شتان بين رجل بدأ مشواره متصعلكاً على حد وصفه، وبين الرجل ذاته الذى وصل به مشواره إلى مرتبة الزعامة على حد وصف جمهوره، وبين الوصفين، الصعلكة والزعامة تجربة إنسانية ملهمة تستحق أن تكون أمام أعين كل من يريد لنفسه مكاناً سامقاً وفريداً فى تاريخ الفن العربى.

هذه باختصار هى خلاصة مسيرة النجم عادل إمام، الذى أكمل عامه الرابع والثمانين من عمره المديد.

. ففى تاريخ فن التمثيل العربى مئات الأسماء وربما الآلاف التى تمتعت بالموهبة الواضحة والقدرات التمثيلية الكبيرة، فقط قليلون من بين هؤلاء هم من وصلوا إلى مصاف النجوم أصحاب القدرة على تحمل مسئولية العمل الذى يشاركون فيه، ومن بين هذه القلة هناك أسماء يمكن أن تعد على أصابع اليد الواحدة تستطيع أن تصفهم بنجوم الشباك، هؤلاء الذين يذهب إليهم المتلقى تحت أى ظرف، ودون النظر إلى أى عناصر أخرى يمكن أن تشارك فى العمل، هؤلاء الذين تكفى أسماؤهم فقط لإنجاح أى عمل يقدمونه، ويستطيعون الحفاظ على هذه المكانة لفترات طويلة دون أن تهتز تحت أقدامهم علاقتهم بتلك الجماهير، التى منحتهم هذه الحظوة الخاصة، وأنزلتهم ذلك المقام الرفيع.

ووفق هذا المصطلح الهوليوودى وتلك المعايير الصارمة ليس هناك فى تاريخ الفن العربى سوى خمسة أسماء فقط يمكن اعتبارهم نجوماً للشباك، وهم وفق الترتيب الزمنى لظهورهم: أنور وجدى، ليلى مراد، عبدالحليم حافظ، سعاد حسنى، و... عادل إمام، وبخلاف هؤلاء العظماء الخمسة فقد تذبذبت علاقة الجماهير بغيرهم، وتأرجحت صعوداً وهبوطاً بحسب درجة نجاح كل عمل، من دون أن ينقص ذلك من قدراتهم التمثيلية الفائقة، أما أولئك الخمسة المعجونون - فى الأساس - بالموهبة، والمعنيون - بطبيعة الحال - بجودة ما يقدمونه، فحب الجمهور يغفر لهم هناتهم إن حدثت، ويعفو عن أخطائهم إن وقعت، فرصيدهم لديه يكفى، وثقته فى قدرتهم على تجاوز الهنات تشفى، ولذلك بقى هؤلاء الخمسة الكبار على القمة لفترات طويلة، فلا هم مجرد ظواهر، ولا نجاحهم عابر، وإنما هى نعمة من الله اصطفى بها بعضاً من عباده الموهوبين، وصدق الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين حين قال وهو يشخص حالة عادل إمام رابطاً بينه وبين عبدالحليم حافظ أحد العظماء الخمسة هو الآخر:

«لقد صار عادل إمام أسطورة فى حد ذاته، أى أنه ينجح نجاحه الساحق بصرف النظر عن الرواية أو المسرحية، فالناس تذهب لترى عادل إمام، ناس من كل المستويات الثقافية والمادية.. إن نجاحه كامن فى كفاءته التمثيلية النادرة، وحضوره المسرحى الطاغى، فهو فى التمثيل كصوت عبدالحليم فى الغناء».

وإذا كان الكاتب الراحل قد تحدث عن نجومية الشباك التى يتمتع بها عادل إمام مسرحياً، فإن الناقدة الراحلة حسن شاه قالت ما يشبه كلام أستاذها أحمد بهاء الدين فيما يتعلق بتجربة عادل إمام فى السينما، حيث كتبت فى افتتاحية مجلة الكواكب بتاريخ العاشر من يوليو 1984بعد أن شاهدت أحد أفلامه:

«وأنا أشاهد فيلم «احترس من الخط» للمخرج سمير سيف تأكد عندى أن وجود النجم عادل إمام فى أحد الأفلام أصبح يقلب كل معايير النجاح المتعارف عليها فنياً، هذه المعايير التى تجعل نجاح الفيلم يعتمد أساساً على معادلة تتكون من مخرج قوى وقصة جيدة، فإذا تحققت هذه المعادلة أصبح اختيار النجم وقدراته يأتى فى درجة ثانية، لكن عادل إمام يثبت أنه من النجوم الذين تتحطم معهم هذه القاعدة».

غير أن المتأمل لتجارب هؤلاء الخمسة الكبار يدرك أن لتجربة عادل إمام خصوصيتها وتفردها، وهو ما يتجلى فيما يلى:

أولاً: عادل إمام هو الوحيد من بين الخمسة الذى صنع المسرح نجوميته، فقد جاءت ليلى مراد ثم عبدالحليم حافظ من عالم الغناء، وأتت سعاد حسنى إلى الشاشة الكبيرة مباشرة دون أن يكون لها أى تجارب فنية سابقة، وحتى أنور وجدى الذى بدأ مشواره ككومبارس فى فرقة رمسيس المسرحية وله تجربة قصيرة فى الفرقة القومية للتمثيل، تحت إدارة الرائد المسرحى زكى طليمات، فإنه لم يستطع أن يصنع لنفسه تاريخاً مسرحياً يذكر، وجل نجوميته واسمه المحفور بين الخمسة الكبار صنيعة شريط السينما.. أما عادل إمام فكل نقلاته الفنية المهمة كانت نتاجاً لخطوة مسرحية بارزة، مثلاً كانت بدايته السينمائية سنة 1964 هى استنساخاً لبدايته المسرحية فى العام السابق مباشرة، أو قل إنها كانت استثماراً لنجاحه المسرحى من خلال فيلم يحمل عنوان المسرحية ذاتها «أنا وهو وهى»، حين قدم عادل إمام فى هذا الفيلم الشخصية نفسها التى كانت بداية تعارفه بالجمهور، شخصية «دسوقى أفندى» وكيل المحامى، وعندما نجحت مشاركته فى البطولة الجماعية لمسرحية «مدرسة المشاغبين» تجاوز عادل بسبب هذا النجاح اللافت مرحلة الأدوار المساعدة فى السينما إلى مرحلة البطولات الجماعية أيضاً، ثم عزز نجاحه المنفرد اللافت فى «شاهد ما شافش حاجة» من فرص بطولاته الأولى على شاشة السينما بداية من عام 1978، وهكذا مع توالى سنوات عرض «شاهد ما شافش حاجة» ثم «الواد سيد الشغال» كان عادل إمام قد استقر فوق القمة دون منازع، ثم كان استمرار عرض «الزعيم» و«بودى جارد» لسنوات طويلة، وإقبال الجمهور المصرى والعربى على مشاهدتهما استفتاء دائماً على شعبية عادل إمام وتجديداً لها، سواء على خشبة المسرح أو فوق شاشة السينما.

ثانياً: اتكأ عادل إمام فقط فى تلك الحظوة الجماهيرية الكبيرة على موهبته فى التمثيل، فيما كان الأربعة الباقون من ذوى الإمكانيات الفنية المتعددة التى تتيح لأصحابها تدعيم مكانتهم وزيادة فرص نجاحهم، فأنور وجدى جمع بين الكتابة والتمثيل والإخراج والإنتاج وإدارة الدعاية، وليلى مراد وعبدالحليم كانا مطربين وممثلين لهما حضورهما الطاغى إلى جانب إنتاجهما لبعض أعمالهما، شأنهما فى ذلك شأن سعاد حسنى، التى أضافت إلى ذلك كله قدراتها الاستعراضية اللافتة، أما عادل إمام فقد حقق كل ما حققه من خلال موهبته فقط كممثل، ما يؤكد أمرين مهمين: قدراته التمثيلية الفائقة، وصعوبة مشواره حتى وصل إلى تلك القمة العالية.

ثالثاً: من مدهشات القدر أن ظاهرة نجومية الشباك فى الفن المصرى قد شهدت ما يمكن اعتباره تداولاً للنجومية بين هؤلاء العظماء الخمسة، بمعنى أن العام 1955 الذى شهد نهاية مشوار كل من أنور وجدى وليلى مراد، الأول بالوفاة، والثانية بالتوقف القهرى عن التمثيل، هو ذاته الذى شهد ظهور عبدالحليم حافظ على شاشة السينما مدعماً وجوده كمطرب على الساحة الغنائية، وبعده بأعوام قليلة -1959- ظهرت السندريللا الثانية سعاد حسنى لتتسلم الراية من السندريللا الأولى ليلى مراد، وبعد وفاة عبدالحليم حافظ سنة 1977 بعام واحد كان عادل إمام يؤكد قدرته على تحمل بطولة أى فيلم سينمائى بالتزامن مع نجاحه المسرحى اللافت والمستمر فى مسرحية «شاهد ما شافش حاجة»، التى بدأ عرضها قبل رحيل العندليب بعام واحد، وكأن نجومية الشباك فى الفن المصرى كانت بحاجة دائماً إلى ما يشبه التسليم والتسلم، أو أن القدر لم يضع نجوم الشباك هؤلاء فى حالة تنافس مباشر، وأعنى أن النجوم الرجال أنور وحليم وعادل لم تجمعهم -بحكم الزمن- حالة تنافسية حتى وإن تزامن وجود عادل إمام فى حياة العندليب الأسمر، ولكن قبل أن يصل إلى مرحلة النجومية، ومن ثم المنافسة، الأمر نفسه فى حالة النجمتين ليلى مراد وسعاد حسنى، فقد توقفت الأولى قبل أربع سنوات من ظهور الثانية.

رابعاً: تعتبر نجومية شباك عادل إمام هى الأطول عمراً بين أقرانه الآخرين، فأنور وجدى الذى بدأ مشواره سنة 1932 وليلى مراد التى بدأته عام 1938 دامت نجوميتهما الطاغية لمدة عشر سنوات فقط بين عامى 1945 و1955، وعبدالحليم حافظ الذى قذفه الناس بالبيض والطماطم عند ظهوره كمطرب عام 1952 دانت له النجومية الكاسحة لمدة اثنتين وعشرين سنة بين عامى 1955 و1977، وسعاد حسنى التى عرفت ذلك النجاح اللافت منذ ظهورها عام 1959 استمرت نجمة للشباك لمدة تسعة وعشرين عاماً حتى فيلمها الصدمة «الدرجة الثالثة» سنة 1988، الذى أنهت بعده بثلاث سنوات فى «الراعى والنساء» مشوارها الفنى كله، أما عادل إمام وبعد تأرجح السنوات الثلاث عشرة الأولى بين مسرحيتى «أنا وهو وهى» 1963 و«شاهد ما شافش حاجة» 1976، وحتى الآن فقد حافظ على صدارته للمشهد الفنى المصرى والعربى وبقائه نجماً للشباك لمدة تقارب الخمسين عاماً.

خامساً: إن قراءة أخرى لهذا الرقم تقول بكل وضوح إن عادل إمام لم يكن فقط الأطول عمراً بين نجوم الشباك، أو الأخير زمنياً حتى الآن، وإنما تعنى أيضاً أنه بقى ما يقرب من خمسين عاماً بلا منافس حقيقى، مع احترامى لكل الأسماء والقامات التى ظهرت طوال هذه المدة، صحيح أن فى جيله ممثلين اقتربوا منه، وفى جيل الشباب من بعد «إسماعيلية رايح جاى» عام 1997 نجوم حققوا إيرادات ضخمة، لكن نجاح أولئك وهؤلاء كان ينقصه التراكم والاستقرار والديمومة وعدم التذبذب على النحو الذى حدث مع عادل إمام.

سادساً: لا ينبغى النظر فقط إلى نجومية عادل إمام على أنها الأطول عمراً بين العظماء الخمسة، فقد كانت كذلك الأكثر تنوعاً بين مجالات المسرح والسينما والإذاعة والتليفزيون، بعكس الباقين الذين لم يعرفوا هذا التنوع لأسباب ربما تعود بعضها للفترة الزمنية التى ظهروا فيها، والبعض الآخر لعدم توافر الرغبة فى ارتياد مجالات فنية أخرى.

سابعاً: ومن ثم فإن تجربة عادل إمام هى أيضاً الأكثر غزارة بين هؤلاء، مع استبعاد العطاء الغنائى الكبير لكل من ليلى مراد وعبدالحليم حافظ، لأننى أتحدث فى هذه الجزئية عن مشوار هؤلاء فى عالم التمثيل، فقد شارك أنور وجدى فى عدد محدود من المسرحيات، وليس له وجود إذاعى اللهم إلا تسع تمثيليات إذاعية، لا تزيد مدة الواحدة منها على ثلاثين دقيقة، وقدم للسينما 79 فيلماً بين الكتابة والتمثيل والإخراج والإنتاج، ولعبت ليلى مراد فقط بطولة سبعة وعشرين فيلماً دون أى مشاركات أخرى، وقام عبدالحليم ببطولة ستة عشر فيلماً، ومسلسل إذاعى واحد، فيما شاركت سعاد حسنى فى اثنين وثمانين فيلماً وستة مسلسلات إذاعية وعمل تليفزيونى واحد.. أما عادل إمام فرصيده الفنى حتى الآن سبع عشرة مسرحية، ومائة وثلاثة وعشرون فيلماً، وواحد وعشرون عملاً تليفزيونياً، وخمسة مسلسلات إذاعية.

ثامناً: يلفت الانتباه فى قائمة الخمسة الكبار أن عادل إمام هو الوحيد بينهم الذى تم تصنيفه ككوميديان، حتى وإن تقلب لاحقاً على كل أنواع التمثيل، لكن يبقى نجاحه الأساسى ونقطة انطلاقه إلى القمة وتربعه عليها لصيقاً بتصنيفه كممثل كوميدى ذى قدرات عالية، بعكس الأربعة الآخرين ما يؤشر إلى نجاح عادل إمام فى تمثيل تيار الكوميديا داخل هذه القائمة المحدودة من أفذاذ الفن، وانتزاعه اعترافاً نقدياً وجماهيرياً بقيمة فن الكوميديا بعيداً عن النظرة الدونية التى ظلت قرينة بممثلى الكوميديا، كأنهم مهرجون أو بهلوانات فى سيرك يقدمون إسفافاً لا يستحق تلك النظرة المحترمة التى ينالها أصحاب الأداء الرصين، فإذا بوجود اسم عادل إمام بين هؤلاء يؤكد عكس ذلك تماماً.

تاسعاً: أمر لافت آخر يدعو للدهشة فيما يتعلق بالأربعة الآخرين، فقد كان كل من أنور وجدى وليلى مراد زوجين فى الواقع وثنائياً فنياً على شاشة السينما، فكانت حياتهما الشخصية وخلافاتهما الزوجية مثار اهتمام الجماهير وسبباً إضافياً فى الإبقاء على ترديد اسميهما بين المتابعين لأعمالهما الفنية، فضلاً عن حالة الصدق التى كانت تتسرب للمشاهد وهو يرى أنور وليلى فى قصص الحب على الشاشة، ومن ثم كان نجاحهما الاستثنائى مشتركاً ومتزامناً بين عام 1945 الذى شهد زواجما الشرعى والفنى، وعام 1955 الذى شهد نهايتهما الفنية المتزامنة أيضاً، فيما كان كل من عبدالحليم حافظ وسعاد حسنى يعيشان كذلك -فى الواقع- قصة حب لم تخف على الناس، وزواجاً عرفياً كان مثار لغط الجميع حتى وإن حاول الاثنان إخفاء قصة الحب، وإنكار حقيقة الزواج، فكانت تلك المحاولات سبباً آخر -إلى جانب فنهما- فى زيادة جاذبيتهما لدى الجماهير والاهتمام بما يقدمانه من فن كل على حدة بعكس حالة ليلى مراد وأنور وجدى.

أما خامسهم عادل إمام فقد شق طريقه وحده غير متكئ لا على قصة حب ولا حتى على شائعة حب، ولم يرتبط كذلك بثنائى فنى محدد، صحيح أن ظهوره تكرر مع لبلبة أو يسرا، لكن هذا الظهور المتكرر كان بعد وصول عادل إلى قمة النجومية، ومن ثم لم يستفد هو من هذه الثنائية -إذا جاز التعبير- بقدر استفادة الطرف الآخر فى الثنائى من وجود اسمه بجانب اسم عادل إمام، وهذه صعوبة أخرى تميز مشوار نجاح عادل إمام، الذى لم تساهم فى صنعه أى عوامل غير فنية، وإنما كان فقط نتاج كد واجتهاد فى الاختيار والأداء والاقتراب من هموم الناس

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: عادل إمام عيد ميلاد عادل إمام أفلام عادل إمام جوائز عادل إمام محمد إمام رامي إمام عبدالحلیم حافظ الخمسة الکبار شاشة السینما عادل إمام فى لیلى مراد بین هؤلاء سعاد حسنى أنور وجدى ومن ثم

إقرأ أيضاً:

الأوضاع الاقتصادية تسهم في تشكيل النظام العالمي الجديد.. ابحث عن الصين

لأن «الاقتصاد هو محرك أى نشاط إنسانى»، حسبما يشير الخبراء، فإنه يلعب دوراً كبيراً أيضاً فى عملية تشكيل عالم متعدد الأقطاب بعيداً عن النظام أحادى القطبية الذى سعت الولايات المتحدة الأمريكية لتأسيسه وتعزيزه عقب انهيار الاتحاد السوفيتى ودول الكتلة الشرقية.

«منجى»: الاقتصاد أحد العوامل الأساسية فى إعادة تشكيل العالم و«التعددية» تعمل على تدشين نظام جديد قائم على الاندماج بين الدول المتقدمة والنامية

هذا ما يؤكده مثلاً الدكتور منجى على بدر، المفكر الاقتصادى والوزير المفوض، الذى يشير إلى أنه بعد أكثر من ثلاثة عقود من الجهود الأمريكية لتأسيس وتعزيز نظام دولى أحادى القطبية، نشهد علامات تدهور النظام الدولى المتمركز حول أمريكا وتشكيل نظام دولى جديد، فالشواهد والوقائع وتطورات المستجدات العالمية تؤكد أن النظام العالمى الذى تريد واشنطن تعزيزه بدأ يترنح، فى حين تعمل بكين وموسكو على تغيير هذا النظام ليكون متعدد الأقطاب.

ويضيف «منجى»: يتصاعد الحوار حول دور الاقتصاد فى النظام الدولى، وفى ظل زيادة التحدى للقوة الأمريكية من قوى أخرى منافسة وخاصةً روسيا والصين لا سيما فى ظل تراجع قدرة واشنطن على إقناع حلفائها بدعم الموقف الأمريكى، ودخول العالم فى مرحلة جديدة من التعددية القطبية، تدرك القيادة الصينية جيداً الفوائد التى يمكن أن تعود على بكين من التحولات القائمة على الصعيد الجيوسياسى.

وقدمت فكرتها الشاملة الجديدة إلى المسرح العالمى وركزت قبل عقد من الزمن على الهياكل الإقليمية، مثل «مبادرة الحزام والطريق» التى نجحت فى جذب 149 عضواً، والبنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية الذى يضم 106 أعضاء، ويضم معظم الدول الأوروبية مع كندا، وأيضاً تركيز الصين نحو المبادرات الدولية المشتركة، بما فى ذلك «بنك التنمية الجديد» ومجموعة «بريكس» التى توسعت عضويتها فى القمة الأخيرة إلى 10 دول.

ولفت «منجى» إلى أن «التعددية القطبية»، التى تجرى محاولات لتشكيلها فى العالم حالياً، «تعمل على تدشين نظام اقتصادى جديد قائم على الاندماج بين الدول المتقدمة والنامية، وهو الأمر الذى من شأنه تضييق الفجوة الاقتصادية بين الدول المتقدمة والنامية أو الناشئة، كما حرصت التعددية القطبية على تبنى سياسة الوفاق والتعاون لنهضة الدول ما سينتج عنه نظام عالمى أكثر عدالة ونهوض الدول النامية».

وتابع «منجى» موضحاً: إنه نظام اقتصادى جديد يسمح بتدخل الدولة لضبط الإيقاع الاقتصادى مثل حالة الصين، وروسيا، والهند، والبرازيل (المجموعة المؤسسة لتجمع بيركس) ويخدم مصالح الدول، ويتبقى تدشين النظام العالمى الجديد بأقطابه المتعددة وتحالفاته الجديدة رهن التكاتف الفعلى لإنهاء الصراعات والنزاعات على مستوى العالم بأكمله، كما توقّع خبراء من المنتدى الاقتصادى العالمى «دافوس» فى سويسرا فى يناير الماضى أن يتم تدشين نظام عالمى جديد متعدد الأقطاب خلال السنوات العشر القادمة، وفى المستقبل القريب ستكون هناك تكتلات متعددة تتنافس على حكم العالم، وسيتعين على هذه التكتلات أن تتعايش معاً بسلام.

وأضاف: إن الاقتصاد يقود العالم ويمثل أحد العوامل الأساسية فى إعادة تشكيل العالم من أحادى إلى متعدد الأقطاب وأيضاً إعادة تدشين منظمات اقتصادية جديدة على شاكلة صندوق النقد الدولى والبنك الدولى ومنظمة التجارة العالمية.

«سلامة»: مُحرك أى نشاط إنسانى والولايات المتحدة لم تعد القوة الوحيدة عالمياً باعترافها أن الصين منافسها الأساسى

ومن ناحيته، أكد الدكتور رائد سلامة أن الاقتصاد هو محرك أى نشاط إنسانى، ولذلك فهو يلعب الدور الأهم فى مجال المنافسة بين الأقطاب التى تسعى للسيطرة على مناطق النفوذ بالعالم كأداة لتلك السيطرة، وكهدف مباشر لتعزيزها وتنميتها.

وتابع: من المهم فى هذا السياق أن نتأمل فى الأسس التى يجرى التنافس بناء عليها وآليات العمل التى انتهجتها القوى البازغة التى تسعى للعب أدوار مؤثرة سواء على المستوى الدولى أو المستوى الإقليمى.

وأشار «سلامة» إلى أنه بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، سادت أسس الاقتصاد الحر بمفهومه المتطرف الذى فتح الباب أمام مجتمعات عديدة لاتباع آليات السوق بلا ضوابط وعادت إلى الواجهة تطبيقات طروحات مدرسة اقتصادية تقليدية، مثل مدرسة شيكاغو إلى أن أتت الأزمة المالية العالمية فى 2008 لتثبت نتائجها مدى هشاشة الأسواق وتأثيرها السريع والمدمر بعضها على بعض، ليعود العالم مرة أخرى لطروحات مدرسة جون مينارد كينز والمدرسة ما بعد الكينزية وكان أهم ممثليها العالم الأمريكى الراحل هايمان مينسكى الذى حذر من مساوئ الأسواق المالية الأمريكية والفقاعات التى تتولد عنها.

وتابع: «فيما بعد الأزمة المالية فى 2008، بدأ نجم الصين فى الصعود رغم ما مرت به من أزمات عابرة تجاوزتها بفضل إنجازات هائلة تم بناؤها على مهل وفى تؤدة شديدة، وقد استعانت بمفاهيم اقتصاد السوق الاجتماعى، لتطرح الصين نفسها كلاعب هام على الساحة الدولية، بالإضافة إلى ظهور قوى إقليمية أخرى كإيران وروسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا والهند رغم مرورها هى أيضاً ببعض الأزمات».

وأشار «سلامة» إلى أنه فى هذا السياق، تطورت منظومة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، ثم منظومة دول شنغهاى، فبدأ التعاون الاقتصادى بين دولها فى الظهور لكن على استحياء ما لبث إلا وقد تحول مع التغيرات الجيوسياسية الدولية إلى دور أكثر أهمية فى الصراع من خلال استخدام أدوات تعاون اقتصادية بالأساس، لينتهى الأمر مع بداية هذا العام بتوسيع عضوية بريكس لتضم دولاً أخرى تتمتع بأدوار إقليمية هامة، مثل مصر والسعودية.

لم تعد أمريكا إذن هى القطب الأوحد فى العالم الجديد باعترافها بأن الصين هى منافسها الأساسى، خصوصاً أن الصين قد أحكمت نفوذها من خلال تحركات مباشرة على مناطق نفوذ بعينها تتحكم بموجبها فى حركة التجارة العالمية حين انتهجت نهج دبلوماسية القروض كما حدث فى سيطرتها على ميناء هامبانتوتا فى بقعة بالغة الأهمية أعلى المحيط الهندى ومن خلال تحالفات اقتصادية أخرى مع إثيوبيا وإيران.

مقالات مشابهة

  • نوستالجيا... سر رفض فاتن حمامة العمل مع عادل إمام وسبب غيرتها من سناء جميل
  • البرزخ ولصوص التاريخ «الأخيرة»
  • محمد عادل إمام يروج لفيلم «اللعب مع العيال»: انتظروني يوم الخميس
  • "اللعب مع العيال".. هل ينجح شريف عرفة مع محمد إمام ويستكمل مسيرة الزعيم؟
  • الأوضاع الاقتصادية تسهم في تشكيل النظام العالمي الجديد.. ابحث عن الصين
  • «ماكرون» يحل البرلمان ويدعو للانتخابات ٣٠ يونيو
  • «رشيد» بلد الأحباب ١_٢
  • عايدة رياض: تكريم «تطوير مصر» من أسعد اللحظات.. وأحضر لفيلم وثائقي عن حياة عادل إمام
  • عمال النظافة من النسيان إلى «حياة كريمة»
  • الوزير والمحافظ السياسى