الأسبوع:
2025-12-14@11:21:49 GMT

توشكى.. رهان الحاضر.. وحلم المستقبل

تاريخ النشر: 25th, June 2024 GMT

توشكى.. رهان الحاضر.. وحلم المستقبل

لم تكن تلك هى المرة الأولى التى أسافر فيها إلى توشكى، سافرت قبل ذلك مع نهاية التسعينيات، كان الحلم لا يزال يراود الكثيرين بعد أن أقنع د.الجنزوري الرئيس مبارك بأهمية وجدوى هذا المشروع.

تعرض المشروع لحملات عديدة، شككت فى جدواه، ومنذ هذا الوقت أغلق الملف.

مضت الأيام، ظل الفشل هو عنوان الحديث عن توشكى، حتى جاء الرئيس عبد الفتاح السيسى، قرأ التقارير التى كلف بها الخبراء والمختصين، وكان القرار: إسناد المشروع إلى القوات المسلحة، وتوفير الإمكانيات اللازمة لاستغلال مساحات الأراضى الشاسعة فى توشكى.

فى عام 2017 كانت المساحة المنزرعة لا تزيد على 400 فدان فقط، وصلت الآن إلى أكثر من 480 ألف فدان أو يزيد قليلا، وأصبح المستهدف خلال العام الحالي، زراعة نحو 150 ألف فدان لتصل المساحة من 600-650 ألف فدان.

يوم الأحد الماضى وجهت إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة دعوة إلى عدد من الصحفيين والإعلاميين وبعض رموز المجتمع المدنى لزيارة جديدة إلى توشكى الخير، كانت تلك هى الزيارة التى ننتظرها منذ فترة من الوقت لمعرفة تطورات المشروع الذى افتتحه الرئيس السيسى - مشروع محطات رفع المياه العملاقة - بالفيديو كونفرانس فى 25 مايو الماضى.

هبطت بنا الطائرة فى مطار أبوسنبل ومن هناك مضينا إلى أرض المشروع المتوغل فى قلب الصحراء، حيث يقع جنوب أسوان بحوالى 225 كم، ويقع على مساحة 485 ألف فدان.

زيارة الكاتب الصحفي مصطفى بكري لتوشكى

تحدث اللواء توفيق سامي رئيس مجلس إدارة الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضي الصحراوية، حكى فصولا من الملحمة التى صُنعت بعرق الرجال وجهدهم، قال: منذ ان وجه السيد رئيس الجمهورية بإعادة إحياء هذا المشروع فى عام 2014، ونحن نسعى بكل ما نملك لإنجاز المراحل المتعددة وصولا إلى تحقيق الهدف، وقال أيضًا: إن السيد الرئيس يتابع المشروع أولا بأول وقد وفر كافة الإماكنيات المطلوبة لإنجازه فى أسرع وقت ممكن.

كان الهدف منذ البداية التغلب على الفجوة الغذائية بزيادة الرقعة الزراعية بحوالى 500 ألف فدان، تصل إلى مليون فدان فى فترة زمنية محددة.

مضينا برفقة المسئول الأول عن المشروع، نتجول فى المناطق الزراعية المختلفة، تحت درجة حرارة مرتفعة للغاية، كان العاملون المدنيون الذين يبلغ عددهم نحو أربعة آلاف شخص يتابعون الزراعات المختلفة، لقد تابعنا أشجار النخيل، حيث يوجد فى توشكى الخير أكبر مزرعة تمور فى الشرق الأوسط من حيث عدد النخيل وأجود أنواع التمور، أقيمت المزرعة على مساحة 38 ألف فدان وتضم 2.5 مليون نخلة، لتدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية، كواحدة من أكبر المزارع حول العالم.

كانت «الباصات» تمضى بنا متوغلة فى الصحراء التى تحولت إلى رقعة زراعية مزدهرة، وكانت كلمات اللواء توفيق سامي رئيس مجلس إدارة الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضي الصحراوية، حول العقبات التى اعترضت المشروع منذ البداية محل تأمل، كان التحدي الأول وصول مياه النيل إلى أراضي ذات منسوب أعلى، وكان التحدي الثاني هو التربة شديدة الملوحة غير حائط من الجرانيت بطول 9 كم وعرض 20 مترًا.

زيارة الكاتب الصحفي مصطفى بكري لتوشكى

لقد قال لنا اللواء توفيق سامي: إنه تم استخدام حوالي 8 آلاف طن من المفرقعات للتغلب على الحائط الجرانيتي وإجراء أعمال التسوية وإنشاء الترع والطرق الرئيسية، حيث كان جبل الجرانيت هو العائق أمام ترعة زايد الممتدة بطول 50 كم مربع، من بحيرة ناصر فى السد العالى إلى مشروع توشكى، وقد تم تشغيل محطتي الرفع الأولى والثانية اللتان تنقلان المياه إلى أراضي توشكى، وذلك بإجمالى طاقة 11.300 مليون متر مكعب.

لم يقتصر الأمر على ذلك، بل تم تنفيذ 1500 طريق بإجمالي 1608 كم متر مربع، كما سيتم ربط مشروع توشكى الخير بشبكة القطار الكهربائي السريع، مما يدعم مشاريع عملية النقل اللوجستية، وتنفيذ تسويات لـ1403 قطع أراضي للري بمساحة 140 ألف فدان وشق الترع بإجمالي 135 كم مربع، وبإجمالي كميات حفر تساوي 40 مليون متر مكعب بالإضافة إلى 109 أعمال صناعية.

تجولنا فى حقول المانجو والعنب وتلك المساحات الشاسعة من القمح والتى بلغت 310 ألف فدان تم زراعتها فى الفترة الماضية بهدف البدء فى تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح.

زيارة الكاتب الصحفي مصطفى بكري لتوشكى

لقد وضعت الشركة المنفذة للمشروع قضية التصنيع الزراعي بإنشاء مصانع ألواح الأخشاب بطاقة إنتاجية 400 م مكعب يوميًا كمرحلة أولى وكذلك مصنع لتغليف وتعبئة التمور.

بعد جولة استمرت عدة ساعات اصطحبنا فيها اللواء توفيق سامي وعدد من ضباط الشئون المعنوية عايشنا الحقيقة على أرض الواقع، هنا تُصنع حضارة مصر الجديدة من الجنوب، ومن هذه المناطق الوعرة يعود الأمل من جديد فى السعي الدؤوب للمضي في طريق تحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية لسد الفجوة القائمة ووقف الاستيراد من الخارج.

هذا المشروع العملاق كلف الدولة حتى الآن أكثر من 600 مليار جنيه، هذا واحد من المشروعات العملاقة التي تمضي قدمًا إلى الأمام جنبًا إلى جنب مع مشروع مستقبل مصر الذى تبلغ مساحته نحو مليون وخمسين ألف فدان، وقس على ذلك.

من حقنا أن نفخر وأن ندرك أن نظرة القيادة إلى المستقبل باتت هى الأساس والعنوان، وأن من يسعى إلى تأمين حياة ومستقبل الأجيال القادمة ينظر إلى الأمام ولا يبحث عن شعبية قد تستمر لبعض الوقت، لكن هذا النهج قد يقود إلى كارثة حقيقية وعجز عن مواجهة التحديات، ومن بينها تحدي الزيادة السكانية والأفواه المفتوحة، فقط يمكن القول أن سكان مصر قد زادوا منذ 2011 وحتى الآن بما يتجاوز 25 مليونًا من السكان.

هل أدركتم الآن، لماذا تُصرف المليارات على المشروعات ذات الطابع الاستراتيجي، من البنية التحتية إلى سد الفجوة الغذائية.. وهلم جرا.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: اللواء توفیق سامی ألف فدان

إقرأ أيضاً:

العقولُ الناشئة... مورد وطني يصنع المستقبل

في ساحة نابضة بالحياة والمناقشات والتوجيهات التقنية وحروف ورموز البرمجة وصرير حركة الروبوتات في زوايا الأولمبياد الوطني للابتكارات العلمية والروبوت والذكاء الاصطناعي للعام الدراسي 2025/2026 المقام بمركز عُمان للمؤتمرات والمعارض.

بدا المشهد كمختبر وطني مفتوح تُختبر فيه أفكار ورؤى الطلبة، وتصاغ فيه معادلة المستقبل بأيادي جيل ناشئ يمتلك الجرأة على التفكير خارج الإطار المعتاد.

وأقولها من زاوية الزائر لا المحكم أو المقيم، بمجرد الوصول إلى ساحة الأولمبياد فأنت لا تحتاج كثيرًا من الوقت لتتيقن أن أمامك جيل غير مكتفٍ بالاستهلاك، فهو ممحص للتقنية ومطلع وارتقى بتطلعاته للإبداع والاختبار وصنع مسارات جديدة.

-جيل يخطو بثقة في فضاءات التقنيات الناشئة:

ما يكشفه الأولمبياد كعادته السنوية وإن كان هذا العام بمستوى أكثر وضوح أن الطلبة وموجهيهم مدركين بأن الذكاء الاصطناعي ليس أوسع من التقنيات الناشئة من الروبوتات إلى الأنظمة الذكية، إلى الحلول الرقمية المتقدمة والجدران السيبرانية وما بين ذلك من مجالات تتنامى بسرعة في العالم.

في الحقيقة سبق أن أكدنا - والآن نراه ماثلًا - أن التقنية ليست عنوانًا واحدًا يُختزل في الذكاء الاصطناعي وحده؛ بل هي طيف واسع يطغى فيه الآن الذكاء الاصطناعي، ولكنه لا يلغي ولا يطفئ بريق التقنيات الأخرى التي تشكل النسيج العام للتكنولوجيا. لذلك فإن انخراط الطلبة في هذه الطيفية الواسعة يعني أن وعيهم التقني ناضج ومتشكل بواقعية أكبر غير منساق وراء الموضة التقنية، بل تتعامل مع التقنية كمنظومة مترابطة تحل المشكلات وتفتح مسارات.

-الإبداع يطلب مساحة... والحقوق تطلب حماية:

المبادرات الطلابية التي حضرت تفاوتت في مراحل نضجها بين الناضج كفكرة والسائر إلى النضج تقنيًا وبين الناضج تقنيًا وغابت عنه الفكرة، وهذا يضعنا أمام حقيقة لا نستطيع تجاوزها بالإنكار: "العقول موجودة وراغبة، ولكنّ البيئة المثيرة أو الحاضنة تحتاج إلى توسعة. لماذا؟ ببساطة لأن المبتكر الناشئ لا يحتاج إلى الإشادة وحدها، إنما إلى منصة للظهور وتوجيه وإيصال ابتكاره وعصارة أفكاره إلى المسار الذي يليق به مع حفظ حقه الكامل بدأ من الفكرة إلى المنتج. ببساطة نقول إن تسجيل الأفكار والابتكارات بملكية فكرية لأصحابها وخاصة الناشئين، وتبني الجهات المختصة لمسارات تطويرها هو استثمار في العقل العُماني.

-منصة التحديات... بوابة مفتوحة نحو حلول واقعية:

لا يخفى على الجميع أننا في فترة تتسارع فيها التكنولوجيا أسيًا، وهذا يفرض أن يكون لدينا مركز ننطلق منه ونعود إليها ونعاير من خلاله تقدمنا، وهو ما يمكن أن يكون منصة وطنية للتحديات والمشكلات الحقيقية والأفكار تمثل احتياجات المؤسسات الحكومية والخاصة، وتعرضها بلغة يقرؤها المبتكرون، فيستلهمون منها الحلول، ويبتكرون نماذج ذات مرجع واقعي يجد طريقة نحو التطبيق والتبني أو تصحيح المسار، لا مجرد تصورات مدرسية مؤقتة تختفي باختفاء الحدث الذي ظهرت فيه.

قيمة المنصة التي نتحدث عن إمكانية وجودها وربطها بالمؤسسات تتلخص في أنها ستكون مركز لكشف المواهب واستقطابها وتوجيهها، وكخزان وطني للمشكلات والتحديات وللطاقة الإبداعية، ومهد لتأسيس شركات تقنية ناشئة تنطلق من المدارس والجامعات والمجتمع الذي هو خارج المؤسسات التعليمية نحو السوق بأفكار ومنتجات مستندة لواقع واحتياج حقيقي وتحيط بها أطر وأغطية تحميها تتمثل في ملكية فكرية تتكفل بها المؤسسات والجهات المسؤولة أو المستفيدة.

إن الاحتفاء بالعقول لا يغني إطلاقًا عن رعاية ودعم الابتكارات؛ وذلك لأن الابتكار امتداد لوعي صاحبه ومرآة لطموحه وصوت لطاقته، وكل ذلك ليس مجزأ أو منفصل عن بعضه والحفاظ على الابتكار هو حفاظ على العقل الذي وآتى به، وسيطوره ويحوله لميزه تنافسيه عن توافر البيئة. وعليه فإن رعاية ابتكارات الطلبة وتطويرها وحمايتها ودفعها إلى مراحل التطبيق والسير بها لتكون منتجا ثم ناشئة في مجالات الاقتصاد وغيرها هو جزء أصيل من رعاية الموهبة ذاتها وتحويلها لمورد بشريّ مستدام، تتجدد فيه القيمة وتسمو كلما استثمر فيه، وتتضاعف آثاره كلما وضعت له بيئة ينمو فيها.

-ختامًا... حين يصبح الطالب صانعا للمستقبل:

وزارة التربية والتعليم فتحت الطريق ونقبت في الميدان وهذا دورها ونؤكد أنه ليس الوحيد، وتبقى على المؤسسات الأخرى أن تلتفت إلى الحراك -الظاهر في الأولمبياد وغير الظاهر - التقني لدى الطلبة وتتلقف ما ينتج ويلامس احتياجاتها ولن يحدث ذلك دون المشاركة بعيون تتبع الابتكارات والمبتكرين وأفكارهم.

وما قيل في المقال ليس تقليلًا من الجهود وإنما دعوة لرفع السقف لمواكبة التسارع والحراك العالمي الذي ينشط فيه البحث عن المواهب والمبتكرين واستقطابهم للسعي نحو المستقبل. وما نشهده اليوم من إثارة تقنية لدى الطلبة في مدارسنا نحو الذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة الأخرى، هو دليل على أن مستقبلنا سيولد من داخل زوايا هذه القاعات ومن عقول اعتادت أن تسأل: كيف يمكن أن نُحسّن؟، قبل أن تسأل: ماذا سنحفظ؟ هؤلاء الطلبة ليسوا مشروع جيل قادم إنما الميزة التنافسية الحقيقية للدولة؛ وموردها الذي لا يمكن أن ينضب، وطاقتها المستدامة غير القابلة للاستنزاف عند الإيمان بها، واستثمار لا يعرف الخسارة.

مقالات مشابهة

  • تطوير ميناء المخا.. رهان اقتصادي يعيد إحياء بوابة تجارة هامة في اليمن
  • السلط تتجه نحو المستقبل: مواقف طابقية وحلول مرورية مستدامة
  • إرساء عقد الأعمال الإنشائية لمشروع «جزيرة آمالي» بقيمة 700 مليون درهم
  • سعر الذهب يستقر مع رهان المستثمرين على مزيد من تخفيضات الفائدة
  • بتكلفة 975 مليون جنيه.. «حياة كريمة» تستكمل مشروع الصرف الصحى المتكامل بقرى أبو الريش فى أسوان
  • مشروعات 200 فدان بمارينا | الإسكان والمرافق في أسبوع
  • العقولُ الناشئة... مورد وطني يصنع المستقبل
  • المساعي الأميركية والفرنسية على حالها فهل من رهان على العرب؟
  • رئيس جامعة المنيا يوقع البروتوكول التنفيذي لتحالف الريادة الخضراء
  • مكتبة الإسكندرية تحتفي بمئوية المفكر مراد وهبة بندوة “الصوت الحاضر”