الخرطوم– سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة الفولة عاصمة ولاية غرب كردفان المتاخمة لإقليم دارفور في غرب السودان بعد هدوء استمر أكثر من 6 أشهر، إثر اتفاق على تحييدها من القتال، في خطوة عدها مراقبون انتصارا معنويا للقوات، وسعيا من قيادتها لامتلاك ورقة جديدة تحسّن موقفها في مفاوضات منبر جدة، الذي تتحرك واشنطن لإنعاشه.

تقع مدينة الفولة في الجنوب الغربي لإقليم كردفان، وكانت تسمى "رجل الفولة" سابقا، وهي واحدة من المراكز المهمة لقبيلة المسيرية، التي ينقسم ولاؤها بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ويقاتل أبناؤها مع الطرفين، حيث تعد المكون الاجتماعي الثاني الذي ينحدر منه مقاتلو قوات محمد حمدان دقلو "حميدتي" بعد قبيلة الزريقات.

وباستيلائها على مدينة الفولة تحاول قوات الدعم السريع تعزيز وجودها في منطقة غرب كردفان التي تضم عددًا من حقول النفط، وباتت تسيطر على ثلث محليات الولاية الـ15، حيث تمتد في الشمال محليات تقطن فيها "قبيلة حمر"، التي يناهض غالب أبنائها قوات الدعم السريع، وشكلوا قوة من 5 آلاف مقاتل لحماية مناطقهم.

معركة الفولة

سيطرت قوات الدعم السريع على الفولة يوم الخميس، بعد أن دخلت مجموعات من القوات من الاتجاه الجنوبي الغربي للمدينة، وجرت معارك ومواجهات مع قوة من الجيش السوداني في مقر اللواء 91، وهو ما أدى إلى موجات نزوح كبيرة من المواطنين والفارين من "بابنوسة" الذين وصلوا إلى 16 ألف نازح.

وفي بيان لها، قالت قوات الدعم السريع إنها سيطرت على مقر اللواء 91 مشاة بمدينة الفولة، وحازت على 3 مدرعات و6 شاحنات، و19عربة قتالية بكامل عتادها، وراجمة صواريخ، وكميات من الأسلحة الثقيلة والخفيفة والذخائر.

وذكر الناطق باسم قوات الدعم السريع الفاتح قرشي أن الفولة كانت في وضع استثنائي، لكن توسع نشاط من أسماهم بـ"فلول النظام السابق" دفعهم للسيطرة عليها.

في المقابل، أدانت حكومة ولاية غرب دارفور ما وصفته بـ" الاعتداء الغاشم لقوات الدعم السريع على رئاسة الولاية في مدينة الفولة والمؤسسات الرسمية، ونهب أسواق المدينة، والمدنيين العزل".

وأوضحت أن الفولة تحتضن آلاف الفارين من مناطق الولاية وتؤويهم، وتقدم لهم الخدمات في مراكز الإيواء والمعسكرات، "إلا أن قوات الدعم السريع ظلت تطاردهم وتمنع عنهم مستلزمات الحياة الضرورية".

خرق للاتفاق

توضح مصادر عسكرية أنه منذ انتقال الحرب من الخرطوم إلى كردفان ودارفور في أكتوبر/تشرين الأول الماضي طرحت الإدارة الأهلية والرموز الاجتماعية في غرب كردفان اقتراحا لتحييد مدن الولاية من القتال، حتى لا تتضرر المدن وبنياتها ولا يهجر مواطنوها، وهو ما وافقت عليه القوات المسلحة والدعم السريع.

وتقول المصادر العسكرية –التي طلبت عدم الكشف عن هويتها– للجزيرة نت إن قوات الدعم السريع لم تلتزم بالاتفاق، وهاجمت الفولة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وخربت مؤسسات الدولة ونهبت ممتلكات المواطنين والمستشفيات والمدارس، لتتدخل الإدارة الأهلية مرة أخرى وتُنشّط الاتفاق، ودفعت القوات للانسحاب.

وتضيف المصادر ذاتها، أن الجيش نقل معظم قواته في اللواء 91 من الفولة إلى بابنوسة، التي توجد بها قوات الفرقة 22، واحتفظ بنحو 200 عسكري لحماية المدينة من المتفلتين ولمساعدة الشرطة، واستطاع مواطنو الولاية لاحقا إعادة تأهيل المدارس والمستشفيات، وباشرت حكومة الولاية مهامها وانطلق العام الدراسي.

وبيّن المتحدث أن الدعم السريع حاولت خلال الفترة الماضية تحقيق أي انتصار عسكري لرفع الروح المعنوية لقواتها المتراجعة؛ بعد مقتل قائدها في إقليم دارفور علي يعقوب ودحر كل هجماتها على الفاشر بعدما أعدت لها 4 أشهر وفشل هجماتها المتكررة على الفاشر وبابنوسة وسلاح الإشارة بالخرطوم بحري والمدرعات في الخرطوم، والتقدم نحو مدن ولايات النيل الأبيض وسنار ونهر النيل والقضارف. وتكبدت خسائر فادحة.

وتقلل المصادر ذاتها من سيطرة "مليشيا الدعم السريع" على الفولة، لأنها لا تمثل مركز ثقل عسكري، واتهمتها بتصفية أسرى من الجيش والمقاومة الشعبية، واستخدام مرتزقة من إثيوبيا في الهجوم على المدينة، حيث ظهر بعضهم يرفع علم بلاده على مقطع فيديو صوّرته القوات، مما يعكس أنها فقدت قواتها الصلبة وصارت تستجلب المرتزقة للقتال إلى جانبها، حسب تحليله.

رسائل الدعم السريع

اعتبر المحلل ورئيس تحرير صحيفة "الصحافة" السابق، إبراهيم الصديق، أن سيطرة قوات الدعم السريع على الفولة "مغامرة" لرفع الروح المعنوية لقواتها، بعد عجزها عن تحقيق تقدم في كافة مسارح العمليات.

ويرى المحلل في حديث للجزيرة نت، أن قوات الدعم السريع تسعى لإخضاع المجتمعات والقبائل الرافضة لوجودها في عاصمة غرب كردفان، وتوجه رسالة للقيادات في تنسيقية قبيلة المسيرية، الذين توجهوا إلى بورتسودان وتبرؤوا من ممارسات القوات وتعهدوا بسحب أبنائهم من صفوفها، وتوقع أن تدفع القوات ثمن الإخلال بالتوازنات المجتمعية من خلال حفاظ المسيرية ومن معهم على الفولة خارج الصراع العسكري.

غير أن الباحث السياسي عبد السلام صافي الدين، يعتقد أن الفولة تحقق مكسبا عسكريا لقوات الدعم السريع، لأنها أول مدينة كبيرة تسيطر عليها بعد ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة في منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، ويمكن أن تتوسع في بقية محليات الولاية الأخرى، وأن تصل إلى حدود دولة جنوب السودان، وهو الذي يمكن أن يكون مفيدا لها لوجستيا.

وحسب الباحث للجزيرة نت، فإن الأوضاع المعقدة في الفولة وغرب كردفان ترجح أن يحدث توافق جديد يؤدي لانسحاب قوات الدعم السريع من المدينة، لأن استمرار السيطرة عليها سيدفع نحو مواجهات بين المسيرية الزرق والمسيرية الحمر، وهما أكبر مجموعتين قبليتين في الولاية، وربما تتدخل في الجزء الشمالي من الولاية قبيلة حمر التي لديها ثارات وتنافس مع المسيرية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات قوات الدعم السریع على مدینة الفولة غرب کردفان على الفولة

إقرأ أيضاً:

هل تمتلك الشركات سيطرة على صحتك تفوق سيطرتك أنت؟

بينما تدفع عربة التسوق ناحية قسم الفطور، تبدو لك أرفف المحلات وكأنها تمتد بلا نهاية. تصل، لتجد نفسك أمام معضلة مثيرة للقلق: هل تشتري حبوب الفطور منخفضة السكر أم تلك المدعمة بالبروتين والفيتامينات؟ أو ربما تلك المخلوطة بقطع الشوكولاتة اللذيذة؟

السوبر ماركت قادر على إرباكك بشدة، لكنه على الأقل لا يشكو من قلة الخيارات. يبدو الأمر وكأن لنا تحكم كامل في الطعام الذي نتناوله وأنماط الحياة التي نعيشها. يمكننا أن نتخذ قرارات تؤدي لصحة أفضل، أو أن نأخذ مجازفات محسوبة - فما معنى الحياة بدون القليل من الشوكولاتة بين الحين والآخر؟

تختلف عالمة الصحة تريسي وودروف مع ذلك. فبينما كانت تعمل كباحثة في وكالة حماية البيئة الأمريكية (EPA)، شهدت على التكتيكات المختلفة التي تستخدمها الشركات لإخفاء أضرار منتجاتها، كما شهدت تحريف الأدلة حول فوائدها المحتملة. والأمر الأشد، هو مساهمة بعض هذه المنتجات في ارتفاع معدلات الملوثات السامة في بيئتنا على نحو يستحيل على أكثر المستهلكين دهاءً تجنبه. في فبراير، أصبحت وودروف المديرة المؤسسة لمركز ”القضاء على ضرر الشركات“ التابع لجامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو (USCF)، والذي يهدف إلى الكشف عن الأساليب التي تستخدمها الشركات لتحريف الحقائق العلمية من أجل زيادة الأرباح. وقد تحدثت إلى مجلة نيو ساينتست عن المشكلات الصحية المتزايدة المرتبطة بالبيئات الملوثة، ولماذا يجب اعتبار الشركات ناقلًا للأمراض، وما الذي يمكن فعله لمواجهة التأثير الضار للصناعات.

غراهام لوتون: لنبدأ بالأساسيات. ما هي أنواع المشكلات الصحية التي تهتمين بها؟

تريسي وودروف: لقد تغير العبء العالمي للمرض (burden of disease) منذ تسعينيات القرن الماضي. فقد كان العبء الأكبر في السابق ناجمًا عن الأمراض المعدية. وقد انخفض هذا العبء بنجاح. لكن ما نشهده الآن هو زيادة عبء الأمراض المزمنة - مثل السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري والسمنة - بمعدل أكبر من انخفاض الأمراض المعدية.

وواقع أن هذا التحول صار على نحو مفاجئ، يُخبرنا أنه ليس تحولًا وراثيًا. بل أن محركه الرئيسي هو حفنة من المنتجات الصناعية: تلوث الهواء الناجم عن الوقود الأحفوري، السكر والأغذية فائقة المعالجة، التبغ، والمواد الكيميائية والكحول. هذه الخمسة مسؤولة عن حوالي 30 في المائة من إجمالي عبء الوفيات في العالم، وفقًا لمعهد القياسات الصحية والتقييم في كلية الطب بجامعة واشنطن. وهذه نسبة هائلة.

فما الذي يمكن فعله حيال ذلك؟

إذا أردنا كمجتمع للصحة العامة معالجة العبء المتزايد للأمراض المزمنة، فعلينا أن ننظر إلى الشركات كناقل للأمراض. إن ناقل الأمراض المعدية مثل البعوض هو كائن حي يحمل وينقل مسببات الأمراض المعدية إلى كائن حي آخر عن طريق امتصاص الدم على سبيل المثال. الشركات هي الناقل الجديد للأمراض لأنها تنقل العدوى السامة عن طريق تصنيع المنتجات أو بث الملوثات التي تضر الناس وتقتلهم. علينا دراسة أساليب هذه الشركات الناقلة للأمراض إذا أردنا الوقاية منها.

ما الذي نعرفه عن نهج هذه الشركات؟

إحدى الطرق الشائعة هي إخفاء المعلومات. فقد تقوم الشركات باكتشافات حول سمية منتجاتها ولا تنشرها للجمهور. على سبيل المثال، قمتُ وزملائي مؤخرًا بتحليل سلوك الشركات فيما يتعلق بالمواد الكيميائية المشبعة بالفلوروالثينيل المتعدد الكلور (PFAS)، والتي تؤدي لنتائج صحية ضارة كما نعلم. وقد وجدنا أن شركتي 3M و DuPont الكيميائيتين كانتا على علم منذ عقود بأن هذه المواد الكيميائية ضارة، ومع ذلك كانتا تستخدمانها وتلقيانها في المياه. كان ولا يزال الأمر مأساويًا حقًا. (ملاحظة تحريرية: كان هناك عدد من الدعاوى القضائية المرفوعة ضد شركة DuPont، وشركة 3M بشكل منفصل، فيما يتعلق بالمواد الكيميائية PFAS، والتي يُعرف أن بعضها سام للبشر. وقد دفعت الشركتان لتسوية بعض هذه القضايا ولكنهما لم تعترفا بالمسؤولية).

تحاول الشركات أيضًا تقويض العملية العلمية. فهي تمول الأبحاث المؤيدة لمنتجاتها وتنشئ مجموعات تجارية صناعية مثل معهد التبغ لإخفاء التمويل المباشر من الشركات للأبحاث. وهناك العديد من الأمثلة على ذلك. ففي حالة تسلط الضوء على هذه القضية كشف عنها باحثون في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو في عام 2005، قامت شركة آر جيه رينولدز (R.J. Reynolds) وبراون آند ويليامسون (Brown & Williamson) والعديد من شركات التبغ الأخرى بتمويل أحد العلماء ليكون المؤلف الرئيسي لمقال يشكك في مقترح أكثر صرامة حول الحد الآمن لمبيد الفوسفين الذي تستخدمه الشركات في تبخير التبغ المخزن. نُشر المقال في مجلة كان هذا العالم نفسه هو رئيس تحريرها.

قد تقوم الشركات أيضًا بتحريف النتائج عندما تصدر، فهي انتقائية في المعلومات التي تروج لها. وإذا ما بدأ الجمهور ملاحظة أضرار منتج ما، فإن الصناعة ستشكك - لا في المنتج - بل في النتائج العلمية.

كيف يتأتّى للشركات مثل هذا التأثير البالغ على اتجاه الأبحاث ونتائجها؟

في عالم يصعب فيه الحصول على المنح - وفي الولايات المتحدة، قد يصبح الأمر أكثر صعوبة بسبب التقليصات المقترحة لتمويل الأبحاث من قبل إدارة ترامب - يبحث الأفراد عن مصادر أخرى للتمويل. ولا يريد الباحثون التحدث علنًا عن الأمر خشية خسارة التمويل.

قلتِ أيضًا أن بعض الشركات تتلاعب بالعملية التنظيمية. أخبرينا كيف يحدث هذا؟

تنبهت لذلك أثناء عملي في وكالة حماية البيئة الأمريكية، باعتباري مستشارة للقواعد العامة المعمول بها لتقييم المواد الكيميائية المسرطنة. ووكالة حماية البيئة هي واحدة من الوكالات الفيدرالية القليلة القادرة على التأثير في كل الصناعات حول الولايات المتحدة، لذا فالعديد من الشركات تنخرط بفعالية في أنشطتها. فهم لديهم مصلحة مالية في إجازة منتجاتهم، ولديهم المال لإنفاقه على التعريف بمصالحهم. بدا الأمر وكأن كل مادة كيميائية لديها جماعة ضغط خاصة بها.

في وكالة حماية البيئة، هناك لجان استشارية تقوم بالمراجعة العلمية. ثمة أشخاص لديهم تضارب مصالح مالية يعملون ضمن هذه اللجان. وقد أظهرت الأبحاث أنه حتى عندما يتم الإعلان عن تضارب المصالح، فالنتيجة مزيد من تحيز الأعضاء وبالتالي تحيز في الخلاصات. في بعض الحالات، توظف الشركات عاملين سابقين من وكالة حماية البيئة، حتى يضعوا خبرتهم في تقديم استشارات استراتيجية للشركات.

بشكل عام، كيف يمكنكِ معرفة ما تفعله الشركات خلف الكواليس؟

في التسعينيات، تلقى ستانتون جلانتز (Stanton Glantz)، الأستاذ بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، بعض الوثائق الداخلية من قطاع صناعة التبغ

واتخذ قرارًا حكيمًا للغاية بأن يضع جميع الوثائق في المكتبة. وبمجرد وضعها في المكتبة، وعلى الرغم من أن القائمين على صناعة التبغ حاولوا استعادتها ورفعوا دعوى قضائية، إلا أنها كانت محمية بموجب الحرية الأكاديمية. كانت تلك بداية مكتبة وثائق صناعة التبغ في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو.

وتكمن قيمة المكتبة في أنها تُطلعنا على ما قيل في دوائر الصناعة بكلمات أصحابها، وعما عرفوه ومتى؟ ثمة أكثر من ألف منشور بحثي بُني عليها للكشف عن كيفية تأثيرهم على المسار العلمي والتنظيمي.

ومنذ ذلك الوقت، أضيفت مجموعات أخرى. فلدينا صناعات السكر والصناعات الدوائية، ولدينا مجموعة صغيرة عن المواد الكيميائية المشبعة بالفلوروالثينيل المتعدد الكلور، ولدينا مسحوق الطَّلْق الملوث بالأسبستوس، ولدينا الغليفوسات - المادة الفعالة المستخدمة في بعض مبيدات الأعشاب الضارة. ومؤخرًا، حصلنا على وثائق من صناعة الأفيون.

كيف تحصل المكتبة على مثل هذه الوثائق؟ فالواضح أنها ليست للاستهلاك العام.

نحصل عليها من خلال آليات مختلفة. أُرسلت الوثائق الأصلية من مُبلّغ مجهول في شركة براون آند ويليامسون للتبغ (Brown & Williamson). وبعضها عبر تفعيل قانون حرية المعلومات. كما تم جمع الكثير منها من خلال دعاوى قضائية ضد شركات مختلفة أيضًا. أحد الأشياء التي تظهر عندما تنظر إلى الوثائق هو العمل التعاوني بين الشركات، فهي تتشارك الاستراتيجيات، وتتعاون، وأحيانًا توظف نفس جماعات الضغط، أو تستخدم مجموعات الواجهة نفسها.

هل يعني كل هذا أننا كأفراد نمتلك تحكماً أقل مما نعتقد في صحتنا؟

نعم. لا يعني هذا بالطبع أن لا سلطة للناس على صحتهم، ولكن هناك الكثير من العوامل البنيوية التي تجعل التحكم صعبا. والنظام الغذائي واحد من الأمثلة الجيدة على ذلك. عندما تذهب إلى البقالة، تجد أن الأطعمة فائقة المعالجة تحتل المساحة الأكبر. تشير التقديرات إلى أن حوالي 70 في المائة من الأطعمة الموجودة في المتجر فائقة المعالجة، وهي ما يُسوق له باستمرار. ما يجعل تجنب تلك المنتجات صعباً. تلوث الهواء هو مثال جيد آخر: فإذا كنت تعيش بالقرب من مصادر ملوثة، فلا يد لك في الهواء الملوث الذي تتنفسه.

تتعارض هذه الفكرة مع الرسائل التي تروج لها الشركات، والتي غالباً ما توحي بأننا مسؤولون عن صحتنا. أحد الرؤى التي خرجنا بها من وثائق التبغ هو أن الصناعة تلقي باللوم على الفرد: «إنه خطؤك، أنت الملام لأنك لم تمارس الرياضة، أو اتبعت نظامًا غذائيًا سيئًا، أو دخنت السجائر». تكمن المشكلة في أن هذا الخطاب يصرف الانتباه عن إحدى الطرق الأكثر فعالية لحل المشكلة، ألا وهي التنظيمات الحكومية.

يبدو أن الشركات تتحكم في صحتنا أكثر منا ...

نعم، أتفق معك.

قد يتساءل من يقرأ هذا: ماذا يمكنني أن أفعل؟

إنه نهج ذو مسارين. أولاً، يمكنك اتخاذ إجراءات فردية من شأنها أن تقلل من التعرض للمواد الكيميائية السامة، مثل تقليل استخدام البلاستيك وتركيب فلتر هواء في منزلك. ويمكن للناس أيضًا توجيه رسائل للسوق، من خلال عدم شراء المنتجات الضارة على سبيل المثال. ثانياً، المشاركة المدنية، فنحن بحاجة إلى إجراءات حكومية لتنفيذ التغييرات المنهجية. سجلوا للتصويت، واذهبوا للتصويت، ثم أبلغوا المسؤولين الحكوميين بمطالبكم. علينا إدراك الدافع الربحي للصناعات. إنهم مسؤولون أمام مساهميهم، وليسوا مسؤولين عن صحة الجمهور، لذلك علينا نحن أن نفرض هذه القضية.

علينا أن ندرس أساليب هذه الشركات المسببة للأمراض إذا أردنا منعها.

أحد أهداف المركز الذي تديرينه هو إيجاد طرق لمواجهة تأثير الصناعة.

كيف يمكن أن تبدو هذه الطرق؟

أولاً، استبعاد الأشخاص الذين لديهم تضارب في المصالح المالية من جميع لجان ومجالس المراجعة الحكومية. نحن نعلم أن هذا ممكن؛ فقد وضعت الوكالة الدولية لبحوث السرطان - وهي أحد أقسام منظمة الصحة العالمية التي تراجع الأبحاث العلمية حول احتمالية تسبب العوامل البيئية في الإصابة بالسرطان - سياسة بهذا الشأن في عام 2015.

من المهم أيضًا عند تقييم الأدلة العلمية أن يُحدد ويُراعى أي تضارب في المصالح خلال تمويل البحوث التي يُعتمد على خلاصاتها. وهكذا، يمكن ضمان أن يكون تقييم الأدلة أكثر مصداقية وأقل تحيزًا.

أخيرًا، من شأن زيادة التمويل الحكومي للعلوم - حتى لا يضطر العلماء إلى الاعتماد على تمويل الشركات - أن يساعد في الحد من تأثير قطاعات الصناعة.

هل تتوقعون ردود فعل سلبية تجاه ما تقومون به؟

لقد تعرض العديد من أعضاء المركز للضغط على المستوى الفردي أو على مستوى العمل الذي يقومون به. إحدى العضوات لديها تاريخ طويل في العمل على تأثير صناعة التبغ على العلوم والسياسات، وفي بداية مسيرتها المهنية، هاجمتها شركة التبغ بشكل صريح من خلال إرسال رسائل إلى جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو (UCSF) تطالب فيها بعدم ترقيتها. لذا، يمكننا أن نتوقع ردود فعل سلبية من هذا القبيل.

أنت تسبحين عكس التيار السياسي؟

نعم، لكن العزاء يكمن في أن جزءًا لا بأس به من السكان يريدون من الحكومة أن تفعل المزيد في هذا الصدد. أعتقد أن هناك مكونًا في انتخابات 2024 الأمريكية يتعلق بإحباط الناس من تعامل الحكومة مع العبء المتزايد للأمراض المزمنة. الناس قلقون، وهم - لأسباب مشروعة - خائفون، ويريدون من الحكومة أن تبذل جهدًا أكبر لمساعدة معارفهم المرضى.

خدمة نيو ساينتست

مقالات مشابهة

  • الحرب مع إسرائيل والداخل الإيراني: هل تكرّس سيطرة النظام أم تسرّع بنهايته؟
  • الأمم المتحدة تحذّر من تداعيات "الأعمال العدائية المتصاعدة" في السودان
  • بكري عن «إسرائيل التي لا تستحي»: دمرت مستشفيات غزة وتتباكى على مستشفى عسكري لعلاج قتلة الفلسطينيين
  • هجمات انتقامية وحصار ومجاعة.. النزاع في السودان يزداد حدة
  • “حلحلة كافة العقبات التي تواجه الكليات”.. وكيل جامعة كردفان يتفقد مجمع كلية التربية ومركز دراسات السلام والتنمية
  • ترامب: لم أتخذ قرارًا بشأن حرب إيران وباب التفاوض ما زال مفتوحًا
  • السودان يطالب بتصنيف «الدعم السريع» كمنظمة إرهابية ويعلن إفشال هجوم كبير في كردفان
  • الحكومة السودانية تدعو المجتمع الدولي إلى تصنيف "الدعم السريع" ميليشيا إرهابية
  • بعثة تقصي الحقائق: جرائم دولية وانتهاكات مروعة في السودان
  • هل تمتلك الشركات سيطرة على صحتك تفوق سيطرتك أنت؟