بلاد العرب (أمة وأقطارا وشعوبا) مقسومة بين الغزيين والغريزيين؛ الغزيون رؤوسهم وقلوبهم ومهجهم في غزة وينتشرون في الأقطار بين باكٍ وداعٍ ومبلبل الفؤاد خجلا من عجزه أمام أشلاء أطفال غزة، والغريزيون يصطفون طوابير أمام حفل راغب علامة في قرطاج. انقسام وفرقة غُطيت بغطاء الأيديولوجيا مرة وبغطاء الدولة مرات، لكنه انقسام يقوم على اختلاف النظرة إلى حياة وإلى كيفية عيشها بين حياة العزة والكرامة في الحرية؛ وبين حياة الشبع والسكينة تحت أي ظل، بما في ذلك ظل الذل والمهانة وقلة القيمة.
نمطان من حياة وخيالان متناقضان لا يتعايشان رغم وحدة المكان إلا كما يتعايش الأعداء. في هجير غزة يجد البعض متعة وفرحة في الرقص على غناء نسمعه مند أربعين سنة لم يتجدد، وجب أن نسمي الأشياء بأسمائها ولا نرتبك من تهمة المزايدة هؤلاء قوم بلا نخوة.
ما أسهل خطاب المزايدة
وهل اطلعت على قلوب الناس لتحكم بتخوينهم؟ سمعتك تقولها وأجيبك: لا أحتاج أن أشق على قلوبهم لأحكم، هناك قضية إنسانية إن لم يجمعك بها جامع الإسلام وجامع العروبة فإن أخلاق الإنسان لا يمكنها أن تخطئها؛ فتجعلك تخجل من رقصك على جثث الموتى الذين يتعاطف معهم عالم لا يعرفهم كما تعرفهم ولا يربطهم بهم عرق أو لغة أو دين أو تاريخ، لكنهم يناصرونهم ويضربون عن الطعام من أجلهم. أنت لم تفعل وظللت تتصيد فرص المتعة، فلم يفتْك منها شيء وتبرر بلا خجل. وليت متعتك جديدة ليتدبر لك المرء عذر الشغف بالجديد، ولكنك تنفق وقتا ومالا على إعادة سماع مغنى يتكرر منذ أربعين سنة.
في قرطاج أو جرش أو أي مهرجان مماثل أنت تعلن الانتماء إلى غير الإنسان وإلى غير قضايا الحق والحرية، وهنا أراك لا تتجدد ولا تتطور، فأنت وقفت ضد الديمقراطية ومنعت تبلور مشروع الحريات الكبير الذي مات من أجله قوم كثير، وسميتَ الربيع العربي بالعبري لتنجو من استحقاقات الحرية بتخوين من ثار، ولتواصل البحث عن متعتك الغريزية فوق جثث الناس في غزة
في قرطاج أو جرش أو أي مهرجان مماثل أنت تعلن الانتماء إلى غير الإنسان وإلى غير قضايا الحق والحرية، وهنا أراك لا تتجدد ولا تتطور، فأنت وقفت ضد الديمقراطية ومنعت تبلور مشروع الحريات الكبير الذي مات من أجله قوم كثير، وسميتَ الربيع العربي بالعبري لتنجو من استحقاقات الحرية بتخوين من ثار، ولتواصل البحث عن متعتك الغريزية فوق جثث الناس في غزة.
جمهور المهرجانات العربية الممتد عبر الخريطة نعرفه جيدا؛ كان في أول الصفوف المطالبة بالزيادات في الأجور زمن الديمقراطية الوليدة، وهم من أضرب وعطل مسار البناء الديمقراطي مغاليا في المطلبية ومتناسيا جوع المفقرين الذين بذلوا أبناءهم من أجل إسقاط الأنظمة الفاسدة. هم من وصف الدكتور المرزوقي الزاهد بالطرطور، وهم من علق البرسيم على باب قصر مرسي، وهم من صفق للعسكر بعد ذلك طربا على تسلم الأيادي. إنهم نفس الفئات الاجتماعية التي تزعم الترقي الاجتماعي بمجرد الحصول على رواتب عالية أو السكن في أحياء راقية، إنهم السعداء الكَذَبة بوهم الانتماء إلى الطبقات الراقية، حيث تبذل الأرواح من أجل الظهور الاستهلاكي. إنهم تربية شلة الدكتاتوريات الفاسدة التي تترجم الحرية زيادة في الرواتب للتمتع بمهرجان.
الأمر ليس جديدا
الشواهد كثيرة حتى قبل انتشار صور السيلفي، زمن الاحتلال المباشر كانت فئات من التونسيين ومثلها في مصر وبقية الأقطار المحتلة تتباهي بالذهاب إلى مسارح الفرنسيين والظهور إلى جانبهم بملابس تشبه ملابسهم والرطن بلغتهم، حتى شرب القهوة ومسك السيجارة بمبسم طويل على طريقتهم.
لا نحتاج استدعاء ابن خلدون لتفسير تقليد المغلوب للغالب، الأمر لم يكن بالغلبة بل كان بالذل الغريزي. استعدادات غريزية للمتعة الحسية دون سؤال عن إطارها الأخلاقي، شيء يشبه أخلاق الضبع، حيث الشبع أولا ولو دون صيد شجاع أو الوقوع على الجيف.
ليس جمهور المهرجانات الآن سليل الذين ذهبوا إلى مسارح البلد المحتل ورقصوا على موسيقاه، فربما اندثرت تلك السلالة لكنها تركت أثرا تلقفه هؤلاء الأثرياء الجدد (الحقيقة أنهم يتشبهون بالأثرياء وهم موظفون مرهونون للبنوك التجارية)، وصورة العالم عندهم صنعها البلد المحتل مثل سابقيهم، فهم لا يرون أنفسهم خارج ثقافته ونمط استهلاكه، وفي كل خطوة يخطونها يودون لو يراهم مثالهم (إلههم الفرنسي) ويشكرهم على إتقان تقليده/ عبادته. إن مُهَجهم في باريس وليست في غزة (والقياس جائز على بقية العواصم المحتلة والجمهور الغريزي)، ويسمون ذلك تقدمية، حتى أنك تجد بينهم نجوم اليسار الستاليني، فبعض هذا اليسار يحرص على حضور دورة رولان غاروس للتنس وبحذاء التنس وقبعته.
وهل نجا الكاتب من الخيانة إذ لم يذهب إلى مهرجان
كان يمكن لمثل راغب علامة وكاظم الساهر وأضرابهم إعلان موقف فني نضالي وربح جمهور واسع وقيادة هذا الجمهور نحو قضية الحرية، كان يمكن لجمهورهم أن يتغير جذريا فأنصار غزة ليسوا غربانا حزينة ترفض الفرح. تحويل المهرجانات إلى مؤتمرات سياسية من أجل الحرية وفي سياقات التضامن الإنساني؛ كان إمكانية لولادة فنية أخرى ولو بأغان قديمة
يتعلق الأمر بالحياء أمام عذابات الإنسان المظلوم، يتعلق الأمر بالانتماء إلى قضية الحرية الكبرى كما يفعل الآن فنانون كبار يضحون بعقود عمل مربحة وبجمهور ثابت ويسيرون في المظاهرات مع عوام الناس من أجل قضية حرية. كان يمكن لمثل راغب علامة وكاظم الساهر وأضرابهم إعلان موقف فني نضالي وربح جمهور واسع وقيادة هذا الجمهور نحو قضية الحرية، كان يمكن لجمهورهم أن يتغير جذريا فأنصار غزة ليسوا غربانا حزينة ترفض الفرح. تحويل المهرجانات إلى مؤتمرات سياسية من أجل الحرية وفي سياقات التضامن الإنساني؛ كان إمكانية لولادة فنية أخرى ولو بأغان قديمة.
لم يذهب كاتب المقال إلى غزة لا مقاتلا ولا متضامنا سلميا، ولكنه يخجل أن يرقص على جثث أطفال غزة، وهذا هو الحد الأدنى الأخلاقي المتاح حتى الآن، وهو المطلوب إنسانيا وعربيا من جمهور متعلق مصيره مهما جهل السياسة بنتائج الحرب على غزة.
لا بأس تمتعوا بالرقص، نحن نعرفكم جيدا، غيابكم عن غزة يخفف عنها أثر القنابل. سننتظركم كالعادة في فجوات الحرية القادمة بعد غزة لتطالبوا بالزيادة في الرواتب لتحضروا حفلات فنانين بلا مشروع فني وبلا أخلاق فرسان. والحمد لله الذي طهّر غزة من تعاطفكم، فغزة تنصر بالعقل لا بالغريزة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة مهرجان التونسيين حفلات تونس غزة مهرجان حفلات تعاطف مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة کان یمکن إلى غیر من أجل فی غزة
إقرأ أيضاً:
بورسعيد تواصل التفوق في منافسات تنس الطاولة.. ونادي الحرية للمعاقين يُحقق تألقًا جديدًا |صور
اختتمت فعاليات بطولة الجمهورية لتنس الطاولة للرجال والسيدات، التي استضافتها المدينة الرياضية بمحافظة بورسعيد في الفترة من 8 إلى 10 مايو 2025، وشهدت منافسة قوية بين 188 لاعبًا يمثلون 21 ناديًا على مستوى الجمهورية.
شهد فعاليات البطولة محمد عبد العزيز، مدير مديرية الشباب والرياضة ببورسعيد، والكابتن هشام أبو حشيش، المدير التنفيذي للاتحاد المصري لتنس الطاولة، والكابتن عادل عفيفي، رئيس نادي الحرية.
وأكد محمد عبد العزيز أن محافظة بورسعيد مستعدة دائمًا لاستقبال كافة البطولات والمسابقات الرياضية على أرضها، ويأتي ذلك ضمن خطة الدولة المصرية والقيادة السياسية في دعم ذوي الإرادة وتقديم كافة سبل تأهيلهم للمسابقات الرياضية والبطولات في كافة المحافل الدولية والإقليمية والقومية.
وأشاد مدير عام الشباب والرياضة ببورسعيد بإنجازات نادي الحرية للمعاقين بمحافظة بورسعيد، وجهودهم في تحقيق مراكز متقدمة وحصولهم على 5 ميداليات متنوعة (ذهبية وفضية وبرونزية) في فئات فردي الرجال والسيدات.
وأثنى مدير عام الشباب والرياضة ببورسعيد على الأداء المتميز للاعبات الفريق، حيث استطعن تحقيق مراكز متقدمة وإضافة إنجازات جديدة للنادي.
ولفت مدير شباب ورياضة بورسعيد إلى أن اللاعبة أنعام محمد رضوان توجت بالميدالية الذهبية في فئة 9، بينما حصدت اللاعبة فاطمة محرم عطية الميدالية الفضية في فئة 3، كما تألقت اللاعبة مها لطفي حسين بحصولها على الميدالية الفضية في فئة 6. وأضافت اللاعبتان منى طه شرباصي (فئة) وإيمان محمد لاشين (فئة 3) ميداليتين برونزيتين لرصيد الفريق. كما حقق الكابتن ممدوح تمام، لاعب فريق القناة التابع لهيئة قناة السويس، الميدالية البرونزية.
وأعرب المشرف العام على فريق نادي الحرية، الكابتن عادل عبد الحميد، عن سعادته البالغة بتحقيق هذه البطولات، مؤكدًا على فخره بكل أعضاء الفريق من رجال وسيدات، وأن هذا النجاح ليس بالجديد عليهم.
وعبر الكابتن عادل عفيفي، رئيس نادي الحرية ورئيس نادي الحرية للمعاقين، عن سعادته وفخره بالأداء البطولي الذي قدمه جميع لاعبي الفريق خلال المنافسات.
وأكد عفيفي على الروح القتالية العالية والعزيمة الصلبة التي تحلى بها اللاعبون، والتي كانت الدافع لتحقيق هذا الإنجاز الملحوظ.
أوضح رئيس النادي أن النجاح الذي حققه الفريق وحصده لخمس ميداليات لم يكن ليتحقق لولا الجهود المخلصة للجهاز الفني والإداري المكون من الكابتن طارق سعد الدين (مدير فني)، والكابتن يوسف سليمان (مدرب الفريق)، والكابتن هاني عبد الوهاب (إداري الفريق)، والكابتن عادل عبد الحميد (مشرف الفريق).
وجه الكابتن عادل عفيفي، باسمه وباسم مجلس الإدارة وجميع لاعبي النادي من ذوي الإعاقة، رسالة شكر وتقدير إلى اللواء محب حبشي، محافظ بورسعيد، على دعمه الكبير وتوفير كافة الإمكانيات التي كان لها دور فعال في تحقيق هذا الإنجاز.
وأكد عفيفي أن هذا الدعم يمثل حافزًا قويًا للفريق نحو تحقيق المزيد من الطموحات الرياضية، معربًا عن التزام الجميع ببذل أقصى الجهود لرد هذا الجميل بالإنجازات والانتصارات المستقبلية.