زهير عثمان حمد

أكد البرهان، قائد الجيش السوداني، موقفه الحازم تجاه عدم التفاوض أو الجلوس مع داعمي قوات الدعم السريع، المنضوين تحت ائتلاف "قوى الحرية والتغيير" وتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدّم". هذا الموقف يعكس رفض البرهان لأي عملية سياسية مع هذه الأطراف حتى يتم خروج مليشيا الدعم السريع من المناطق التي تحتلها.


العمليات العسكرية واستمرار النزاع أوضح البرهان أن الجيش سيواصل القتال حتى الوصول إلى مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور. هذا الالتزام يعكس رغبة البرهان في إنهاء النزاعات المسلحة قبل البدء في أي عملية سياسية، مما يشير إلى تعقيدات المشهد السياسي والعسكري في السودان، حيث تتداخل الأهداف السياسية مع الوضع الأمني المتوتر.

موقف البرهان من محادثات السلام بالرغم من موقفه الحازم، يُظهر البرهان انفتاحًا على محادثات السلام، ولكنه يتهم قوات الدعم السريع بعرقلة هذه المساعي. تعكس هذه التصريحات تعقيدات المشهد السياسي والعسكري في السودان، حيث تتداخل الأهداف السياسية مع الوضع الأمني المتوتر.

التحديات التي تواجه قوى الحرية والتغيير بعد الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير، واجهت قوى الحرية والتغيير تحديات كبيرة في تحقيق أهدافها. الثورة التي أدت إلى عزل البشير كانت نتيجة لتراكمات عديدة ونضالات طويلة من الشعب السوداني. ومع ذلك، فإن الأحداث التي تلت ذلك، بما في ذلك الصراعات الداخلية والحروب، أثرت بشكل كبير على مسار الأهداف التي كانت تسعى لتحقيقها.
على سبيل المثال، تحل الذكرى الخامسة لعزل البشير في ظل حرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، مما أدى إلى مقتل وتشريد الآلاف. هذه الحرب والصراعات الداخلية تعقد من تحقيق الانتقال الديمقراطي السلمي الذي كانت تطمح إليه قوى الحرية والتغيير.
العقبات الرئيسية أمام قوى الحرية والتغيير الأهداف الرئيسية لقوى الحرية والتغيير، مثل تأسيس دولة المواطنة والديمقراطية، والحوار السياسي الشامل، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، وتشكيل حكومة انتقالية، لا تزال تواجه عقبات كبيرة. من أبرز هذه العقبات: - **الخلافات الداخلية:** تعاني قوى الحرية والتغيير من انقسامات داخلية تؤثر على قدرتها على تنفيذ أجندتها بشكل موحد.
- **التوافق على تشكيل الهياكل الحكومية:** هناك صعوبات في التوافق على كيفية تكوين المجالس التشريعية والتنفيذية، مما يعيق تقدم العملية الانتقالية.
- **التفاوض مع الحركات المسلحة:** تسعى قوى الحرية والتغيير لتحقيق السلام في مناطق النزاع مثل دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، لكن التفاوض مع الحركات المسلحة يظل تحديًا كبيرًا.
- **التعامل مع الأطراف المهمشة:** بعض الأطراف داخل الجبهة الثورية تشعر بالتهميش وتهدد بالتفاوض المباشر مع المجلس العسكري، مما يعقد الوضع السياسي.
- **الموقف من الإسلاميين:** هناك مخاوف من استبعاد الإسلاميين من المشهد السياسي، مما يثير تساؤلات حول مستقبلهم في السودان الجديد.
هذه التحديات تعكس التعقيدات الكبيرة التي تواجهها قوى الحرية والتغيير في سعيها لتحقيق الديمقراطية والاستقرار في السودان. للحصول على تحليل أعمق، يُنصح بمتابعة التقارير الإخبارية المستمرة والتحليلات الصادرة عن المراقبين والخبراء في الشؤون السودانية. "تقدّم" وموقف البرهان: تحديات التحول الديمقراطي في السودان أكد الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني، رفضه القاطع لأي تفاوض أو حوار مع داعمي قوات الدعم السريع المنضوين تحت ائتلاف "قوى الحرية والتغيير" وتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدّم". هذا الموقف يعكس إصرار البرهان على عدم الدخول في أي عملية سياسية حتى تنسحب مليشيا الدعم السريع من المناطق التي تحتلها. العمليات العسكرية واستمرار النزاع أوضح البرهان أن الجيش سيواصل القتال حتى الوصول إلى مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور. هذا القرار يعكس التزام البرهان بمواصلة العمليات العسكرية لإنهاء النزاعات المسلحة قبل البدء في أي عملية سياسية. موقف البرهان من محادثات السلام بالرغم من موقفه الحازم، يُظهر البرهان انفتاحًا على محادثات السلام، ولكنه يتهم قوات الدعم السريع بعرقلة هذه المساعي. تعكس هذه التصريحات تعقيدات المشهد السياسي والعسكري في السودان، حيث تتداخل الأهداف السياسية مع الوضع الأمني المتوتر. التحديات التي تواجه قوى الحرية والتغيير بعد الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير، واجهت قوى الحرية والتغيير تحديات كبيرة في تحقيق أهدافها. الثورة التي أدت إلى عزل البشير كانت نتيجة لتراكمات عديدة ونضالات طويلة من الشعب السوداني. ومع ذلك، فإن الأحداث التي تلت ذلك، بما في ذلك الصراعات الداخلية والحروب، أثرت بشكل كبير على مسار الأهداف التي كانت تسعى لتحقيقها.
العقبات الرئيسية أمام قوى الحرية والتغيير الأهداف الرئيسية لقوى الحرية والتغيير، مثل تأسيس دولة المواطنة والديمقراطية، والحوار السياسي الشامل، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، وتشكيل حكومة انتقالية، لا تزال تواجه عقبات كبيرة. من أبرز هذه العقبات: الخلافات الداخلية: تعاني قوى الحرية والتغيير من انقسامات داخلية تؤثر على قدرتها على تنفيذ أجندتها بشكل موحد.
التوافق على تشكيل الهياكل الحكومية: هناك صعوبات في التوافق على كيفية تكوين المجالس التشريعية والتنفيذية، مما يعيق تقدم العملية الانتقالية.
التفاوض مع الحركات المسلحة: تسعى قوى الحرية والتغيير لتحقيق السلام في مناطق النزاع مثل دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، لكن التفاوض مع الحركات المسلحة يظل تحديًا كبيرًا.

التعامل مع الأطراف المهمشة: بعض الأطراف داخل الجبهة الثورية تشعر بالتهميش وتهدد بالتفاوض المباشر مع المجلس العسكري، مما يعقد الوضع السياسي.
الموقف من الإسلاميين: هناك مخاوف من استبعاد الإسلاميين من المشهد السياسي، مما يثير تساؤلات حول مستقبلهم في السودان الجديد.
قوة المكون العسكري ساهمت عدة عوامل في تكريس قوة المكون العسكري في التحالف الحاكم، منها: انقسامات القوى المؤلّفة للمكون المدني.
اضطلاع المكون العسكري بمهمات من اختصاص مجلس الوزراء، مثل مبادرة التطبيع مع إسرائيل، وإقامة علاقات إقليمية، وقيادة التفاوض مع الحركات المسلحة.
المأسسة التي مرّت بها قوات الدعم السريع. عوامل موقف البرهان تشير التحليلات إلى أن موقف البرهان قد يكون مدفوعًا بعدة عوامل، منها الخوف من المحاسبة بعد انتهاء الحرب. البرهان أكد على أنه لا مفاوضات ولا سلام ولا وقف لإطلاق النار إلا بعد دحر التمرد، مما يعكس تعنتًا في الموقف قد يُفسر بأنه محاولة لتأمين موقعه وموقع الجيش في مستقبل السودان.
تأثير الحرب على القيادة السودانية تشير التقارير إلى أن الحرب في السودان قد تؤدي إلى تغييرات جذرية في القيادة والسلطة. الصراع الدائر قد يفتح الباب أمام ظهور قيادات جديدة وتراجع دور القيادات القديمة. الحرب، التي دخلت عامها الثاني، خلفت وراءها دمارًا واسعًا وأزمة إنسانية حادة، مما يعقد الوضع السياسي ويزيد من احتمالية حدوث تحولات في السيطرة.
دور الإسلاميين وعناصر النظام السابق تشير التحليلات إلى أن الإسلاميين وعناصر النظام السابق لهم دور في المشهد السياسي الحالي. بعض الفصائل الإسلامية أبدت انحيازها إلى الجيش، وهو ما يلتقي مع موقف جزء كبير من الشارع السوداني الداعم للجيش. هناك أيضًا مخاوف من التصفية والاغتيال والفوضى السياسية في المرحلة القادمة، خاصة في ظل الأزمة السياسية المعقدة والهشاشة الأمنية.
المستقبل السياسي للسودان يبقى المستقبل السياسي للسودان غير مؤكد، مع احتمالية استمرار الصراع أو الوصول إلى مفاوضات تنتهي باتفاق على تشكيل جيش وطني موحد. يبقى الحوار السوداني الشامل بلا إقصاء لأي طرف أمرًا ضروريًا لمناقشة القضايا التأسيسية للدولة.

تُظهر التحليلات أن السودان يمر بمرحلة حرجة تشهد نزاعات قبلية وأعمال عنف، وهناك تخوف من أن تؤدي هذه الأوضاع إلى مزيد من العنف وعدم الاستقرار. للوصول إلى فهم أفضل للوضع، يُنصح بمتابعة التقارير الإخبارية والتحليلات المستمرة.
لا يزال مستقبل الصراع السياسي في السودان غامضًا ومعقدًا، في ظل سيناريوهات متعددة تقترحها مختلف المؤسسات البحثية والخبراء. فيما يلي بعض وجهات النظر الرئيسية حول ما يمكن أن يتكشف:الصراع المطول والأزمة الإنسانية:من المرجح أن يستمر الصراع المستمر على السلطة بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي). وقد أدى هذا الصراع بالفعل إلى سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين، والنزوح، وأزمة إنسانية. تشير مجموعة الأزمات الدولية (ICG) إلى أنه بدون وساطة دولية كبيرة وتسويات داخلية، يمكن أن يستمر العنف، مما يؤدي إلى مزيد من زعزعة الاستقرار والقضايا الإنسانية ().
التشرذم السياسي وضعف الحوكمة: يسلط مشروع النظام السياسي الرابع الضوء على مخاطر الانقسام السياسي الذي طال أمده وضعف هياكل الحكم في السودان. أدت التغييرات المتكررة في النظام والصراعات المستمرة على السلطة إلى تآكل مؤسسات الدولة، مما يجعل من الصعب تحقيق الاستقرار السياسي. قد يؤدي هذا السيناريو إلى بقاء السودان في حالة من التقلب السياسي، حيث تتنافس الفصائل المختلفة على السيطرة مع إحراز تقدم ضئيل نحو الحكم الموحد (السلام النظامي).
إمكانية التسوية التفاوضية:على الرغم من الصراع المستمر، هناك طريق محتمل للتوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض. وهذا يتطلب تنازلات كبيرة من الجانبين وضغطاً ودعماً دولياً قوياً. ويشير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) إلى أن محادثات السلام يمكن أن تؤدي إلى اتفاق لتقاسم السلطة، لكن ذلك سيتطلب الالتزام بنزع السلاح ودمج الجماعات المسلحة في إطار وطني، إلى جانب إصلاحات سياسية شاملة (

ظهور جهات فاعلة سياسية جديدة:ومن الممكن أن يمهد فراغ السلطة والصراعات المستمرة الطريق أمام ظهور جهات فاعلة سياسية جديدة. ويمكن أن يكون هؤلاء قادة أصغر سناً وذوي عقلية إصلاحية من داخل المجتمع المدني أو تحالفات جديدة تشكلت رداً على إخفاقات القيادة الحالية. ومن الممكن أن يقدم هذا التحول نموذج حكم أكثر استقرارًا وتمثيلًا، على الرغم من أنه سيواجه تحديات كبيرة من المصالح العسكرية والسياسية الراسخة التدخل والدعم الدولي: ومن الممكن أن يلعب التدخل الدولي المستدام دوراً حاسماً في تشكيل مستقبل السودان. ويشمل ذلك الضغط الدبلوماسي والعقوبات الاقتصادية والمساعدات الإنسانية التي تهدف إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة ودعم مبادرات السلام. سيكون للجهات الفاعلة الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والدول المجاورة دور حاسم في التوسط في السلام وتوفير الدعم اللازم لإعادة بناء الهياكل السياسية والاجتماعية في السودان
، من المرجح أن يتشكل مستقبل الصراع السياسي في السودان من خلال مزيج من ديناميكيات السلطة الداخلية، ومرونة المجتمع المدني، ومدى المشاركة الدولية. ويحمل كل سيناريو مجموعته الخاصة من التحديات والفرص لتحقيق السلام والاستقرار الدائمين في البلاد.
أن موقف البرهان من الأزمة السودانية، نجد أنفسنا أمام مشهد معقد يتشابك فيه السياسي بالعسكري، والمحلي بالإقليمي. تتجلى فيه إرادة القوى الفاعلة وتتصارع فيه الأهداف والمصالح. وفي ظل هذه التحديات الجسام، تبرز أهمية الحوار والمناصرة كأساس لبناء مستقبل يسوده السلام والاستقرار.

وهكذا، نختتم بالقول: "أرض الأضرحة والقباب تهدي مجموعةٍ تقدم القوي المدنية قصرًا ورايةً ومناصرة"، فهل يتحقق الأمل في سودان ينعم بالوئام، حيث تتلاشى الخلافات وتتوحد الصفوف نحو غدٍ أفضل

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: قوى الحریة والتغییر قوات الدعم السریع محادثات السلام المشهد السیاسی موقف البرهان عملیة سیاسیة التوافق على فی السودان العسکری فی سیاسیة مع إلى أن

إقرأ أيضاً:

كيف أقلق البرهان واشنطن وتل أبيب؟

في ظلّ السيولة الأمنية التي يعيشها السودان بسبب تداعيات الحرب ضد مليشيا الدعم السريع المتمردة، أصدر رئيس مجلس السيادة في السودان وقائد الجيش الجنرال عبدالفتاح البرهان قرارًا بتفريغ العاصمة الخرطوم من المظاهر المسلحة.

ومن المؤكد أن القرار لم يعد مجرد مطلب أو طموح، بل ضرورة وطنية ملحّة في مسار استعادة هيبة الدولة وإعادة بناء مؤسساتها. ولا بد أن يصدر هذا القرار من موقع امتلاك زمام المبادرة، خصوصًا بعدما أثبت الجيش السوداني قدرته على مواجهة مليشيا الدعم السريع التي كانت الأكثر تجهيزًا وتسليحًا، وتحظى بدعم خارجي، وتتمدد في مفاصل الدولة بأكثر من 120 ألف مقاتل، وباغتت الجيش بهجومها في 15 أبريل/ نيسان 2023.

نجاح الجيش في التصدي لهذا الخصم عالي التنظيم والتسليح يعيد التأكيد على قدرته على فرض قراراته الإستراتيجية، وفي مقدمتها إعادة تنظيم المشهد الأمني داخل المدن.

وأمام هذا المشهد، تصبح المقارنة بين مليشيا الدعم السريع والحركات المسلحة الأخرى غير واقعية؛ فهذه الأخيرة ما زالت تُبدي التزامًا بالاتفاق السياسي الذي وقّعته في جوبا، وتقر بمركزية الدولة وضرورة دمج قواتها في الجيش الوطني.

لا تنبع أهمية انتصارات الجيش السوداني فقط من قدرته على كسر شوكة أخطر المليشيات في تاريخ الدولة، بل من التحولات الجيوسياسية التي أفرزتها على المستويين؛ الإقليمي والدولي.

ففي مقال تحليلي نشرته صحيفة تايمز أوف إسرائيل، أشار الصحفي البريطاني المتخصص في الشأن الأفريقي، جافين سيركين، إلى أن "الواقع الجديد" في السودان، بعد انتصارات الجيش في الخرطوم وود مدني ومناطق من دارفور، قد أربك حسابات العواصم الكبرى، وعلى رأسها واشنطن وتل أبيب.

ونوّه سيركين إلى أن موازين القوى انقلبت جذريًا لصالح الجيش بقيادة الجنرال عبدالفتاح البرهان، مما دفع قوى دولية مثل دول الترويكا لإعادة النظر في إستراتيجيتها، والبحث عن تسوية "تُرضي الجيش السوداني"، بعدما بات واضحًا أن أي مشروع سياسي لا يحظى بموافقته لا يمكن فرضه على أرض الواقع.

إعلان

هذه المعطيات تُمكن الجيش السوداني من التحرك داخليًا بثقة أكبر لفرض قرارات إستراتيجية مثل تفريغ المدن من السلاح، ليس فقط كضرورة أمنية، بل كإعلان عن استعادة زمام المبادرة على كافة المستويات.

إذن، فإن قرار تفريغ المدن لا يُقرأ كرهان محفوف بالمخاطر، بل كمحطة منطقية وممكنة في مشروع إعادة بناء الدولة، تسانده قوة عسكرية على الأرض، وتدفع نحوه ضرورات الأمن والاستقرار، لا سيما في ظل إجماع متنامٍ على أن الدولة وحدها يجب أن تحتكر السلاح وتعيد ضبط التشكيلات العسكرية ضمن الأطر النظامية.

ولا يمكن النظر إلى هذا القرار بمعزل عن السياق السياسي والأمني الأوسع؛ فوجود السلاح خارج المنظومة الرسمية لا يهدد العاصمة وحدها، بل يهدد وحدة الدولة ذاتها.

إن تفريغ المدن من المليشيات المسلحة ليس إجراءً تقنيًا، بل فعلًا سياديًا يعكس قدرة الدولة على حصر القوة في يد واحدة. كما أنه ضرورة لحماية العملية السياسية ذاتها، إذ لا يمكن تصور انتقال مدني أو ديمقراطي في ظل تعدد القوى المسلحة داخل الحواضر.

الجيش السوداني، بعد أكثر من عام من الحرب، أثبت أنه الجهة الوحيدة التي تملك القدرة على فرض الاستقرار الميداني. فهو لم يكتفِ بالصمود، بل استطاع أن ينتقل من الدفاع إلى الهجوم، وأن يحرر مدنًا رئيسية، ويكسر النفوذ العسكري لمليشيا الدعم السريع في مناطق عدة. هذه التجربة العملية تمنح القرار الجديد مصداقية أكبر، وتؤسس لمرحلة يكون فيها تفكيك المظاهر المسلحة جزءًا من سياق إستراتيجي شامل لإعادة هندسة الدولة.

الحركات المسلحة من الشراكة إلى النفوذ

حين وُقّع اتفاق جوبا للسلام 2020، رُوّج له باعتباره بداية جديدة للسلام وبناء الشراكة بين المركز والهامش. لكن ما حدث لاحقًا أظهر انحرافًا في المسار؛ فقد تحولت بعض الحركات المسلحة إلى مراكز نفوذ تسعى للمحاصصة لا لبناء الدولة، واحتفظت ببنيتها العسكرية دون أن تُقدم على خطوات جدية لنزع السلاح أو إعادة الهيكلة.

في بداية الحرب تغيّبت هذه الحركات، وتذرعت بالحياد، ثم عادت وانحازت للجيش لاحقًا، عدا بعض القيادات منها التي اختارت الاصطفاف إلى جانب مليشيا الدعم السريع، أو تبنت مواقف رمادية مرتبكة.

الأخطر من ذلك، أن بعض هذه الحركات تمارس ذات السلوك الذي طالما اشتكت منه: تسييس الجغرافيا، وتكريس الجهوية، والاستحواذ على السلطة دون مسؤولية. وبدل أن تذوب في الدولة، بدأت تُعيد تشكيل الدولة وفق حساباتها، وتفاوض على أساس ميزان القوة، لا على أساس برنامج وطني مشترك.

وقد فاقم هذا الوضع من ظاهرة "الجيش السياسي"، حيث دخلت بعض الفصائل العمل السياسي دون أن تنزع بزّتها العسكرية، وأصبحت تُدير الوزارات والمنصات التنفيذية بنفس عقلية المعسكر: أوامر، محسوبيات، وولاءات. بل أصبح بإمكان فصيل مسلح أن يُعرقل قرارًا سياديًا إن شعر أنه لا يخدم مصالحه أو يقلص نفوذه.

وإذا نظرنا إلى تفاصيل تنفيذ اتفاق جوبا، نجد أن البنود المتعلقة بإعادة هيكلة القوات ودمجها في الجيش لم تُطبّق فعليًا. بل إن بعض الحركات توسعت عسكريًا بعد دخولها العاصمة، وأنشأت معسكرات جديدة، وواصلت التجنيد.

إعلان

هذا التوجه يضع علامات استفهام كبرى حول مدى التزامها بروح الاتفاق، ويثير مخاوف من أن تتحول إلى كيانات سياسية عسكرية موازية، تمارس الضغط من الداخل لا بهدف الإصلاح، بل بهدف تأمين مواقعها.

كما أن كثيرًا من القواعد الميدانية لهذه الحركات ما زالت تعيش حالة من التعبئة والصدام مع الدولة، وتحمل في خطابها الكثير من العداء للمؤسسات المركزية. بعض التصريحات التي تصدر من القيادات الوسطى تتحدث عن امتيازات مناطقية أو مطالب تتجاوز بكثير ما أقره الاتفاق، ما يؤشر إلى خلل في الالتزام والانضباط السياسي داخل هذه الكيانات.

مكاتب الحركات: قنابل موقوتة

المشهد في الخرطوم اليوم يكشف عن تناقض جوهري مع روح اتفاق جوبا؛ فمكاتب بعض الحركات المسلحة تنتشر داخل الأحياء السكنية، تحت حراسة عسكرية علنية تُربك الأحياء وتقلق المدنيين، ويُجنَّد فيها أفراد ذو سوابق إجرامية في السطو والاعتداء.

وهذا أمر شاذ، إذ كان من الطبيعي أن تكون هذه المكاتب ذات طابع مدني، وتخضع لحماية الشرطة النظامية، بينما يكون المقاتلون على خطوط المواجهة الحقيقية في دارفور وغيرها، لا في قلب العاصمة وبقية المدن.

هذه الحركات لم تأتِ إلى الخرطوم لتُجند مزيدًا من العناصر، بل جاءت ـ بموجب الاتفاق ـ لتضع السلاح، وتنخرط في مشروع وطني لبناء الدولة والمساهمة في الانتقال السلمي. وأي سلوك يخالف هذا المسار يُعد انتهاكًا للاتفاق، وتهديدًا مباشرًا لأمن المجتمع ولأسس الدولة.

ورغم أن بعض القيادات العليا لهذه الحركات تُبدي تفهمًا سياسيًا وتطرح مواقف عقلانية، فإن الإشكال الحقيقي يكمن في القيادات الوسطى والميدانية، حيث ما تزال الحمولات التعبوية القديمة فاعلة، وتتحكم في السلوك السياسي والميداني، وكأن اتفاق السلام لم يُوقّع، وكأن الحرب لم تُفرز دروسها بعد.

إلى جانب ذلك، فإن سلوك بعض هذه الحركات في الحياة العامة بات يثير قلق المواطنين، حيث تُسجل حالات استيلاء على مقرات رسمية أو عقارات خاصة، ويجري فرض النفوذ بالقوة في بعض الأسواق، بل وتُستخدم الأسلحة في فضّ النزاعات البسيطة، دون رادع قانوني فعّال. هذه الممارسات تنسف الأساس الأخلاقي والقانوني لوجود هذه الحركات داخل المدن، وتضع الحكومة أمام مسؤولية واضحة: إما أن تفرض هيبة الدولة، أو تفقد ما تبقى منها.

كما أن ضعف التنسيق بين مؤسسات الدولة والحركات المسلحة في المجال الأمني يجعل العاصمة عرضة للاختراق، ويُعرقل جهود إعادة الإعمار والاستقرار. وجود هذه القوات بصورتها الحالية يُسهم في تضييق مساحة الدولة، ويقوّض سلطة القانون، ويجعل من أي حديث عن استحقاقات ديمقراطية مجرد وهْم لا يستند إلى واقع فعلي.

حين لا تكفي البنادق لبناء وطن

في كل مرة تُمنح الحركات المسلحة فرصة للاندماج في الدولة، دون أن تُسلم سلاحها أو تُراجع خطابها، تُضاف حلقة جديدة في سلسلة الفشل الوطني. فالوطن لا يُبنى بالمحاصصة، ولا تُؤسس له شرعية بالرصاص، ولا تُدار مدنه بمزاج العائدين من الميدان.

لقد آن للسودان أن يضع حدًا لهذه الحلقة المفرغة التي تُنتج حركات مسلحة من رحم الإقصاء، ثم تُعيد إنتاج الإقصاء من داخل السلطة. آن له أن يتحرر من "جمهورية البنادق المؤجلة"، ويعود إلى مشروع الدولة الجامعة، لا السلطة الموزعة.

فإما أن تعود الحركات المسلحة إلى حضن الوطن بلا سلاح، أو تبقى في هامش التاريخ، تتآكل خلف شعاراتٍ بلا جمهور، وبنادقَ بلا معنى. وإما أن تتوحد راية السلاح تحت علم الدولة، أو نظل نعيش دويلة داخل الدولة، ومرحلة انتقالية بلا انتقال.

في هذا السياق، لا يمكن تجاهل أن اتفاق جوبا للسلام، كما نُفّذ، لم يعد صالحًا كمرجعية لبناء السلام أو إعادة تشكيل الدولة. لقد تجاوز الواقع السياسي والميداني في السودان اتفاق جوبا، الذي بُني على شروط لم تعد قائمة، وأصبح استمراره كمرجعية ضربًا من التجميل السياسي لا أكثر.

إعلان

إن ما تبقّى من اتفاق جوبا اليوم لا يتجاوز كونه غطاءً سياسيًا يُستخدم في كثير من الأحيان لتبرير الامتيازات، لا التزامًا فعليًا ببناء الدولة. وعليه، فإن السؤال لم يعد: كيف نُفعّل الاتفاق؟ بل: كيف نتجاوزه ببديل أكثر واقعية وشمولًا؟ بديل يُعيد تعريف العلاقة بين الدولة والسلاح، ويمنح السياسة مكانتها، ويُعيد الاعتبار للمواطنة، لا للتهديد.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • المطران ضاهر مهنئاً بعيد الجيش: أمان الوطن وراية فوق الطوائف
  • البرهان يفاجئ أهالي حطاب بهذه الخطوة
  • البرهان يلتقي ممثل الاتحاد الأفريقي ومجلس السلم يدين الحكومة الموازية
  • مبادرة محراب السودان تقدم دعماً للمتضررين من الحرب في الفاشر
  • كيف أقلق البرهان واشنطن وتل أبيب؟
  • ‘الاتحاد الإفريقي” يكشف موقفه من “الدعم السريع” ويفاجئ “البرهان”
  • العطاء يتدفق.. دولة عربية تهدي السودان 25 طناً من أدوية مكافحة الكوليرا
  • “ألوان الحرية”.. أطفال وشباب من حمص يرسمون لفلسطين
  • تضحية العمر.. كويتية تهدي زوجها كليتها فكانت النتيجة الخيانه والعنف
  • اللواء لاوندس في الناقورة... وراية تقدير من اليونيفيل