هل من الواجب أن نقرأ تاريخ فلسطين؟
تاريخ النشر: 4th, June 2024 GMT
تذهب الأدبيات النسوية ما بعد الكونيوليالية، إلى كون المقاومة النسوية تأخذ شكلها من طبيعة السلطة التي تقاومها. وبذلك فإنه لا يمكن التفكير بشكل واحد من أشكال المقاومة واعتباره الطريق الوحيد للتحرر من الأنظمة الأبوية. انطلقت هذه الكتابات غالبا من نقد النسوية الليبرالية (البيضاء) التي لا تضع أي اعتبار للخصوصية الثقافية وللاختيارات المختلفة للنساء، وهنا جاءت الدعوة لتبني النسوية التقاطعية.
كتبت كل من صبا محمود وليلى أحمد وسارة أحمد وليلى أبو لغد وأخريات عن تسويغ الحرب الأمريكية على أفغانستان بدعوى تحرير النساء، ونقدن هذا الخطاب ومآلاته. وبذلك فإن أطروحة هذا التيار من النسويات، يدعونا للتفكير فيما إذا كان ثمة وعي نسوي حتى وإن غابت المعرفة النسوية، ذلك أنهن يقلن بأن النساء يقاومن السلطة المفروضة عليهن بطريقتهن الخاصة وبنوع السلطة التي يقاومنها ولا يحتجن لتلك النظرة الاستعلائية التي تفرض عليهن معايير محددة للتحرر، فصبا محمود شهدت تجارب نساء يحضرن حلقات الذكر في المساجد المصرية، ويقدنها أحيانا، وآلية مقاومتهن لأي معيار ذكوري مفروض عليهن حتى وهنّ لا يسمين ما يقمن به على أنه فعل نسوي مقاوم. سمحت هذه الأدبيات بالنظر في سياقات عديدة يتم فيها اختراع المقاومة، ومحاولة فهم وتأويل هذه السياقات والتنويعات العديدة لها، باستخدام المنظور نفسه هل يمكن أن نقاوم إذن أيا مما يستحق المقاومة دون أن يكون لدينا معرفة به؟ هل يمكن أن نقاوم احتلال إسرائيل لفلسطين دون أن نستغرق في قراءة الكتب التي وثقت التاريخ الفلسطيني وأهم محطات استعماره منذ وعد بلفور وحتى هذه اللحظة؟ على اعتبار أننا إذا ما وقفنا مع فلسطين فإننا نقف مع الحق المعرف لنا، والذي نشهد مقدماته بأعيننا من خلال ما يحدث في غزة وكل فلسطين الآن. إنه إذن الإيمان البديهي بحق من سرقت أرضه وهجر منه واستعمرت في أن ننحاز إليه.
لكن في الحالة الفلسطينية ينبغي التشديد دوما على أن واحدة من أهم سياسات الاستعمار الإسرائيلي لفلسطين، هي سياسة المحو، القائمة على نفي الأرشيف وتزويره، والتي تنطلق من ممارسات ممنهجة تهدف لحذف التاريخ واستبداله بسردية المحتل، إن الحرب على السردية في الحالة الفلسطينية لا تقل ضراوة عن تلك الحرب على الأرض، بل إنها مسوغ لها، هل تكون المعرفة إذن واجبة في هذه الحالة؟ حتى نحن أنفسنا من نقف جميعا في مواجهة دولة الاحتلال الإسرائيلي ننطلق من مواقع أيدلوجية مختلفة، بعضها ديني وآخر يساري وهكذا، يكون فهمنا لما يحدث متنوع بدوره. كما أن الأصوات التي بدأت تنخرط في الدفاع عن الحق الفلسطيني من الجانب اليهودي، أعني أولئك الذين عرفوا أنفسهم بأنهم «صهيونيون سابقون» يولون أهمية كبيرة للقصة التي قدمتها إسرائيل عن نفسها لكل شخص فيها. إن هنالك استثمارا كبيرا في تعليم كل جيل جديد سردية المحتل حصرا، الأمر الذي ينتج لنا وبطبيعة الحال صورة الجنود الإسرائيليين الذين يتشفون بقتل الأطفال وتعرية النساء كما هو الحال في الحرب الحالية. ناهيك عن استيلاء دولة الاحتلال على جريمة الهولوكست، استيلاءً ثقافيا لخدمة أجندتها فقط. كما قرأنا عن الشروط التي وضعتها إسرائيل في أكثر من مناسبة في مماطلتها على وجود دولة فلسطينية مستقلة، وكان في مقدمتها: المناهج التعليمية في فلسطين. ألا يبدو الأمر بسيطا بالنسبة لنا الآن؟ أعني الإجابة على سؤال أهمية أن نتعلم ونقرأ لنقاوم الاحتلال الإسرائيلي.
دائما ما أشير إلى دراسة مهمة أجرتها الباحثة في علم الاجتماع السياسي والمديرة العامة للمركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية هنيدة غانم والتي نشرت خريف ٢٠١٣ في مجلة الدراسات الفلسطينية، وعنوانها: المحو والإنشاء في المشروع الاستعماري الصهيوني. تستخدم فيها الباحثة مصطلح محو وتستعين بحسب مقدمة البحث في المجلة «بتوصيف توراتي عميق المعنى وهو (لعنة يماح شمو فزخرو) التي تعني حرفيا (ليمحى اسمه وذكره) إحدى أشد اللعنات قسوة في اللغة العبرية، إذ لا تطلق في العادة إلا على ألد أعداء الشعب اليهودي من الأغيار بحسب هذه الدراسة فإن ٤٠٠٠ قرية هُدمت ومُحيت أسماؤها منذ 1948 وما مجموعة 770 مستعمرة أقيمت حتى 1967 فإن 350 منها أعطيت اسمًا من الأسماء التوراتية أو القديمة وذلك في عملية إزالة الفلسطينيين كوجود بشري وتاريخي ومعنوي من وطنهم». وتشير غانم لممارسة المحو في كونها ليست اعتباطية في دولة الاحتلال، وبهذا لا يكون الاحتلال وممارسته نزوة وأخطاء مركبة، بل بنية كاملة، تكون فيها الإزالة بالضرورة فعلا شموليا لا يُبعد فيها السكان الأصليون فحسب بل تبعد أسماؤهم وذكرهم وذلك عبر «استعمار تاريخ المكان وفضائه وأسمائه وصولا لمحو الإيحاءات الرمزية المطوية في ثنايا التسميات واستملاكها». وتخصص غانم فصلا عن المحو بصفته تأسيسا للجهل، تشرح فيه العلاقة الوظيفية بينهما لضمان استمرار المشروع الاستعماري.
إننا وبهذا كله في حرب إذن تفرض علينا جميعا أن نقرأ كثيرا عن فلسطين وأن تعود إلى مناهجنا التعليمية فورًا...
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الوزن العربي في التأثير على قرارات ترامب
تلقّى جيش الاحتلال الإسرائيلي ضربة استخبارية وعمليّاتية أخرى، تُضاف إلى سلسلة الإخفاقات والاختراقات السابقة التي بدأت بالاختراق الإستراتيجي الخطير في «طوفان الأقصى».
مقتل زعيم الميليشيا المسمّاة زوراً «القوات الشعبية»، ياسر أبو شباب، شكّل بالتأكيد صفعة لأجهزة الأمن وجيش الاحتلال.
بغضّ النظر عن الطريقة التي قضى فيها، فإن الفشل في هذه المرّة، يتعلّق بمراهنات عقدها جيش الاحتلال على ثلّة محدودة من المعروف تاريخهم الجنائي في مجال التهريب والمخدّرات والسرقة، لكي يشكّلوا عاملاً لإحداث الفوضى، وعدم الاستقرار في قطاع غزّة، كعامل احتياطي في حال فشلت المحاولات الإسرائيلية في تحقيق ما فشلت في تحقيقه خلال حرب السنتين.
قد يتأجّل أمر مصير العملاء لبعض الوقت، ولكن النتيجة واحدة وهي أنهم إمّا ستتم تصفيتهم من قبل المقاومة والشعب، وإمّا أن الاحتلال سيلقي بهم في مزابل النسيان كما فعل مع عملاء وظواهر مشابهة سابقة.
الاحتلال حاول أن يجد بدائل لأي حكم وطني فلسطيني في القطاع، لكنه فشل في استمالة رؤساء العشائر، وفشل في استمالة بعض الشخصيات الفلسطينية، ولم يجد سوى تجنيد حفنة من الخارجين عن القانون.
إذا كان جيش الاحتلال بقضّه وقضيضه، لم ينجح في تحقيق الأهداف التي ظلّ ولا يزال بنيامين نتنياهو، المطلوب لـ»الجنائية الدولية» يكرّرها فكيف لحفنة معزولة، وخارجة عن الصفّ الوطني أن تفعل ما فشل الاحتلال في تحقيقه.
وبينما تندب دولة الاحتلال حظّها بمقتل أبو شباب، وتنشغل صحافتها، ومسؤولوها في أسباب وأبعاد هذا الفشل، يواجه نتنياهو وضعاً صعباً، إزاء الضغوط الأميركية والعربية والإسلامية، التي تسعى للانتقال إلى المرحلة الثانية من خطّة دونالد ترامب.
ثمّة عقبات جدّية تحول دون التقدم نحو المرحلة الثانية:
الأولى، أن دولة الاحتلال خلال وطوال المرحلة الأولى، لم تتوقّف عن خرق الاتفاق، ما يعني فقد الثقة، من كافّة الأطراف إزاء إمكانية الالتزام، بل إن هذا السلوك يؤكّد أن حكومة الاحتلال تبحث عن كل طريقة لإفشال الخطّة.
الثانية، تتعلّق بطبيعة مهمّات قوّة حفظ الاستقرار وطبيعة تشكيلها.
ثمّة خلاف واضح بين ما تريده دولة الاحتلال وهو أن تكون القوّة، تنفيذية قتالية، تكمل الدور الذي فشلت في تحقيقه، وبين من يرى أن هذه القوة هي لمجرّد حفظ السلام، ومراقبة تنفيذ الخطة، وحماية الفلسطينيين من الاعتداءات الإسرائيلية.
حتى الآن فشلت كل المحاولات، في أن تجد من يتطوّع لإرسال قوة على المقاس الأميركي الإسرائيلي، لكن الاستجابة كانت صفراً.
حتى إندونيسيا التي أعلنت استعدادها لإرسال 20,000 جندي إلى القطاع، عادت لتوضّح أنها لن تقبل إرسال أي جندي للقتال ضد الفلسطينيين.
الدول العربية والإسلامية لا تزال تصرّ على موقفها من هذه القضية، وترى أن ثمّة طرقاً أخرى للتعامل مع سلاح المقاومة، ولكن ليس من خلال قوة دولية أو عربية قتالية.
الثالثة، تتعلّق بمسألة العلاقة بين الانسحابات الإسرائيلية ومسألة سلاح المقاومة، إذ ترفض دولة الاحتلال تنفيذ أيّ انسحابات إلّا بعد أن يتمّ نزع السلاح.
في الواقع فإن رفض المقاومة مسألة نزع سلاحها، مرتبط بالأساس بمبدأ حق الشعب الفلسطيني بالدفاع عن نفسه بكلّ الوسائل التي تتيحها المواثيق الدولية.
وترفض دولة الاحتلال، فتح المعابر، وتدفّق المساعدات والمعدّات، والخيام، في سياق رفضها للبدء بعملية إعمار القطاع حتى بالمفهوم الأميركي، الذي يتحدّث عن «غزّة خضراء»، وأخرى صحراوية.
في هذا السياق، وبما يشير إلى إصرار الجانب الإسرائيلي على تنفيذ خطّة تهجير الفلسطينيين، تعلن دولة الاحتلال أنها يمكن أن تفتح معبر رفح، فقط للمغادرين.
ثمّة خبث إسرائيلي خلف هذا الموقف، فعدا إصرارها على التهجير إلى سيناء المصرية، تحاول أن تلقي على مصر المسؤولية عن استمرار غلق المعبر بمعنى أن دولة الاحتلال من جانبها مستعدّة لفتح المعبر للتخفيف عن السكّان، بينما مصر هي التي تحاصر القطاع.
تدرك مصر ويدرك الفلسطينيون، أبعاد هذا الموقف الإسرائيلي، وما ينطوي عليه من مخاطر ورسائل خبيثة، خاصة أن الخطة الأميركية، تنصّ على حقّ الفلسطينيين في الخروج والعودة دون أيّ شروط أو قيود.
هذا العنوان، موضوع فشل آخر للمحاولات الإسرائيلية، حيث يرفض المصريون والفلسطينيون الموقف الإسرائيلي.
الرابعة، تتعلّق بمن سيدير القطاع، فعدا «مجلس السلام» الذي سيترأسه ترامب، بمشاركة مندوبين عن دول أخرى، بينها عربية وإسلامية، لا يقبل الفلسطينيون، وأيضاً الوسطاء العرب والمسلمون أن تكون هناك هيئة وسيطة بين الإدارة التي ينبغي أن تكون فلسطينية وبين «المجلس».
التفاعل بين الأطراف المعنية، سواء الولايات المتحدة الأميركية ودولة الاحتلال، أو الدول العربية والإسلامية (مجموعة الثماني)، تشير إلى أن ترامب لا يستطيع كل الوقت محاباة الجانب الإسرائيلي، وتمرير مواقفه.
لا شكّ في أن استدعاء نتنياهو إلى واشنطن في الأيّام القريبة المقبلة، سيحمل معه بعض التعديلات التي لا يرضى عنها، ولكنه، أيضاً، لا يستطيع أن يرفضها أو يعطّلها، طالما أنه بحاجة إلى دعم ترامب فيما يتعلّق بإمكانية العفو عن الاتهامات التي يواجهها أمام القضاء الإسرائيلي.
ترامب أعلن أنه سيتجاوز موضوع جثّة الإسرائيلي التي لم يتمّ العثور عليها حتى الآن، لكنه، أيضاً، يحتاج إلى المال العربي، لتغطية نفقات إعادة الإعمار، ولذلك فإن الموقف العربي يحظى بوزن مهمّ في التأثير على قراراته أكثر من تأثير نتنياهو وحكومته.
الأيام الفلسطينية