هل تصبح قناديل البحر الفائز الوحيد من تغير المناخ؟
تاريخ النشر: 7th, June 2024 GMT
توصل فريق بحثي في ألمانيا إلى أن ظاهرة تغير المناخ، التي يعاني منها كوكب الأرض، ربما تصب في حقيقة الأمر في مصلحة قناديل البحر، حيث تؤدي درجات الحرارة المرتفعة، وغير ذلك من التغيرات البيئية إلى اتساع مساحة البيئة الصالحة لمعيشتها، ما ينعكس بدوره في زيادة تعداد هذه المخلوقات الرخوة على حساب الأنظمة البيئية الأخرى التي تهيمن عليها الأسماك بشكل عام.
وتركزت الدراسة التي أجراها الفريق البحثي من معهد ألفريد فاجنر، المتخصص في الدراسات البيئية، على المحيط المتجمد الشمالي، حيث رصد وجود تغيرات ملموسة في شبكات الغذاء البحرية، ما يؤثر على الثروة السمكية وبالتالي على أنشطة الصيد التجارية.
وأكد الباحثون، في إطار الدراسة التي نشرتها الدورية العلمية Limonology and Oceanography المعنية بأبحاث المسطحات المائية وعلوم المحيطات، أن تغير المناخ يفرض ضغوطاً هائلة على الكائنات البحرية الدقيقة، غير أن قناديل البحر على وجه التحديد ربما تجد فائدة من ارتفاع حرارة المياه، لاسيما في المحيط المتجمد الشمالي.
وأجرى الباحثون من معهد ألفريد فاجنر دراسة، عن طريق أنظمة المحاكاة الحوسبية، تضمنت تعريض ثماني فصائل معروفة من قناديل البحر لسيناريوهات افتراضية لحالات ارتفاع الحرارة وانحسار الغطاء الثلجي، وغيرها من التغيرات البيئية والمناخية في المحيط المتجمد الشمالي.
وتوصل الفريق البحثي إلى أنه بحلول النصف الثاني من القرن الحالي، فإن جميع فصائل قناديل البحر التي خضعت للدراسة، باستثناء فصيلة واحدة، سوف توسع دائرة البيئة الطبيعية الصالحة لمعيشتها في اتجاه القطب الشمالي، بل أن البيئة الصالحة لمعيشة إحدى هذه الفصائل ويطلق عليها اسم «قناديل لبدة الأسد» سوف تتسع بواقع ثلاثة أضعاف، على نحو يؤثر بشكل ملموس على شبكة الغذاء البحرية وتعداد الأسماك بشكل عام في المحيط المتجمد الشمالي. وقد تكون قناديل البحر وغيرها من العوالق البحرية الحيوانية من الفصائل القليلة بين الكائنات البحرية الدقيقة التي تستفيد من تغير المناخ، وقد أكدت العديد من الدراسات العلمية بالفعل أن اللاسعات المجوفة الشفافة والمشطيات والغلالات السطحية كلها تزدهر عندما ترتفع درجات حرارة المياه وكذلك في حالات زيادة معدلات التلوث ونشاط الصيد المفرط. وعندما تجتمع جميع هذه العناصر، فقد تشهد المحيطات طفرة رئيسة بحيث تتحول من شبكة غذائية منتجة للأسماك إلى بيئة أضعف من ناحية الإنتاجية وتزخر بقناديل البحر.
وقد حذر كثير من الباحثين بالفعل من ظاهرة على وشك الحدوث أطلقوا عليها اسم «قندلة المحيطات»، ويقصد بها زيادة هائلة في أعداد قناديل البحر على مستوى العالم.
ويقول الباحث دميتري بانتوكين المتخصص في أبحاث قناديل البحر بالمحيط المتجمد الشمالي في معهد الفريد فاجنر إن «قناديل البحر تضطلع بدور مهم بالنسبة لشبكات الغذاء البحرية»، وأضاف في تصريحات للموقع الإلكتروني «سايتيك ديلي» المتخصص في الأبحاث العلمية: «الآن يفرض تغير المناخ المزيد من الضغوط على الكائنات البحرية الدقيقة وكثيراً ما يعطي الأفضلية للعوالق البحرية الحيوانية على حساب منافسيها على الغذاء مثل الاسماك، وهو ما ينعكس بدوره على شبكات الغذاء البحرية بأسرها، وفي نهاية المطاف على الأسماك نفسها». وأوضح بانتوكين أن «الكثير من قناديل البحر تتغذى على بيض ويرقات الأسماك، مما يحول دون تعافي تعداد الأسماك التي تتعرض بالفعل لضغوط جراء أنشطة الصيد الجائرة التي يقوم بها الانسان، وبالتالي فإن أي شخص معني بمسار نمو الثروة السمكية، باعتبارها مصدراً رئيساً لغذاء البشر، لابد أن يلتفت إلى قناديل البحر».
وبالرغم من أهميتها في توازن الحياة البحرية بشكل عام، كثيرا ما تتعرض هذه الكائنات الرخوية الشفافة للنسيان أو الاهمال في الدراسات البيئية وأنظمة المحاكاة الحوسبية، ومن هنا، فإن الدراسة التي أجراها الفريق البحثي برئاسة بانتوكين تسد فجوة علمية مهمة تتعلق بهذه الكائنات مع التركيز على قضية تغير المناخ التي تنطوي على أهمية بالغة.
ويقول بانتوكين: «من بين جميع المحيطات، فإن المحيط المتجمد الشمالي يزداد دفئاً بأسرع وتيرة، وعلاوة على ذلك، فإن 10% من حصيلة الصيد التجاري للأسماك على مستوى العالم مصدرها المحيط المتجمد الشمالي، ومن هذا المنطلق، تعتبر منطقة القطب الشمالي موقعاً مثالياً للأبحاث التي نقوم بها». وأضاف: «لقد أثبتت الدراسة التأثير الدرامي لتغير المناخ على الانظمة البيئية في المحيط المتجمد الشمالي، وأن الاتساع المتوقع لمناطق معيشة قناديل البحر سوف يكون له تأثير ضخم على شبكات الغذاء بأكملها في هذه المنطقة».
وتدور تساؤلات بشأن حجم تأثر الثروة السمكية في المحيط الشمالي باتساع وانتشار قناديل البحر. وتقول تشارلوت هافرمانز عضو فريق الدراسة إن «هناك مؤشرات كبيرة على أن الفصائل السمكية الرئيسية التي تعيش في تلك المنطقة مثل سمكة القد القطبية سوف تشعر بتأثير هذه الزيادة أكثر من أي وقت مضى حيث تقتات قناديل البحر على بيضها ويرقاتها».
وأضافت في تصريحات لموقع «سايتيك ديلي» قائلة: «والتالي فإن هذه الدراسة تقدم أساساً لمزيد من الدراسات في هذا المجال وتؤكد ضرورة وضع خطط عاجلة لإدارة قطاع الأسماك مع الأخذ في الاعتبار ضرورة تنمية الثروة السمكية بشكل مستدام للحيلولة دون استنزافها من خلال أنشطة الصيد التجارية». أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: قناديل البحر تغير المناخ
إقرأ أيضاً:
المتجمد الجنوبي أكثر ملوحة وسخونة وفقدانا للجليد
أظهرت دراسة لجامعة ساوثهامبتون البريطانية تحولا دراماتيكيا وغير متوقع في المحيط المتجمد الجنوبي، مع ارتفاع ملوحة المياه السطحية وزيادة سخونة المياه وانخفاض الجليد البحري بشكل حاد.
وباستخدام بيانات الأقمار الصناعية الأوروبية، اكتشف البحث الذي نشرت نتائجه في وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم ارتفاعا مفاجئا في ملوحة السطح جنوب خط العرض 50 درجة.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4دراسة: غرينلاند تفقد غطاءها الجليدي بأكبر من المتوقعlist 2 of 4دراسة تحذر: ذوبان الأنهر الجليدية يتسارع بوتيرة مقلقةlist 3 of 4ذوبان الجليد يهدد التنوع البيولوجي والنظام البيئيlist 4 of 4ذوبان الأنهار الجليدية يهدد نظما بيئية فريدةend of listوتزامن هذا مع خسارة دراماتيكية للجليد البحري حول القارة القطبية الجنوبية وظهور حفرة ضخمة في الجليد البحري تبلغ مساحتها 4 أضعاف مساحة ويلز تقريبا، والتي لم تحدث منذ سبعينيات القرن العشرين.
ومنذ عام 2015، فقدت القارة القطبية الجنوبية جليدا بحريا يعادل مساحة غرينلاند، وهو أكبر تحول بيئي شهده العالم خلال العقود الماضية. كما يزداد المحيط المتجمد الجنوبي ملوحة، وهذا التغير غير المتوقع يفاقم المشكلة.
وعلى مدى عقود، أصبح سطح المحيط أكثر نقاء (أقل ملوحة)، مما ساعد على نمو الجليد البحري. أما الآن، فيقول العلماء إن هذا الاتجاه قد انعكس بشكل حاد.
وقال الدكتور أليساندرو سيلفانو من جامعة ساوثهامبتون، والذي قاد البحث: "إن المياه السطحية الأكثر ملوحة تسمح لحرارة المحيط العميق بالارتفاع بسهولة أكبر، مما يؤدي إلى ذوبان الجليد البحري من الأسفل. إنها حلقة مفرغة خطيرة، فقلة الجليد تؤدي إلى مزيد من الحرارة، مما يؤدي بدوره إلى قلة الجليد".
وتشير عودة الحفرة التي تعرف باسم "بولينيا مود رايز" إلى مدى غرابة الظروف الحالية، وإذا استمرت حالة الملوحة وانخفاض مستويات الجليد، فقد تُعيد تشكيل المحيط الجنوبي بشكل دائم، ومعه كوكب الأرض.
ويشهد المحيط المتجمد الجنوبي آثارا واضحة للمتغيرات المناخية، في شكل عواصف أشد، ومحيطات أكثر دفئا، وتقلص موائل طيور البطريق وغيرها من الحيوانات البرية المميزة في المنطقة.
إعلانوفي هذه المياه القطبية، تتداخل المياه السطحية الباردة والعذبة مع المياه العميقة الدافئة والمالحة. ففي الشتاء، ومع برودة السطح وتشكّل الجليد البحري، يضعف فرق الكثافة بين طبقات المياه، ما يسمح لهذه الطبقات بالاختلاط وانتقال الحرارة إلى الأعلى، ويؤدي إلى ذوبان الجليد البحري من الأسفل والحد من نموه.
ومنذ أوائل ثمانينيات القرن العشرين، كان سطح المحيط المتجمد الجنوبي يتجدد، وكانت الطبقات تتعزز، مما أدى إلى احتجاز الحرارة تحتها ودعم المزيد من غطاء الجليد البحري، قبل أن ينعكس الأمر.
وتظهر تكنولوجيا الأقمار الصناعية الجديدة، إلى جانب المعلومات المستمدة من الأجهزة الروبوتية العائمة أن هذا الاتجاه قد انعكس، إذ تتزايد ملوحة السطح، وتضعف الطبقات، كما وصل الجليد البحري إلى مستويات منخفضة قياسية متعددة، مع عودة فتحات كبيرة من المحيط المفتوح في الجليد البحري (البولينيا).
وتعد الدراسة الأولى من نوعها التي يتمكن فيها العلماء من مراقبة هذه التغيرات في المحيط المتجمد الجنوبي في الوقت الحقيقي.
وعلى النقيض من النتائج الجديدة، كان من المتوقع بشكل عام أن يؤدي تغير المناخ الناجم عن أنشطة الإنسان إلى الحفاظ على غطاء الجليد البحري في المحيط المتجمد الجنوبي خلال السنوات القادمة.
ويقول أديتيا نارايانان، المؤلف المشارك في الدراسة: "بينما توقع العلماء أن تغير المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية من شأنه أن يؤدي في نهاية المطاف إلى انخفاض الجليد البحري في القارة القطبية الجنوبية، فإن توقيت وطبيعة هذا التحول ظل غير مؤكد".
وأكدت التوقعات السابقة على زيادة تجديد سطح المحيطات وطبقاتها، وهو ما كان من الممكن أن يدعم استدامة الغطاء الجليدي البحري. لكن بدلًا من ذلك، حدث انخفاض سريع في الجليد البحري -وهو عاكس مهم للإشعاع الشمسي- مما قد يُسرّع ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي.
ويؤكد البروفيسور ألبرتو نافيرا غاراباتو، المؤلف المشارك في الدراسة وأستاذ علوم المحيطات في جامعة ساوثهامبتون أن النتائج الجديدة تشير إلى أن فهمنا الحالي قد لا يكون كافيا للتنبؤ بدقة بالتغيرات المستقبلية.