بعد قيس سعيد.. لماذا تراجعت الاستثمارات والمساعدات الخليجية في تونس؟
تاريخ النشر: 6th, August 2023 GMT
في أوقات تحول الأولويات الجيوسياسية والتنويع الاقتصادي المحلي المستمر، من المرجح أن تركز مشاركة دول الخليج مع تونس فقط على مجالات محددة للحفاظ على الاستقرار الاستبدادي في البلاد، في حين أن المساعدة المالية والاستثمار الاقتصادي ستظل محدودة ومرتبطة بشكل أساسي بالدوافع السياسية.
في ضوء هذا، يتوقع تحليل نشره "المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية" أن يستمر تراجع دول الخليج عن مزيد من الاستثمار الاقتصادي في تونس، حيث يرى أن دول الخليج تعتبر الآن تونس شريكا مفضلا في الاستقرار الإقليمي وليس شريكًا ضروريًا من حيث الاستثمار الاقتصادي أو التعاون الإنمائي.
ويقول التحليل، الذي ترجمه "الخليج الجديد"، إن دول الخليج لم تعد تسعى لتحقيق أهداف استراتيجية في تونس، بعد مجئ قيس سعيد، وتراجع الإسلاميين، حيث خففت السعودية والإمارات، اللتان كانتا تتحركان وفق أجندة تقوم في الأساس عل مناهضة الإسلاميين، وقطر، التي كانت تفعل العكس، من اهتمامهم بالساحة التونسية.
اقرأ أيضاً
تونس بلا خبز والأفران تغلق أبوابها ... ما الجديد؟
وبعد أن كانت تونس مسرحا لتنافس دول الخليج عقب ثورات الربيع العربي وسقوط زين العابدين بن علي، لا سيما بعد أن بدأت قطر في دعم حركة "النهضة"، نظرت القوى الإقليمية المعادية للثورة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى هذه السياسة المؤيدة للإسلاميين المتمثلة في إبراز القوة الإقليمية على أنها تهديد مباشر لنظام الحكم الاستبدادي الملكي.
وخلال عهد حركة "النهضة"، صعدت قطر لتصبح ثاني أهم مستثمر للحكومة الإسلامية في شكل دعم للميزانية والاستثمار في البنية التحتية التونسية ، مما وفر بعض الاستقرار السياسي، وفي الوقت نفسه خفضت السعودية والإمارات دعمهما السياسي إلى الحد الأدنى ، مما أثر أيضًا على أنشطتهما الاقتصادية والتنموية في تونس على المدى المتوسط.
الأزمة الخليجيةأما المرحلة الثانية للعلاقات بين الخليج وتونس، فكانت في خضم الأزمة الخليجية عام 2017، حيث تكثفت المنافسة الخليجية في تونس، بين قطر وخصومها في ذلك الوقت (السعودية والإمارات والبحرين)، وتسببت التوترات الإقليمية الخليجية في تونس في زيادة الاستقطاب في الخطاب العام ، حيث قامت بعض وسائل الإعلام بتشويه وشيطنة أطراف النزاع المعنية ، مما أدى إلى تكثيف الانقسام السياسي داخل النظام السياسي التونسي غير المتجانس.
أما الآن، وبعد شيوع مصالحة إقليمية واسعة في دول الخليج، مع رغبة تلك الدول في تعزيز استقرارها للتفرغ لتقدمها الاقتصادي، فقد تراجعت الرغبة الخليجية في تونس بشكل عام، وأصبحت مسارح الصراع في اليمن والعراق والقرن الأفريقي أكثر أهمية لدول الخليج في السنوات الأخيرة ، مما أدى إلى تعزيز المشاركة السياسية والاقتصادية للخليج في تلك الدول.
اقرأ أيضاً
في عام ثالث من "الانقلاب".. هل تعود تونس من مسار قيس سعيد؟
وفقًا لذلك، أصبحت تونس أقل أهمية خلال المرحلة الثالثة الحالية، لا سيما أن البلاد حققت التحول نحو الاستبداد، وهو ما كان موضع ترحيب من السعودية والإمارات.
على سبيل المثال، أيدت السعودية والإمارات حل البرلمان التونسي، بينما توقفت قطر إلى حد كبير عن دعمها للإسلاميين، حيث سافر سعيد إلى قطر في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 لمناقشة تكثيف التعاون الاقتصادي مع الأمير تميم بن حمد آل ثاني.
وخلال الاحتجاجات الداخلية التونسية المتزايدة، تحدث الزعيمان عبر الهاتف لاستكشاف إمكانيات الوساطة القطرية بين الأطراف المتصارعة، مما يدل مرة أخرى على الأسلوب البراجماتي الجديد لقطر في صراع السلطة التونسي.
بالإضافة إلى ذلك، لم تنتقد دول الخليج علانية اعتقال زعيم حركة "النهضة" راشد الغنوشي في أبريل/نيسان 2023.
عودة الاستبدادويخلص التحليل إلى أنه من وجهة نظر دول الخليج، انت عودة الاستبداد في عهد سعيد نجاحًا يجب الحفاظ عليه - ولكن ليس بأي ثمن، وبما أن الصراعات الإقليمية الأخرى تستحق المزيد من الاهتمام والجهد، فإن الاستثمارات الخليجية في تونس على الجبهات السياسية والمالية والاقتصادية محدودة.
اقرأ أيضاً
العلاقات القطرية التونسية تحفز المنافسة بين دول الخليج
وشكل عام، في حين كان "تسييس" المساعدات الخليجية أمرًا ضروريًا في فن الحكم الاقتصادي الخليجي في مواجهة تونس في أعقاب الانتفاضات العربية، كانت الأحجام منخفضة بشكل ملحوظ مقارنة بالمتلقين الرئيسيين الآخرين للمساعدات الإنسانية الخليجية مثل اليمن، على سبيل المثال.
ومن الناحية الاقتصادية، إذا تم وضع تونس في منظور إقليمي ، فإنها تلعب فقط دورًا ثانويًا في الاستثمارات الخليجية العربية، حيث يبلغ عدد سكانها حوالي اثني عشر مليون نسمة، ولا تزال سوقًا صغيرة تعتمد بشكل أساسي على الواردات من الدول الأوروبية.
المصدر | المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: استثمارات خليجية قيس سعيد السعودیة والإمارات دول الخلیج
إقرأ أيضاً:
كيف تحولت تونس إلى منطلق للهجرة؟
تعتبر مشكلة الهجرة المغادِرة والوافدة في تونس معضلة مركّبة تتجاوز البعد الأمني وآثاره، لتطال مجالات الاقتصاد والمجتمع والسياسة.
وفي حين تمثل هجرة التونسيين إلى الخارج نزيفا متواصلا للأجيال الشابة والمتعلمة يضر برأس المال البشري للدولة، فإن تدفقات الوافدين من أفريقيا جنوب الصحراء حوّلت البلاد إلى مكان للعبور والاستقرار يضغط على البنية الاقتصادية والاجتماعية بشكل لافت للانتباه.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2أردوغان في البيت الأبيض.. تساؤلات حول الأهداف الخفية لحفاوة الاستقبالlist 2 of 2أبرز ما نشرته مواقع الدراسات والأبحاث في أسبوعend of listوحول أنواع الهجرة في تونس، وأسبابها، ومخاطرها، نشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تحمل عنوان "مشكلة الهجرة في تونس: أنواعها وأسبابها وتداعياتها" أعدها أستاذ الفلسفة والباحث في الشؤون السياسية البشير لسيود.
أنواع الهجرة في تونس وأسبابهافي الأعوام الأخيرة، تحولت الهجرة في تونس إلى ظاهرة مركبة إذ يتم التعامل معها بوصفها نقطة عبور من دول الجنوب إلى دول الشمال، وتتعرض لموجات من الهجرة والمهاجرين رغم محدودية جغرافيتها بالمقارنة مع الدول المجاورة.
ورغم الإشكالات والإكراهات المرتبطة بالهجرة في تونس، فإنه يمكن تقسيمها إلى نوعين:
1ـ الهجرة المحليةتقود الهجرة المحلية رغبة بعض التونسيين في مغادرة البلاد والبحث عن حياة أفضل تكون الفرص فيها غير محدودة، والمهاجر حسب القانون التونسي هو كل شخص يحمل الجنسية التونسية ويبلغ من العمر 15 عاما فأكثر ويقيم في بلد آخر لمدة 3 أشهر على الأقل.
وتشمل الهجرة المحلية، هجرة الطلاب الذين يسافرون بقصد الدراسة والحصول على الشهادات العليا، والمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال، وكذا العاطلون عن العمل.
أما فيما يتعلق بأسباب الهجرة، فإن الإحصاءات الرسمية في تونس تشير إلى أن 28.5% من المهاجرين التونسيين يذهبون بقصد تحسين الدخل، و26.7% يذهبون بهدف تحسين الظروف المعيشية، و23.2% من أجل فرص العمل، فيما يشكل التعليم نسبة 14.1%، والرغبة في السفر 3.3%، وأسباب أخرى 2.5%.
2 ـ الهجرة العابرة للحدودويتعلق هذا النوع بالمهاجرين القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء، وهو ملف يعتبر حساسا لبلدان الضفة الأخرى من البحر المتوسط، وأسهمت التوترات الأمنية في بعض البلدان الأفريقية إلى تصاعد موجات الهجرة نحو أوروبا عن طريق تونس.
إعلانوقد دفعت الحرب الجارية في السودان الكثير من الشباب إلى الهجرة عن طريق تونس، ووفقا لإحصاء رسمي بتاريخ يناير/كانون الثاني 2024، بلغ عدد اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في تونس أكثر من 13 ألف شخص، يمثِّل السودانيون 40% منهم.
وفي سنة 2023، كانت المفوضية قد استقبلت 7831 طلب لجوء، بينها 4676 من السودان، بينما لم يكن عددهم سنة 2022 يتجاوز 868 شخصا، مما يعني أن الحرب الحالية في السودان هي السبب الرئيسي لدفع الآلاف من أبناء البلاد للهجرة، بحثا عن الأمن والاستقرار المؤقت استعدادا لعبور البحر إلى أوروبا.
ويلاحظ أن السودانيين خلال إقامتهم المؤقتة في تونس يعملون في بعض القطاعات الخاصة، كالفلاحة والحراسة والصناعة والبناء، وفي الوقت ذاته يسعون إلى ربط علاقات مع شبكات التهريب للتنسيق معها حين تتوافر فرصة عبور البحر على قوارب الموت.
أما دول الصحراء والساحل (غينيا، وتشاد، ومالي، وساحل العاج) التي تتميز بعدم الاستقرار وكثرة الانقلابات في أغلبها، فإن الهجرة منها نحو أوروبا هدف للمواطنين الباحثين عن مستقبل أفضل.
وقد سمحت عملية إلغاء التأشيرات المتبادلة بين تونس ودول الساحل والصحراء في سنة 2015 بدخول أعداد متزايدة من تلك الدول إلى البلاد خاصة بعد الاتفاقية بين إيطاليا وليبيا عام 2017 التي نتجت عنها عمليات احتجاز للمهاجرين.
وهكذا تحولت تونس إلى وجهة مفضلة للأفارقة القادمين من دول الصحراء والساحل بغرب أفريقيا، ويرغبون في العبور إلى أوروبا، لكنهم أثناء انتظار فرصة المغادرة ينخرطون في الأعمال اليدوية المتعددة، ليسهموا في تأسيس الاقتصاد الموازي للمهاجرين.
مزايا الهجرة ومخاطرها على تونسرغم أن الهجرة تحارَب بشكل واسع، سواء في بلدان المصدر أو العبور، فإنها تعود بمزايا ملموسة، مثل التحصيل العلمي الذي يحققه الطلاب التونسيون في مجالات علمية حديثة من داخل الجامعات الأوروبية.
كما أن العمال المهاجرين يوفرون العيش الكريم لعائلاتهم، ويسهمون في انتعاش السوق من خلال ضخ العملة الصعبة والتحويلات المالية.
وقد كشف محافظ البنك المركزي التونسي، أن المغتربين من دولته يسهمون بمتوسط تحويلات يناهز 120 دولارا شهريا للفرد الواحد، في حين يصل المستوى العالمي إلى 200 دولار، وهو ما يعد إنجازا مهمّا مقارنة بالمستوى العالمي للتحويلات.
أما المهاجرون من بلدان جنوب الصحراء في تونس فلهم فوائد متعددة، منها إدخال حركية على سوق الإيجارات في المدن التي يستقرون بها، ومنها تغطية العجز في مجال اليد العاملة؛ إذ هناك العديد من الأنشطة التي أصبح الشباب التونسي يعزف عن القيام بها، سواء في مجال الفلاحة أو العمل في البناء، أو غير ذلك من المهن الصغرى التي عجز أصحاب المؤسسات الخاصة عن توفير اليد العاملة التونسية لها.
ورغم هذه المزايا العديدة للهجرة والمهاجرين، فإن لها مخاطر على أكثر من صعيد، فهجرة العقول تمثل نزيفا مستمرا للطاقات البشرية وتنعكس على النهضة العلمية للبلاد، وباتت تحتاج إلى مقاربات شاملة لاسترجاعها، أو وقفها على الأقل.
وتمثل هجرة المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال، الذين فرّوا من جحيم الإضرابات العمالية، خسارة كبيرة للاقتصاد الوطني، وكان هذا الصنف من المهاجرين يوفر الآلاف من موارد الرزق للعمال والموظفين في الدولة.
إعلانأما الهجرة الوافدة على تونس، وخاصة في السنوات الأخيرة، فتحمل مخاطر متعددة ذات طبيعة أمنية واجتماعية واقتصادية، إذ ترافقت بعض موجات الهجرة غير النظامية مع انتشار الجريمة مثل السرقة، والاعتداء بالعنف على الأشخاص والعائلات، وإفساد بعض المزارع وغابات الزيتون بعد أن جرى تحويلها إلى أحياء سكنية.
لا شك أن مواجهة الهجرة تتطلب الكثير من الجهود المشتركة بين جميع الأطراف المعنية، نظرا لما تتسم به من مشكلات وتعقيدات.
وفي ذلك السياق، سارعت تونس إلى إبرام اتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي، وأخرى مع إيطاليا من أجل التصدي لموجات المهاجرين غير النظاميين.
و بمقتضى تلك الاتفاقيات، عززت السلطات التونسية من إجراءات مراقبة حركة الهجرة وحراسة الحدود البحرية للحدّ من تكاثر ما يسمى بقوارب الموت، ومقابل ذلك قدمت الدول الأوروبية مساعدات مالية وزوّدت المصالح الأمنية التونسية بمعدات بحرية تساعدها في تنفيذ مهامها.
وأمام مشكلات تزايد الهجرة، يبدو أن الخيارات أمام تونس لمواجهة هذه التحديات محدودة جدا، وأن الجهود المبذولة رغم تنوعها، لا تزال قاصرة، خاصة أن المهاجرين الوافدين من أفريقيا أصبحوا يشكلون كتلة ديمغرافية كبيرة، وترحيلهم يحتاج إلى إمكانات مادية وأمنية ضخمة.
أما مشكلة الهجرة المغادِرة التي تتعلق بالتونسيين، فهي تحتاج إلى مقاربة متعددة الزوايا، تشمل الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والتربوية، وأول خطواتها تكمن في احتواء الشباب والاستثمار فيه وتشجيعه على الإنتاج من خلال توفير الفرص أمامه.
ورغم أن الهجرة تُعد أمرا معقدا، فإن التصدي لها يحتاج إلى تجاوز الاتفاقيات الثنائية، وعلى الدول المغاربية أن تقدم مقاربة جماعية وتوحّد جهودها لأنها تشترك في المأزق، وتنطلق من مبدأ أنه ليس من وظيفتها حراسة حدود الدول الأوروبية مقابل صفقات ثنائية ومساعدات مالية.