مع ارتفاع درجات الحرارة في ليبيا، يرى المزارعون الأمل في الزراعة المائية

في سبها، عاصمة الجنوب الليبي، يفتخر عمر سالم، البالغ من العمر 43 عامًا، وهو أب لطفلين، بالخيار والخس الذي زرعه في خيمته البلاستيكية: “المحاصيل التي أزرعها في خيمتي المائية تساعدني على تغطية نفقات تعليم أطفالي”. ويكسب عمر حوالي 500 دينار (70 دولار) كل شهر من نباتاته.

“منذ اعتمادي على تقنية الزراعة المائية، تغيرت الأمور للأفضل بشكل ملحوظ،” يقول عمر، “هذه التقنية ساعدتني على التغلب على تحديات الحرارة ونقص المياه، مما أتاح لي زراعة محاصيل متنوعة طوال العام، وقد تحسن دخلي بشكل كبير بفضل الإنتاج المستمر وعدم التأثر بالعوامل الجوية المتقلبة”.

وتتمثل الزراعة المائية في تقنية زراعة النباتات دون تربة، باستخدام محلول مائي غني بالمغذيات، مما يمكنها من النمو بشكل أسرع وأكثر صحة مع استهلاك أقل للمياه، مقارنةً بالزراعة التقليدية.

من جهته، يقول عبد  السلام محمد، مزارع آخر في مدينة أوباري، أنه فقد إلى جانب عدد آخر من المزارعين في المنطقة حوالي نصف محاصيلهم في الفترة ما بين 2020-2021 بسبب الجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة. ولكن “بفضل هذه التقنية الزراعية، تمكنت من التغلب على مشاكل الحرارة ونقص المياه، حيث استطعت زراعة أنواع مختلفة من المحاصيل التي لم أتمكن من زراعتها قبل عامين بسبب موجات الحرارة المرتفعة التي قتلت كل المحاصيل، ولقد ساعدتني في إنتاج خضروات صحية وهي تنمو بشكل أسرع، وطعمها أفضل من تلك التي تزرع بالطرق التقليدية”.

وكانت السنوات القليلة الماضية قد شهدت  موجات حرارة طويلة بشكل غير عادي في الجنوب الليبي حيث فقد المزارعون نصف إنتاجهم في عام 2021، وهو عام جاف بشكل خاص شهد جفاف السدود في جميع أنحاء البلاد، إذ تُقدر السعة الإجمالية لسدود ليبيا لتجميع وتخزين المياه بحوالي 389.89 مليون متر مكعب ويتوزع هذا الإجمالي على عدة سدود تُستخدم لجمع مياه الأمطار لأغراض متعددة بما في ذلك الري.

“الزراعة المائية” كحل لمواجهة الجفاف

في العام 2020، أسّس المهندس الزراعي سراج بشية منظمة غير حكومية تُعرف بـ “الجنة الخضراء”. هذه المنظمة تُعنى بتدريب المزارعين على استخدام تقنيات الزراعة المائية وتوفير أنظمة متقدمة للري لتسهيل عملهم وذلك بعد الصعوبات الشديدة التي واجهوها في زراعة محاصيلهم نتيجة الظروف البيئية الصعبة.

قامت المنظمة بتدريب أكثر من 120 مزارعاً مثل عمر وعبد السلام، في البعض من أكثر المدن حرارة في ليبيا بما في ذلك سبها، غات، العوينات، وأوباري، وقد ساهمت هذه التدريبات في مساعدتهم على إنشاء مزارع مجهزة لمقاومة التغيرات المناخية من خلال دعم مادي من قبل الاتحاد الأوروبي.

ويوضح المهندس الزراعي العشريني سراج بشيه: “تلقينا تدريباً على الزراعة المائية في تونس” قبل عامين، من قبل الاتحاد الأوروبي“ وبعد عودتنا فكرنا بأهمية تحويله لواقع، وباشرنا فورا في التخطيط لمشروع الجنة الخضراء لزراعة الخضروات من دون الحاجة إلى التربة”.

وبسبب التكلفة العالية النسبية للمشروع المجهز التي تتجاوز مائة الف دينار ليبي، فإن هذه الأنظمة تعتمد بشكل كبير على المنح من المنظمات الدولية مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، برنامج الأغذية العالمي، والاتحاد الأوروبي لتمويلها.

وعلى الرغم من امتنان المزارعين لخيم الزراعة المائية، فقد أشاروا إلى أن التكاليف الأولية المرتفعة تعد التحدي الرئيسي للدخول في هذا النوع من الزراعة، فبناء خيمة بلاستيكية واحدة مثل تلك التي يملكها عمر، يمكن أن يُكلّف حوالي 7000 دينار ليبي (1000 دولار). وذلك لأن العديد من المكونات يتم استيرادها، وتتطلب الخيم مواد تبريد للحفاظ على برودة النباتات والماء بما يكفي لنموها.

يشير بشيه إلى أن التكاليف الأولية المرتفعة ونقص الوعي بين المزارعين هي من بين العوامل التي تعيق انتشار الزراعة المائية كتقنية “جديدة نسبيًا في منطقة شمال إفريقيا”. ويضيف أن نقص التشريعات التي تنظم هذه الممارسة يؤدي إلى استغلال محلات البيع بالتجزئة الزراعية التي تتحكم في الأسعار وتحتكر السوق. وعلى الرغم من هذه التحديات، تواصل الزراعة المائية كسب شعبية في المنطقة بفضل فعاليتها وقدرتها على تحمل ظروف الجفاف.

وخلال السنوات الأخيرة، شهدت تقنية الزراعة المائية، التي تعتمد على مزج المياه بمجموعة من الأملاح المعدنية والمغذيات الضرورية ثورة كبيرة في عالم الزراعة.  كما أن تقنية الزراعة المائية تتميز بإنتاج محاصيل خالية من المبيدات الحشرية وتستهلك كميات أقل من المياه، مما يجعلها خيارًا مثاليًا ومستدامًا بنسبة لعدد من المزارعين. وهذا يفسر كيف أصبحت هذه التقنية الرائدة تجذب اهتمامًا متزايدًا من دول العالم المختلفة من بينها مصر والأردن والإمارات والسعودية.

وفقاً لما ذكره بشيه، يمكن للزراعة المائية أن تمثل خياراً استراتيجياً لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل في ليبيا، اذ تتميز هذه الطريقة بقدرتها على توفير إنتاج مستدام على مدار السنة، ما يؤدي إلى تحقيق أرباح أكبر، في حين تقتصر الزراعة التقليدية على إنتاج موسمي فقط.

ويسعى القائمون على المشروع إلى توسيع نطاق عملهم لتحقيق أرباح اضافية من خلال توعية المواطنين باستغلال المساحات الزراعية الصغيرة في بيوتهم.

استهلاك أقل للمياه

يرى الخبير الزراعي، صالح شاقان أن مشروع الزراعة المائية يُمهد الطريق لتبني تقنية زراعية ضرورية في ليبيا، خاصة بالنظر إلى الظروف المناخية الصحراوية والنقص المتزايد للموارد المائية، حيث تتميز ليبيا بمناخ شبه صحراوي بحيث لا تزيد الأراضي القابلة للزراعة عن 3% من إجمالي مساحة البلاد. بالإضافة إلى ذلك، تواجه هذه النسبة المحدودة من الأراضي الزراعية الخصبة، والتي تقع في الشمال على سواحل البحر المتوسط، خطر التناقص المستمر بسبب التوسع العمراني المتزايد.

ولا تزال الزراعة قطاعاً هامشيا في ليبيا. وبحسب إحصاءات 2017، فإن نسبة مساهمة الزراعة في اقتصاد البلاد لا تتجاوز 1.3% فقط من الناتج المحلي الإجمالي.

وتوفر منظومة النهر الصناعي العظيم  نسبة 83% من إمدادات المياه للأغراض الزراعية، إلا أن هذه الإمدادات مهددة بخطر الجفاف بسبب الاستنزاف الحاد في استخدام الماء بشكل غير مقنن. وذلك بسبب عدم وجود أنظمة فعالة للرقابة والتحكم في استعمالها، خصوصاً في الأغراض الزراعية. هذا الاستنزاف الحاد يأتي نتيجة لعدم تطبيق القوانين والتدابير اللازمة للحد من الإفراط في استخدام الموارد المائية، مما قد ينجر عنه تفاقم الجفاف ونضوب المصادر المائية الحيوية.

وتعتبر ليبيا، من بين أكثر 25 دولة في العالم تعاني من ضغوط المياه، بالتالي، ستكون طريقة الزراعة المائية مثالية للبلاد، حيث أن حوالي 95 في المائة من البلاد صحراء ومع عدم وجود أنهار طبيعية.

وشهد البلد في عامي 2020 و2021، موجات حر أطول من المعتاد تجاوزت 47 درجة مئوية وأمطار أقل من المعدل الطبيعي، مما أدى إلى جفاف سد وادي كعام الذي يبعد 140 كلم عن العاصمة طرابلس، أحد أكبر السدود في ليبيا بسعة 30 مليون متر مكعب، بالإضافة إلى عدة سدود أخرى في جنوب وغرب ليبيا.

و حذرت اليونيسيف في عام 2021 من أن أكثر من 4 ملايين ليبي يواجهون نقصاً وشيكاً في المياه، أي أكثر من نصف تعداد السكان الليبيين الذي يبلغ حوالي 7 ملايين نسمة.

Total 0 مشاركة Share 0 Tweet 0 Pin it 0

المصدر: ليبيا الأحرار

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبي يوهان يونيسيف يونيسف يونغ بويز يونسيف

إقرأ أيضاً:

ارتفاع صادرات مصر الزراعية إلى 5.2 مليون طن خلال النصف الأول

كشف علاء فاروق، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، عن ارتفاع ملحوظ في الصادرات الزراعية المصرية إلى 5.2 مليون طن خلال النصف الأول من العام الجاري، فضلًا عن مواصلة محاصيل الموالح والبطاطس تصدر قائمة الصادرات الزراعية المصرية حتى الآن.

يأتي ذلك وفقًا لتقرير مفصل تلقاه وزير الزراعة من الدكتور أحمد عضام، رئيس قطاع الخدمات الزراعية والمتابعة، استنادًا إلى إحصائيات وبيانات المتابعة للإدارة المركزية للحجر الزراعي، حول تقدم الصادرات الزراعية المصرية إلى الأسواق العالمية.

الزراعة: تنمية قطاعي المصايد الطبيعية والاستزراع السمكي بما يحقق الأمن الغذائيالزراعة: تنفيذ خطة التحول الرقمي بمراكز تجميع الألبانالزراعة: رفض 3.5 طن إضافات أعلاف مستوردة غير مطابقة للمواصفاتدعم الاستثمارات وخلق فرص عمل.. تعزيز التعاون بين الزراعة والبنك الدولي

وأشار التقرير إلى مواصلة تقدم صادرات مصر من محاصيل الموالح التي تصدرت القائمة حيث بلغت حوالي 1.8 مليون طن، يليها البطاطس بإجمالي 1.2 مليون طن، الأمر الذي يؤكد الأهمية المتزايدة لهما كأهم المحاصيل التصديرية المصرية، نظرًا لجودتها المشهود بها.

ووفقًا للإحصائيات أيضًا، بلغت صادرات مصر من محصول البصل الطازج حوالي 168 ألف طن، والفاصوليا الطازجة والجافة 136 ألف طن، ثم البطاطا التي بلغت حتى الآن 103 آلاف طن، لتحتل بذلك المركز الخامس بالنسبة للصادرات الزراعية المصرية.

فيما شملت أيضًا قائمة أهم الصادرات الزراعية المصرية على الترتيب: العنب، الفراولة الطازجة، الثوم الطازج، الطماطم الطازجة، الجوافة ثم الرمان.

وفي سياق متصل، أشار وزير الزراعة إلى جهود الدولة لتعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي رائد في تصدير المنتجات الزراعية ذات الجودة العالية، فضلًا عن التزام مصر بتطبيق أعلى معايير الجودة والسلامة الغذائية في منتجاتها الزراعية، مما يساهم في فتح أسواق جديدة وتعزيز الثقة في المنتج المصري على الصعيد الدولي.

وأضاف أن الوزارة تعمل بشكل مستمر على تقديم الدعم اللازم للمصدرين وتذليل العقبات أمامهم لزيادة القدرة التنافسية للمنتجات المصرية في الأسواق العالمية، الأمر الذي يؤكد الدور المحوري لقطاع الزراعة في الاقتصاد المصري، ودعم الخطط التنموية الشاملة للدولة المصرية.

وأكد فاروق أن منظومة الصادرات الزراعية المصرية والطفرات التي تحققها تأتي نتيجة للعديد من جهود التعاون المشترك، على رأسها المزارع والمنتج والمصدر، وحرصهم على إنتاج محصول ذي جودة عالية، واتباع الممارسات الزراعية الجيدة، فضلًا عن المتابعة المستمرة من المهندسين والباحثين الزراعيين، ذلك بالإضافة إلى جهود رجال الحجر الزراعي المصري، والمعامل المركزية المرجعية بالوزارة، والعلاقات الزراعية الخارجية، لفتح أسواق جديدة للحاصلات الزراعية المصرية في الخارج، فضلًا عن المتابعة المستمرة والدائمة للشحنات والمحاصيل بداية من المزرعة وحتى وصولها إلى السوق الخارجي.

وطالب وزير الزراعة الجهات المعنية بالوزارة بمواصلة جهود التطوير المستمر والمتابعة، وتقديم كافة سبل الدعم للمنتجين الزراعيين، في سبيل المزيد من تنمية قطاع الصادرات الزراعية المصرية في الخارج، والحفاظ على جودة المنتج الزراعي المصري.

طباعة شارك الزراعة الصادرات الزراعية البطاطس الموالح وزارة الزراعة المحاصيل التصديرية

مقالات مشابهة

  • إطلاق دفعة ثالثة من مياه سد الرستن لدعم المحاصيل الزراعية في حماة
  • “سي إم إيه سي جي إم” للنقل البحري: عملياتنا في الشرق الأوسط تسير بشكل طبيعي
  • الأوجلي محذرًا: طرابلس تعيش سيناريو “فجر ليبيا” من جديد
  • وكيل زراعة أسيوط يتفقد زراعات المحاصيل الزراعية بقرى مركز الفتح
  • لنقي: “اجتماع برلين 3” غير رسمي ويهدف إلى بناء توافق دولي بشأن ليبيا
  • شاهد بالفيديو.. سوداني يوثق لحظة إنقلاب توك توك “ركشة” في الشارع العام بإحدى الولايات والعناية الإلهية تنقذ الركاب بعد سقوطهم بشكل مروع
  • ارتفاع صادرات مصر الزراعية إلى 5.2 مليون طن خلال النصف الأول
  • البحوث الزراعية تخصص برنامجاً لحساب الاحتياجات المائية في سوريا
  • تراجع مستوى المياه في سد دوكان العراقي 75% بسبب الجفاف
  • السويح: مؤتمر “برلين 3” لم يسفر عن خطوات حاسمة لمساعدة ليبيا