مؤثرات لا نلحظها.. إلى أي مدى نفقد القدرة على التحكم في قراراتنا؟
تاريخ النشر: 9th, June 2024 GMT
وجد فريق بحثي من جامعة جنوب أستراليا صلة بين الظروف الجوية وإمكانية إقبال المستثمرين على الأسهم الشبيهة باليانصيب، وهو الأمر الذي يشير إلى أننا نحن البشر قد لا ندرك أحيانا ما الذي يدفعنا لاتخاذ قرار ما.
والأسهم الشبيهة باليانصيب اصطلاح في عالم المال والأعمال يتميز بخصائص تجعله جذابا للمستثمرين الذين يسعون لتحقيق أرباح كبيرة في فترة قصيرة، لكنه رغم ذلك يحمل مخاطر عالية، وتتقلب أسعاره بشكل كبير، مما يجعل الإقبال عليه مغامرة في كل الأحوال.
ومن الأمثلة على هذه الحالة أسهم شركات التكنولوجيا الصغيرة الناشئة التي تعمل في مجالات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي أو تكنولوجيا سلسلة الكتل (البلوتكشين)، وأسهم الشركات الطبية الحيوية التي تعمل على تطوير أدوية أو تقنيات طبية جديدة قد تحقق نجاحا كبيرا، إذا نجحت منتجاتها.
تأثر واضح بالطقسوقد وجدت الدراسة التي نشرها هذا الفريق في دورية "جورنال أوف بيهافيورال آند إكسبرمنتال فاينانس"، أنه عندما يكون الطقس مُشمسا والسماء زرقاء، فمن المرجح أن يشارك المستثمرون في هذه الأنواع من الاستثمارات، وإذا كان الطقس ماطرا أو ملبّدا بالغيوم فإنهم غالبا ما يحجمون عن المشاركة.
وللتوصل إلى تلك النتائج جمع الباحثون بيانات الطقس على مدار 36 عاما من محطات الأرصاد الجوية الرئيسية عبر المدن الأميركية، وفحصوا بيانات أسعار الأسهم من هذا النوع خلال الفترة من 1983 إلى 2019، ووجدوا علاقة طردية واضحة بين حالة الطقس الجيدة ومعدلات شراء الأسهم من هذا النوع.
ويفسر الباحثون ذلك بأن المستثمرين الذين يتمتعون بمزاج جيد بسبب الطقس المشمس يميلون إلى أن تكون لديهم توقعات أو تقديرات أكثر تفاؤلا بشأن المردود المستقبلي للأسهم، وبالتالي يُقْدِمون على الاستثمار فيها، بحسب بيان رسمي من الجامعة.
ولا يقف الأمر عند حدود الطقس، حيث تشير تجارب أخرى إلى أن مجموعة من أهم قراراتنا قد تتأثر بسياق لا نلحظه. فمثلا في دراسة نشرت بمنشورات الأكاديمية الوطنية للعلوم "بي إن إيه إس" عمل فريق من الباحثين على فحص أداء نحو ألف قاضٍ في مهامهم بالمحاكم الأميركية خلال أيام عمل كاملة؛ بداية من الصباح ثم الاستراحة الأولى ثم الاستراحة الثانية ثم نهاية اليوم.
ووجدت الدراسة أن القضاة كانوا يتخذون قراراتهم بنمط متشابه، إذ كانوا أكثر تساهلا مع المتهمين في القضايا التي دخلت إليهم في أول اليوم أو بعد الاستراحة مباشرة، ثم مع الوقت أصبحت قراراتهم أقل تساهلا مع المتهمين، وكان الفارق طفيفا وفي قضايا معقدة يكتنفها درجة من الحيرة، لكن النمط كان واضحا.
وفي هذه التجارب السابقة كان السياق الزمني الذي نوقشت فيه القضية مؤثرا في القرار، وفي مجموعة أخرى من التجارب كان تأثير سياق آخر لافتا جدا للانتباه. فمثلا وجد الباحثون في تجارب سابقة علاقة بين وجود شيء ثقيل في يديك وتعاملك بجدية أكبر مع المعلومات، لتجد أن ذلك يحدث بالفعل مقارنة بمجموعة أخرى لم تحمل شيئا في يديها.
وكانت مجموعة تجارب أخرى نشرت نتائجها في دورية "ساينس" المرموقة، وجدت أن حملك كوبا من الشاي الساخن أو البارد في يديك يمكن أن يدفعك لتصبح أكثر تعاطفا أو برودا بحسب طبيعة الشاي، وبالطبع يظل التأثر صغيرا، لكنه مرصود، وربما في قرارات حرجة أو عاجلة يؤثر في خط سير الأحداث بشكل لا نتوقعه.
تأثير الثقةوفي جامعة ييل الأميركية، أقنع الباحثون مجموعة من طلبة الجامعة بأنهم في اختبار نفسي يتعلق بألعاب عبارة عن رهانات افتراضية، ثم قُسّم الخاضعون للتجربة إلى مجموعتين، يدخل كل فرد من أفراد المجموعة الأولى في حجرة ما ليجد متسابقا آخر اختير ليبدو واثقا من نفسه، أما في الغرفة الأخرى فيدخل كل فرد من المجموعة الثانية ليجد من ينتظره شخصا لا يبدو واثقا من نفسه.
فكيف يُقنع الباحثون الناس بفكرة الثقة؟ ذلك يحدث عبر عدة مؤشرات، منها مثلا جعل الشخص الذي يبدو واثقا من نفسه يرتدي ملابس مناسبة، بينما يرتدي الآخر سترة تبدو ضيقة بعض الشيء وليست على مقاسه، ويَترك ذلك تأثيرا فيك لا تلحظه.
وجاءت النتائج لتقول إن هؤلاء الذين جلسوا أمام منافس يبدو واثقا من نفسه، وضعوا رهانات أقل بشكل ملحوظ عن هؤلاء الذين جلسوا أمام متسابق لا يبدو واثقا من نفسه، رغم أن اللعبة كانت عشوائية تماما واعتمدت فقط على الصدفة. لكنْ مرة أخرى، يتبين أننا نحن البشر نميل للتأثر بسياقات لا ندركها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
الإدارة الحكومية للإبداع
د. صلاح بن راشد الغريبي
أصل كل عمل إبداعي عقل قادر على الإيجاز والتفصيل إما بالكتابة أو الأداء أو الرسم أو بأي قالب يستوعب حصيلة التفكير في موضوع مُعين، وتنشط بعد ذلك المطابع ودور النشر أو شركات الإنتاج في إخراجه للجمهور المتلقي ذلك الجمهور المُتعدد في اتجاهاته والمتنوع في معارفه ورغباته.
ذلك الإخراج يستدعي عدة أمور منها تشريعات محددة ومفصلة، وأيضًا مؤسسات تعمل عليه، ولكن دعونا نسأل؛ هل ثمّة مُخرِجان اثنان لعمل فني ناجح أو رسّامان للوحة فنية واحدة أو شاعران لقصيدة واحدة نابعة من وجدان صادق غير متكلف؟!
كذلك لا تستطيع أي وسيلة نقل الاتجاه في طريقين مختلفين في الوقت نفسه إلا أن تكون النتيجة الدوران من نقطة والعودة إليها مرة أخرى أو الثبات التام في المكان نفسه.
كان لا بد من طرح مثل هذه التساؤلات للحصول على المغزى التالي:
لا يمكن الوصول إلى أي إنجاز واقعي وحقيقي ومفيد ما لم تستقل صناعة العمل الإبداعي سواء كان الكِتاب أو السينما أو الفنون المختلفة أو أي عمل إبداعي آخر في مؤسسة جامعة لكل مراحله من الألف إلى الياء من التشريع المنظم إلى إدارة عناصره البشرية والتقنية والفنية ومن بعد ذلك الوصول لتحقيق الأهداف ومراجعة ما أنجز منها وما لم ينجز في الإطارين الزماني والمكاني لهذه الأهداف.
وبذا نفهم أهمية ما تقوم به الحكومات في العالم والساعية للتقدم في جعل كل عمل إبداعي تحت إطار هيئة واحدة أو مؤسسة واحدة أو إدارة واحدة؛ من غير تشتيت أو تفريق لمفاصِلِه هذا المفصل لهذه الجهة وذلك لتلك والآخر لجهة أخرى كتوزيع الإرث الظالم أو توزيع فوضوي بلا ميزان ولا مبدأ.
يقع التشريع على هذه الجهة التي لا تدرك حقيقة العمل الميداني وتفاصيله المتغيرة أو تتدخل فيما لا تعيه من جوانب يعيها المتخصصون والتنفيذيون وحدهم؛ والذين يقع عليهم الكدح والبذل والتقريع والمحاسبة؛ في حين أن آخرين يحملهم الجشع لاختلاس ثمارهم الناضجة وحصادهم فيظلون كالذي يتلمظ اللقمة والثمرة التي بذرها وسقاها ولا يَطعَمُها أبدا أو يُعطى منها ما يجعلُ فمه مغلقا أو يده مزمومة عن جلّ حقه أو أكثره.
حينها تكون رغبة الموظف أو العامل الجاد في تجويد عمله في أدنى مستوياتها وتكون الحصيلة عملا سطحيا استعراضيا لا غير؛ ذلك إن تم العمل أصلا.
الخلاصة أنه لا بُدّ من مظلة واحدة تجمع كل صناعة إبداعية على حدة؛ بدءًا من المشاركة في وضع ضوابطها المجتمعية، وانتهاءً باستعراض نتائج العمل ومراجعته والعمل على تجويده وتطويره، وأن من يستحق أولًا ثمار الحصاد هو من يبذر ويزرع حتى تظل جذوة العطاء مشتعلة في نفسه وحتى لا يفقد همته وحرصه على ما يؤديه من عمل خدمة كان أو إنتاجًا.
التنظيم والعمل الجاد والمستمر والمتقن والتطوير الحقيقي لا يكون إلّا بوسيلة واحدة هي وجود هيئة أو مؤسسة مستقلة جامعة لكل عمل إبداعي مؤثر؛ سواء كان كتابًا (هيئة للكتاب) أو سينما ودراما (هيئة للسينما والدراما) وهكذا لأي عمل إبداعي بطابع إنتاجي كامل.