية اخذ ورد ومراجعات من قبل الصحابة في مواقف مشهورة مع الرسول صلي الله عليه وسلم في بدر وغزوة الخندق فلماذا لم يقل الشيخ محمد هاشم الحكيم يا رسول الله ان مليشيا الدعم السريع قتلوا أبناء الامة السودانية ونهبوا اموالهم واغتصبوا النساء وتمردوا علي الدولة وجيشها ورغم ذلك وقع الجيش معهم اعلان واتفاق جده في ١١ مايو ٢٠٢٣م وهو ينص علي خروج الدعم السريع ولكنه رفض الخروج من بيوت الناس ! يا نبي الله ان الدعم السريع يتلقي الدعم من الصهيونية العالمية ومن دولة الامارات وكل الكفار واعداء الاسلام وانت تعلم يا نبي الله ان شعب السودان وجيشه في حالة جهاد ضد مرتزقة قدموا للسودان من سبع عشرة دولة .ادعوا لنا يا رسول الله بالنصر عليهم وان بتقبل الله الشهداء ويشفي الجرحي ويرد أسر الماسورين .
تاسعا: ألم تعلم يا شيخ محمد هاشم الحكيم بما قاله الحباب ابن المنذر للرسول صلي الله عليه وسلم يوم بدر وكان النبي قد اختار موقعا للجيش وسال الحباب الرسول صلي الله عليه وسلم يا رسول الله هذا منزل انزلك اياه الله ام هو الرأي والحرب والمكيده فقال الرسول صلي الله عليه وسلم بل هو الرأي والحرب والمكيدة وأشار الحباب الي منزل بديل له قيمة إستراتيجية وقتالية وامنية وكان سببا في النصر الذي حققه المسلمون علي الكفار في غزوة بدر الكبري . وفي غزوة الخندق نفذ الرسول صلي الله عليه وسلم ما قاله سيدنا سلمان الفارسي بشان حفر الخندق حول المدينة حتي لا يقتحمها المشركون وحلفاؤهم .
عاشرا : هم الرسول صلي الله عليه وسلم بعقد الصلح بينه وبين قطفان ثم عدل .
فلما اشتد علي الناس البلاء(( بعث)) رسول الله صلي الله عليه وسلم كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ومن لا اتهم محمد بن مسلم وعبد الله بن شهاب الزهري الي عينيه بن حصن بن حذيفة بن بدر والي الحارث بن عوف بن ابي خارثة المري وهما قائدا قطفان فاعطاهما ثلثا ثمار المدينة علي أن يرجعا لمن معهما عنه وعن اصحابه’ فجري بينه وبينهما الصلح حتي كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح الا المراوضة في ذلك .فلما اراد رسول الله صلي الله عليه وسلم ان يفعل بعث الي سعد ابن معاذ وسعد بن عبادة فذكر ذلك لهما واستشارهما فيه فقالا له : يا رسول الله امرا نحبه فنصنعه ام شيئا امرك الله به لابد لنا من العمل به ام شيئا تصنعه لنا ؟ قال بل شئ اصنعه لكم .والله ما اصنع ذلك الا لاني رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب فاردت ان اكسر عنكم من شوكتهم امرا ما .فقال له سعد بن معاذ : يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم علي الشرك بالله وعبادة الاوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون ان ياكلوا منها تمرة الا قري او بيعا .افحين اكرمنا الله بالاسلام وهدانا له واعزنا بك وبه نعطيهم اموالنا ؟ والله مالنا بهذا حاجة والله لا نعطيهم الا السيف حتي يحكم الله بيننا وبينهم .قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: فانت وذاك فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ثم قال ليجهدوا علينا .
ختاما :
بعد حديث الشيخ محمد هاشم الحكيم انتشرت العديد من الفيديوهات والتغريدات التي تؤكد علي إنه كان اكثر ميلا الحرية والتغيير وقال في تحدي تغريداته علي توتير مطالبا الكيزان بترك فولكر يحقق ما بريده المجتمع الدولي الذي نتج عنه الانفاق الاطارى ثم الحرب .وعلق الدكتور مبارك المكودة بأن بعض اصحاب الرؤيا المنامية يقولون انهم قد رأوا الرسول صلي الله عليه وسلم في رؤيا لإقناع الناس بما يعتقدون ان فيه خيرا لهم وهناك من رد علي علي الحكيم بان البعض لا يفهمون حديث الرسول صلي الله عليه وسلم من راني فقد راني حقا فهما صحيحا . اما دعوات التفاوض فهي تنتمي الي دعوات لا الحرب التي تميز حلفاء مليشيا الدعم السريع من القوي السياسية في تقدم وصمود وقحط سابقا .
د.حسن محمد صالح
٣١ مايو ٢٠٢٥م
إنضم لقناة النيلين على واتساب