تقرير أمريكي: واشنطن ولندن لم تنجحا في ردع اليمنيين
تاريخ النشر: 18th, June 2024 GMT
وقالت المجلة في تقريرها: إنّه على الرغم من أنّ الولايات المتحدة والمملكة المتحدة شنّا في الآونة الأخيرة في السابع من يونيو الجاري، ست غارات جوية، استهدفت أربع منها مطار الحديدة اليمني وميناء الصليف البحري، في حين استهدفت اثنتان منطقة الثورة، إلا أنّ هذه الغارات لم تنجح في ردع القوات المسلحة اليمنية، التي لا تزال تواصل إطلاق الصواريخ والمسيّرات على السفن التابعة لـ"إسرائيل".
وأضاف: إنّه من "الصعب تحديد مدى الضرر الذي ألحقته الضربات بالآلة العسكرية اليمنية وقدرتها على مواصلة مهاجمة الأهداف البحرية".
وقال توماس جونو، الأستاذ في جامعة أوتاوا الكندية: "لقد تكبد اليمنيون بعض الخسائر، لكنهم يحتفظون بالقدرة على عرقلة الشحن البحري في البحر الأحمر".
وأضاف: "وربما الأهم من ذلك أن نيتهم مواصلة عرقلة الشحن في البحر الأحمر لم تتزعزع".
ويرى نيل كويليام، وهو زميل مشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز الأبحاث تشاتام هاوس البريطاني، أنه "من غير المرجح أن يؤدي استمرار الحملة العسكرية إلى ردع القوات المسلحة اليمنية".
وتحولت الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد اليمن إلى المعركة البحرية الأكثر كثافة التي واجهتها البحرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، بحسب ما قاله قادة وخبراء أمريكيون لوكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، التي زار صحفيوها السفن الأمريكية المتموضعة قبالة اليمن في الأيام الأخيرة.
وفي حديثه من على متن السفينة "يو إس إس لابون"، إحدى مدمرات الصواريخ الموجهة التي تشارك الآن في الحملة، أكد مدير الأخبار في منطقة الخليج وإيران في وكالة "أسوشييتد برس"، جون غامبريل، أنّ اليمنيين يشنّون هجمات شبه يومية.. مشيرا إلى أنّ المدمرة الأمريكية موجودة هنا منذ شهر، وقد رافقت السفن الأمريكية وسفناً أخرى عبر البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.
ولفت غامبريل إلى أنّ الأمريكيين "رأوا اليمنيين يطلقون الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز وطائرات بدون طيار".. موضحاً أنّ "ممر البحر الأحمر المزدحم هذا يخلو من السفن التجارية، وقد انخفضت حركة المرور بشكلٍ كبير عبر قناة السويس".
وكشف تقرير لموقع "أكسيوس" الأمريكي، حجم تأثير الهجمات اليمنية على السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن.
وذكر التقرير أنّ مصالح أكثر من 65 دولة تضررت، بينما غيّرت 29 شركة كبرى للشحن والطاقة مسار سفنها. وانخفض معدل شحن الحاويات عبر البحر الأحمر بنسبة 90 في المائة منذ منتصف شهر فبراير.
كما بيّن التقرير أنّ أقساط التأمين على العبور ارتفعت إلى واحد في المائة من القيمة الإجمالية للسفينة في نفس الإطار الزمني، وأنّ الطرق البديلة حول أفريقيا تقطع 11 ألف ميل بحري، وتستغرق ما يصل إلى أسبوعين من السفر ومليون دولار من الوقود.
وأشار التقرير إلى أنّ البحرية الأمريكية، أنفقت حتى الآن مليار دولار على الذخائر في مواجهة الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز المضادة للسفن والطائرات بدون طيار المتفجرة في المنطقة.
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: البحر الأحمر
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: آن للسودان أن يرقص على رؤوس الأفاعي
الرقص على رؤوس الأفاعي مقولة شهيرة ارتبطت بالرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، في توصيفه لواقع سياسي معقد تطلّب إدارة توازنات دقيقة داخليًا وخارجيًا. واليوم، تكاد العبارة تنطبق على المشهد السوداني، وسط تحولات إقليمية كبرى تعيد تشكيل موازين القوى في الشرق الأوسط. فالحرب بين إيران وإسرائيل بصرف النظر عن مالاتها تعبّر عن مرحلة جديدة تتشابك فيها المصالح، وتتنوع أدوات النفوذ، حيث أضحت المواجهة العسكرية جزءًا من مشروع استراتيجي أوسع يعيد رسم خرائط الهيمنة الإقليمية في المنطقة.
في هذا السياق، يجد السودان نفسه في موقع بالغ الحساسية، تتقاطع فيه التحديات الداخلية مع صراعات إقليمية متسارعة، تجعله جزءًا من معادلات تتجاوز حدوده.
ويأتي الحراك الأميركي في المنطقة، مدعومًا بتأييد غير مشروط لإسرائيل، وتمويل الحرب عبر قوى خليجية – بحسب مراقبين – ضمن مشروع لإعادة هندسة النظام الإقليمي، وإنتاج أنظمة سياسية عربية جديدة، لا تكتفي بالولاء، بل تندمج بالكامل في مشروع التطبيع وفق المشروع الإبراهيمي . إذ لم يعد المطلوب أنظمة موالية فحسب، بل بنى سياسية وثقافية تتماهى مع تصوّر إسرائيلي-أميركي للمنطقة، يُعيد ضبط الإقليم وفق معايير الهيمنة الناعمة والتحكم المستدام.
وسط هذه المتغيرات، يبرز السودان كحالة استثنائية تحمل إمكانات استراتيجية واعدة، إذا أُحسن توظيف التوازنات الإقليمية، واللعب على خطوط التماس بحذر وذكاء. ورغم الجراح الداخلية المفتوحة، وتعقيد الأزمات السياسية والاجتماعية، فإن السودان يمتلك موقعًا جيوسياسيًا بالغ الأهمية، وموارد طبيعية وبشرية ضخمة، وموقعًا إقليميًا يربطه بالقرن الأفريقي ومحيط البحر الأحمر والخليج العربي في آنٍ واحد. وإذا كان بعض الفاعلين الإقليميين مهددين بالذوبان أو السقوط في فوضى ممنهجة، فإن السودان، إن أحسن ترتيب بيته الداخلي، قادر على التحوّل من دولة كانت على هامش الصراع إلى دولة مركزية مؤثرة في معادلات ما بعد الصراع.
ومع اتساع رقعة الحرب في الخليج، وارتفاع كلفتها، وتزايد احتمالات الانهيار في بعض دوله، قد يصبح السودان الوجهة الأقرب والأكثر قابلية لاستقبال تدفقات بشرية واقتصادية هائلة، سواء من مواطنيه العائدين من هناك، أو من عربٍ قد تدفعهم الأوضاع إلى الهجرة بحثًا عن أمن مفقود. هذه الموجات المتوقعة من النزوح العربي والخليجي نحو السودان قد تُشكل، إذا أُديرت بوعي، رافعة اقتصادية ضخمة تسهم في تحريك عجلة الإنتاج، وتوسيع السوق المحلي، وزيادة الطلب على الخدمات والسلع والمساكن، فضلًا عن إمكانية استثمار رؤوس الأموال الهاربة في قطاعات واعدة كالتعدين، الزراعة، والطاقة والثروة الحيوانية .
إن التحول الإقليمي المقبل لا يقتصر على الاقتصاد، بل يمتد إلى بنية الأمن في البحر الأحمر والقرن الأفريقي. وإذا نجح السودان في استعادة الاستقرار، فقد يتحول جيشه – بما أثبته من كفاءة قتالية – إلى ركيزة إقليمية لحفظ التوازن. ومع تراجع الأدوار الخليجية، تتعاظم قيمة السودان كفاعل استراتيجي، ويغدو جيشه طرفًا مطلوبًا في معادلات الأمن الإقليمي، بما يعزز نفوذه السياسي والتفاوضي في لحظة تعاد فيها هندسة المنطقة.
لكن جميع السيناريوهات تظل مرهونة بقدرة السودان على التقاط لحظته التاريخية، باعتبارها فرصة لتأسيس مسار استراتيجي جديد. فالنجاح مرهون بالتحرك المدروس، وتجنّب استنساخ تجارب الماضي، وامتلاك رؤية وطنية عقلانية تتجاوز الانقسامات، وتؤسس لدولة فاعلة لا منفعلة. ويتطلب ذلك قيادة تدرك حساسية التوقيت، وتبني سياساتها الخارجية على براغماتية هادئة توازن بين المصالح الوطنية والنفوذ الإقليمي ، بعيدًا عن الشعارات والاستقطاب الأيديولوجي.
السودان لم يعد فاعلًا هامشيًا في الإقليم، بل أضحى مركزًا استراتيجيًا في قلب التحولات الجيوسياسية الجارية. فالخرائط الجديدة تُرسم خلف الكواليس، والفراغ الذي خلّفه تراجع النفوذ الخليجي في البحر الأحمر لا بد أن يُملأ. وإن لم يبادر السودان إلى ملئه، فسيفعل ذلك فاعلون آخرون.
لذا، فإن اللحظة تقتضي وعيًا استراتيجيًا عقلانيًا، يتجاوز الحسابات العاطفية والماضي المثقل بالجراح، ويدرك أن التحولات الكبرى – مهما بدت مدمّرة – تحمل في طياتها فرصًا لمن يُحسن قراءتها بذكاء وواقعية.
وبحسب ما نراه من وجه الحقيقة لقد آن للسودان أن يرقص على رؤوس الأفاعي. وليس في ذلك مجازفة متهورة، بل استجابة لطبيعة اللحظة التاريخية التي لا تسمح بالتقوقع أو الانتظار. فالأفاعي تتحرك، والخرائط يُعاد رسمها، والمصالح تتبدل. ومن يمتلك القدرة على السير فوق الحبال المشدودة دون أن يسقط، هو من سيكون له نصيب في صناعة التاريخ وكتابته. وربما يكون السودان، بثقله الجيواستراتيجي، أمام بوابة مختلفة، لا تفتحها القوة وحدها، بل يُفتح قفلها بالعقل، والرؤية، والبصيرة.
إبراهيم شقلاوي
إنضم لقناة النيلين على واتساب