وجد فريق بحثي من جامعة جنوب أستراليا صلة بين الظروف الجوية وإمكانية إقبال المستثمرين على الأسهم الشبيهة باليانصيب، وهو الأمر الذي يشير إلى أننا نحن البشر قد لا ندرك أحيانا ما الذي يدفعنا لاتخاذ قرار ما.

والأسهم الشبيهة باليانصيب اصطلاح في عالم المال والأعمال يتميز بخصائص تجعله جذابا للمستثمرين الذين يسعون لتحقيق أرباح كبيرة في فترة قصيرة، لكنه رغم ذلك يحمل مخاطر عالية، وتتقلب أسعاره بشكل كبير، مما يجعل الإقبال عليه مغامرة في كل الأحوال.

ومن الأمثلة على هذه الحالة أسهم شركات التكنولوجيا الصغيرة الناشئة التي تعمل في مجالات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي أو تكنولوجيا سلسلة الكتل (البلوتكشين)، وأسهم الشركات الطبية الحيوية التي تعمل على تطوير أدوية أو تقنيات طبية جديدة قد تحقق نجاحا كبيرا، إذا نجحت منتجاتها.

تأثر واضح بالطقس

وقد وجدت الدراسة التي نشرها هذا الفريق في دورية "جورنال أوف بيهافيورال آند إكسبرمنتال فاينانس"، أنه عندما يكون الطقس مُشمسا والسماء زرقاء، فمن المرجح أن يشارك المستثمرون في هذه الأنواع من الاستثمارات، وإذا كان الطقس ماطرا أو ملبّدا بالغيوم فإنهم غالبا ما يحجمون عن المشاركة.

وللتوصل إلى تلك النتائج جمع الباحثون بيانات الطقس على مدار 36 عاما من محطات الأرصاد الجوية الرئيسية عبر المدن الأميركية، وفحصوا بيانات أسعار الأسهم من هذا النوع خلال الفترة من 1983 إلى 2019، ووجدوا علاقة طردية واضحة بين حالة الطقس الجيدة ومعدلات شراء الأسهم من هذا النوع.

ويفسر الباحثون ذلك بأن المستثمرين الذين يتمتعون بمزاج جيد بسبب الطقس المشمس يميلون إلى أن تكون لديهم توقعات أو تقديرات أكثر تفاؤلا بشأن المردود المستقبلي للأسهم، وبالتالي يُقْدِمون على الاستثمار فيها، بحسب بيان رسمي من الجامعة.

طريقة ارتداء أحدهم ملابسه قد تترك تأثيرا فيك لا تلحظه (بيكسلز) من القضاء إلى القرارات اليومية

ولا يقف الأمر عند حدود الطقس، حيث تشير تجارب أخرى إلى أن مجموعة من أهم قراراتنا قد تتأثر بسياق لا نلحظه. فمثلا في دراسة نشرت بمنشورات الأكاديمية الوطنية للعلوم "بي إن إيه إس" عمل فريق من الباحثين على فحص أداء نحو ألف قاضٍ في مهامهم بالمحاكم الأميركية خلال أيام عمل كاملة؛ بداية من الصباح ثم الاستراحة الأولى ثم الاستراحة الثانية ثم نهاية اليوم.

ووجدت الدراسة أن القضاة كانوا يتخذون قراراتهم بنمط متشابه، إذ كانوا أكثر تساهلا مع المتهمين في القضايا التي دخلت إليهم في أول اليوم أو بعد الاستراحة مباشرة، ثم مع الوقت أصبحت قراراتهم أقل تساهلا مع المتهمين، وكان الفارق طفيفا وفي قضايا معقدة يكتنفها درجة من الحيرة، لكن النمط كان واضحا.

وفي هذه التجارب السابقة كان السياق الزمني الذي نوقشت فيه القضية مؤثرا في القرار، وفي مجموعة أخرى من التجارب كان تأثير سياق آخر لافتا جدا للانتباه. فمثلا وجد الباحثون في تجارب سابقة علاقة بين وجود شيء ثقيل في يديك وتعاملك بجدية أكبر مع المعلومات، لتجد أن ذلك يحدث بالفعل مقارنة بمجموعة أخرى لم تحمل شيئا في يديها.

وكانت مجموعة تجارب أخرى نشرت نتائجها في دورية "ساينس" المرموقة، وجدت أن حملك كوبا من الشاي الساخن أو البارد في يديك يمكن أن يدفعك لتصبح أكثر تعاطفا أو برودا بحسب طبيعة الشاي، وبالطبع يظل التأثر صغيرا، لكنه مرصود، وربما في قرارات حرجة أو عاجلة يؤثر في خط سير الأحداث بشكل لا نتوقعه.

تأثير الثقة

وفي جامعة ييل الأميركية، أقنع الباحثون مجموعة من طلبة الجامعة بأنهم في اختبار نفسي يتعلق بألعاب عبارة عن رهانات افتراضية، ثم قُسّم الخاضعون للتجربة إلى مجموعتين، يدخل كل فرد من أفراد المجموعة الأولى في حجرة ما ليجد متسابقا آخر اختير ليبدو واثقا من نفسه، أما في الغرفة الأخرى فيدخل كل فرد من المجموعة الثانية ليجد من ينتظره شخصا لا يبدو واثقا من نفسه.

فكيف يُقنع الباحثون الناس بفكرة الثقة؟ ذلك يحدث عبر عدة مؤشرات، منها مثلا جعل الشخص الذي يبدو واثقا من نفسه يرتدي ملابس مناسبة، بينما يرتدي الآخر سترة تبدو ضيقة بعض الشيء وليست على مقاسه، ويَترك ذلك تأثيرا فيك لا تلحظه.

وجاءت النتائج لتقول إن هؤلاء الذين جلسوا أمام منافس يبدو واثقا من نفسه، وضعوا رهانات أقل بشكل ملحوظ عن هؤلاء الذين جلسوا أمام متسابق لا يبدو واثقا من نفسه، رغم أن اللعبة كانت عشوائية تماما واعتمدت فقط على الصدفة. لكنْ مرة أخرى، يتبين أننا نحن البشر نميل للتأثر بسياقات لا ندركها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

وهل يخدع الإنسان نفسه؟!

يُعّرَفُ عمّن يمارس النفاق على أنه يظهر للآخرين ما لا يخفـيه فـي نفسه. وبهذا المعنى فإن العلاقة بين الإنسان ونفسه علاقة لا يشوبها كدر، أو غبار، فكلا الطرفـين يواجهان بعضهما بعضا بحقيقة ما يبديانه، وما يخفـيانه؛ ولذا فمن المستحيل أن يخدع كلاهما الآخر، وتبقى حالة من المخادعة الظاهرية هي بينهما، وبين الآخرين من حولهما. وأصفها بـ «المخادعة»؛ لانتفاء صفة الصدق فـيها.

ولذلك يعيش الإنسان صراعا ذاتيا قاسيا مع نفسه فـي المواقف التي لا يكون صادقا فـيها، وإن أبدى المرح والسرور مع الآخر. ومن هنا فإن مشاعر القسوة لا يمكن التحايل عليها؛ حيث تتجلى قيمة الصدق فـيها أكثر، فلا خيار متاح فـي تلك اللحظة إلا تجرع الألم بكل حمولته القاسية، بخلاف مشاعر السرور التي قد يناور فـيها الفرد الآخرين، ويبدي عكس ما يضمره كنوع من المجاملة؛ ولذلك قال شاعر العربية الكبير أبو الطيب المتنبي: «لا تحسبوا رقصي بينكم طربا ... فالطير يرقص مذبوحا من الألم».

ومع ذلك فالناس مدمنون على إظهار السرور- كما يشاع -، وإن أظهروا ذلك السرور بتكلف فـي كثير من الأحيان؛ ولذلك تصنف الابتسامات المتكلف فـي إبدائها للآخرين على أنها «ابتسامات صفراء». وهذا التصنيف لم يأت من فراغ، وإنما يأتي عن تقييم حقيقي، فالآخرون - وإن حاول الفرد أن يخدعهم بابتسامة صفراء، أو بوصف مبالغ ليس فـيهم - فهم يدركون حقيقة الأمر، وإن أبدوا مجاملة لفظية. ففي قرارة أنفسهم يدركون حقيقة الطرف الآخر، وما يبديه من تكلف وتصنع؛ ولذلك سريعا ما تنكشف مثل هذه المراوغات، ويقع أصحابها فـي حرج شديد، ويظل تدارك الموقف ليس بالأمر الهين، وعادة ما يحدث مثل ذلك فـي المواقف التي يراد منها تحقيق غاية معينة، وهذه من أشدها خطورة فـي العلاقات القائمة بين الأفراد.

والسؤال هنا: كيف يجازف الفرد بحمولته الإنسانية، فـيبدي للآخرين عكس ما يختلج بين جوانحه؟ كيف يستطيع أن يخاتل نفسه فـي لحظة فارقة فـينفرد بقرار مخادعتها، وهو يدرك أنه غير صادق وغير أمين فـي تلك اللحظة؟ هذه من اللحظات التي يغتال الإنسان فـيها نفسه، وبالتالي فمع استطاعته اغتيال نفسه؛ كيف لا يستطيع أن يغتال من حوله، ولو كان هذا الاغتيال لأقرب الناس إليه! إنها من الحالات التي يمتحن الإنسان ذاته فـيها، وهذا الأمر ليس متاحا للجميع؛ حيث يحتاج إلى كثير من الخبرة والتجربة.

تشدنا بعض المواقف التي نرى فـيها ذلك الصراع المتوهج - ونصفه بالخطير- بين الحيوانات المفترسة، سواء بينها وبين الحيوانات المختلفة عنها، أو بينها وبين بني جلدتها، وهو صراع مادي صرف، تحسم نتيجته قوة الطرف على الطرف الآخر؛ لأن الحيوانات لا تعرف خداع بعضها بعضا، وإنما تبقى القوة هي الحاسمة لنتيجة الصراع القائم بين الطرفـين، بخلاف حقيقة الصراعات التي تدور بين بني البشر بعضهم ببعض؛ حيث لا تظهر الحالة الفـيزيائية الصرفة فـي هذا الصراع، وإنما يسود ذلك الصراع الباطني المبني على الخداع، والتضليل، مع قناعة كل طرف أنه يمارس فعلا شائنا لا يرتضيه مع نفسه، ويرتضيه مع الآخر من حوله؛ لتحقيق غاية ما.

ففـي الصراع الإنساني لا يتوقف الأمر على القوة المادية لكسب الرهان؛ حيث تميل جل الصراعات القائمة بين بني البشر إلى اختيار القوى الناعمة، وما أكثرها! ولكن أشدها خطرا تلك القوة التي يخادع فـيها الإنسان نفسه فـي لحظة ما، مع يقينه أنه يقع فـي مغالطة شعورية كبيرة، وذلك عكس ما ينادي به أبو الفتح السبتي:

« أقبل على النفس واستكمل فضائلها

فأنت بالنفس لا بالجسم إنسانُ».

مقالات مشابهة

  • نوع من المكملات الغذائية يبطئ عملية الشيخوخة| تفاصيل
  • نجم هاري بوتر يخضع لعملية جراحية بسبب عدم قدرته على التنفس
  • في الطريق إلى غزة يطهر الغرب نفسه
  • كيف يخطط الغرب؟!
  • وهل يخدع الإنسان نفسه؟!
  • الرياض.. زرع أول جهاز داخل الدماغ لتحسين التحكم بالأمراض العصبية
  • السعودية: زراعة أول جهاز ذكي داخل الدماغ لتحسين التحكم بالأمراض العصبية
  • بمحطة الفضاء الصينية.. اكتشاف بكتيريا جديدة لم تُسجل على الأرض من قبل
  • فريق من الباحثين في بريطانيا يتوصل إلى تقنية جديدة لتشخيص أورام الدماغ
  • "التخصصي" يزرع أول جهاز ذكي داخل الدماغ لتحسين التحكم بالأمراض العصبية