في ظل موجات الجفاف والتصحر.. هل تنقذ “الزراعة المائية” المحاصيل الزراعية في الجنوب؟
تاريخ النشر: 19th, June 2024 GMT
مع ارتفاع درجات الحرارة في ليبيا، يرى المزارعون الأمل في الزراعة المائية
في سبها، عاصمة الجنوب الليبي، يفتخر عمر سالم، البالغ من العمر 43 عامًا، وهو أب لطفلين، بالخيار والخس الذي زرعه في خيمته البلاستيكية: “المحاصيل التي أزرعها في خيمتي المائية تساعدني على تغطية نفقات تعليم أطفالي”. ويكسب عمر حوالي 500 دينار (70 دولار) كل شهر من نباتاته.
“منذ اعتمادي على تقنية الزراعة المائية، تغيرت الأمور للأفضل بشكل ملحوظ،” يقول عمر، “هذه التقنية ساعدتني على التغلب على تحديات الحرارة ونقص المياه، مما أتاح لي زراعة محاصيل متنوعة طوال العام، وقد تحسن دخلي بشكل كبير بفضل الإنتاج المستمر وعدم التأثر بالعوامل الجوية المتقلبة”.
وتتمثل الزراعة المائية في تقنية زراعة النباتات دون تربة، باستخدام محلول مائي غني بالمغذيات، مما يمكنها من النمو بشكل أسرع وأكثر صحة مع استهلاك أقل للمياه، مقارنةً بالزراعة التقليدية.
من جهته، يقول عبد السلام محمد، مزارع آخر في مدينة أوباري، أنه فقد إلى جانب عدد آخر من المزارعين في المنطقة حوالي نصف محاصيلهم في الفترة ما بين 2020-2021 بسبب الجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة. ولكن “بفضل هذه التقنية الزراعية، تمكنت من التغلب على مشاكل الحرارة ونقص المياه، حيث استطعت زراعة أنواع مختلفة من المحاصيل التي لم أتمكن من زراعتها قبل عامين بسبب موجات الحرارة المرتفعة التي قتلت كل المحاصيل، ولقد ساعدتني في إنتاج خضروات صحية وهي تنمو بشكل أسرع، وطعمها أفضل من تلك التي تزرع بالطرق التقليدية”.
وكانت السنوات القليلة الماضية قد شهدت موجات حرارة طويلة بشكل غير عادي في الجنوب الليبي حيث فقد المزارعون نصف إنتاجهم في عام 2021، وهو عام جاف بشكل خاص شهد جفاف السدود في جميع أنحاء البلاد، إذ تُقدر السعة الإجمالية لسدود ليبيا لتجميع وتخزين المياه بحوالي 389.89 مليون متر مكعب ويتوزع هذا الإجمالي على عدة سدود تُستخدم لجمع مياه الأمطار لأغراض متعددة بما في ذلك الري.
“الزراعة المائية” كحل لمواجهة الجفاففي العام 2020، أسّس المهندس الزراعي سراج بشية منظمة غير حكومية تُعرف بـ “الجنة الخضراء”. هذه المنظمة تُعنى بتدريب المزارعين على استخدام تقنيات الزراعة المائية وتوفير أنظمة متقدمة للري لتسهيل عملهم وذلك بعد الصعوبات الشديدة التي واجهوها في زراعة محاصيلهم نتيجة الظروف البيئية الصعبة.
قامت المنظمة بتدريب أكثر من 120 مزارعاً مثل عمر وعبد السلام، في البعض من أكثر المدن حرارة في ليبيا بما في ذلك سبها، غات، العوينات، وأوباري، وقد ساهمت هذه التدريبات في مساعدتهم على إنشاء مزارع مجهزة لمقاومة التغيرات المناخية من خلال دعم مادي من قبل الاتحاد الأوروبي.
ويوضح المهندس الزراعي العشريني سراج بشيه: “تلقينا تدريباً على الزراعة المائية في تونس” قبل عامين، من قبل الاتحاد الأوروبي“ وبعد عودتنا فكرنا بأهمية تحويله لواقع، وباشرنا فورا في التخطيط لمشروع الجنة الخضراء لزراعة الخضروات من دون الحاجة إلى التربة”.
وبسبب التكلفة العالية النسبية للمشروع المجهز التي تتجاوز مائة الف دينار ليبي، فإن هذه الأنظمة تعتمد بشكل كبير على المنح من المنظمات الدولية مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، برنامج الأغذية العالمي، والاتحاد الأوروبي لتمويلها.
وعلى الرغم من امتنان المزارعين لخيم الزراعة المائية، فقد أشاروا إلى أن التكاليف الأولية المرتفعة تعد التحدي الرئيسي للدخول في هذا النوع من الزراعة، فبناء خيمة بلاستيكية واحدة مثل تلك التي يملكها عمر، يمكن أن يُكلّف حوالي 7000 دينار ليبي (1000 دولار). وذلك لأن العديد من المكونات يتم استيرادها، وتتطلب الخيم مواد تبريد للحفاظ على برودة النباتات والماء بما يكفي لنموها.
يشير بشيه إلى أن التكاليف الأولية المرتفعة ونقص الوعي بين المزارعين هي من بين العوامل التي تعيق انتشار الزراعة المائية كتقنية “جديدة نسبيًا في منطقة شمال إفريقيا”. ويضيف أن نقص التشريعات التي تنظم هذه الممارسة يؤدي إلى استغلال محلات البيع بالتجزئة الزراعية التي تتحكم في الأسعار وتحتكر السوق. وعلى الرغم من هذه التحديات، تواصل الزراعة المائية كسب شعبية في المنطقة بفضل فعاليتها وقدرتها على تحمل ظروف الجفاف.
وخلال السنوات الأخيرة، شهدت تقنية الزراعة المائية، التي تعتمد على مزج المياه بمجموعة من الأملاح المعدنية والمغذيات الضرورية ثورة كبيرة في عالم الزراعة. كما أن تقنية الزراعة المائية تتميز بإنتاج محاصيل خالية من المبيدات الحشرية وتستهلك كميات أقل من المياه، مما يجعلها خيارًا مثاليًا ومستدامًا بنسبة لعدد من المزارعين. وهذا يفسر كيف أصبحت هذه التقنية الرائدة تجذب اهتمامًا متزايدًا من دول العالم المختلفة من بينها مصر والأردن والإمارات والسعودية.
وفقاً لما ذكره بشيه، يمكن للزراعة المائية أن تمثل خياراً استراتيجياً لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل في ليبيا، اذ تتميز هذه الطريقة بقدرتها على توفير إنتاج مستدام على مدار السنة، ما يؤدي إلى تحقيق أرباح أكبر، في حين تقتصر الزراعة التقليدية على إنتاج موسمي فقط.
ويسعى القائمون على المشروع إلى توسيع نطاق عملهم لتحقيق أرباح اضافية من خلال توعية المواطنين باستغلال المساحات الزراعية الصغيرة في بيوتهم.
استهلاك أقل للمياهيرى الخبير الزراعي، صالح شاقان أن مشروع الزراعة المائية يُمهد الطريق لتبني تقنية زراعية ضرورية في ليبيا، خاصة بالنظر إلى الظروف المناخية الصحراوية والنقص المتزايد للموارد المائية، حيث تتميز ليبيا بمناخ شبه صحراوي بحيث لا تزيد الأراضي القابلة للزراعة عن 3% من إجمالي مساحة البلاد. بالإضافة إلى ذلك، تواجه هذه النسبة المحدودة من الأراضي الزراعية الخصبة، والتي تقع في الشمال على سواحل البحر المتوسط، خطر التناقص المستمر بسبب التوسع العمراني المتزايد.
ولا تزال الزراعة قطاعاً هامشيا في ليبيا. وبحسب إحصاءات 2017، فإن نسبة مساهمة الزراعة في اقتصاد البلاد لا تتجاوز 1.3% فقط من الناتج المحلي الإجمالي.
وتوفر منظومة النهر الصناعي العظيم نسبة 83% من إمدادات المياه للأغراض الزراعية، إلا أن هذه الإمدادات مهددة بخطر الجفاف بسبب الاستنزاف الحاد في استخدام الماء بشكل غير مقنن. وذلك بسبب عدم وجود أنظمة فعالة للرقابة والتحكم في استعمالها، خصوصاً في الأغراض الزراعية. هذا الاستنزاف الحاد يأتي نتيجة لعدم تطبيق القوانين والتدابير اللازمة للحد من الإفراط في استخدام الموارد المائية، مما قد ينجر عنه تفاقم الجفاف ونضوب المصادر المائية الحيوية.
وتعتبر ليبيا، من بين أكثر 25 دولة في العالم تعاني من ضغوط المياه، بالتالي، ستكون طريقة الزراعة المائية مثالية للبلاد، حيث أن حوالي 95 في المائة من البلاد صحراء ومع عدم وجود أنهار طبيعية.
وشهد البلد في عامي 2020 و2021، موجات حر أطول من المعتاد تجاوزت 47 درجة مئوية وأمطار أقل من المعدل الطبيعي، مما أدى إلى جفاف سد وادي كعام الذي يبعد 140 كلم عن العاصمة طرابلس، أحد أكبر السدود في ليبيا بسعة 30 مليون متر مكعب، بالإضافة إلى عدة سدود أخرى في جنوب وغرب ليبيا.
و حذرت اليونيسيف في عام 2021 من أن أكثر من 4 ملايين ليبي يواجهون نقصاً وشيكاً في المياه، أي أكثر من نصف تعداد السكان الليبيين الذي يبلغ حوالي 7 ملايين نسمة.
Total 0 مشاركة Share 0 Tweet 0 Pin it 0المصدر: ليبيا الأحرار
كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبي يوهان يونيسيف يونيسف يونغ بويز يونسيف
إقرأ أيضاً:
ماذا وراء خطة نتنياهو بشأن غزة التي “لا ترضي أحدا”؟
#سواليف
نشرت شبكة “CNN”، مساء السبت، تحليلا سلط الضوء على #خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين #نتنياهو بشأن قطاع #غزة والتي “لا ترضي أحدا”.
وذكرت القناة أنه وبعد مرور ما يقرب من عامين على حرب غزة، صوّت مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي على توسع عسكري جديد للسيطرة على مدينة غزة.
وهذه الخطة التي بادر بها ودفع بها نتنياهو نفسه، تكشف بلا شك عن مناوراته السياسية الداخلية أكثر مما تكشف عن أي استراتيجية عسكرية مدروسة جيدا.
مقالات ذات صلةوأفادت الشبكة بأنه تم اعتماد الخطة رغم الاعتراض الشديد من القيادة العسكرية الإسرائيلية والتحذيرات الخطيرة من أنها قد تفاقم #الأزمة_الإنسانية وتعرض الخمسين رهينة المتبقين في غزة للخطر.
ويأتي هذا التوسع الكبير في الحرب أيضا على خلفية تراجع كبير في الدعم العالمي لإسرائيل، وتراجع في التأييد الشعبي الداخلي لاستمرار الحرب.
ومع ذلك، دفع نتنياهو بخطته قدما لما لها من فائدة واحدة على الأقل غير معلنة: إنها تمنحه وقتا للكفاح من أجل بقائه السياسي.
ومع شركائه الحاليين في الائتلاف اليميني المتطرف، فإن هذا يعني إطالة أمد الحرب، علما أن حلفاء نتنياهو إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش أحبطا مرارا وتكرارا التقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار وأجهضوه مهددين بانهيار حكومته إذا انتهت الحرب.
وفي الواقع، لا ترقى خطة نتنياهو لمحاصرة مدينة غزة إلى مستوى مطالب شركائه في الائتلاف، إذ يدفع بن غفير وسموتريتش باتجاه احتلال كامل للقطاع المحاصر كخطوة أولى لإعادة بناء المستوطنات اليهودية في غزة، وفي نهاية المطاف ضمها، كما أنها أقل مما روج له نتنياهو نفسه قبل الاجتماع.
وفي مقابلة الخميس، صرح نتنياهو لقناة “فوكس نيوز” بأن إسرائيل تنوي السيطرة على غزة بأكملها، كما لو أنه حسم أمره باحتلالها بالكامل.
وبدلا من ذلك، اختار نتنياهو الترويج لخطة تدريجية تركز فقط على مدينة غزة في الوقت الحالي دون السيطرة على مخيمات أخرى قريبة، حيث يعتقد أن العديد من الرهائن الإسرائيليين العشرين المتبقين محتجزون.
كما تعمد نتنياهو تحديد موعد نهائي فضفاض نسبيا لبدء العملية (بعد شهرين) تاركا الباب مواربا أمام دفعة دبلوماسية أخرى لإعادة إطلاق صفقة تبادل الرهائن لوقف إطلاق النار وإلغاء العملية برمتها.
والآن، يبدي شركاؤه اليمينيون غضبهم من القرار، مدعين أن الخطة غير كافية وأن تصعيد الحرب وحده يكفي.
وقال مصدر مقرب من سموتريتش: “قد يبدو الاقتراح الذي قاده نتنياهو ووافق عليه مجلس الوزراء جيدا، لكنه في الواقع مجرد تكرار لما حدث.. هذا القرار دون معنى وليس أخلاقيا ولا صهيونيا”.
ولفتت الشبكة الأمريكية إلى أن خطة نتنياهو الأخيرة لم ترض شركاءه في الائتلاف ولا القيادة العسكرية الإسرائيلية.
وخلال اجتماع مجلس الوزراء الماراثوني الذي استمر 10 ساعات، قدم رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير، معارضة الجيش القاطعة لخطط الحكومة لإعادة احتلال القطاع.
وحذر كبير جنرالات الجيش الإسرائيلي من أن أي عملية عسكرية جديدة ستعرض كلا من الرهائن المتبقين والجنود الإسرائيليين للخطر، محذرا من أن غزة ستصبح فخا من شأنه أن يفاقم استنزاف قوات الجيش الإسرائيلي المنهكة أصلا جراء ما يقرب من عامين من القتال المتواصل، وأنه يعمق الأزمة الإنسانية الفلسطينية.
وتعكس المخاوف العسكرية مشاعر الرأي العام الإسرائيلي على نطاق واسع: فوفقا لاستطلاعات رأي متكررة، يؤيد غالبية الإسرائيليين اتفاق وقف إطلاق نار من شأنه إعادة الرهائن وإنهاء الحرب، لكن عملية صنع القرار الحالية لنتنياهو منفصلة عن كل من المشورة العسكرية والإرادة الشعبية، بل مدفوعة كما يقول المحللون والمعارضون السياسيون، بضرورة البقاء السياسي الضيقة.
كما تضع خطة الاستيلاء على غزة نتنياهو وإسرائيل في عزلة دولية غير مسبوقة، فعلى الرغم من الحرية المطلقة التي منحها له البيت الأبيض بقيادة الرئيس ترامب في حرب غزة، إلا أن المجاعة وأزمة الجوع المتزايدة قد قللت بالفعل من الشرعية العالمية لحرب إسرائيل، وكانت التداعيات الإضافية لقرار الحكومة الأخير سريعة وواضحة حيث أعلنت ألمانيا ثاني أهم حليف استراتيجي لإسرائيل بعد الولايات المتحدة، أنها ستعلق بعض صادراتها العسكرية إلى إسرائيل مما مهد الطريق أمام دول الاتحاد الأوروبي الأخرى لمزيد من تخفيض مستوى العلاقات.
ووفق “CNN” يمضي نتنياهو قدما بـ”خطة لا ترضي أحدا” فحلفاء إسرائيل في الخارج، وقيادتها العسكرية، وجمهور يريد إنهاء الحرب من جهة، ومن جهة أخرى شركاؤه المتشددون المستاؤون الذين يرون أنها لا تكفي.
والجمهور الذي تخدمه هذه الخطة هو نتنياهو نفسه بالأساس فهي تمنحه مزيدا من الوقت لتجنب الخيار الحتمي بين وقف إطلاق نار حقيقي قد ينقذ الرهائن أو تصعيد عسكري شامل يرضي ائتلافه، إنها أكثر من مجرد خطوة استراتيجية بل مناورة كلاسيكية أخرى من نتنياهو لإطالة أمد الحرب مع إدامة الأذى والمعاناة لسكان غزة والرهائن الإسرائيليين على حد سواء وكل ذلك من أجل بقائه السياسي.