نيازك المريخ تكشف تاريخ البنية الخفية للكوكب الأحمر
تاريخ النشر: 4th, June 2024 GMT
كشفت دراسة حديثة نُشِرت في مجلة "ساينس أدفانس"، البنية الداخلية لكوكب المريخ بالاستعانة بالنيازك المريخية التي عثر عليها العلماء خلال القرنين الماضيين.
وكان كوكب الأرض شهد في العصور الغابرة سقوط أعداد كبيرة من النيازك القادمة من كوكب المريخ، ويُطلق عليها النيازك المريخية، وقد اندفعت هذه النيازك من قشرة الكوكب الأحمر بعد تعرضه لاصطدام كويكب أو مذنب عملاق قبل نحو 11 مليون سنة.
وعكف الفلكيون والجيولوجيون على دراسة هذه النيازك لسنوات طويلة في محاولة فهم بيئة المريخ وخصائص قشرته. وثمّة عدّة أنواع من النيازك المريخية، ويعد أبرزها الشاسينيتات التي تتكوّن من معدن الزبرجد وتنسب إلى الموقع الذي عُثر عليها في شاسيني بفرنسا عام 1815. والنوع الآخر وهو النخليتات، وهي صخور بازلتية تحتوي على الأوجيت والزبرجد، وسُميت بهذا الاسم نسبة إلى مكان العثور عليها في نخلة في مصر عام 1905.
وأكد عالم الجيولوجيا في معهد "سكريبس" لعلوم المحيطات "جيمس داي" أنّ النيازك هي العينات والأثر الملموس الوحيد الذي لدينا من المريخ؛ المكان الذي يفصلنا عنه متوسط مسافة 225 مليون كيلومتر.
كما سلّط "داي" الضوء على قدرة هذه النيازك على مساعدة العلماء والمهندسين للتحضير والتجهيز لمهام الفضاء إلى الكوكب الأحمر. ووفقًا للتركيب الكيميائي للصخور، فإنّ كلا من الشاسينيتات والنخليتات يرجعان إلى أصلٍ واحد من بركان مريخي حدث قبل 1.3 مليار سنة.
وتشكّلت هذه النيازك من الصهارة السائلة المتجمدة جزئيا على غرار العمليات البركانية التي تحدث على الأرض، إذ اندفعت صخور البازلت من القشرة الخارجية من المريخ، واندفعت صخور الزبرجد من طبقة الوشاح.
ووفقًا لنتائج الدراسة المنشورة حديثا، فإنّ البنية الخارجية لكوكب المريخ تفتقر إلى الصفائح التكتونية النشطة، لذا تعد قشرته أكثر استقرارا ولا تخضع لنفس عمليات تدوير المعادن التي تحدث في قشرة الأرض بسبب حركة الصفائح التكتونية المستمرة.
وعليه، فإنّ المواد والمعادن في قشرة المريخ ظلّت على حالتها الأصلية إلى حد كبير منذ أن تشكل الكوكب، مما يوفر منظورا جديدا وفريدا لبنيته الخفية.
وأشار "داي" إلى أنّ تحديد كلٍ من النخليتات والشاسينيتات من نفس النظام البركاني وتفاعلهما مع قشرة المريخ التي تأثرت بالغلاف الجوي، من شأنه المساهمة بالكشف عن نوع جديد من الصخور المريخية، وهذا يعني أن دراسة هذه النيازك لا تساعد فقط في فهم التاريخ البركاني للمريخ، بل تكشف كذلك كيفية تأثير سطح المريخ وغلافه الجوي على جيولوجيته.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
نيزك فضائي يكشف عن معادن لم تعرفها الأرض من قبل
عثر السكان المحليون في بلدة جيبيون، بالقرب من صحراء ناميبيا، على نيزك حمل اسم البلدة نفسها، ليصبح بعد مرور مئات السنين سببا في اكتشاف خصائص ميكانيكية غير مسبوقة للمعادن، لم تشهد الأرض مثلها من قبل.
هذا النيزك، الذي استخدمه السكان الأصليون في ناميبيا (قبائل الهيريرو) لصناعة الأدوات والأسلحة مثل رؤوس الحراب، قبل أن يدرك العلماء قيمته العلمية، تعرَض العديد من شظاياه في متاحف عالمية مثل المتحف البريطاني ومتحف التاريخ الطبيعي في نيويورك، كما استخدم في العديد من الدراسات لتحديد الخواص الميكانيكية، والبلورية، والمغناطيسية للمعادن.
ومؤخرا، أعلن علماء ومهندسون من جامعة نوتنغهام البريطانية، في دراسة نشرتها دورية "سكريبتا ماتيرياليا"، عن الدور الذي لعبه هذا النيزك في الكشف عن خصائص ميكانيكية غير مسبوقة لمعادن فضائية، لم تشهد الأرض مثلها من قبل.
وباستخدام تقنية مبتكرة وغير مدمرة تُعرف بـ"التحليل الطيفي الصوتي المكاني المعتمد على الليزر"، طورها باحثو جامعة نوتنغهام وسجلوا براءة اختراعها، نجح العلماء في قياس صلابة نيزك "جيبيون"، وهو إنجاز يحدث للمرة الأولى مع نيزك فضائي، ليفاجؤوا بتراكيب وأنماط بلورية مذهلة للحديد والنيكل، لا يمكن محاكاتها على الأرض.
وتعد التقنية الجديدة طريقة مبتكرة وغير مدمرة تستخدم لقياس الخصائص الميكانيكية للمواد، خصوصا الصلابة والمرونة البلورية، بدقة عالية ومن دون الحاجة إلى لمس العينة أو تعديلها.
وتتضمن هذه التقنية 4 خطوات، تبدأ بإطلاق نبضة ليزر قصيرة للغاية على سطح العينة، لتوليد موجات صوتية صغيرة (أشبه بالاهتزازات)، لتنتقل هذه الموجات بدورها عبر سطح المادة، وتتأثر بخصائصها مثل الصلابة، والكثافة، والمرونة، ثم يوجه ليزر آخر لقياس كيفية انتشار هذه الموجات على السطح، ومن خلال تحليل سرعة واتجاه انتشار الموجات، يتم تحديد الخصائص الميكانيكية الدقيقة، خصوصا المرونة البلورية.
إعلان تراكيب لا تتكرروتقول وينتشي لي، الباحثة الرئيسية في الدراسة من مجموعة أبحاث البصريات والفوتونات بجامعة نوتنغهام في بيان صحفي رسمي نشره الموقع الإلكتروني للجامعة "باستخدام هذه التقنية، وجدنا أن معادن الحديد والنيكل في نيزك جيبيون تشكلت في ظروف لا يمكن تكرارها على الأرض".
وتضيف "هذه المواد تطورت في بيئات فريدة استمرت ملايين السنين، مما منحها تراكيب وأنماطًا بلورية مذهلة لا يمكن محاكاتها على الأرض، وهذه البنية الدقيقة تمنحها خصائص ميكانيكية ومرنة تختلف جذريًا عن السبائك التي نصنعها نحن من الحديد والنيكل".
ويطمح العلماء، من خلال دراسة خصائص المعادن الفضائية، إلى فهم أفضل لتكوين الكواكب وتطور النظام الشمسي، إذ توفر النيازك نافذة نادرة ومباشرة على مكونات الأجرام السماوية القديمة. كما قد تمهد هذه الدراسات الطريق لتصميم سبائك جديدة مخصصة للاستخدام في الفضاء، وربما لتصنيع الهياكل خارج الأرض باستخدام مواد مستخرجة من النيازك.
وأوضح البروفيسور ريتشارد سميث، أحد المشاركين في الدراسة، أن التقنية المستخدمة تمكن العلماء من "قياس خواص البلورات المفردة في مواد حبيبية، وهو أمر لم يكن ممكنا من قبل دون تدمير العينة".
وأعرب البروفيسور مات كلارك من كلية الهندسة بالجامعة عن حماسه قائلا "نحن متحمسون للغاية للحصول على عينات أكبر من هذه النيازك مستقبلا، حتى نتمكن من رسم خريطة لتغير الخواص المرنة من مركز النيزك إلى أطرافه، مما يساعدنا في فهم كيفية تشكل هذه المواد المعقدة".
ويضيف "هذا الاكتشاف لا يسلط الضوء فقط على جمال وتعقيد المعادن الفضائية، بل يفتح آفاقا جديدة لتطبيقات صناعية قد تغير مستقبل السفر والاستيطان في الفضاء".