مستوى قياسي للحرائق وانبعاثات الكربون بغابات الأمازون
تاريخ النشر: 14th, October 2025 GMT
شهدت غابات الأمازون المطيرة خلال عام 2024 موسم حرائق الغابات "الأكثر تدميرا" منذ أكثر من عقدين من الزمن بسبب الظواهر المناخية المتطرفة والنشاط البشري، رغم تباطؤ إزالة الغابات بشكل عام.
وتوصلت دراسة جديدة أجراها مركز الأبحاث المشترك التابع للمفوضية الأوروبية إلى أن الحرائق أثرت على 3.3 ملايين هكتار (33 ألف كيلومتر مربع) من غابات الأمازون العام الماضي وحده.
ويقول الباحثون إن هذا أدى إلى إطلاق مستويات قياسية من انبعاثات الكربون وتدهور النظام البيئي، مما كشف عن "الهشاشة البيئية المتزايدة" في المنطقة.
وباستخدام البيانات من نظام مراقبة الغابات الاستوائية الرطبة وتصفية الإشارات الخاطئة الناجمة عن الحرائق الزراعية أو الغطاء السحابي، يقول العلماء إنهم تمكنوا من اكتشاف وإثبات تدهور الغابات الناجم عن الحرائق "بمستوى جديد من الدقة".
ووجد الباحثون أن حرائق عام 2024 أطلقت نحو 791 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وهو ما يعادل تقريبا كمية الانبعاثات التي تنتجها ألمانيا في عام كامل.
ويمثل هذا زيادة قدرها سبعة أضعاف عن متوسط العامين السابقين، وهي المرة الأولى التي يتفوق فيها التدهور الناجم عن الحرائق على إزالة الغابات باعتباره المحرك الرئيسي لانبعاثات الكربون في الأمازون.
وحذرت الدراسة من أن "تصاعد الحرائق، بسبب تغير المناخ والاستخدام غير المستدام للأراضي، يهدد بدفع منطقة الأمازون نحو نقطة تحول كارثية".
وكان الانتشار الجغرافي للحرائق أيضًا مصدر قلق بين الباحثين، حيث شهدت البرازيل أعلى مستوى من الانبعاثات الناجمة عن تدهور الغابات على الإطلاق.
وفي بوليفيا، أثرت الحرائق على 9% من الغطاء الحرجي السليم المتبقي في البلاد، وهو ما وصف بأنه "ضربة دراماتيكية" لمنطقة كانت لمدة طويلة بمثابة خزان حيوي للتنوع البيولوجي ومصرف للكربون.
إعلانبفضل رطوبتها العالية وهطول الأمطار المنتظمة، كانت غابات الأمازون مقاومة للحرائق تاريخيًا، لكن في أعقاب الجفاف وموجات الحر الشديدة في عامي 2023 و2024 تقلصت موارد المياه السطحية في المنطقة وانخفضت رطوبة التربة، وكلاهما يزيد من احتمال اندلاع الحرائق وشدتها.
ويقول الباحثون إن "الزيادة غير العادية" في نشاط الحرائق من المرجح أن تكون ناجمة عن الجفاف الشديد، وتتفاقم بسبب تغير المناخ وتجزئة الغابات، حيث تنقسم الغابات الكبيرة المستمرة إلى قطع أصغر بسبب النشاط البشري وسوء إدارة استخدام الأراضي.
ويشمل ذلك ما تعرف بـ"حرائق الهروب"، وهي تقنية يقوم فيها رجال الإطفاء بإشعال حريق أصغر حجما عمدا في منطقة آمنة لإنشاء رقعة قاحلة من الأرض للتراجع إليها عند اقتراب حريق غابات أكبر، فضلاً عن الحرائق التي يشعلها أشخاص من أجل توسيع المساحات لتربية الماشية أو زراعة فول الصويا أو زيت النخيل وغيرها من المحاصيل.
ويسلط التقرير الضوء على دور الحرائق في تآكل الغابات دون إزالتها بالضرورة، مشيرا إلى أن "الغابات المتدهورة قد تبدو سليمة من الأعلى، ولكنها تفقد جزءًا كبيرًا من كتلتها الحيوية ووظيفتها البيئية".
ودعا الباحثون إلى "اتخاذ إجراءات فورية ومنسقة" للمساعدة في الحد من استخدام الحرائق، وتعزيز سياسات حماية الغابات، ودعم جهود الإدارة المحلية والأصلية.
وكانت بيانات حكومية برازيلية قد أظهرت أن غابات الأمازون المطيرة شهدت أعلى عدد من الحرائق منذ 17 عامًا في عام 2024، بعد أن عانت المنطقة من أشهر من الجفاف الطويل، وتم اكتشاف أكثر من 140 ألف حريق من خلال التصوير بالأقمار الصناعية على مدى العام، وفقًا للمعهد الوطني لأبحاث الفضاء.
وتسبب الجفاف في تراجع التساقطات بمنطقة الأمازون منذ منتصف عام 2023، مدفوعًا بتغير المناخ الناجم عن أنشطة الإنسان وظاهرة الاحتباس الحراري في تهيئة الظروف للحرائق الهائلة.
وتعد غابات الأمازون رئة العالم، إذ تحتوي على نحو 400 مليار شجرة. ويُقدر العلماء عمرها بنحو 55 مليون سنة، وهي تغطي نحو 6% من سطح الكرة الأرضية.
وتقدر مساحتها الإجمالية بنحو 5 ملايين كيلومتر مربع، وتمتد في أراضي 9 دول في أميركا الجنوبية، بينها 60% في البرازيل. وهي تمتص نحو 1.5 غيغا طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا.
لكن إزالة الغابات وزيادة معدلات الحرارة والحرائق الطبيعية والمفتعلة حوّلت بعض مناطقها إلى مصدر للكربون الذي تخزنه الأشجار، مما يفاقم تغير المناخ العالمي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات تغي ر المناخ غابات الأمازون المطیرة إزالة الغابات عن الحرائق
إقرأ أيضاً:
مادة تأكل ثاني أكسيد الكربون.. هل نبني بها بيوتنا قريبا؟
لو سألت أي مهندس عمّا يبقي المدن واقفة، فستسمع كلمة واحدة تتكرر، إنها الخرسانة، المادة الأكثر استخدامًا في البناء على الكوكب، لكنها تحمل "فاتورة كربون" ثقيلة؛ إذ ترتبط صناعة الخرسانة والأسمنت بانبعاثات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون.
بل ويقدّر نصيب الخرسانة من انبعاثات هذا الغاز الضارة، بنحو قرابة 8% من الانبعاثات العالمية، وفق ما ورد في تصريحات فريق بحثي بجامعة ووستر بوليتكنك الأميركية.
وأخيرا، قدّم هؤلاء الباحثون مادة إنشائية جديدة اسمها "المادة الإنشائية الإنزيمية"، لا تَعِد فقط بتقليل الانبعاثات، بل تمتص ثاني أكسيد الكربون أثناء التصنيع وتحبسه على هيئة معادن صلبة، وتتماسك خلال ساعات بدلا من أسابيع.
الجوهر الكيميائي للفكرة مستوحى من الطبيعة، فكثير من الكائنات تبني أصدافها بتحويل الكربون الذائب إلى كربونات الكالسيوم (حجر جيري).
استعار فريق جامعة ووستر بوليتكنك المبدأ نفسه، لكن بدلا من النشاط الحيوي يستخدم إنزيما يسرّع تفاعلًا معروفًا في الكيمياء الحيوية، وهو تحويل ثاني أكسيد الكربون المذاب في الماء إلى "بيكربونات" أو "كربونات"، اللبنات التي تُسهِّل تكوين كربونات الكالسيوم كبلّورات صلبة.
الإنزيم المذكور في هذه الحالة هو "أنهيدراز الكربونيك"، وهو إنزيم يعتمد على الزنك ويشتهر بقدرته على تسريع ترطيب ثاني أكسيد الكربون في الماء.
وتُظهر الاختبارات، التي أورد الباحثون نتائجها في دراستهم التي نشرت بدورية "ماتر"، على ملاطّات جيرية أن هذا الإنزيم يمكنه فعلا رفع سرعة تكوّن بلورات من كربونات الكالسيوم وتحسين القوة المبكرة لأن التفاعل يسير أسرع.
إعلانبعد ذلك، يستخدم الفريق تقنية تسمى "المعلّقات الشعرية"، وتتمثل في نظام ثلاثي (سائل-سائل-صلب) تُضاف إليه نُقطة من مادة غير ممتزجة لتكوين جسور شعرية بين الحبيبات، فتتشابك تلقائيا في شبكة قوية تشبه الجل.
وبحسب الدراسة، فإن كل متر مكعب من المادة الإنشائية الإنزيمية يمكن أن يحجز أكثر من 6 كيلوغرامات من ثاني أكسيد الكربون، في حين أن مترا مكعبا من الخرسانة التقليدية قد يرتبط بانبعاث نحو 330 كيلوغراما من ثاني أكسيد الكربون.
ومن ناحية القوة الميكانيكية، فإن المادة الإنشائية الإنزيمية حققت قوة ضغط في نطاق 25-28 ميغاباسكال، أي قريبة من الحد الأدنى لبعض خرسانات الاستخدام الإنشائي، مع امكانية مقاومة الماء.
تحديات ليست سهلةهذه الأرقام واعدة، لكنها لا تُغلق النقاش، فالفرق بين "نموذج واعد" و"مادة تدخل كود البناء" يمر باختبارات طويلة للعمر التشغيلي، والتشققات، والدورات الحرارية، والتآكل الكيميائي، وسلوك المادة تحت أحمال متكررة، وهي خطوات عادة ما تكون أطول بكثير، وتطلب المزيد من البحث العلمي.
كما أن التحدي ليس علميًا فقط، بل اقتصادي وتنظيمي أيضا، فما تكلفة الإنزيم؟ وما مدى استقراره في خطوط إنتاج كبيرة؟ وكيف سيندمج في أكواد البناء الحالية؟ يتطلب ذلك أيضا المزيد من البحث.
لكن في النهاية، فإن البحث العلمي في هذا النطاق يسرّع الخطى، لحل واحدة من أكبر مشكلات الكوكب كله، وهي نفث ثاني أكسيد الكربون، والذي يتسبب في الاحتباس الحراري، بما له من أثر ضارب في العالم.