بين استراتيجية الغرب وعفوية العرب!
تاريخ النشر: 31st, May 2024 GMT
وصلتنى من أ. د. على الغتيت أستاذ القانون الدولى والاقتصادى المقارن ورئيس الجمعية المصرية للقانون الدولى ونائب رئيس الاتحاد الدولى للمحامين سابقا والخبير القانونى العالمى المعروف هذه الرسالة المهمة تعليقا على مقال الأسبوع الماضى الذى كان عن ضرورة وجود حراك فلسفى عربى جديد ، وفيها توضيح غاية فى الأهمية عن استراتيجيات الغرب فى التعامل مع الآخر وخاصة دول الجنوب ؛ تقول الرسالة «أنه فى أصول دراسات الاستراتيجية الغربية فى العلاقات الدولية «IR» واصول الهيمنة العالمية فى أهم المراجع الاكاديمية والعلمية المدونة والحائزة على NOBLE وتدرس فى أعلى جامعات الغرب و US OF AMERICA أن عماد القوة الاستراتيجية للهيمنة العالمية التامة الراسخة فى مواجهة دول الجنوب؛ هى «أولا»: النجاح فى تحقيق الكثافة السكانية العالية للمهيمن، و«ثانيا» :تحصين النجاح فى تحقق القدرة الاقتصادية المستقلة، أما شروط نجاح الهيمنة على الآخر فى العالم الجنوبى فهى:
«أولا»: تحقيق وضمان استمرار هزال الحالة الاقتصادية والمالية و ترسيخ الاعتماد على الاقتراض الأجنبى، و«ثانيا» : الحد من النمو السكانى عددا و صحة وتعليمًا، وضمان تحقق حرمانه من التعليم ومن الصحة ومن سبل العلاج.
وتعليقا على ذلك أرى أنه بالفعل هذه هى استراتيجيات الغرب فى التعامل مع دول الجنوب اليي صنفوها على أنها دول عالم ثالث وتعمدوا طوال الحقبة الاستعمارية اضعافها بالاستيلاء مباشرة على ثرواتها الطبيعية والمادية، أو بربطها اقتصاديا باقتصادهم حتى بعد الفترة الاستعمارية، وهذا هو الأهم بعرقلة تقدمها عن طريق تكبيلها بمجموعة ظالمة من القوانين والمنظمات الاقتصادية التى يسمونها عالمية وهى فى الحقيقة منظمات لم تخلق الا للتضييق على اقتصاديات الدول النامية وخنقها وحرمانها من تحقيق طفرات تنموية تخلصها من التبعية والاعتماد على الآخر!
أضف الى ذلك أن الرؤية الغربية للآخر لا ترى فيه الا أنه مجرد مصدر للثروات المادية والبشرية والقوى العاملة وتعمل دوما على ضرورة استمراره خاضعا واعتماديا ، ولذلك أرى أنه لا ينبغى بأى حال التعامل بجدية مع كل ما يروجون له من مفاهيم أخلاقية وخاصة ما يتعلق بحقوق الانسان والتسامح والديموقراطية .. الخ. لأن الانسان بألف ولام التعريف فى نظرهم هو فقط الانسان الغربى الأبيض فهو الجدير بالسيادة والريادة والتمتع بكل الحقوق والحريات أما ماعداه فلا يهمهم من قريب أو من بعيد ! وقد أشرت الى ذلك وبرهنت عليه فى كتابى « حقوق الانسان المعاصر بين الخطاب النظرى والواقع العملى «، وها هى حرب الإبادة العنصرية التى تقوم بها إسرائيل فى فلسطين بدعم واضح ومعلن ومفضوح من الولايات المتحدة الأمريكية خير شاهد على ذلك !
اننا نعيش بلا شك فى ظل الهيمنة الأمريكية الغربية على العالم أسوأ دورة حضارية شهدها التاريخ البشرى لما فيها من نزعة عنصرية وتمييز واضح، ولما فيها من ازدواجية المعايير وفرض الرأى على الآخرين ! ان مجرد الوعى بما ورد فى حديث د. على الغتيت عن استراتيجية الغرب تجاه دول الجنوب يعنى ضرورة أن نعيد النظر فى علاقتنا الاستسلامية بالغرب والاستجابة لدعواته الخاصة بحوار الثقافات والأديان والتسامح مع الآخر الخ .، فهى كلها دعوات المقصود بها تخديرنا وتغييب ارادتنا الواعية فلا نلتفت الى مخططاته الخبيثة لاضعافنا ماديا وبشريا!
إن الحقيقة الناصعة التى لا ينبغى أن تغيب عن وعينا هى أن الغرب لا يريد بنا خيرا أبدا ، وأنهم يعتبروننا كما يقول فيلسوفهم صمويل هنتنجتون صاحب كتاب « صدام الحضارات « العدو الأول ، ولذلك أعدوا الخطط وصمموا الاستراتيجيات التى من شأنها اضعافنا كدول عربية وإسلامية وهذه الخطط المعلنة وغير المعلنة تهدف جميعا الى تفتيت دولنا الى دويلات وهدم الجيوش واذكاء الصراعات الإقليمية والعرقية والمذهبية، فلا تجد دولة الا وهى تعانى من هذه الصراعات والحروب الداخلية، وكل تلك النزاعات والصراعات يشعلها ويغذيها ويمولها الغرب والمنظمات الصهيونية العالمية! وكم كتبت عن ذلك ونبه اليه الكثير من الكتاب والمثقفين العرب لكن عادة ما تذهب تحذيرات وصرخات الكتاب العرب هباء منثورا لأن الحكام والزعماء العرب وأصحاب المصالح فى واد آخر ، وكم قلنا وسنظل نقول: أفيقوا ياعرب ، ان مصلحتكم الحقيقية هى فى القضاء على كل النزاعات والحروب الداخلية والعلو على المصالح الآنية للحكام والزعماء والنهوض بالأمة عبر الوعى بكل مايحاك بنا ورفض كل محاولات التشتيت والتفتيت والعمل جادين جاهدين لبناء نظام عربى جديد من شأنه رأب الصدع وتوحيد الكلمة، والعمل على تطوير العمل العربى المشترك ، وياليتنا نفكر – كما ناديت بذلك فى كتابى « الأورجانون العربى للمستقبل الذى صدر عام 2014 - فى انشاء كيان بديل للجامعة العربية برياسة تبادلية بين الزعماء العرب يكون له ذراع تنفيذية ممثلة فى مجلس وزارى من المتخصصين فى كل المجالات وخاصة العسكرية والسياسية والاقتصادية والتعليمية والثقافية يقود العمل العربى المشترك فى الفترة القادمة! فهل من مجيب؟!
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نحو المستقبل حقوق الإنسان دول الجنوب
إقرأ أيضاً:
الغارديان: قادة الغرب الذين دعموا المذبحة لا يمكنهم صنع سلام لفلسطين
نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية مقالا للصحفية نسرين مالك، رأت فيه أن قادة الغرب المشاركين في قمة شرم الشيخ هم أنفسهم من "مكّنوا ورعوا المذبحة في غزة"، ولهذا بحسب قولها لا يمكنهم بناء مستقبل فلسطيني حقيقي".
وقالت مالك في مقالها إن شرم الشيخ استضافت أبرز تجمع لقادة العالم في الشرق الأوسط منذ سنوات، حيث يشارك في القمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، وآخرون، تحت شعار "إنهاء الحرب في قطاع غزة وتعزيز جهود السلام والاستقرار في الشرق الأوسط وبدء عهد جديد من الأمن الإقليمي".
ورأت الكاتبة أن "هذه اللغة تنذر بمستقبل خالٍ من المحاسبة أو معالجة الأسباب الجذرية للصراع"، معتبرة أن الهدنة، إن صمدت، ستؤدي إلى "تطبيع نتائج المذبحة"، بينما يستمر الاحتلال الإسرائيلي بلا مساءلة، ويُطوى فصل آخر من انتهاكات إسرائيل سرا، ليس فقط ضد الفلسطينيين بل ضد مَن دعموها أيضا.
وأضافت مالك أن تعبيرا عربيا يتبادر إلى الذهن في هذا السياق هو "حاميها حراميها"، في إشارة إلى أن الدول التي سلحت إسرائيل هي ذاتها التي تبحث الآن عن طريق لتحقيق السلام في غزة.
وتابعت أن الصور القادمة من القطاع تكشف دمارا غير مسبوق، حيث يعود السكان إلى منازلهم ليجدوا "أرضا قاحلة سوتها القنابل والجرافات بالأرض"، مؤكدة أن حتى ضوء الشمس في الصور يبدو "خارقا للطبيعة" لأن المباني التي كانت تخلق الظلال اختفت تماما. وأشارت إلى أن الناجين يعودون ليقيموا خياما جديدة بانتظار المساعدات، لكن هذه المرة "بخطر أقل للتعرض للقصف أثناء النوم".
وتساءلت الكاتبة عن مصير الحياة بعد الموت في غزة، وعن الأطفال الأيتام والمشوهين الذين فقدوا أسرهم، موضحة أن "الدمار لم يطل البنية التحتية فقط، بل محا أيضا النسيج الاجتماعي، إذ أُبيدت عائلات كاملة على مدى أجيال". ونقلت عن أحد سكان غزة قوله عن شقيقه الذي فقد عائلته في غارة واحدة: "يتجول باستمرار حول الأنقاض التي ماتوا فيها".
وقالت إن أعداد القتلى مرشحة للارتفاع مع استمرار انتشال الجثث من تحت الأنقاض، مشيرة إلى أن "ما لا يقل عن 10 بالمئة من سكان غزة قُتلوا أو جُرحوا، وهو تقدير متحفظ".
وأضافت أن تجاهل هذه الحقائق والتعامل معها كتكاليف للحرب "يشكل جريمة أخلاقية وسياسية"، مشددة على أن "الهجوم يجب أن يتوقف، لكن الأهم هو معالجة الظروف التي سمحت بوقوعه واستمراره".
وأكدت مالك أن حجم الدمار يجعل من الصعب التركيز على أي شيء سوى وقف القتل، "لكن هذا التركيز ذاته يحمل في طياته خطر التبرئة"، مشيرة إلى أن ترامب "يستعد للاحتفال بنصره في صنع السلام"، رغم أنه ساهم في تمكين ما حدث، فيما أشاد جاريد كوشنر بـ"سلوك إسرائيل"، قائلا: "بدلا من تكرار همجية العدو، اخترتم أن تكونوا استثنائيين".
وأضافت أن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أثنى على ترامب لدوره في تأمين الصفقة، بينما ركز على السماح بإدخال المساعدات الإنسانية، وذكرت أن مكتب رئيس الوزراء أعلن أنه سيشيد "بشكل خاص" بالرئيس الأمريكي في قمة شرم الشيخ.
وعلقت قائلة: "هكذا أصبح لدينا جريمة بلا مجرمين، وإبادة جماعية بلا مرتكبي إبادة جماعية، وشعب بائس يُقال إن حماس هي من أذلته، ويُتعامل معه الآن كمن يحتاج إلى الإطعام والرعاية بينما يُمحى من جديد تاريخه وهويته".
وأوضحت مالك أن هذه التبرئة ستكون هذه المرة أكثر إلحاحا، لأن مسؤولية الدول التي سلحت إسرائيل وقمعت الاحتجاجات ضدها "باتت أوضح من أي وقت مضى"، مشيرة إلى أن تلك الدول "ستسارع إلى شرم الشيخ لتبرئة نفسها"، لأنها زودت إسرائيل بالسلاح، ورفضت الالتزام بأحكام المحكمة الجنائية الدولية حين أصدرت مذكرة توقيف بحق بنيامين نتنياهو.
وقالت الكاتبة إن "الحديث عن السلام في غزة" تحول إلى فرصة للنسيان، ومحاولة لمحو مرحلة من الوعي الجماعي التي كشفت تواطؤ بعض الحكومات الغربية في تدمير غزة، مضيفة أن ما حدث "لن يُنسى بسهولة"، وأن "المستقبل الآمن لسكان غزة لا يمكن أن يصنعه من تلطخت أيديهم بدمائهم".
واختتمت مقالها بالتأكيد على أن وقف القتل لا يعني نهاية المأساة، مشيرة إلى أن الفلسطينيين سيظلون يواجهون القتل ومصادرة الأراضي والاعتقال دون محاكمة عادلة، وأن "ما تعلمه العالم خلال العامين الماضيين لا يمكن تجاهله".
وقالت نسرين مالك في ختام مقالها في "الغارديان": "لقد تخلى مرتكبو هذا الدمار منذ زمن طويل عن أي ولاية على الشعب الذي ساعدوا في قتله وتحطيمه"، مضيفة أن ما يُكشف الآن من أعداد القتلى والدمار في غزة يجعل إنكار الحقيقة مستحيلا، وختمت بعبارة مستوحاة من قصيدة "جيرونشين" للشاعر تي. إس. إليوت: "بعد هذه المعرفة، أي غفران؟".