التغير قادم وبيد المواطن الأمريكي!
تاريخ النشر: 12th, May 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
لو هناك أشخاص مازالوا يعتقدون بإمكانية تحقيق سلام عادل مع دولة الاحتلال الاسرائيلي فعليهم البدء فورا في علاج أنفسهم. هذا ليس من قبيل السخرية أو المبالغة بل دعوة لإعادة التفكير في هذا الصراع بعد السابع من أكتوبر. الشعب الأمريكي نفسه الذي كان مغيّبًا وغالبيته لا يهتمون بالسياسة أصبحوا بعد أكتوبر واعين بأن الإدارة الأمريكية تأخذ أموال دافعي الضرائب وتدعم بها دولة الاحتلال الاسرائيلي وتمول بها تسليح جيشها لإبادة الفلسطينيين.
كثيرًا ما كنا نسمع من سياسيين عرب أن العلاقة بين الولايات المتحدة والدولة العبرية وطيدة لدرجة يستحيل تغييرها حتى أصيبت باليأس جميع الشعوب المتضررة من التدخل الأمريكي في شؤونها ومن التدخل السافر لصالح دولة الاحتلال على حساب الحقوق العربية والفلسطينية. لكنْ المستحيل قد أصبح ممكنا. لن يكون ذلك بفضل نضال الشعب الفلسطيني المحتل فقط بل وبشكل أولي بفضل المواطن الأمريكي.
لقد سعت الولايات المتحدة دائمًا لحماية الدولة العبرية واستماتت لتجنيبها المساءلة عن جرائمها، ودعمت المعتدي باستمرار في سعيه لتقويض الحقوق الفلسطينية. وما تصرفات ومواقف الرئيس جو بايدن حاليًا تجاه الإبادة الجماعية للفلسطينيين إلاَّ امتدادًا للسياسات المجحفة طيلة عقود في حق فلسطين وقضيتها وهو ليس استثناءً في ذلك؛ فعلها رؤساء أمريكا منذ ظهور هذا الكيان على الساحة الدولية. الرئيس نيكسون قالها من قبل وبكل وضوح: "لن يسمح أي رئيس أمريكي، سواء كان ديمقراطيًا أو جمهوريًا، بسقوط إسرائيل!". ودائما ما استخدم الرؤساء والمسؤولون الأمريكيون موقفهم المؤيد لإسرائيل حتى يكون "صك" النجاح لمستقبلهم السياسي. الرئيس السابق أوباما قال: "لدينا روابط صداقة مع إسرائيل غير قابلة للكسر". نعم هذا الوصف للعلاقة حفظه الدبلوماسيون الأمريكيون عن ظهر قلب ويجري تصعيدهم بعد ذلك بسرعة في المناصب. ويقال أكثر من ذلك لدرجة وصف الدعم لإسرائيل بـ"إنه في الجينات". ولا يتصور عاقل أن مثل هذه العبارات جائزة للاستخدام في المجال الدبلوماسي لكن تكرر ذلك وبشكل مستفز!
والآن وبعد كشف المستور أمام المواطن الأمريكي ونخبه، ترسخ لديهم ضرورة كسر هذا الرباط من خلال التظاهر تنديدا بالدعم الأمريكي للدولة العبرية، وهم في حقيقة الأمر يدافعون أيضًا عن حقوق دافعي الضرائب وأموالهم التي تهدر في مساعدات السلاح للاحتلال الاسرائيلي بينما لا يجد المواطن الأمريكي فرص عمل كافية ولائقة أو خدمات صحية توازي تضحياته. وهكذا، فلا يبدو أن حسم الأزمة سيكون في يد اللوبي الصهيوني مثلما كان من قبل المتحكم الوحيد في الدعم "بلا شروط" للكيان المحتل، وإنما أصبحت الكرة في ملعب المواطن الأميركي وسيكون لاعبا رئيسيا في الحسم.
ليس هذا من قبيل الأحلام بل العديد من مراكز الأبحاث الغربية حللت هذه الظاهرة ووصلت إلى نتيجة مفادها أن المواطن لا يمكن تجاهله بعد اليوم. وما رأيناه من مظاهرات هي مجرد بداية لفرض إصلاح الخلل في السياسة الخارجية، وفي مقدمته الخلل في الشرق الأوسط. وما كان يبدو أمرا عاديا فيما مضى من عقود إزاء الفشل الأمريكي في إدارة الأزمات الخارجية لن يستمر على نفس المنوال. وهناك وعي يزداد مع الأيام لدى الرأي العام الأمريكي الذي استدعى بذاكرته الحروب الفاشلة التي خاضتها إداراته. في أفغانستان، دامت الحرب عقدين كاملين ذهب ضحيتها حوالي 176 ألف شخص بتكلفة حوالي تريليوني دولار، وسيطرت في نهايتها جماعة طالبان على أفغانستان مع هروب النخبة الذين راهنت عليهم. وكان الفشل الذريع أيضًا نتيجة حتمية للحرب على العراق، بحصيلة ضحايا حوالي 200 ألف قتيل، ناهيك عن 2.5 تريليون دولار خسائر مالية بما يساوي أكثر من 6 آلاف دولار من جيب كل دافع للضرائب. ليس ذلك فقط بل إن السيطرة والتأثير شبه كامل على العراق من أنصار إيران. ومازال الفشل يلاحق الإدارة الأمريكية في إدارة الحرب في أوكرانيا حيث أنفقت مع حلفائها الأوروبيين ما يزيد عن 170 مليار دولار على مسرح العمليات ومنيت بهزائم عسكرية إضافة إلى فضائح الفساد الذي يزكم الأنوف جراء بعض صفقات الأسلحة.
ولا يبدو أنها حتى الآن مكترثة بما خلفته من فوضى في الدول العربية جراء دعمها للإخوان خلال الربيع العربي أو دعمها المطلق للكيان المحتل دون إيقاف الخطر الناجم عن محاولات اليمين الإسرائيلي تصفية القضية الفلسطينية. ربما ماتزال لحظة النهاية بعيدة لكن التغير قادم لامحالة وبيد الأمريكيين!
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الاحتلال الإسرائيلي الولايات المتحدة الشعب الفلسطيني المواطن الأمریکی
إقرأ أيضاً:
قرار القضاء العراقي بين سندان القانون ومطرقة الفساد
آخر تحديث: 13 دجنبر 2025 - 9:36 ص بقلم:ادهم ابراهيم أثار القرار الأخير الصادر عن رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق، والقاضي باتخاذ إجراءات قانونية بحق كل من يحرض أو يروج لإسقاط النظام السياسي أو المساس بشرعيته عبر وسائل الإعلام والمنصات الإلكترونية، موجة من التخوفات المشروعة.
فالقرار، رغم مايراه البعض من هدف معلن يتمثل في حماية الاستقرار، يثير في المقابل تساؤلات مشروعة تتعلق بحرية الرأي والتعبير التي نصّت عليها المادة (38) من الدستور العراقي، وبالخصوص في ظلّ بيئة سياسية معقّدة ومثقلة بإرثٍ ثقيل من الأزمات.
حيث يكفل الدستور العراقي حرية التعبير والصحافة والتجمع، بل يعتبر انتهاك تلك الحريات جريمة يُحاسَب عليها القانون. ويقع على القضاء واجب دستوري أساسي يتمثل في مراقبة التشريعات والقرارات بما يضمن عدم المساس بهذه الحقوق، لأن المساس بها يعني المساس بروح النظام الديمقراطي نفسه. وهنا يتولد السؤال الجوهري: كيف يمكن التوفيق بين قرار كهذا وبين الالتزام الدستوري بحماية الحريات، خصوصاً إذا كانت صياغته قابلة لتأويلات واسعة؟ لقد عانت دول عديدة من صعوبة الانتقال من أنظمة شمولية إلى أنظمة تقوم على سيادة القانون . ومصداقية القضاء، في أي تجربة ديمقراطية، لا تقوم على النصوص وحدها، بل على السلوك القضائي ذاته : النزاهة، الحياد، والالتزام بوقائع القضايا دون تأثير سياسي.فثقة المجتمع بالقضاء ليست ترفاً، بل شرطاً أساسياً لاستقرار الدولة. وحين تتزعزع تلك الثقة، يبدأ المواطن بالتشكيك في قدرة القضاء على حماية الحقوق وتحقيق العدالة. في العراق، تتصدر ملفات الفساد المشهد السياسي، وهي ملفات تمسّ مباشرةً حياة المواطن وخدماته الأساسية: الكهرباء، الماء، الصحة، التعليم، والإعمار.ومع ذلك، يلاحظ كثيرون أن الادعاء العام لا يتحرك بالزخم نفسه تجاه ملفات الفساد الكبرى، رغم وجود تصريحات علنية واعترافات تُعرض في وسائل الإعلام حول هدر المال العام وتقاسمه. وهذا التفاوت في الحزم يثير تساؤلات لا يمكن تجاهلها:
هل يُحاسَب من ينتقد الفاسدين قبل محاسبة الفاسدين أنفسهم؟ وأين هي المذكرات القضائية بحق سراق المال العام مقارنةً مع إجراءات تُتخذ ضد المنتقدين أو الإعلاميين أو الناشطين؟وهل أصبح النقد السياسي جريمة؟ الخلط بين “إسقاط النظام” كفعل عنفي أو تحريضي، وبين نقد الأحزاب أو المسؤولين، يشكّل خطراً على الديمقراطية.فانتقاد الأداء السياسي، والسؤال عن الخدمات، والاعتراض على الفشل الإداري، والمطالبة بالإصلاح، ليست دعوات لهدم النظام الديمقراطي، بل أدوات لحمايته وتصويبه.
وعندما يصبح مجرد السؤال عن الخدمات العامة مقدمة لاتهام بالترويج لإسقاط النظام، فإن معنى المواطنة يتعرض للاهتزاز، ويصبح الفضاء العام ضيقاً إلى حدّ الاختناق .كما ان هناك ازدواجية خطيرة حيث لا يُحاسَب خطاب الكراهية والطائفية بنفس القدر؟
فبالرغم من وجود قوانين واضحة تجرّم التحريض الطائفي وخطاب الكراهية، إلا أن المحاسبة لا تطال إلا فئات محددة، بينما تبقى فصائل مسلحة وأحزاب تمتلك أذرعاً عسكرية خارج نطاق المساءلة، بالرغم من ان ذلك يشكل خرقاً دستورياً واضحاً. ان القرارات التي تصاغ بعبارات عامة وفضفاضة تمنح السلطة التنفيذية مساحة واسعة للتأويل، قد تتحول مع الوقت إلى أدوات لتكميم الأفواه.وكلما اقترب القضاء من العمل السياسي، أو بدا وكأنه حامٍ للسلطة لا للمجتمع، دخلت الدولة في مسار خطير يهدد جوهر النظام الديمقراطي ويقربه من أنماط حكم استبدادية، حتى لو كانت ترتدي عباءة الديمقراطية . المعركة الحقيقية التي ينتظرها العراقيون ليست معركةً ضد منشور في منصّة إلكترونية، بل معركة ضد شبكة فساد متجذرة تهدر الثروة العامة وتفرغ الدولة من معناها.وحين يرى المواطن أن من يتجرأ على كشف الفساد يُلاحق، بينما من يمارس الفساد يُحمى، فإن الإحباط يتحول إلى غضب، والغضب إلى فقدان ثقة، وفقدان الثقة إلى التمرد. إن بناء دولة قانون حقيقية يتطلب قضاءً مستقلاً لا يخشى مواجهة الفاسدين، ويعتبر حماية المواطن أولوية فوق حماية المسؤول.حماية النظام لا تتحقق بتقييد النقد، بل بتقوية المؤسسات، وتحقيق العدالة، واستعادة ثقة الناس. فالدول لا تنهض بإسكات الأصوات، بل بالاستماع إليها، ولا تستقر بالخوف، بل بالعدالة.والقضاء، بما يمثّله من سلطة مستقلة، هو حجر الأساس في هذا البناء؛ فإذا فقد استقلاله، اهتزّ كل شيء من بعده.