خِراف المرحلة
م. #أنس_معابرة
يروي جورج كردجيف قصة عجيبة وغريبة عن راع يرعى الأغنام في منطقة نائية، ويعيش على لبنها، وبين حين وحين؛ يأخذ أحد تلك الخراف فيذبحه ليقتات على لحمه لفترة من الزمن.
ولكن الخراف بدأت تخشاه، وحين ينوي ذبح أحدها؛ تهرب منه في جميع الاتجاهات، ويبدأ في الجري خلفها لإعادة تجميعها في الحظيرة.
أوهم خروفاً أنه ينتمي إلى فصيلة النمور، وخروفاً أن آباءه كانوا من الأسود الأشاوس، بل وصل به الفجور أن أقنع بعض الخراف أن لهم أصولاً بشرية كريمة، بل هم افضل من البشر.
بعد أن أتم عمله، أصبح يذهب إلى الحضيرة ويتناول منها خروفاً دون أن يعترض سبيله أحد، أو أن يهرب من أمامه خروفاً واحداً، فكل واحد فيهم يعتقد أنه لا ينتمي لنفس فصيلتهم، ولن يأتي اليوم الذي سيكون هو في نفس موضع الخروف الذي سيتم ذبحه، لأنه من أصل عريق قوي، وبه من المميزات ما ليس بغيره من الخراف.
أمريكا فعلت بنا ما فعله هذا الراعي بخرافه، أوهمت إسرائيل بأنها العرق السامي الوحيد، وأنها الأفضل والأقوى في المنطقة، ولها حق تاريخي في فلسطين، وأوهمت كل دولة من دول المنطقة بأن لها أهمية كبيرة، ولا يمكن الاستغناء عنها، وستقف إلى جانبها وتدعمها إذا لزم ذلك.
أمريكا تلعب على جميع الحبال لضمان سيطرتها على المنطقة وخيراتها، علاقاتها مع إيران ممتازة، ولو أعلنت غير ذلك، فهي الفقاعة التي تخيف بها دول الخليج وتهدد بها اسرائيل، وعلاقاتها مع دول الخليج ممتازة، لضمان دوام تواجدها هناك قريباً من مصادر النفط، وتحكمها بمعدلات الإنتاج والأسعار العالمية.
وعلاقاتها مع دول الطوق ممتازة، وتُشعر كل دولة منها بأنها الأهم في المنطقة، وأن لها الدور المحوري الكبير، وأنها ستلعب دوراً هاماً في الشرق الأوسط الجديد.
ولكن الحقيقة المُرة هي أنها ستضحي بأية دولة من كل تلك الدول من أجل مصلحتها الخاصة، وبما يضمن جلوسها على عرش العالم، وبما يُحكم سيطرتها على مصادر الطاقة والثروات حول العالم.
إن الحرب الدائرة في غزة هي حرب أمريكية خالصة، فالأسلحة أمريكية، والمفاوضات أمريكية، والمساعدات أمريكية، والفيتو أمريكي، وقرار وقف الحرب أمريكي، والموافقات أمريكية، والتخطيط أمريكي أيضاً.
إن من يعتقد أن الاحتلال يعتمد على جيش يدب فيه الفزع بسبب (حمامة) دخلت إلى مكان نومهم فهو واهم، ولكن العلاقة بين أمريكا والاحتلال هي علاقة معقّدة، فالأولى تعتقد أنها تستعمل الثانية، والثانية تعتقد أنها تتحكم بالأولى، ولكن الطرفان متفقان على الخراف التي سيتم التضحية بها في المرحلة القادمة.
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
فراشات ولكن من نوع آخر
يقول مؤسس علم الإجتماع ابن خلدون “الإنسان كائن إجتماعي بطبعه”
فالصداقة من أسمى الروابط التي تجمع البشر، لكنها قد تكون سيفًا ذا حدين إن اختلطت بالمكر والخداع.
الصداقة، ذلك الرباط الإنساني النبيل، قد تتحول في بعض من الأحيان إلى سلاح ذي حدين! أحدهما يُعانق روحك، والآخر يُطعن في ظهرك.
فما أكثر الذين دخلوا حياتنا بإسم الصداقة، لكنهم حملوا في قلوبهم ما لا تُبديه وجوههم.
من أخطر أنواع الأصدقاء، أولئك الذين يمارسون ما أُسميه بـ”تقنية الفراشة”، لا يستقرون على ولاء، ولا يثبتون على موقف.
تراهم يتنقلون بين الناس، ينشرون السُمّ في هيئة نصيحة، ويغرسون الشك بينك وبين من حولك.
يشتمون هذا، ويُعيبون ذاك، ويحرضونك على الجميع حتى ترى العالم من خلال نظارتهم السوداء، ثم يفاجئونك لاحقًا بمدّ جسور المودة مع من حرّضوك ضدهم، وكأنهم لم يزرعوا يومًا بذور الفرقة.
هذا الصنف من الأصدقاء أشد فتكًا من الأعداء.
فهو لا يهاجمك علنًا، بل يتقرب إليك ليدسّ لك السمّ في العسل.
لا تجاريه، ولا تلوث قلبك بالنميمة التي يحملها إليك، فالنمّام لا ينقل لك الكلام حبًا، بل ليراقب اشتعال الفتنة وهو يبتسم من بعيد.
أما العدو؟ فرغم شره وحقده، يبقى واضحًا في عداوته.
لا يلبس الأقنعة، ولا يزعم المودة.
هو حاقد، حاسد، متربّص، ينتظر زلتك ليصطادك، لكنه على الأقل لا يخدعك.
وصديق اليوم قد يصبح عدو الغد، لا لأن شيئًا قد تغيّر، بل لأنه في الأصل لم يكن صديقًا قط.
كان عدوًا متخفيًا، يرتدي قناع المودة، ويتقن دور الصديق حتى تأتي لحظة السقوط.
بالنسبة لي، العدو الظاهر بوجهه العابس وصراحته المؤذية أشرف بمئات المرات من “الصديق العدو”، الذي يغرس خنجره باسم الوفاء.
نحن لا نخاف الأعداء كما نخاف الأصدقاء المزورين، لأن الطعنة من الظهر لا تأتي إلا ممن وقف خلفك بثقة.
همسة
ليس كل من إقترب منك يريد بك خيرًا، فبعض القلوب تبتسم لتخفي سُمها، وبعض الأيدي تُصافح لتغرس الخنجر في الغفلة…