مقدمة الترجمة

يسلط باتريك تاكر، محرر مجلة "ديفينس ون"، الضوء على واقعة هروب الجندي الأميركي ترافيس كينغ إلى كوريا الشمالية بعد إدانته بارتكاب مخالفات في كوريا الجنوبية، مسلطا الضوء على الطريقة التي تعاملت بها بيونغ يانغ مع أكثر من 20 أميركيا اعتقلتهم منذ منتصف التسعينيات وحتى اليوم.

نص الترجمة

في يوم 18 يوليو/تموز الماضي، صرَّح مسؤولون أميركيون بأن جنديا أميركيا كان يواجه عقوبة تأديبية في كوريا الجنوبية قد عَبَر الحدود إلى كوريا الشمالية، ومن ثمَّ ألقت السلطات الكورية الشمالية القبض عليه.

وأضاف المسؤولون أن الولايات المتحدة "تعمل مع نظرائها في الجيش الشعبي الكوري (جيش كوريا الشمالية) لحل المشكلة الناجمة عن هذه الواقعة"، كما جاء على لسان العقيد "إزاك تَيلور"، المتحدث باسم الشؤون العامة الكورية بالجيش الأميركي. وكان الجندي الأميركي، واسمه "ترافيس كينغ"، قد أُطلِق سراحه من أحد سجون كوريا الجنوبية على خلفية إدانته بالاعتداء على مواطنين محليين، في انتظار ترحيله إلى قاعدة "فورت بليس" العسكرية بولاية تِكساس حيث كان من المفترض أن يواجه إجراءات تأديبية إضافية، كما أفادت وكالة "أسوسيتيد برِس".

وقد دخل كينغ مطار سيول بالفعل، لكنه "انضم إلى مجموعة سياح تعتزم زيارة قرية بانمونجيوم الحدودية، وحين وصل إلى هناك فرَّ عابرا الحدود إلى كوريا الشمالية"، بحسب ما نشرته الوكالة الإخبارية نفسها. (وتجدر الإشارة إلى أن قرية بانمونجيوم الخالية من السكان تقع داخل المنطقة منزوعة السلاح التي تمتد بطول 248 كيلومترا على حدود الكوريتَيْن، وتخضع لإشراف مشترك من قيادة تابعة للأمم المتحدة وقيادة كورية شمالية منذ تأسست المنطقة في أعقاب الحرب الكورية التي وضعت أوزارها عام 1953. وقد تبادل الطرفان إطلاق النار بين الحين والآخر عبر تلك المنطقة وسالت فيها الدماء، لكنها شهدت أيضا العديد من المحادثات وتحوَّلت إلى معقل للسياح، حيث تجتذب مئات الزوار من الجانبين، الذين يلتقطون الصور مع ما تبقى من عالم الحرب الباردة في تلك المنطقة، تحت أعين جنود كلٍّ من كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية).

وقائع متكررة اعتقلت قوات كوريا الشمالية الطالب الأميركي "أوتو وارمبيير"، وعندما عاد لبلاده دخل في حالة غيبوبة تامة ومات بعد فترة وجيزة بسبب مضاعفات طبية أصابته أثناء فترة اعتقاله. (رويترز)

كانت آخر واقعة مشابهة قد وقعت لمواطن أميركي عام 2018، حين اعتقلت بيونغ يانغ المواطن "بروس بايرون لورنس"، وقالت إنه جزء من "مخطط للتلاعب الذهني" يستهدف كوريا الشمالية وترعاه وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، ثم أُطلق سراحه وعاد إلى الولايات المتحدة بعد نحو شهر في سجون كوريا الشمالية. "ومنذ منتصف التسعينيات، شهد العالم 20 حالة اعتقال لعشرين مواطنا أميركيا ولأسباب متعددة، منها اتهامهم بالتجسُّس، وبث الدعايات الدينية (التبشير)، والسلوك غير اللائق أثناء السفر للسياحة"، وفقا لما نُشِر في تقرير عن الواقعة لمركز الدراسات الدولية والإستراتيجية الأميركي (CSIS).

لم يكن الحظ دوما حليف المواطنين الأميركيين الذين وقعوا في قبضة القوات الكورية الشمالية مثل لورنس. ففي يناير/كانون الثاني 2016، اعتقلت قوات كوريا الشمالية "أوتو وارمبيير"، وهو طالب بجامعة أوهايو كان جزءا من فوج سياحي، وذلك بعد أن سرق ملصقا دعائيا من أحد فنادق كوريا الشمالية، ثم حكمت عليه بالسجن 15 عاما مع الأعمال الشاقة. وقد عاد أوتو إلى بلاده عام 2017 (بعد ضغوط أميركية)*، لكنه عاد في حالة غيبوبة تامة ومات بعد فترة وجيزة بسبب مضاعفات طبية أصابته أثناء فترة اعتقاله. ما الذي سيحدث لترافيس كينغ إذن، وهو الجندي الأميركي الذي لم يُتَّهم بارتكاب أي جريمة في كوريا الشمالية؟ لا يمكن الجزم بشيء، اللهم إلا بالنظر إلى سابقة مماثلة حدثت مع الضابط الأميركي "تشارلز روبرت جِنكينز".

في قبضة بيونغ يانغ رغم أن مصير جِنكينز كان أفضل من غيره في كوريا الشمالية، فإنه كتب في مذكراته الشخصية أنه "عانى بما يكفي من البرد والجوع والضرب والضغط الذهني إلى حدٍّ دفعه كي يتمنَّى الموت" أثناء اعتقاله في بيونغ يانغ. (غيتي)

في عام 1965، كان جِنكينز رقيبا بالجيش الأميركي يخدم في كوريا الجنوبية، وفي إحدى الليالي التي أفرط فيها في شرب الخَمر، عبر إلى المنطقة منزوعة السلاح كي يهرب من الخدمة التي كانت تنتظره في فيتنام بعد أن يُنهي مهامه في كوريا، وفقا لما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في نعيه بعد وفاته عام 2017. وبعد فترة قضاها في سجون كوريا الشمالية، تعرَّض فيها للضرب والبرد الشديد، منحته بيونغ يانغ الجنسية الكورية الشمالية عام 1975، ما أتاح له أن يتمتع بوضع مميز نسبيا والاحتفاء به في البلاد. وقد سُمِح له بالزواج وتكوين أسرة والسكن في منزل بحديقة رعى فيها الدجاج وزرع الخضراوات، حتى أُتيح له أخيرا ترك البلاد عام 2004. ومن جانبها، لم تُقاضِه الولايات المتحدة على تركه الخدمة العسكرية، وإن حكمت عليه بالسجن لمدة شهر واحد.

رغم أن مصير جِنكينز كان أفضل من غيره في كوريا الشمالية، فإنه كتب في مذكراته الشخصية أنه "عانى بما يكفي من البرد والجوع والضرب والضغط الذهني إلى حدٍّ دفعه كي يتمنَّى الموت" أثناء اعتقاله في بيونغ يانغ. (وقد كتب جِنكينز لاحقا أن حياته في كوريا الشمالية، رغم كل شيء، كانت أفضل من الحياة التي يحياها معظم مواطني كوريا الشمالية. فقد درَّس الإنجليزية لضباط الجيش الكوري الشمالي على حد قوله بعد خروجه من السجن، كما ظهر في الملصقات والأفلام الدعائية للنظام وكأنه أيقونة، وهو وضع ساعده على تجنُّب المصير الأسوأ في تلك البلاد، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز).

على الأرجح، مصير ترافيس كينغ سيكون مختلفا عن جِنكينز، وفقا لما قالته "جِني تاون"، الباحثة البارزة بمركز ستيمسون الأميركي، التي تدير موقع "38 شمال" الذي يُعنى بنشر الأخبار والتحليلات عن كوريا الشمالية. في الواقع، هناك احتمالية كبيرة أن تُعيده كوريا الشمالية إلى بلاده بحسب جِني، "فهو ليس شخصا اعتُقل في كوريا الشمالية بسبب نشاط خارج عن القانون، بل شخص دخل البلاد أثناء محاولة الفرار من عقاب بانتظاره في الولايات المتحدة، ومن ثمَّ فلم يكُن بصدد فعل أي شيء مناوئ لكوريا الشمالية نفسها. والسؤال هُنا هو ما إن كانت بيونغ يانغ ستُطلِق سراحه بالفعل أم لا، والأمر يعتمد على ما إن كانت ترى في إعادته نوعا من الدعاية لها".

ما الخطوات القادمة للحكومة الأميركية إذن؟ تقول جِني "إن من غير الواضح مدى تفاعل كوريا الشمالية مع المحادثات الأميركية في اللحظة الراهنة. ففي الماضي، كانت تُبذَل جهود إضافية عبر السفير السويدي في كوريا الشمالية، أما بعد أن ترك بيونغ يانغ في أعقاب جائحة كورونا، ولم يُسمح له بالعودة حتى الآن، يبدو أن الوساطة السويدية لن تكون حلا للموقف، لكننا نأمل أن نجد حلا لهذا الملف في القريب العاجل، حتى لا تتفاقم العلاقات المتوترة أصلا بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية".

لقد وقع ترافيس كينغ في الأسر في الوقت نفسه الذي جرت فيه فعاليات المجموعة الاستشارية النووية، وهي طاولة تبادل آراء ثنائية تجمع واشنطن وسيول، وتهدف إلى تعزيز الردع النووي في مواجهة التهديدات النووية القادمة من كوريا الشمالية. وفي اليوم نفسه، الثلاثاء 18 يوليو/تموز، أطلقت كوريا الشمالية أيضا صاروخا باليستيا فوق بحر الشرق، وفقا لوكالة الأنباء الكورية الجنوبية "يونهاب". لقد نوَّه مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية إلى أن "واقعة اعتقال ترافيس تلفت أنظار الرأي العام بعيدا عن هذه السلسلة المهمة من الاجتماعات، التي صُمِّمَت لبناء الثقة في التزامات واشنطن الأمنية تجاه كوريا الجنوبية. وفي الوقت نفسه، فإن وجود مسؤولين رفيعي المستوى من البيت الأبيض على الأرض في كوريا قد يؤدي إلى تسريع الوصول إلى حل لمشكلة الضابط المُحتجَز، رغم أن كوريا الشمالية تجنح دائما إلى الإبقاء على الأميركيين المُعتقلين عندها لأسابيع إن لم يكن لأشهر، قبل أن تُطلق سراحهم بعد انتزاع اعتذار على مضض".

_____________________________

ترجمة: ماجدة معروف

هذا التقرير مترجم عن Defense One ولا يعبر بالضروة عن موقع ميدان.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی کوریا الشمالیة الولایات المتحدة کوریا الجنوبیة بیونغ یانغ

إقرأ أيضاً:

إخفاق بحري في كوريا الشمالية بعد فشل تدشين سفينة حربية وكيم يصفه بـ"العمل الإجرامي"

وجّه الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون انتقادات لاذعة للمسؤولين عن الأضرار التي لحقت بأحدث سفينة حربية لكوريا الشمالية، خلال حفل إطلاق جرى هذا الأسبوع، واصفًا ما حدث بأنه "عمل إجرامي". اعلان

أفادت وكالة الأنباء المركزية الكورية الرسمية أن كيم جونغ أون، الذي حضر الفعالية يوم الأربعاء في ميناء تشونغجين شمال شرقي البلاد، حمّل العلماء والعاملين في حوض بناء السفن مسؤولية "الحادث الخطير" الذي وقع.

وأوضحت الوكالة أن السفينة الجديدة، التي تزن 5 آلاف طن، فقدت توازنها خلال عملية الإطلاق، ما أدى إلى انقلابها وتضرر أجزاء من هيكلها.

ولم تتّضح حتى الآن مدى خطورة الأضرار التي لحقت بالسفينة، كما لم يُعرف ما إذا كان الحادث قد أسفر عن وقوع إصابات.

غير أنّ كيم صرّح بأن الإطلاق الفاشل جاء نتيجة لـ"إهمال مطلق، وغياب كامل للمسؤولية، واعتماد نهج تجريبي غير علمي".

وتعهّد الزعيم الكوري الشمالي بمعالجة "الأخطاء غير المسؤولة" خلال اجتماع لحزب العمال الحاكم في أواخر شهر حزيران/ يونيو الماضي.

كيم جونغ أون خلال زيارة إلى حوض لبناء السفن في كوريا الشمالية.Korean Central News Agency/Korea News Service via AP

وقال متحدث باسم هيئة الأركان المشتركة في كوريا الجنوبية، يوم الخميس، إن السفينة المتضررة لا تزال عائمة في عرض البحر.

وتُعدّ هذه الحادثة مصدر إحراج لكيم في ظل مساعيه لتحديث القوات البحرية الكورية الشمالية.

ونادراً ما تُقرّ بيونغ يانغ بالإخفاقات العسكرية، إلا أن محلّلين يرون أن الإعلان عن فشل عملية الإطلاق يُظهر إصرار كيم على المضي قدمًا في مشروعه لتطوير القوات البحرية.

وفي هذا الإطار، قال مون كيون سيك، الخبير في الشؤون البحرية بجامعة هانيانغ في سيول: "إنه لأمرٌ مخزٍ، لكن السبب وراء إعلان كوريا الشمالية عن الحادث هو رغبتها في إظهار نفسها على أنها تُسرّع وتيرة تحديث قواتها البحرية، وأنها واثقة من قدرتها على بناء أسطول بحري أكبر في نهاية المطاف".

وأشار مون إلى أن الحادث قد يكون نجم عن افتقار العمال الكوريين الشماليين في التعامل مع هذا النوع من السفن الحربية الكبيرة، علاوة على استعجالهم في تنفيذ عملية الإطلاق.

Relatedكوريا الشمالية ترسل 3000 جندي إضافي إلى روسياكوريا الشمالية: مدينة راسون الحدودية مغلقة أمام السياح الأجانب بعد أيام قليلة من فتحهاتطور عسكري جديد.. كوريا الشمالية تقترب من امتلاك أول طائرة إنذار مبكر

وبحسب موقع "38 نورث"، الذي يُعنى بمتابعة الشأن الكوري الشمالي، فإن السفينة كانت ستنطلق من رصيف الميناء في تشونغجين، باستخدام طريقة الإطلاق الجانبي، وهي تقنية نادرًا ما تُستخدم في البلاد.

وتمّت عملية الإطلاق بعد وقت قصير من الكشف عن مدمرة بحرية جديدة يبلغ وزها 5 آلاف طن، والتي حملت اسم "تشوي هيون"، في 25 نيسان/ أبريل.

وزعمت وسائل الإعلام الرسمية أن السفينة قادرة على التعامل مع عدة أنظمة تسليح، من بينها صواريخ باليستية وصواريخ كروز مزوّدة بقدرات نووية.

اعلان

وقال مسؤولون في كوريا الجنوبية إن المدمّرة "تشوي هيون" قد تكون أُنجزت بدعم تقني من روسيا.

وقد قدّم كيم جهوده لتعزيز القدرات العسكرية لبلاده باعتبارها وسيلة لردع ما يراه تهديدات من الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • الطائرة الصينية التي أثبتت تراجع سلاح الجو الأميركي
  • حادث المدمرة البحرية.. كوريا الشمالية تفتح تحقيقا موسعا
  • إخفاق بحري في كوريا الشمالية بعد فشل تدشين سفينة حربية وكيم يصفه بـ"العمل الإجرامي"
  • كوريا الشمالية.. حادث غامض خلال تدشين مدمرة بحرية يشعل غضب الزعيم
  • كوريا الجنوبية: بيونغ يانغ أطلقت عدة صواريخ باتجاه البحر الشرقي
  • فشل إطلاق مدمرة حربية يثير غضب زعيم كوريا الشمالية
  • عاجل|| كوريا الشمالية تُطلق نارها بعد كارثة السفينة
  • كوريا الشمالية تطلق صواريخ مجنّحة بعيد فشل إطلاق مدمرة
  • "حادث خطير" في كوريا الشمالية.. كيم غاضب بشدة
  • موسكو: زيارة زعيم كوريا الشمالية إلى روسيا قيد التنسيق