جاء الشيخ يوسف القرضاوي رحمه الله تعالى ليحقّق مع إخوانه، بإنشاء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، هدفاً سامياً وحلماً عالياً، بل مقصداً من مقاصد الشريعة بإقامة الدنيا على أساس الدين، وآية من آي القرآن الكريم، بتحقيق الوحدة على هدي التوحيد، وقد قال سبحانه: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾.



وكان من أهمّ ما سعى الاتحاد إلى تأصيله والدعوة إليه: الوحدة والدعوة، وتعزيز الوسطية ونبذ العنف، ونشر ثقافة التسامح وتعزيز المشترك الإنساني، على أساس الجمع بين الأصالة والمعاصرة، من خلال تنسيق جهود العلماء، وتوعية المسلمين بحقيقة دينهم، ليقوموا بواجبهم في عمارة الأرض والاستخلاف الحضاري.

وقد حضرتُ الجمعية العمومية للاتحاد في دروتها السادسة بالدوحة في السادس من كانون الثاني 2024، فرأيت إيمان علماء الأمّة باتحادهم، وتمسّكهم بوجوده ودوره ورسالته، والتفافهم حول قيادته، ما دعاني للكتابة عن الاتحاد بما يساهم في قوة قراره، وتوجيه بوصلته، وتثبيت صلابة مسيرته، التي أراها في الوحدة والدعوة والتجرّد والاستقلال وتعزيز الممارسات الشورية، إيماناً مني بدور الاتحاد ورسالته، ووعياً بحجم التحدّيات التي تعترضه في عالم يموج بالإسلاموفوبيا والعداء للإسلام والإصلاح.

كان من أهمّ ما سعى الاتحاد إلى تأصيله والدعوة إليه: الوحدة والدعوة، وتعزيز الوسطية ونبذ العنف، ونشر ثقافة التسامح وتعزيز المشترك الإنساني، على أساس الجمع بين الأصالة والمعاصرة، من خلال تنسيق جهود العلماء، وتوعية المسلمين بحقيقة دينهم، ليقوموا بواجبهم في عمارة الأرض والاستخلاف الحضاري.لم تكن نشأة اتحاد عالمي لعلماء المسلمين يرجو مؤسّسوه أن يساهم في النهضة العلمية والمجتمعية للمسلمين، وتوحيد كلمتهم وتوجيه جهودهم، وتقوية الروح الإسلامية في الشخصية الفردية والمجتمعية، لتمرّ دون تربّص الحاقدين وكيد المغرضين، لكنّ كلّ ذلك لم يمنع الشيخ القرضاوي رحمه الله ومن معه من الدعوة إلى لقاء علمائي دولي وإطلاق هذا الإطار العلمائي المرجعي الجامع من دبلن بإيرلندا في كانون الثاني 2004، متسلّحين بصدق التوكّل على الله، ونبل الهدف والمقصد، وإيمان الأعضاء بقدسية الرؤية والرسالة.

كان التحدّي كبيراً، لكنّ إرادة الإنجاز كانت أكبر، فتأسّس الاتحاد، وجمع تحت مظلّته من لم يجتمعوا عبر التاريخ، حيث كان فيهم السني والشيعي والأباضي، كما فيهم السلفي والصوفي والحركي، يجتمع هؤلاء من طنجة وجاكرتا، كما من بغداد والقاهرة ونيسابور وأصفهان، وهو أمر فيه من قوة الأمّة ما يخيف أعداءها، لكنّ الاتحاد مضى في مسيرته، يحكمه نظام تأسيسي جامع، وموجّهات فكرية ضابطة، وبوصلة شرعية هادية.

اعترضته المشكلات لكنّه تخطّاها، وواجه التحدّيات وتجاوزها، فحافظ على وحدته وهدفه، وبذل جهوداً جليلة لحفظ الهُويّة وحماية الحقوق، موائماً بين متطلّبات التأصيل الشرعي وموازنات الواقع السياسي، فواكب قضايا الأمّة ومشكلاتها، وعقد المؤتمرات ونظّم الدورات، وأصدر الفتاوى في النوازل، والبحوث المحكمة في المستجدّات، كما نشر عدداً كبيراً من الكتب، ووضع موسوعة المصطلحات الإسلامية، والميثاق الإسلامي، وساند الأقلّيات المسلمة التي تعاني من الظلم والتمييز لا سيّما مسلمي الروهينجا والإيغور، وبذل جهوداً كبيرة في حفظ هويّة الأمّة وتعزيز قيم الوحدة والتواصل، ونشر ثقافة التسامح وتعزيز المشترك الإنساني والحضاري.

وقد دفعني هذا الشعور بالإنجاز والاعتزاز، مع استشعار حجم المسؤولية والتحدّيات، إلى السعي للمساهمة في قوة الاتحاد وسداد مسيرته، فكتبت ما يسهم في تسديد المسار وتقوية اللحمة، وسرّني أن يتلقى العديد ممّن قرأ كلامي بالقبول، ونبّهني بعض الأحباب إلى أخطاء تاريخية وردت فيما كتبت، فاقتضت الأمانة العلمية تصحيحها، من مثل  أنّ "رابطة علماء أهل السنة" التي جمعت علماء من الاتحاد وغيره إنّما تمّ تأسيسها قبل عام 2010 الذي انعقدت فيه الجمعية العمومية الثالثة للاتحاد، وكنت قد ذكرت أنّ تأسيسها جاء بعد هذا العام، علماً أنّ أعضاء الاتحاد الذين انضمّوا إلى هذه الرابطة حافظوا على عضويتهم في الاتحاد وفعالية حركتهم تحت مظلّـته، وعبّروا بشكلٍ علنيّ وواضح عن احترامهم لقيادته وتقديرهم لنظامه ورؤيته وأهدافه.

وكذلك فعل الأمين العام السابق فضيلة الدكتور محمد سليم العوّا الذي حافظ على عضويته في الاتحاد بعد خروجه من الأمانة العامّة نتيجة انتخابات الجمعية العمومية الثالثة عام 2010، خلافاً لما التبس عندي نتيجة ما روّجت له وسائل إعلامية، وكان حضوره اجتماع الجمعية العمومية السادسة بالدوحة في كانون الثاني 2024 أكبر دليل على التزامه مسيرة الاتحاد الذي ساهم في تأسيسه، فيما قابلت قيادة الاتحاد هذا الولاء بالوفاء حين كرّمته في هذا اللقاء مع عدد من أصحاب الفضل والسبق.

خطا الاتحاد في طريق حفظ هُويّة الأمّة خطوات ثابتة قويّة صلبة منذ تأسيسه، وما زالت أمامه تحديات جسام، وضعت لها الإدارة الجديدة هياكل إدارية وخطة استراتيجية ولجاناً انبثقت عن أمانتها العامّة، مبنيّة على رسالة الاتحاد التي لم تتغيّر، ورؤيته الطامحة إلى إقامة الوحدة على أساس التوحيد، ونشر الدّعوة والتّبشير بالدّين، وتقديم الإسلام كنموذج حضاري له دوره الفاعل في المساهمة بعمارة الأرض وإقامة العدل ورفاه الإنسان، ونسأل الله أن يوفّق الاتحاد والقائمين عليه إلى ما يحب ويرضى.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قطر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين مؤسسات رأي مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الجمعیة العمومیة على أساس الأم ة

إقرأ أيضاً:

ما يقال عند المرور على مقابر المسلمين.. اتبع سنة النبي وافعل هذه الأمور

تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا مضمونه: ما الذي ينبغي أن يقال عند المرور على مقابر المسلمين؟ خصوصا إنني أمرُّ على المقابر كثيرًا لقربها من الطريق في بلدتي، فأرجو من فضيلتكم بيان الأذكار أو الأدعية التي تُقال عند المرور على مقابر المسلمين؟ وهل هذا خاص بالرجال؟

وأجابت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمى عن السؤال قائلة: يُسن أن يقول المارُّ بالمقابر: "السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ"، وأن يدعو لهم بما يشاء من الرحمة والمغفرة وغير ذلك، وكذا يجوز له قراءة سورة الفاتحة، أو "قل هو الله أحد"، وهبة ثواب ذلك لمن في المقبرة، إذ الأمر في هذا واسع، ويستوي في ذلك الرجال والنساء.
 

ماحكم وضع الفتاة صورها على مواقع التواصل الاجتماعي؟.. أمين الفتوى يجيبحكم عمل منصة إلكترونية للترويج للسلع وبيعها.. الإفتاء تجيبهذا ما كان يفعله النبي في الحر الشديد.. تعرف عليهعلي جمعة: المؤمن الحق يمر باللغو كريماً ويبدأ بإصلاح نفسه قبل غيره

حث الشرع الشريف على الدعاء للأموات
واشارت الى أن الشرع الشريف ندب إلى الدعاء للأموات، وقد دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ﴾ [الحشر: 10]، وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا صلى على جنازة قال: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ» رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، والحاكم.

وقد أجمع العلماء على أن الدعاء ينفع الموتى ويصل إليهم ثوابه، ينظر: "الأذكار" للإمام النووي (ص: 164، ط. دار الفكر)، و"عمدة القاري" للإمام العيني (3/ 119، ط. دار إحياء التراث العربي)، و"شرح متن الرسالة" للإمام زروق (1/ 434، ط. دار الكتب العلمية).

ما يقال عند المرور على مقابر المسلمين
من السنة أن الإنسان إذا أتى قبورًا أو مرَّ عليها أن يُسلِّم على أهلها؛ لما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتى المقبرة، فقال: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» رواه مسلم.

ويدلَّ هذا الحديث على استحباب التسليم على أهل القبور.

قال الإمام ابن أبي زيد القيرواني في "النوادر والزيادات" (1/ 655-656، ط. دار الغرب الإسلامي): [يَدُلُّ على التسليم على أهل القبور، ما جاء من السنة، في السَّلام على النبي عليه الصلاة والسَّلام، وأبي بكر، وعمر، مقبورين،، وقد آتى النبي صلى الله عليه وسلم قبور شهداء أحد، فسلم عليهم ودعا لهم] اهـ.

وهذا الاستحباب ليس خاصًّا بالزائر وحسب، بل إنه يشمل المار بالمقابر أيضًا، فيستحب له أن يسلم ويقول الدعاء السابق، وأن يدعو لهم بما يريد.

قال الإمام الروياني في "بحر المذهب" (2/ 602، ط. دار الكتب العلمية): [يستحب إذا اجتاز بالمقبرة أن يسلم على أهلها فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون] اهـ.

وأمر الدعاء للموتى عند المرور بمقابرهم واسع، فكما يجوز بالوارد المأثور يجوز أيضًا بشيء آخر غيره، فقد جاء عن الحسن البصري قوله: "مَنْ دَخَلَ الْمَقَابِرَ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ رَبَّ الْأَجْسَادِ الْبَالِيَةِ، وَالْعِظَامِ النَّخِرَةِ الَّتِي خَرَجَتْ مِنَ الدُّنْيَا وَهِيَ بِكَ مُؤْمِنَةٌ، أَدْخِلْ عَلَيْهَا رَوْحًا مِنْ عِنْدِكَ وَسَلَامًا) اسْتَغْفَرَ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ مَاتَ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ" رواه ابن أبي شيبة في "المصنف".

كما يجوز لمن يمر بالمقابر قراءة "الفاتحة"، أو "قل هو الله أحد" إحدى عشرة مرة، بل ورد عن السلف أن ذلك سبب لمغفرة ذنوب للقائل بعدد من في الجبانة.

فعن أم عفيف النهدية رضي الله عنها قالت: "بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين بايع النساء، فأخذ عليهن ألا تُحَدِّثْنَ الرَّجُل إلا مَحْرَمًا، وأَمَرَنَا أن نقرأ على مَيِّتِنا بفاتحةِ الكتاب" رواه الطبراني في "المعجم الكبير"، وحديث أم شريك رضي الله عنها قالت: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم أَنْ نَقْرَأَ عَلَى الْجِنَازَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ" رواه ابن ماجه.

وقال العلامة الجمل في "حاشيته على شرح المنهج" (2/ 210، ط. دار الفكر): [(فائدة) ورد عن السلف أن من قرأ سورة الإخلاص إحدى عشرة مرة وأهدى ثوابها لجبانة غفر له ذنوب بعدد الموتى فيها، وروى السلف عن علي رضي الله تعالى عنه أنه يعطى من الأجر بعدد الأموات] اهـ.

ويستوي في ذلك الرجال والنساء، فيجوز للمرأة أن تدعو إذا مرت بالمقابر، والأصل في ذلك ما جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قلت: كيف أقول لهم -تعني الأموات- يا رسول الله؟ قال: «قُولِي: السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ» رواه مسلم.

فهذا يتوجه للمرأة التي تزور القبر، فلم يرد فرقٌ بين الرجل والمرأة في الدعاء الذي يُدعى به عند القبر.

قال العلامة ملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (4/ 1255، ط. دار الفكر) معقبًا على بعض الأحاديث التي تبيح زيارة القبور: [فهذه الأحاديث بتعليلاتها تدل على أن النساء كالرجال في حكم الزيارة، إذا زرن بالشروط المعتبرة في حقهن] اهـ، ومعنى أنهن كالرجال في أصل الفعل، فهن أيضًا كالرجال فيما يترتب على هذا الفعل.
 وأكدت بناءً على ذلك: أنه يُسن أن يقول المارُّ بالمقابر: "السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ"، وأن يدعو لهم بما يشاء من الرحمة والمغفرة وغير ذلك، وكذا يجوز له قراءة سورة الفاتحة، أو "قل هو الله أحد"، وهبة ثواب ذلك لمن في المقبرة، إذ الأمر في هذا واسع، ويستوي في ذلك الرجال والنساء.

طباعة شارك الدعاء للأموات ما يقال عند المرور على مقابر المسلمين مقابر مقابر المسلمين التسليم على أهل القبور

مقالات مشابهة

  • حسني عبد ربه: جيت من السفر مخصوص علشان أدعم قرارات الجمعية العمومية بسحب الثقة
  • تغيرات مرحلة النفاس «٢»
  • حرية الصحافة.. الديهي: الرئيس السيسي يحرص على تفعيل مبادئ الرأي والرأي الآخر
  • دينا أبو الخير تكشف أخطر مفاهيم البدعة التي تثير الفتنة بين المسلمين.. فيديو
  • عضو مجلس الإسماعيلي: سننفذ رغبة الجميعة العمومية سواء حال تجديد الثقة أو سحبها
  • إدارة السير توزع كمامات على المركبات العمومية تحسباً لمخاطر الغبار
  • صحة أسيوط تنظم احتفالية الأسبوع العالمي لدعم وتشجيع الرضاعه الطبيعية
  • سلاحُ المقاومةِ.. بينَ بقاءِ الأمّةِ وفنائِها
  • ما يقال عند المرور على مقابر المسلمين.. اتبع سنة النبي وافعل هذه الأمور
  • «العالمي للتسامح والسلام»: احتلال غزة تصعيد خطير يهدد بمزيد من إراقة دماء الأبرياء