تسير بين طرقات مستشفى مُتهالك وفي يدها مصباح زيتي، تمر على أَسرة الجرحى كل ليلة حتى بزوغ الفجر، وفي النهار تنظف المكان كأنه بيتها الذي تولت مسؤوليته، لم تُجبر فلورنس نايتنجيل على هذه الظروف القاسية وهي من نبلاء العصر الفيكتوري، لكنها عاندت أسرتها واختارت التمريض، وبعد مسيرة استمرت أكثر من 80 عامًا حصلت فيها على عدد من الأوسمة والجوائز، خصصت الأمم المتحدة يوم ميلادها ليكون عيدًا عالميًا للممرض، واحتفل به العالم الأسبوع الماضي الموافق 12 مايو من كل عام.

من هي فلورنس نايتنجيل؟ ولدت فلورنس نايتنجيل في 12 مايو 1820 في فلورنسا بإيطاليا لوالديها فرانسيس نايتنجيل وويليام شور نايتنجيل؛ وهي أصغر أشقائها، تنتمي لعائلة نايتنجيل البريطانية الثرية. تنحدر والدتها فرانسيس من عائلة من التجار، ووالدها ويليام شور نايتنغيل، مالك أرض ثري ورث عقارين، أحدهما في ليا هيرست، ديربيشاير، والآخر في هامبشاير، إمبلي بارك، عندما كانت فلورنس في الخامسة من عمرها. عانت فلورنس في التعامل مع والدتها التي اختلفت عنها في الطباع، فالأم تحب الأضواء والتواصل الاجتماعي، والابنة تتجنب الظهور؛  كتبت فلورنس دفاعًا عن نفسها فيما يتعلق بعلاقتها بأمها: «أعتقد أنني في التمريض حصلت على شيء طيب». نشأت الممرضة الشهيرة في منزل العائلة في ليا هيرست، حيث قدم لها والدها التعليم الكلاسيكي. درست اللغات الألمانية والفرنسية والإيطالية. منذ صغرها، كانت فلورنس نايتنجيل نشطة في العمل الخيري، وكانت تخدم المرضى والفقراء في القرية المجاورة لممتلكات عائلتها. عندما بلغت الـ16 من عمرها، كان التمريض هو هدفها الأساسي. قررت «فلورانس» استخدام المال لتعزيز قضيتها، في عام 1860، وقامت بتمويل إنشاء مستشفى سانت توماس، ومدرسة تدريب العندليب للممرضات بداخلها، ونتيجة لدورها تحتفي الأمم المتحدة بيوم ميلادها يوما عالميًا للممرض، وفق موقع «history». اعتراض الأسرة على التمريض

عندما أخبرت فلورانس نايتنجيل والديها عن طموحاتها في أن تصبح ممرضة، منعها والداها من ذلك، وقررا تزويجها من رجل ميسور حتى لا تعمل ابنة الطبقة الاجتماعية العليا في عمل بسيط لا يليق بتاريخ عائلتها، وكانت وقتها في الـ17 عامًا من عمرها، ولكن «فلورانس» رفضت عرض الزواج من ريتشارد مونكتون ميلنز؛ وأوضحت فيما بعد سبب رفضها قائلة إن طبيعتها النشطة لا تناسب شخصيته، عاقدة العزم على متابعة تنفيذ أمنيتها بالعمل في التمريض، وعلى الرغم من اعتراض والديها، التحقت في عام 1844 بمدرسة التمريض في مستشفى القس فليدنر اللوثري في كايسرفيرث، ألمانيا.

«فلورانس» تحقق حلمها

في أوائل خمسينيات القرن التاسع عشر، عادت فلورانس إلى لندن، حيث حصلت على وظيفة تمريض في مستشفى ميدلسكس للمربيات المريضات، وأثار أداؤها إعجاب صاحب العمل وحصلت على ترقية سريعة وصلت إلى منصب مشرف في غضون عام واحد فقط من تعيينها.

في هذا الوقت كانت «فلورانس» تكافح مع تفشي وباء الكوليرا والظروف غير الصحية التي أدت إلى الانتشار السريع للمرض؛ وكانت بجانت مهنتها تساهم في تنظيف المستشفى، مما أدى إلى خفض معدل الوفيات بشكل كبير، ولكن العمل الشاق أثر سلبًا على صحتها؛ وبالكاد تعافت من إصابتها.

وفي أكتوبر من عام 1853، اندلعت حرب القرم، كانت الإمبراطورية البريطانية آنذاك في حالة حرب ضد الإمبراطورية الروسية للسيطرة على الإمبراطورية العثمانية، وجرى إرسال آلاف الجنود البريطانيين إلى البحر الأسود، حيث تضاءلت الإمدادات بسرعة، وبحلول عام 1854، تم إدخال ما لا يقل عن 18000 جندي إلى المستشفيات العسكرية.

أواخر عام 1854، تلقت «فلورانس» رسالة من وزير الحرب سيدني هربرت، يطلب منها تنظيم فريق من الممرضات لرعاية الجنود المرضى والجرحى في شبه جزيرة القرم، وسرعان ما جمعت فريق من 34 ممرضة من مختلف الطوائف الدينية وأبحرت معهن إلى شبه جزيرة القرم بعد بضعة أيام فقط.

واجهت ظروف صعبة

لم تمنع الظروف الصعبة التي عاشتها «فلورانس» وممرضاتها من إسكمال المسيرة؛ كان المستشفى يقع فوق بالوعة كبيرة، مما أدى إلى تلويث المياه ومبنى المستشفى نفسه، وكان المرضى يستلقون فوق فضلاتهم على نقالات متناثرة في جميع أنحاء الممرات؛ والقوارض والحشرات تجرى أمامهم، والإمدادات الأساسية مثل الضمادات والصابون أصبحت نادرة بشكل كبير، مع تزايد أعداد المرضى والجرحى وغيرها من العوائق، لكن «فلورانس» أصلحت كل ذلك مع فريقها.

اشترت مئات من فرش التنظيف وطلبت من المرضى الأقل عجزًا تنظيف المستشفى من الأرض إلى السقف، وأمضت كل دقيقة من استيقاظها في رعاية الجنود؛ وفي المساء كانت تتنقل عبر الممرات المظلمة حاملة مصباحًا أثناء قيامها بجولاتها، تخدم مريضًا تلو الآخر، مع الوقت تحسنت حالة الجنود، وشعروا بالارتياح، وبسبب تعاطفها الذي لا نهاية له أطلقوا عليها اسم «سيدة المصباح» وأطلق عليها آخرون لقب «ملاك القرم» التي ساعدت في خفض معدل الوفيات في المستشفى بمقدار الثلثين.

في صيف عام 1856، غادرت «سيدة المصباح» بمجرد حل صراع القرم، وعادت إلى منزل طفولتها في ليا هيرست، وقوبلت بترحيب الجنود هناك، وكافأتها ملكة بريطانيا من خلال تقديم بروش محفور لها أصبح يُعرف باسم «جوهرة العندليب»، كما منحتها جائزة قدرها 250 ألف دولار من الحكومة البريطانية.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: التمريض ممرضة فلورنسا

إقرأ أيضاً:

مصر تفوز بجائزة العمل المميز في التمريض والقبالة لعام 2025 من مجلس وزراء الصحة العرب

  فازت مصر، ممثلة في الدكتورة كوثر محمود نقيب عام التمريض والمشرف العام على التمريض بالهيئة العامة للرعاية الصحية، بجائزة العمل المميز في تطوير مهنتي التمريض والقبالة للمستوى الفنى بمجال التعليم التمريضى لعام 2025، والتي يمنحها مجلس وزراء الصحة العرب تقديرًا للجهود الرائدة في تطوير مهن التمريض والقبالة على المستوى العربي.

وتضم الجائزة ثلاثة مجالات رئيسية هي: الممارسة السريرية، تعليم التمريض والقبالة، والقيادة وإدارة التمريض، حيث فازت الدكتورة كوثر محمود بالجائزة في مجال تعليم التمريض والقبالة، عن عملٍ جماعي مقدم من تجربة نجاح التعليم الفني فى الهيئة العامة للرعاية الصحية والتى شارك فيها كل من الأستاذة نانسي علاء الدين عبدالباسط، والدكتورة غادة أحمد محمود، والأستاذة رشا جمال دياب، وذلك بعد مراجعة وتوصية لجنة التحكيم التابعة للأمانة العامة لجامعة الدول العربية في اجتماعها المنعقد خلال شهر مايو الماضي.

ومن المقرر أن تتسلم الدكتورة كوثر محمود الجائزة رسميًا خلال أعمال الدورة الثالثة والستين لمجلس وزراء الصحة العرب، والمقرر انعقادها يومي 19 و20 نوفمبر 2025 بالعاصمة الليبية طرابلس.

وبدورها أعربت الدكتورة كوثر محمود عن فخرها واعتزازها بهذا التكريم العربي، مؤكدة أن الجائزة جاءت ثمرةً للجهود المبذولة بمنظومة التعليم الفني بالهيئة العامة للرعاية الصحية، بما ينعكس على رفع كفاءة التمريض وجودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين بالتأمين الصحي الشامل الجديد.

وأضافت أن هذا التكريم يمثل تقديرًا مستحقًا للكوادر التمريضية المصرية التي تعمل بإخلاص في جميع مواقع الخدمة الصحية، مشيرة إلى أن الفوز بهذه الجائزة يعكس المكانة التي بلغها التمريض المصري إقليميًا، ويجسد دعم القيادة السياسية لمهنة التمريض باعتبارها أحد الأعمدة الرئيسية لمنظومة الرعاية الصحية في مصر والعالم العربي

طباعة شارك مصر الهيئة العامة للرعاية الصحية جائزة العمل المميز نقيب عام التمريض

مقالات مشابهة

  • نقيب التمريض: نجاح قمة شرم الشيخ يعكس مكانة مصر الدولية ودعمها للسلام
  • قوات إسرائيلية تطلق غازًا مسيلًا للدموع على صحفيين أثناء تغطية إطلاق سراح سجناء في الضفة
  • وكيل صحة المنوفية يوجّه بتكريم المتميزين من هيئة التمريض سرس الليان
  • انطلاق فعاليات القافلة الطبية بحاجر المريس بالطود و بدء الدراسة بمعهد تمريض كلية البنات جامعة الأزهر
  • مصر تفوز بجائزة العمل المميز في التمريض والقبالة من مجلس وزراء الصحة العرب
  • مصر تفوز بجائزة العمل المميز في التمريض والقبالة لعام 2025 من مجلس وزراء الصحة العرب
  • فرن وعجين وأبراج دفاعية.. اكتشاف قلعة ضخمة في مصر تروي أسرار حياة الجنود القدماء
  • رئيس مدغشقر يعلن فشل «محاولة استيلاء غير مشروعة على السلطة»
  • مصر تفوز بجائزة العمل المميز في التمريض والقبالة لعام 2025
  • جامعة كفر الشيخ تستقبل فريق مشروع تطوير نظم الاختبارات بكلية التمريض