القضية الفلسطينية ليست وليدة السابع من أكتوبر، ولن تتوقف بعد هذا التّأريخ، هي قضيّة هذا الإنسان الفلسطيني، هناك أجيال ذهبت وبقت وفية لهذه القضيّة، وهناك أجيال ستكبر ويولد غيرها، وستبقى كذلك وفيّة لهذه القضية، وهناك العديد من الاتّجاهات الّتي ناصرت الشّعب الفلسطيني، من العرب وغيرهم، ومن اليمين واليسار، فلا يمكن حصر القضيّة في لحظة تأريخيّة معينة، وفي حركات أيدلوجيّة بعينها.

ما نراه حاليا في وسائل التواصل الاجتماعي العديد منه أقرب إلى الفوضى من الوقوف بحقّ مع مظلومية ما يحدث في غزّة، وبعده عن الجانب الإنساني، وأصبح الحال أقرب إلى التّشفي من الآخر، وإطلاق الاتهامات المسبقة، والشّعارات والبيانات العموميّة، ومنهم من يسعى إلى كسب أكبر عدد من المشاهدات والتّفاعل أكثر منه انتصارا للقضية، وهناك من يطلق تصنيفات وأحكام مسبقة، فضلا عن الأسماء الوهميّة الّتي تحاول أن تضع القضيّة في غير سياقها الحاليّ، وسبق أن نشرتُ مقالا في جريدة عمان يصف الحال بعنوان: «غزّة من عاطفة التّضامن إلى صدمة التّعقل».

ما نراه اليوم من تراجع واضح في العالم العربيّ خصوصا، وهم أقرب إلى ما يجري في فلسطين، من حيث الجغرافيا واللّغة والثّقافة والاتّساق الديني، ومع ذلك المتأمل في الواقع الحكوميّ والشّعبيّ بشكل أفقي لا يجد ذلك الحضور الّذي كان في حوادث سابقة، كالانتفاضة الأولى والثانية مثلا، هذا عكس ما نراه من تطوّر في حضور القضيّة في الغرب أو في العالم الآخر، في المظاهرات والاعتصامات، وما قامت به مثلا دولة جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدّوليّة، ومن اعترافات لدول غربية بالدولة الفلسطينيّة، ولو على حدود 1967م، وعاصمتها القدس الشّرقيّة، وهو تطوّر جيّد له آثاره المستقبلية الحسنة كما يؤمل منه.

المدار هنا هو الإنسان الفلسطيني وحقّه في تحقيق كرامته الإنسانيّة، وقيام دولته المشروعة، مع حقّ العودة، وضرورة الإحياء، وهذا لا يتحقّق إذا غاب العقلاء عن الوقوف مع القضيّة، وتحليلها وفق الحالة الّتي يعيشها العالم اليوم، واستغلال جميع الفرص الضاغطة والتي تقود إلى تحقّق ذلك دبلوماسيّا وسياسيّا وعالميّا، مع خلق وعي لاستمراريّة حضور القضيّة بشكل إيجابي وعملي، ولا يتوقف عند اللحظة العاطفية بسبب الحدث الحاليّ، ولا تكون سببا للتّكسب والمصالح الذّاتيّة والأيدلوجيّة، أكثر من مصلحة الإنسان الفلسطينيّ.

هناك من يعيش حالة من انتقاص الذّات، وربط القضية بشخوص ولائية مطلقة، وكأنّها رموز خلاصيّة، كما ارتبط العالم سابقا بجمال عبد النّاصر في صورته اليسارية، وهذه طبيعة في المجتمعات البشريّة، لها حسناتها وسلبياتها، ولكن أن يكون ذلك غالبا على التعقل، ويضيق بها دائرة الحوار والنّقد، ويكون التّعصب للشّخوص أكثر من الدّم الفلسطيني، ومن النّفس البشرية التي تحرم من حقّ الوجود، يجعلنا نعيش دوما في وهم الشّخوص، لا في عقلانيّة الواقع، ونعيش في انتقاص الذّات، لا في إنمائها وإحيائها.

ما نراه في الإعلام اليوم قد يكون صورة جزئية من الواقع، لكننا أيضا لا نرى باقي الأجزاء، فترتفع الصّورة الكاملة، وهناك من يدرك شيئا من تلك الأجزاء، لكنّه لا يستطيع التعبير عنها أمام فوضى الاتّهامات المسبقة، والحالة العاطفيّة الملازمة للأحكام ضدّ أي قراءة أخرى، وهناك من يحاول حصر الحالة النّضاليّة في صورة واحدة، لأسباب مسبقة في ذهنه، أو لغايات ذاتيّة، أو للحالة العاطفيّة السّائدة في العقل الجمعيّ.

هذه الحالة العاطفيّة تجعلنا نعيش حالات من الانتصارات الوهمية، أمام بربرية صهيونيّة تمارس ضدّ شعب أعزل في منطقة جغرافيّة محاصرة، حيث يقف العالم اليوم عاجزا عن وقف هذه البربريّة، وآخرها ما حدث في مجزرة رفح، بينما واقعنا الافتراضي ما زال يعيش في صراع الآخر أمام جدليات الأصل فيها أنّ الحروب توحد الجميع، إذا ما كانت الغاية الانتصار للإنسان المظلوم، فكيف والإنسان اليوم في غزة فاقد لأدنى حقوقه الوجودية، وعلى رأسها حقّ الحياة.

ليت هذه الجدليات تدور في آلية الوسائل الضّاغطة لوقف الحرب أو الانتصار للإنسان، ولكنّها جدليات طائفيّة وثنائية عقيمة، تصنف النّاس إلى نواصب وروافض، إلى مجوس وصهاينة، إلى دواعش وخوارج، فلم نعد نجد أقلاما وحدتهم الحرب تخرج بقراءات عميقة، حيث أصبح النّاس يحركهم هذه الثّنائيات الوهمية، والجدليات السّطحيّة، والخوف ليس من غضب السّلطة اليوم، فقد تخلت السّلطة عن ذلك؛ لأنّ العقل الجمعيّ أصبح يمارس اليوم دور السّلطة القامعة، (فهاشتاج) واحد لا تعرف مصدره يكفي لتحريك عواطف النّاس بلا تعقل، وإخراج ما في النّفوس من ضغائن لإقصاء الآخر، وهذا من أسباب استمرار الحرب اليوم في غزة، حيث الوهن الّذي يعيشه العالم العربي لم يعد يخيف المحتل، والانقسامات الإقصائيّة للآخر لم تعد تخرج أقلاما لها تأثيرها في الواقع الحالي.

ما نراه اليوم في وسائل التّواصل الاجتماعي بدلا أن يقف الجميع مع القضيّة، هناك من يستغل القضيّة لشيطنة حتّى من يعيش معه، ويشاركه همومه وآلامه، فيظهر بشكل غير واعٍ لميولاته الولائيّة الخارجيّة، إمّا لأسباب أيدلوجيّة، أو لأغراض ذاتية، وهناك من يرجو أن تمتد الفوضى لأكبر عدد من أقطار المنطقة، بعدما لحق الخراب اليمن وسوريا وليبيا والسودان وغيرها، فهناك من يسعد أن يمتدّ ذلك إلى أقطار عربيّة أخرى، بل وهناك من التّغريدات المصرحة بذلك، لنعيش حالة تقودنا فيها (الهاشتاجات) والأسماء الوهمية، بدلا من قراءات عقلانيّة واقعيّة للحال، وموحدة لبلدانها، وتدرك أهميّة الإحياء لا عاطفة الخراب والدّمار.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: وهناک من القضی ة ما نراه

إقرأ أيضاً:

مصطفى بكري: الدولة المصرية تواجه مؤامرات عديدة.. وهناك حملات ممنهجة وأدوات تحركها قوى خفية

أكد الإعلامي مصطفى بكري، أن الدولة المصرية تواجه مؤامرات عديدة، مشيرا إلى أن هناك حملات ممنهجة وأدوات تحركها قوى خفية، تكن العداء لمصر.

وقال مصطفى بكري، خلال تقديمه برنامج “حقائق وأسرار”، عبر فضائية “صدى البلد”، إن مصر بلد قوية، وشعبها عظيم، مؤكدا أن ألاعيب جماعة الإخوان في الخارج والداخل معروفين، مؤكدا أنه رأينا مشاهد لوضع أقفال على بعض السفارات المصرية في الخارج.

وتابع مقدم برنامج “حقائق وأسرار”، أن  الجيش المصري بات مصدر قلق لأعداء الدولة، والشرطة استعادت قوتها وهيبتها من جديد، في وقت تواصل فيه مصر تنفيذ مشروعاتها القومية رغم كل التحديات.


 

طباعة شارك مصطفى بكري الدولة المصرية مؤامرات قوى خفية مصر

مقالات مشابهة

  • السفير الفلسطيني: لن تنجح محاولات تشويه دور مصر الداعم للقضية الفلسطينية
  • الخارجية الفلسطينية تدين تحريض الاحتلال على الشعب الفلسطيني
  • وزير الإعلام الفلسطيني: مصر هي قلب الأمة العربية والحاضنة للقضية الفلسطينية
  • مصطفى بكري: الدولة المصرية تواجه مؤامرات عديدة.. وهناك حملات ممنهجة وأدوات تحركها قوى خفية
  • رواتب من ذهب.. وشراء خدمات.. أم شراء ولاءات؟!
  • رابطة العالم الإسلامي: نجاح المملكة في مؤتمر حلّ الدولتين يمثَّل محطة مفصلية في تنفيذ القرارات الدولية تجاه القضية الفلسطينية
  • بايراقداريان: تكريم مستحق لرياضيين رفعوا اسم لبنان خارجيًا
  • مستشار الرئيس الفلسطيني: نشيد بموقف مصر التاريخي الداعم للقضية الفلسطينية
  • حبيبنا وزعيم العالم.. فيلم تسجيلي عن دعم مصر المستمر للشعب الفلسطيني
  • المرجعية الدينية صمام الأمان في الأزمات