لماذا يسمى السرطان بالسرطان؟ «بالعودة للعصر الروماني»
تاريخ النشر: 22nd, June 2024 GMT
ترجمة - سعيد الطارشي -
يعود أحد أقدم الأوصاف لمصاب بالسرطان إلى القرن الرابع قبل الميلاد. فقد أصيب ساتيروس Satyrus (طاغية مدينة هيراكليا Heracleia على البحر الأسود) بسرطان بين فخذه وكيس الصفن. ومع انتشار السرطان [في جسده] عانى ساتيروس من آلام أكبر من أي وقت مضى؛ فلم يكن قادرًا على النوم، وكان يعاني من تشنجات.
وعُدّت السرطانات المتقدمة في ذلك الجزء من الجسم غير قابلة للعلاج؛ فلم تكن هناك أدوية قوية بما يكفي لتخفيف آلامها المبرحة. ولذلك لا يستطيع الأطباء فعل أي شيء. وفي نهاية المطاف أودى السرطان بحياة ساتيروس عن عمر ناهز 65 عامًا.
لقد كان السرطان معروفًا بالفعل في هذه الفترة. فوصف نص مكتوب في أواخر القرن الخامس أو أوائل القرن الرابع قبل الميلاد (عنوانه أمراض النساء) كيفية تطور سرطان الثدي، جاء فيه: «تتشكل نتوءات صلبة (...) منها تتطور سرطانات مخفية (...) فتتصاعد الآلام من ثديي المصابات إلى حناجرهن، وحول حواف الكتف (...)، فتصبح هؤلاء المصابات نحيفات في جميع أنحاء أجسامهن (...) ويتناقص تنفسهن، ويفقدن حاسة الشم (...).
وتصف أعمال طبية أخرى -في هذه الفترة- أنواعًا مختلفة من السرطان. فقد توفيت امرأة من مدينة أبديرا Abdera اليونانية إثر إصابتها بسرطان الصدر، بينما نجا رجل مصاب بسرطان الحنجرة بعد أنْ أحرق طبيبه الورم.
من أين أتت كلمة «سرطان»؟
إنّ كلمة سرطان تأتي من العصر نفسه؛ أي من أواخر القرن الخامس وأوائل القرن الرابع قبل الميلاد. فلقد كان الأطباء يستخدمون كلمة (كاركينوس) karkinos الكلمة اليونانية القديمة التي تعني سرطان البحر) لوصف الأورام الخبيثة. وفي وقت لاحق (وعندما وصف الأطباء الناطقون باللاتينية المرض نفسه) استخدموا الكلمة اللاتينية التي تعني سرطان البحر crab-أيضًا-؛ لذلك علُق الاسم [في الذاكرة التاريخية].
وحتى في العصور القديمة فقد تساءل الناس لماذا أطلق الأطباء على المرض اسم حيوان. وأحد التفسيرات هو أنّ سرطان البحر حيوان عدواني؛ تمامًا كما يمكن أنْ يكون السرطان مرضًا عدوانيًا. وتفسير آخر هو أنّ سرطان البحر يمكن أنْ يمسك جزءًا واحدًا من جسم الشخص بمخالبه ويصعب إزالته؛ تمامًا كما قد يكون من الصعب علاج السرطان بمجرد تطوره. ويعتقد آخرون أنّ ذلك بسبب شكل الورم [الشبيه بشكل سرطان البحر].
لقد وصف الطبيب جالينوس (129-216م) سرطان الثدي في كتابه المنهج في علم الطب لجلوكون، وقارن شكل الورم بشكل سرطان البحر، يقول: «وكثيرًا ما رأينا في الأثداء ورمًا يشبه تمامًا سرطان البحر. وكما أنّ لهذا الحيوان أقدامًا على جانبي جسمه؛ كذلك ففي هذا المرض تتمدد الأوردة المنتفخة غير الطبيعية على كلا الجانبين؛ مما يخلق شكلًا مشابهًا لسرطان البحر».
لا اتفاق على سبب مرض السرطان
وفي العصر اليوناني الروماني كانت هناك آراء مختلفة حول سبب مرض السرطان. فوفقًا لنظرية طبية قديمة واسعة الانتشار[نظرية الأخلاط/الأمزاج الأربعة] فإنّ الجسم لديه أربعة أخلاط: الدم، والمِرّة الصفراء، والبلغم، والمِرّة السوداء. ويجب أنْ تكون هذه الأخلاط الأربعة في حالة توازن؛ وإلا مرِض الإنسان. فإذا كان الشخص يعاني من زيادة في المِرّة السوداء، كان يعتقد أنّ هذا سيسبب له في النهاية الإصابة بالسرطان.
لكن الطبيب ((إيراسيستراتوس ) Erasistratus الذي عاش في الفترة من 315 إلى 240 قبل الميلاد تقريبًا))، لم يوافق على هذا الرأي؛ ومع ذلك -وعلى حد علمنا- لم يقدم تفسيرًا بديلًا.
كيف كان يُعالج مرض السرطان؟
إنّ مرض السرطان يُعالج بعدة طرق مختلفة. وكان يعتقد أنّه في مراحله المبكرة يمكن علاجه باستخدام الأدوية. ولقد شملت هذه الأدوية ما اشتق من النباتات (مثل الخيار، وبصيلة النرجس، وحبوب الخروع، والبيقية المرة bitter vetch ، والملفوف)، ومن الحيوانات (مثل رماد سرطان البحر)؛ ومن المعادن (مثل الزرنيخ). لقد ادعى جالينوس أنّه باستخدام هذه الأنواع من الأدوية، وتطهير المعالجين بشكل متكرر بالمقيئات أو الحقن الشرجية؛ يمكن النجاح -أحيانًا- في إيقاف السرطانات في مراحلها الأولى. وقال إنّ العلاج -نفسه- يمكن أنْ يمنع في بعض الأحيان السرطانات المتقدمة من الاستمرار في النمو. ومع ذلك قال –أيضًا- إنّ الجراحة ضرورية إذا لم تنجح هذه الأدوية.
وعادة ما تُتجنب الجراحة؛ لأن المرضى يشرفون على الموت -عادة- بسبب فقدان الدم. وأنجح العمليات كانت على سرطانات طرف الثدي. وقد وصف ليونيداس ) Leonidas وهو طبيب عاش في القرنين الثاني والثالث الميلاديين) طريقته التي تتضمن الكي (الوسم)، يقول: «أقوم عادة بإجراء العمليات في الحالات التي لم تنتشر فيها الأورام إلى الصدر(...) وبعدما تُوضع المريضة على ظهرها، أقوم بشق المنطقة السليمة من الثدي فوق الورم، ثم كيّ الشق حتى تتشكل قشور، ويتوقف النزيف. ثم أقوم بتعميق الشق مرة أخرى، مع تحديد منطقة [الورم] أثناء شق الثدي، ثم أقوم بالكي مرة أخرى. أقوم بهذا [الشق والكي] في كثير من الأحيان(...) وبهذه الطريقة لا يكون النزيف خطيرًا. وبعد اكتمال عملية الاستئصال، أقوم مرة أخرى بكيّ المنطقة بأكملها حتى تجف».
لقد كان يُنظر إلى السرطان -عمومًا- على أنه مرض عضال غير قابل للشفاء؛ ولذلك كان يُخشى منه. ولقد مات بعض المصابين به؛ مثل الشاعر سيليوس إيتاليكوس Silius Italicus ( عاش ما بين 26-102م)، منتحرًا؛ لينهي عذاباته.
كما كان المرضى يُصلّون للآلهة من أجل الأمل في العلاج. ومثال على ذلك إنوسنتيا Innocentia (وهي سيدة أرستقراطية عاشت في مدينة قرطاج التابعة لتونس حاليًا) في القرن الخامس الميلادي. فقلد أخبرت طبيبها أنّ التدخل الإلهي قد عالجها من سرطان الثدي؛ لكن طبيبها لم يصدقها.
من الماضي إلى المستقبل
لقد بدأنا مع ساتيروس طاغية هيراكليا في القرن الرابع قبل الميلاد. وفي غضون 2400 عام تقريبًا منذ ذلك الحين، تغير الكثير في معرفتنا بأسباب السرطان وكيفية الوقاية منه وعلاجه. ونعلم -أيضًا- أنّ هناك أكثر من 200 نوع مختلف من السرطان. لكن مع ذلك يُعالج السرطان لدى بعض الأشخاص بنجاح كبير، ويستمرون في العيش حياة طويلة.
ومع ذلك فلا يوجد حتى الآن «علاج عام للسرطان». وهو المرض الذي يصاب به حوالي واحد من كل خمسة أشخاص خلال حياتهم. وفي عام 2022م -وحده- كان هناك حوالي 20 مليون حالة سرطان جديدة، و9.7 مليون حالة وفاة بسببه على مستوى العالم. لذا فمن الواضح أنّ أمامنا طريقًا طويلًا لنقطعه.
قسطنطين بانيجيريس زميل [برنامج] ماكنزي لما بعد الدكتوراه بجامعة ملبورن
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: القرن الرابع قبل المیلاد مرض السرطان سرطان البحر
إقرأ أيضاً:
سرطان الثدي: ارتفاع عالمي في الإصابات وتحذيرات من إهمال الفحص المبكر
أكتوبر هو شهر التوعية بسرطان الثدي، وهو تذكير بأهمية الكشف المبكر والتثقيف في مكافحة أكثر أنواع السرطان شيوعًا بين النساء. اعلان
يُعدّ سرطان الثدي أكثر أنواع السرطان شيوعًا بين النساء، إذ تُشخَّص به امرأة واحدة من كل عشرين خلال حياتها.
ووفقًا لتقديرات عام 2022، شُخّصت نحو 2.3 مليون امرأة حول العالم بالمرض، وتوفيت قرابة 670 ألفًا بسببه. وفي أوروبا وحدها، سجّلت منظمة الصحة العالمية نحو 558 ألف حالة جديدة خلال العام نفسه.
ورغم التقدّم الطبي، ما زال الوعي بعلامات الإنذار المبكر ومتى يجب طلب المساعدة غير كافٍ في كثير من الدول، ما قد يؤدي إلى عواقب صحية خطيرة.
خطر أعلى لمن يتجاهلن الفحص الأولأظهرت دراسة أُجريت عام 2025 في معهد كارولينسكا السويدي أن النساء اللواتي يتخلفن عن أول موعد للفحص المبكر من سرطان الثدي، يواجهن خطرًا أعلى بنسبة 40% للوفاة بسبب المرض.
فقد حلّل الباحثون بيانات نحو 434 ألف امرأة دُعين لإجراء الفحص بين عامي 1991 و2020، وتبيّن أن نحو ثلثهن لم يحضرن الموعد الأول، وأن هذه الفئة كانت أكثر عرضة للإصابة بالمرض في مراحل متقدمة وأقل التزامًا بالفحوص اللاحقة.
Related أمل جديد في معركة السرطان.. تقنية CAR T تتوسع إلى أورام البروستاتا والثدي والرئةدراسة تكشف ارتباطًا بين الالتهاب وأنماط التعب المختلفة لدى مريضات سرطان الثدياكتشاف آلية خفية تمكّن سرطان الثدي من مضاعفة انتشاره 50 مرة الكشف المبكر ينقذ الأرواحالدكتورة دينيس جونسون، طبيبة النساء والتوليد وأستاذة صحة المرأة في جامعة تكساس في أوستن، شدّدت على أهمية الكشف المبكر قائلة: "الكشف المبكر هو المفتاح لعلاج سرطان الثدي. فقد شهدنا خلال السنوات الأخيرة تطورات طبية وتقنية هائلة حسّنت فرص الشفاء".
وأضافت: "نسب النجاة ممتازة عندما نكتشف المرض مبكرًhK تصل إلى نحو 90% خلال السنوات الخمس الأولى بعد التشخيص، لكنها تنخفض بشكل حاد في حال تأخر اكتشافه".
الفحص بالأشعة.. الأداة الأكثر دقةيُعدّ تصوير الثدي بالأشعة (الماموغرام) الوسيلة الأدق لاكتشاف المرض في مراحله الأولى. وتوصي إرشادات الاتحاد الأوروبي بأن تُجري النساء المعرضات لمستوى خطر عادي فحصًا سنويًا بدءًا من منتصف الأربعينيات من العمر.
ويستغرق الإجراء عادة 15 إلى 20 دقيقة، حيث يلتقط فحص الأشعة أي كتل أو تغيّرات قد لا تُلاحظ خلال الفحص الذاتي.
أما النساء اللواتي لديهن تاريخ عائلي مع المرض أو طفرات جينية معروفة، فقد يحتجن إلى بدء الفحص في سنّ أصغر. وتشير التقديرات إلى أن 5 إلى 10% من الحالات سببها جينات موروثة معيبة.
الوعي بالجسد خطوة أولىوقالت الدكتورة جونسون إن على النساء، إلى جانب الفحوص الطبية، أن يعرفن طبيعة أجسادهن بشكل أفضل: "يجب أن تكون لدى كل امرأة معرفة بما يبدو عليه ثديها وما تشعر به عادة. فإذا لاحظت أي تغيّر، فعليها ألا تتجاهله، بل تُبلغ طبيبها فورًا لإجراء الفحوص اللازمة".
وتشمل العلامات المبكرة لسرطان الثدي ظهور كتلة جديدة في الثدي أو تحت الإبط، أو تورم أو سماكة في أحد أجزاء الثدي، أو احمرار وتقشّر في جلد الحلمة أو الثدي، أو تغيّر في شكل الثدي أو حجمه.
ورغم أن المرض يصيب النساء بشكل أساسي، إلا أن الرجال ليسوا بمنأى عنه، إذ تمثل حالاتهم نحو 1% من مجمل الإصابات. ويُنصح الرجال أيضًا بمراقبة أي تغيّرات في أنسجة الثدي.
الفحوص اللاحقة والعلاجوجود نتيجة غير طبيعية في فحص الأشعة لا يعني بالضرورة الإصابة بالسرطان، إذ يتطلب الأمر إجراء فحوص إضافية مثل الخزعة لتأكيد التشخيص.
وقالت جونسون: "من المهم أن يعرف الناس أن الفحص الأولي ليس تشخيصًا نهائيًا. هناك خطوات أخرى نحتاجها لتأكيد الحالة ثم اختيار خطة العلاج المناسبة".
وفي حال تأكدت الإصابة، يعتمد العلاج على نوع المرض ومرحلته، وقد يشمل الجراحة أو العلاج الكيميائي أو العلاجات الهرمونية.
تحذيرات من ارتفاع عالمي في الإصاباتتتوقع وكالة أبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية أن ترتفع وفيات سرطان الثدي عالميًا بنسبة 68% بحلول عام 2050، في حين ستزيد الإصابات الجديدة بنسبة 38%، لتصل إلى 3.2 مليون حالة و1.1 مليون وفاة سنويًا.
وقالت الدكتورة جوان كيم، الباحثة في الوكالة وأحد مؤلفي الدراسة: "كل دقيقة تُشخّص أربع نساء بسرطان الثدي حول العالم، وتموت إحداهن من المرض، وهذه الأرقام تزداد سوءًا."
وحذّرت الوكالة من أن البلدان النامية ستتحمّل العبء الأكبر من هذه الزيادة بسبب ضعف أنظمة الفحص والرعاية الصحية.
الكشف المبكر، كما تقول الطبيبة الأميركية، لا يُنقذ حياة واحدة فقط، بل يمنح النساء فرصة للاستمرار في العيش بكرامة وصحة.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة