تحيرني مسألة أن يكون الكاتب مشهورا جدا في حقبة زمنية معينة ثم يغيب نهائيا في الحقب القادمة، كأنه لم يكن ثمة حسرة في المشهد وأسئلة كثيرة. بحب كبير أتابع قراءة حياة ومواقف الكاتب والباحث اللغوي والمفكر المقدسي محمد إسعاف النشاشيبي،1898- 1948 الذي طبّقت شهرته الآفاق في فلسطين والعالم العربي خلال عقود العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي.
ما الذي يجعل من أدب كاتب عابرا للزمن أو متجمدا في زمن واحد؟ هذا موضوع بحاجة لبحث، وهذا المقال لن يحاول التوسع في ذلك، سأكتفي بالسؤال، لعل أحدا من علماء الاجتماع الأدبي يسعفنا ببحث، أو مقال.
أطلب من طلابي كثيرا أن يبحثوا لي كتب نجيب محفوظ في المكتبات، في محاولة لدراسة وتأمل توقف شهرة الكتّاب الذين ملأوا الأرض صخبا وأدبا ومعجبين، يعود طلابي بجملة واحدة يرشقهم بها أصحاب المكتبة: (هو في حدا لسه بيقرأ لنجيب محفوظ، هذا قديم). أشعر بغصة وأحاول أن أخفيها عن طلابي الصغار (في المرحلة الإعدادية). كيف سأشرح لهم يا الله أن القديم يمكن أن يكون جديدا، لكنها الذائقة المشوهة التي تحكمت بها سوق الكتب، وتجارتها، وهي أيضا ضياع البوصلة الأدبية في زحام عصر مجنون يبحث عن السريع والمثير والقشري. تعرفت على عالم الكبير المقدسي الفلسطيني محمد إسعاف النشاشيبي من خلال مذكرات لكاتب مقدسي، كتب هذا المقدسي واصفا إسعافا، (بقاموس يمشي على قدمين).
«رحت افتش عن حياة وأثر هذا القاموس البشري الذي ينتمي لأسرة مقدسية أصيلة وثرية جدا هي النشاشيبي» فاكتشفت كتبا له مهمة جدا وآراء في اللغة غاية في الإثارة وإذا به صديق حميم لأحمد شوقي وحسن الزيات والمازني وعبد القادر المغربي والريحاني، من ألقابه: أديب العربية، (وأبي الفضل) تيمنا ببديع الزمان الهمذاني الملقب بأبي الفضل، لأنه كتب على منوال مقاماته. عثرتُ على معظم كتبه في الشبكة العنكبتوية: ( نقل الأديب)، وهو مختارات لأهم أشعار وأخبار العرب، (الإسلام الصحيح) وهو كتاب خطير جدا دافع فيه إسعاف عن الإسلام وضرورته وتسامحه، وترك ضجة كبيرة وردود فعل متواصلة، وكتاب (مجموعة النشاشيبي)، الذي نشر معظمه في مجلة الرسالة المصرية التي رأس تحريرها الكاتب والمحقق والصحفي المعروف حسن الزيات، وغيرها الكثير من الكتب في اللغة والشعر والسرد.
نشأ إسعاف في بيت علم وأدب، والده السيد عثمان بن سليمان النشاشيبي من أبرز رجالات عصره ذكاءً وعلمًا وبسطة حال، تقلب في مناصب الدولة العثمانية حتى أصبح عضوًا في مجلس المبعوثين في الأستانة، ووالدته ابنة الحاج مصطفى أبو غوش الملقب بـ (ملك البر) في جبل القدس وابنة عمة أبيه عثمان، كانت تنعقد حلقات الدرس في بيت والده، وتضم عددًا كبيرًا من أعيان العلماء المقادسة والوافدين، يتقارضون الشعر ويتذاكرون الأدب ومسائل الفقه، ولعل النشاشيبي ارتاد الحلقة مرارًا، وسمع نوادر اللغة والأدب، ورأى الكتب النفيسة في خزائن والده وخزائن الشيوخ.
لا يعرف إسعاف أحد هذه الأيام في فلسطين وإن اقترب من كتبه أحد فيكون ذلك، لأسباب بحثية، للأسف، حتى أصدقاؤه الأدباء في العالم العربي لم يعودوا مثار نقاش أو إعجاب أو إعادة نشر لكتبهم، أتحدث عن المازني كنموذج.
في الأشهر الأولى، من عام 1948 قبل أشهر قليلة من النكبة، سافر إسعاف إلى القاهرة، لطباعة عدد من كتبه، نزل في فندق، وتدافع نحوه أدباء مصر ومشاهير أدبها، بمجرد أن نشرت خبر وصوله جريدة مصرية، لكن القدر لم يمهله، فقد سقط في غرفته بالفندق صريع نوبة قلبية حادة، انتشر خبر رحيل إسعاف في صحف العالم العربي، وشكّل رحيله السريع، صدمة للعديد من الأدباء العرب، الذي كتبوا ناعين إياه غير مصدقين أنه لن يعود بيننا مالئا الدنيا معارك نظيفة في الأدب واللغة والتاريخ.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
محافظ البحر الأحمر: دفعنا بـ 35 سيارة إسعاف لاستقبال مصابي حادث حفار البترول
توجه اللواء عمرو حنفي محافظ البحر الأحمر، بخالص التعازي لأسر ضحايا حادث غرق الحفار في البحر الأحمر، قائلا: "أدعو الله عز وجل أن يتغمدهم بخالص رحمته".
وأضاف حنفي، في مداخلة هاتفية مع الإعلامية داليا نجاتي، عبر قناة "القاهرة الإخبارية"، أنّ المحافظة تلقت بلاغًا في تمام الساعة 8 مساء أمس يفيد بانقلاب الحفار البحري أثناء نقله من موقع إلى آخر، وذلك في منطقة جبل الزيت، على بُعد نحو 60 كيلومترًا شمال مدينة الغردقة.
وأوضح: "بمجرد تلقي البلاغ، تم اتخاذ إجراءات سريعة، تمثلت في إبلاغ القاعدة البحرية، والدفع بنحو 35 سيارة إسعاف، إضافة إلى تجهيز أقرب مستشفى لاستقبال المصابين".
وعن زمن الاستجابة، أوضح اللواء حنفي أن سرعة التحرك كانت كبيرة بالنظر إلى المسافة بين موقع الحادث ومدينة الغردقة، قائلاً: "التحرك تم بأقصى سرعة ممكنة، واستغرق أقل من نصف ساعة للوصول إلى موقع الحادث".
وتابع، أن المروحيات التابعة للشركة العامة للبترول أسهمت بدور كبير في سرعة نقل المصابين ذوي الحالات الحرجة مباشرة إلى المطار، حيث كانت الفرق الطبية بانتظارهم.
وحول التنسيق مع الجهات المختلفة، أكد المحافظ أن التنسيق يتم على أعلى مستوى بين جميع الأجهزة المختصة، مضيفًا: "ننسق بشكل مباشر مع القوات المسلحة، ممثلة في القوات البحرية، باعتبارها الجهة الأولى في البحث والإنقاذ، كما ننسق مع الشركة العامة للبترول، التي تمتلك بدورها معدات وتجهيزات خاصة للمشاركة في عمليات البحث والإخلاء".
وأشار اللواء حنفي إلى أن هناك تنسيقًا مستمرًا مع مديرية الصحة، وهيئة الإسعاف، وكل الجهات المعنية، موضحًا أن منظومة الاستجابة للطوارئ في المحافظة تعمل بكفاءة عالية للتعامل مع مثل هذه الحوادث، التي تتطلب سرعة ودقة في الأداء.