العائلة والدعم النفسي مفتاح شفاء شاب عُماني من براثن المخدرات
تاريخ النشر: 26th, June 2024 GMT
أثير – ريما الشيخ
الثقة بالنفس والأمل هما الهدف المقصود، فلا تبتعد عنهما، فهما أحد طرق السلامة في هذه الحياة.
قصتنا في السطور القادمة عن شاب ابتعد عن الأمل فأصابه الضياع؛ فهو (ع.ب) الابن الوحيد لوالديه اللذين كرسا حياتهما لتربيته، ونشأ في بيئة مليئة بالدفء والحنان، وسط مجتمع يقدّر القيم التقليدية والعلاقات الاجتماعية الوثيقة.
اجتاز ع.ب مراحله التعليمية الابتدائية والثانوية بتفوق، محاطًا بأصدقاء كثر يشاركونه لحظات الفرح والحزن، لكن مع انتهاء الدراسة الثانوية في عام 2002م بدأت حياته تأخذ مسارًا آخرًا حيث لم يحقق هدفه المبتغى فأصابه اليأس، فبدأ تعاطيه للمخدرات بحشيش بسيط، وسرعان ما تطورت الأمور بصورة تدريجية ليجد نفسه غارقًا في دوامة الإدمان على المورفين والمنشطات.
في البداية، لم تكن آثار التعاطي تظهر بوضوح على حياته، لكن بمرور الوقت، بدأ يلاحظ التغيير الكبير، حيث تراجعت علاقاته الاجتماعية، وابتعد عن أصدقائه وعائلته، مفضلًا العزلة والانغماس في عالمه الخاص، رغم محاولة والديه مرارًا وتكرارًا إنقاذه من هذا المصير، لكن محاولاتهما كانت تبوء بالفشل.
تدهورت صحته بصورة ملحوظة، حيث تعرض لمشاكل صحية عدة منها القلق المستمر و الإجهاد النفسي اللذان كانا سببا للفقدان المتكرر للوزن، ثم جاءت الكارثة عندما أصيب بفيروس الكبد C نتيجة للإبر المشتركة؛ مما اضطره للخضوع لعلاج مكثف. كما واجهته المشاكل المالية التي زادته سوءًا بسبب فقدانه لوظيفته وتراكم الديون عليه.
ازدادت حالته النفسية تدهورًا؛ حيث عاش في دوامة من الاكتئاب الحاد والقلق الشديد والهلوسات، وكان يشعر بالإحباط واليأس، وأصبحت تراوده أفكار الانتحار بصورة منتظمة، مما زاد من عزلته.
مع مرور الزمن، بدأ يدرك خطورة ما يفعله بحياته، فحاول التعافي بمفرده منذ عام 2004م لكن دون جدوى، واستمرت محاولاته الفاشلة حتى عام 2016م حيث استطاع أخيرًا الإقلاع عن التعاطي بفضل دعم قوي من عائلته، وبخاصة والده الذي لم يفقد الأمل في تحسين حياة ابنه.
بدأ ع.ب في حضور جلسات علاجية منتظمة والمشاركة في برامج إعادة التأهيل؛ مما ساعده في استعادة صحته النفسية والجسدية ببطء، وبعد الخروج من فترات الإقامة العلاجية، عاد للحياة الطبيعية، مركزًا على تطوير مهاراته وتحقيق أهدافه الشخصية والمهنية، بل واستعاد ثقته في نفسه وفي قدرته على التغلب على التحديات.
”اليأس أحيانا يدفعك لطريق مسدود، لكن الأمل بالله يعيد لك النور ويبعد الظلمة عنك“ هكذا كانت رسالة المواطن ع.ب عبر “أثير” لجميع المدمنين الذين يواجهون صعوبات في التعافي، فقصته تُعدّ مثالًا للإلهام لكل من يكافح مع مشاكل الإدمان، حيث يظهر أنه مع الإرادة والدعم المناسب، يمكن تحقيق التعافي والعيش الكريم، ولم يكن ليتم ذلك دون الدعم الأسري الذي لا غنى لنا عنه.
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
وترٌ على ضفاف عُمان... أمسية موسيقية تكشف ملامح الصوت العُماني المعاصر
شهدت مدرسة عزان بن قيس العالمية بمدينة السلطان قابوس، مساء امس أمسية موسيقية حملت عنوان “وترٌ على ضفاف عُمان”، نظمتها جريدة “الرؤية”، وبمشاركة نخبة من العازفين المحترفين من فرقة “تريو بولشوي”، إحدى أبرز فرق موسيقى الحجرة في العالم.
جاءت الأمسية التي رعاها سعادة السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي، وكيل وزارة الثقافة والرياضة والشباب للثقافة احتفاءً بتقديم أربعة أعمال موسيقية جديدة لمؤلفها الدكتور ناصر بن حمد الطائي، تُعرض لأول مرة في سلطنة عُمان وتهدف هذه المبادرة إلى ترسيخ حضور الفنون الرفيعة، وتعزيز الحراك الإبداعي الوطني، والانفتاح على التجارب العالمية من خلال الموسيقى بوصفها لغة إنسانية سامية، تُجسّد التواصل الحضاري بين الشعوب وتتجاوز الحواجز اللغوية والثقافية.
وتميّز الحفل بتقديم أعمال موسيقى الحجرة، من خلال توظيف آلتي التشيلو والبيانو ضمن قالب السوناتا الكلاسيكي، الذي يُعدّ من أرفع أشكال التأليف الموسيقي، وقد عبّرت هذه الأعمال عن نقلة نوعية في أسلوب الدكتور ناصر الطائي الفني، بعد مشواره الحافل بالأعمال الأوركسترالية ذات الطابع الدرامي الملحمي التي نُفّذت في محافل دولية عدة، منها بولندا، ومصر، ولبنان. ومن أبرز هذه الأعمال: سيمفونية “الأمل”، التي وثّقت الانتقال السلمي للسلطة في سلطنة عُمان عام 2020، وسيمفونية “أحمد بن ماجد”، التي تحتفي بالملاحة العربية في القرن الخامس عشر، إلى جانب سيمفونية “الشرقية” التي تغوص في أعماق الهوية الشرقية عبر توليفة فنية تمزج بين الحداثة والأصالة، فضلًا عن ثلاثية “غزة” التي وثّقت مآسي ومعاناة وصمود الشعب الفلسطيني.
وفي هذه الأمسية، قدّم "الطائي" لونًا جديدًا من التعبير الموسيقي، أكثر تجريدًا وتأملًا، يتوجه إلى الداخل الإنساني والمشاعر العميقة، مستفيدًا من الحميمية التي تتيحها بنية السوناتا وثنائية البيانو والتشيلو، ليدخل المستمع في تجربة حسّية متكاملة تُعيد تعريف العلاقة بين المؤلف والجمهور.
وعبّر الدكتور ناصر الطائي في كلمة القاها في الحفل عن أن هذه الأمسية ليست مجرد عرض موسيقي، بل لحظة تحول تأسيسية لولادة صوت عُماني جديد، يستقي من إرث عمان الثقافي ويخاطب العالم بلغة موسيقية معاصرة، تمسّ الوجدان وتضع الموسيقى العُمانية في قلب الخريطة العالمية.
وأضاف "الطائي" أن التحول من الدراما الكبرى إلى التعبير الحميمي لا يُنقص من شأن القضايا العامة، بل يمنحها أبعادًا جديدة من خلال المقاربة الشعورية الدقيقة.
وقد افتتح الحفل بثلاث مقطوعات بيانو قصيرة متباينة في الإيقاع والأسلوب، جسّدت مشاهد داخلية نابضة بالعاطفة والرمزية، وكانت المقطوعة الثالثة، بعنوان “أكفان”، الأكثر تعبيرًا عن الألم والمعاناة من خلال موسيقى محمّلة بالتصوير الحسي العميق.
بعدها، قدّمت “سوناتا التشيلو الأولى” في أربع حركات تقليدية، جسّدت حوارا حيويا بين آلتي البيانو والتشيلو، اتسم بالتناوب بين الرقة والدراما، وبين الحلم والتأمل، مما عكس رقيًا في الأسلوب وثراءً في التعبير الموسيقي.
أما الجزء الثاني من الأمسية، فبدأ بعزف منفرد للكمان بعنوان “كابريتشيو الكمان”، وهو عمل صمم ليُظهر الإمكانات التقنية العالية للعازف، دون أن يُغفل البعد الشعري والتأملي للصوت، مقدّمًا آلة الكمان في دورها كوسيط إنساني درامي.
واختتمت الأمسية بـ”سوناتا التشيلو الثانية”، التي جاءت أكثر نضجًا وعمقًا، وشهدت تصاعدًا في الانفعالات الموسيقية بين البيانو والتشيلو، وتجلّت فيها الكتابة الموسيقية بكثافة شعورية أعلى، وبلغة فنية مفعمة بالانسجام والدهشة.
وبذلك، شكلت أمسية “وترٌ على ضفاف عُمان” محطة مهمة في تاريخ الموسيقى العُمانية المعاصرة، حيث التقت الروح العُمانية مع الحسّ العالمي في توليفة موسيقية تنبض بالجمال، وتعلن عن صوت جديد واعد للموسيقى العُمانية على الصعيدين المحلي والدولي.