الاكتئاب باعتباره أكثر من مجرد خلل في كيمياء الدماغ
تاريخ النشر: 3rd, July 2024 GMT
السردية الشائعة عن الاكتئاب هو النظر إليه باعتباره نوع من عدم توازن في كيمياء الدماغ «chemical imbalance». أحد الأسباب التي تدفع الناس لتبني مثل هذه المُقاربة هو: أولا، رفض التشكيك في الاكتئاب باعتبارها مرضا سريريا، خصوصا في الأوساط التي لا تأخذ الأمراض النفسية على محمل الجد، وتميل لاعتبارها «كسلا» أو «ضعفا».
إذا كان الإنسان حيوانا مُفكّرا، فهذا لا يعني أن رأسه (الدماغ) هو ما يجعله إنسانا، فالبشر يُفكرون ويشعرون بكامل أجسادهم، ولا يُفترض بنا أن نبحث عن عِللنا النفسية فيه حصرًا. يُشجعنا علماء النفس اليوم على التفكير -عوضا عن ذلك- بالدماغ، والجسد، والمحيط / البيئة أيضا.
لا نُلام على التفكير بهذه الطريقة. فهذا ما كنا نسمعه من المعالجين والأطباء النفسيين، ما تقوله الكتب التعليمية، وتشرحه الصيدليات. ويبدو أن الفكرة جاءت مع تطوير أول دواء يُساعد المكتئبين (مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية SSRIs)، ما جعل المختصين يقفزون إلى الاستنتاج أن ما يُسبب الاكتئاب هو خلل في السيروتونين.
صار علماء النفس في الآونة الأخيرة يُراجعون هذه الفكرة، إذ يبدو أن أسباب وطبيعة الاكتئاب أعقد مما تقترحه فرضية السيروتونين. هُجرت النظريات التي تُبنى على تقسيم الدماغ إلى مناطق وظيفية (منطقة مسؤولة عن اللغة، وأخرى عن المنطق، أو الرؤية، وهكذا)، وزاد القبول بأن وظائف الدماغ موزعة عبر شبكته العصبية المعقدة. رغم الدراسات الكثيرة والمعقدة لا يبدو أننا نقترب من فهم الاكتئاب (والأمراض النفسية عموما)، خصوصا أنه لا يوجد ما يدل عليه لا فحوصات الدم ولا المسوحات التصويرية للدماغ. يُمكن لعوامل لا حصر لها التسبب بالمرض. بداية بالجينات، مرورا بالسمات الشخصية، التاريخ المَرضي، وإلى ظروف الحياة. تُستخدم قائمة من الأعراض لتشخيص الاكتئاب، مثل اضطرابات النوم (سواء كثرته أو قلته)، والأكل، وتقلب المزاج. فيما يجري التأكيد على أخذ وصف المرضى لمعاناتهم الخاصة في الحسبان؛ لأجل تطوير قائمة الأعراض التي لم تُحدّث -بشكل جوهري- منذ الستينات. فوق هذا، تنتصر طريقة التشخيص المعتمدة للبيض بشكل خاص، أي أنها أدق في رصده عند هذه الفئة (هذا أو أن المُلونين لديهم أسباب أقل للاكتئاب!)، ما يجعل الأطباء النفسيين يُعيدون التفكير في الكيفية التي يتجلى المرض فيها عبر الأعراق والثقافات المختلفة. الانتباه لهذه الظاهرة، لفت الأنظار إلى أن معظم ما نعرفه عن المرض النفسي يُنتَج في بلدان «غربية، متعلمة، صناعية، غنية، وديمقراطية». يصعب أن تُطبق نتائج الأبحاث الأمريكية على مجتمع أوروبي، فما بالك بإسقاطها على بلدان الشرق والشرق الأوسط، بمجتمعاتها التي يُحتمل أنها تتبنى قيمًا ليست مختلفة فحسب، بل ونقيضة.
إعادة التفكير في الاكتئاب يعني أيضا دراسته كحالة جماعية؛ لأن التركيز على الفردانية في هذا السياق، يُدين الفرد، ويبرئ النظام. ويجعل الفرد مسؤولا مسؤولية كاملة عن التعامل معه وعلاجه.
لا تستدعي كل أشكال الاكتئاب التدخل. فلا يُمكن أن نتوقع ونحن نُشاهد المجازر، والموت، والحروب أقل من المشاعر العاصفة، وانفعالات كهذه مفهومة بل ومرغوب بها؛ لأنها تدفع إلى تغيير الواقع (أو يُفترض بها ذلك).
عليّ التنويه في الخاتمة أن هذا المقال يأتي باعتباري مُهتمة بعلوم وفلسفة الوعي والدماغ، وأنني وإن كنتُ -بدرجة لا بأس بها- مؤهلة للتعامل مع المواد العلمية، إلا أنني لست مختصة بعلم النفس، ويجوز أن أكون قد أغفلت عن جوانب مهمة للقضية.
نوف السعيدي كاتبة وباحثة عمانية في مجال فلسفة العلوم
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
دراسة تحذر: السهر يسرّع شيخوخة الدماغ ويزيد خطر الإصابة بالخرف والسكري
كشفت دراسة علمية حديثة عن نتائج مقلقة بشأن تأثير السهر على صحة الإنسان، حيث توصل الباحثون إلى أن الأشخاص الذين يفضّلون النشاط الليلي ويظلون مستيقظين حتى وقت متأخر، والذين يُعرفون بـ"بوم الليل" معرضون بشكل أكبر لخطر الإصابة بمرض السكري، ومشاكل الصحة العقلية، وحتى الموت المبكر.
مخاطر صحية للسهر ليلاوقادت الدراسة الباحثة آنا وينزلر من جامعة غرونينجن الهولندية، وقد حللت بيانات أكثر من 23.8 ألف شخص، وكشفت أن فقط 5% من المشاركين ينتمون لفئة "بومة الليل"، أي من يفضلون السهر إلى وقت متأخر بانتظام.
السلوك الليلي وعلاقته بتدهور الدماغوافادت الدراسة، أنه لم تكن المشكلة الأساسية في توقيت النوم ذاته، بل في السلوكيات المرتبطة بأسلوب الحياة الليلي، ووفقًا لما نقلته صحيفة نيويورك بوست.
وأوضحت الدراسة، أن الأشخاص الذين يسهرون غالبًا ما يدخنون أكثر، ويستهلكون كميات أعلى من الكحول، ويميلون إلى قلة ممارسة الرياضة، وهي عوامل تسهم بشكل مباشر في تسريع التدهور المعرفي.
وأظهرت الدراسة، أن الأفراد الذين يعتادون السهر يعانون من تدهور إدراكي أسرع من نظرائهم ممن ينامون مبكرًا ويستيقظون في الصباح الباكر، والمعروفين بـ"الطيور المبكرة"، مع فارق قد يصل إلى عشر سنوات في عمر الدماغ بين الفئتين.
أشارت الباحثة وينزلر إلى أن الأطفال غالبًا ما يميلون للسهر، ثم يعتادون ذلك أكثر مع الوصول لسن المراهقة والعشرينيات، وبحلول الأربعين، يصبح السهر نمطًا متكررًا عند الكثيرين، ما قد يزيد من المخاطر الصحية على المدى الطويل.
ونوّهت الدراسة، إلى أن تغيير نمط النوم ليس بالأمر السهل، إذ يصعب ضبط الساعة البيولوجية للجسم، خاصة عندما لا يكون الجسم مستعدًا لإفراز هرمون النوم "الميلاتونين".
رغم ذلك، طمأنت الباحثة بأن تبني سلوكيات صحية يمكن أن يخفف من آثار السهر، مثل: الحفاظ على نظام غذائي متوازن، وممارسة الرياضة بانتظام، والامتناع عن التدخين والكحول، كوسيلة للتقليل من تأثيرات أنماط النوم غير المنتظمة على المدى الطويل.