المجلس الشيعي: المواجهة تكون بالتلاقي على المصلحة اللبنانية العليا
تاريخ النشر: 11th, July 2024 GMT
أحيا المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى، برعاية نائب رئيس المجلس العلامة الشيخ علي الخطيب، اليوم الثالث من محرم في مقره، في حضور حشد من علماء الدين والشخصيات والفاعليات السياسية والنيابية والقضائية والاجتماعية والإعلامية والمواطنين. بعد تلاوة اي من الذكر الحكيم للمقرىء احمد المقداد، قدم الإحتفال الدكتور غازي قانصو مرحبا بالحضور وقال: "في أرض كربلاء، ارتفع نداءك سيدي يا أبا عبد الله: "هيهات منا الذلة"، فكان صوتا للحق يتردد في أرجاء الكون.
واعتبر أن "في إحياء هذه الذكرى المباركة الجزيل من العبر والمعاني، إذ هو أبلغ دليل على التعلق بنهج آل البيت وبنهج الحسين وشهادته المظفرة وسيرته العطرة، تعلقا بالحق الذي اؤتمن عليه، والدين الذي استشهد لأجله، وهو من خرج في سبيله صادعا بالحق، مواجها سيوف الباطل، ماضيا إلى شهادة التاريخ، حاملا كل القيم الإنسانية التي أرسل لأجلها جده الرسول هدى للعالمين ورحمة وسراجا منيرا، قيم الخير والهدى والإنابة من ظلمة الأنا الدنيوية إلى النور الذي يجمع أهل الحق ليكونوا دائما إخوانا على سرر متقابلين، أمينا على الثقل الأكبر، سالكا لأجله ذلك المسار السني القاني من المدينة إلى كربلاء، بل من اليقين إلى الشهادة، تاركا خلفه عرض الدنيا الزائل، ليؤكد بأن الروح الحسينية، بمعناها الأسمى، كانت عابرة للزمان وللظروف الآنية والانقسامات المذهبية، ولم تزل". وقال: "لقد أثبتت الوقائع والأيام بأن الإمام الحسين مدرسة ونهج وقدوة لكل المسلمين، بل لكل الإنسانية، بحيث لا يمكن تحجيمه وتطييف ذكراه، وهو من ارتقى بالجهاد إلى معناه الأسمى، وبالإسلام إلى مستوى الرسالة، إذ كانت صرخته مدوية في وجه حالة الانحراف المتمادية، وجهادا من أجل إعزاز الإسلام وحفظ الأمة، واستشهادا في سبيل الحق، وثورة في وجه الظالمين إلى أية طائفة انتموا، أكانوا من أتباع سنة الرسول، أم من أبناء شيعة الإمام، أم من جميع أبناء التوحيد الراسخين في إسلامهم وإيمانهم، أحملوا هذا الاسم أو تلك الراية، إنما الأهم هو وحدة الدين ووحدة الأمة، مصداقا لقوله تعالى: "وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون". تابع: "نعم أيها الأخوة، أقول مجددا ما قلته في مجلسكم الكريم منذ سنوات بأن الرسالة التي استشهد من أجلها الحسين كانت تقتضي إضاءة زيت الشهادة لينتشر نور الحقيقة، وأن غاية الحسين لم تكن شخصية أو سطحية، بل كانت الإصلاح الحقيقي في المجتمع وفي الأمة، وهذا ما يجب أن نسعى إليه، بدءا بإصلاح الذات ثم بإصلاح المجتمع، لأن المؤمن الحق هو من "خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى"، ولأن الثورة الحقيقية تكون بامتشاق سلاح التقوى أولا، ثم بالوقوف في وجه الظلم وأركانه، أي بإنارة القلوب والأرواح، قبل الثورة على الطغيان والانحراف". أضاف: "ها نحن اليوم، نقف أمام الذكرى من جديد لأخذ الدروس والعبر، فنشير إلى وجه الشبه بين ماض مؤلم وحاضر مرير؛ فها هو الإسلام يتعرض اليوم لأبشع أنواع الاعتداء على رسالته وقيمه من قوى الداخل والخارج، فهل يجوز الرضوخ والخنوع؟ أم نفعل ما فعله الحسين؟ فنواجه الانحراف الأخلاقي والانحلال الاجتماعي بمزيد من التربية على الإيمان والفضائل وصون القيم، ونواجه الأعداء الحاقدين المتربصين شرا بأبناء العروبة والإسلام، وفي مقدمتهم العدو الصهيوني المغتصب، بمزيد من التعلق بالحق والأرض ومن التماسك والتضامن والمقاومة". وقال: "كما في بداية كل سنة، وكما في كل مناسبة عزيزة، فإننا نؤكد على واجب الاستعداد لمقاومة الظلم والفساد، ولمجابهة محاولات تغذية عوامل التفرقة والشقاق بين الأخوة، داعين إلى تفاهم مسيحي إسلامي واسع وعريض، نحن نواته وأساسه، كقادة روحيين مجتمعين، وإلى تلاحم وطني مصيري وتاريخي، كل طوائفنا معنية به ومحتاجة إليه، مستذكرين حال القوم وواقع البلاد عندنا، فنذكر لعل الذكرى تنفع المؤمنين، ولعل التذكير يوقظ ضمائر المسؤولين، ونرفع الصوت عاليا لعل الآذان تسمع والعيون تبصر، سائلين متسائلين: ألا يشعر أصحاب القرار بما يشعر به الشعب من خوف على المستقبل وقلق على المصير؟ ألا يتوجسون من انهيار الهيكل على ساكنيه في ظل ما تشهده المنطقة من أحداث دموية مفجعة ومن اعتداءات إسرائيلية متمادية؟ ألا يعلمون أن التنافر يبدد الآمال وأن التفاهم يولد الإنجازات؟ فإلى متى الانتظار؟ وهل يبنى الوطن بغير دستور يحترم ونظام يتبع؟ أم هل تدار الدولة بغير رأس منظم وقلب يتسع للجميع؟". وسأل: "اننا اليوم أحوج ما نكون لاتخاذ المبادرة والبدء بالتشاور الجدي والحوار الصادق والصريح لانتخاب رئيس للجمهورية قبل تفاقم الأمور وحصول ما هو أسوأ في ظل ما نشهده يوميا من تصعيد حربي عدواني واستباحة إسرائيلية لجنوب لبنان الصامد، فهل فقدنا القدرة على تفاهم داخلي يأخذ بعين الاعتبار التوازنات المطلوبة، أم هل أصبحنا رهينة لتفاهم خارجي منتظر يراعي التوازنات الدولية ويحل العقد المستعصية؟". وقال: "إن إسرائيل المغتصبة لأرض فلسطين والطامعة بخيرات لبنان والضاربة عرض الحائط بالقرارات الدولية وبمشاعر العالم كله، بما ترتكبه من انتهاكات واعتداءات في جنوب لبنان، ومن مجازر وحشية موصوفة في قطاع غزة، لا يجوز إطلاقا أن تواجه بانقسام روحي أو تباعد طائفي أو تفكك اجتماعي، ولا بعجز رسمي وترهل إداري، ولا بشغور رئاسي وتجاذب سياسي عشوائي، بل يجب أن تكون المواجهة بمزيد من تحمل المسؤولية ومن التضامن الوطني والتلاقي على المصلحة اللبنانية العليا وتأكيد على الوحدة الوطنية، لكي تكون رافدة لشهادة الأبطال المجاهدين وداعمة للعمل البطولي المقاوم وللتصدي الميداني الرادع والملائم". أضاف: "كم نحن بحاجة إلى استلهام الحقيقة من ذلك الحدث التاريخي العظيم، مدركين أن المسيرة تبدأ بتزكية الذات وتطهيرها من الآفات، وصولا إلى تزكية المجتمع وتطهيره من الموبقات، فإلى تزكية الوطن وتطهيره من المعوقات، وبتحقيق الإصلاح هنا وهناك، أي بإخراج النفس من محنة الشك إلى رحاب اليقين، والمجتمع من محنة التفكك والانحلال إلى واحة التماسك الاجتماعي والتمسك بالقيم، والوطن من محنة اليأس وعجز الدولة وفراغ المؤسسات وتوقع المخاطر إلى فسحة الأمل وواحة العمل". تابع: "نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوقظ الضمائر وينير البصائر، وأن يلهم الجميع سواء السبيل، ببركة ما تحمله هذه المناسبة المعبرة من معاني التضحية والثبات والانتصار للحق، وأن يعيدها على المؤمنين وعلى اللبنانيين بالخير والسلام، وأن يلهمنا وإياكم سبل الخلاص والنجاة". وختم: "تحية لروح الإمام الحسين ولأرواح الشهداء جميعا في كربلاء الطف وفي كربلاء الجنوب وفلسطين، تحية للعلماء الأفاضل وللمجاهدين الأوفياء، تحية لأسرة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الموقر، وتحية لكم جميعا من مشيخة العقل لطائفة الموحدين الدروز ومن إخوانكم وأبناء عمومتكم ووطنكم. عظم الله أجوركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: الإمام الحسین
إقرأ أيضاً:
الاستكبار الصامت والمصير الأبدي .. قراءة قرآنية دلالية للشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه
في قراءة للمعاني الدلالية لقوله تعالى : {وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتَّخَذَهَا هُزُواً}(الجاثية8) ، للشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه ، نجد بعداً إنسانيًا وروحيًا عميقًا، حيث لا يقف عند حدود التفسير النصي، بل يتجاوزها إلى تشخيص العلل النفسية والاجتماعية التي تحوّل الإنسان إلى خصم للحق، ومن بين تلك العلل، يبرز داء الاستكبار، الذي لا يقتصر على الجبابرة المعروفين في التاريخ كفرعون وهامان، بل يمتد في رؤيته رضوان الله عليه ، إلى الصغار الذين يحملون روح فرعون وإن كانوا بلا سلطات.
يمانيون / خاص
دلالة الآية في تصوير النفس المستكبرةيبدأ الشهيد القائد بالتأمل في قوله تعالى: {وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً…}، يُقسم الآية إلى ثلاثة مسارات ترتبط ببعضها، وتبدأ بالسماع الواعي للحق، فالآيات تتلى على هذا الإنسان، فهو يعلم الحق، ولكنه يرفضه، والثاني الإصرار والاستكبار، إذ ليست المسألة جهلًا، بل عنادًا، مما يجعل الاستكبار صفة قلبية ونفسية، والثالث التظاهر بعدم السماع كأن في أذنيه وقرًا، وهذه حالة من الإنكار الإرادي للحق، تدفع نحو التهلكة، وبهذا فإن الشهيد القائد يقرأ في هذه الآية خطورة المكابرة على آيات الله، ويرى أنها أخطر من الكفر الصريح، لأنها تعني معرفة الحق ورفضه عمدًا، وهذا هو ما يقود إلى العذاب الأليم.
الاستكبار كمرض اجتماعي شائع
يفنّد الشهيد القائد الفكرة السائدة أن الاستكبار حكر على الملوك أو الأقوياء، ويقول صراحة أن بعض الفقراء يحملون نفس الروح الفرعونية، ولكن لم يتح لهم أن يكونوا فراعنة على الأرض، الجبروت ليس بالمنصب بل بالنفسية وبعض الناس يبدون بسطاء، ولكن ما إن يحصلوا على منصب بسيط أو كلمة مسموعة، حتى يتحولوا إلى طغاة صغار، والكبر على الناس هو رفض خفي للحق الإلهي، لأن الله أمر بالتواضع، ومن تكبر فقد تمرد على أمر الله.
وهنا يكشف الشهيد القائد عن ظاهرة خطيرة ، وهي الاستكبار النفسي المغلّف بالدين أو التواضع الظاهري، وهو ما يشكل خطرًا مضاعفًا لأنه يُخفي نفسه وراء أقنعة الفضيلة.
مفارقة الرفعة في الدنيا والآخرة
من أقوى الأفكار التي يطرحها الشهيد القائد هي مقارنة بين الرفعة الدنيوية والرفعة الأخروية، ويستند إلى قول الله: {خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} ، فيوم القيامة، يُخفض من تكبّر في الدنيا، ويُرفع من تواضع وصدق مع الله، ويشبه القائد السعي الدنيوي للرفعة عبر الباطل بـ”السراب”، لأن عمر الدنيا محدود، وعمر الآخرة أبدي لا نهاية له، فما قيمة أن يُقال عنك في الدنيا وجيه وأنت في الآخرة في الحضيض؟.
الأتباع المستكبرون ..
يفتح الشهيد القائد نافذة جديدة على الاستكبار، هي الاستكبار بالوكالة، فالإنسان قد يكون تابعًا ولكنه يشعر بالقرب من شخصية نافذة، ويمارس الاستكبار نيابة عنها، ويتمرد على الحق باسم الولاء، ويقول الشهيد إن هؤلاء يعيشون وهمًا كبيرًا، فمن يتبع الطغاة، يتخيل أنه معهم في القوة والعلو، لكنه يوم القيامة يُنبذ مثلهم، مستشهدًا بقوله تعالى: {تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} ، {وَقَالَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً…}، ففي يوم الحساب، لا شفاعة في الباطل، ولا تنفع العلاقات، ولا تنفع المواقف التي كان ظاهرها القوة، وباطنها الانحراف.
السباق إلى الخيرات هو النجاة
يعقد الشهيد القائد مقارنة أخيرة بين ثلاث فئات:
أصحاب المشأمة .. أهل الشؤم، العصاة، المستكبرون، المصرّون.
أصحاب الميمنة .. المؤمنون الناجون.
السابقون المقربون ..من يبادرون بالحق، ينشرونه، يؤسسون المشاريع، ويستمر تأثيرهم بعد موتهم.
ويؤكد أن السبق إلى الخير، ليس في الكم فقط، بل في المبادرة، وتأسيس العمل الجماعي، وتشغيل الناس على الخير.
ويقول الشهيد القائد إن بعض الناس يحاول أن لا يُلزم نفسه بأي شيء، ويرى أنه ذكي لأنه لم يساهم، لكنه في الحقيقة غبي، لأنه فوّت فرصة النجاة.
الوعي بالآخرة أساس الاستقامة في الدنيا
ينقل الشهيد القائد فكرة شديدة العمق، وهي أن الإنسان حين يغفل عن القيامة، عن الحساب، عن المصير الأبدي، تبدأ انحرافاته، فالمعيار الذي يجب أن يحكم السلوك هو هل هذا العمل يقربني إلى الله؟ هل يجعلني آمِنًا يوم القيامة؟
إنها رؤية قرآنية للوجود، تجعل من كل عمل صغير في الدنيا خطوة في مشروع الأبد، ولهذالا تبالِ بالمصاعب ما دمت على الحق، ولا تهتم بمن يكرهك من أهل الباطل، فمن يضحك اليوم من أهل الإيمان، سيُضحك عليه غدًا في الجنة ، {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ}.
ومما يستفاد من قراءته رضوان الله عليه للمعاني الدلالية لهذه الآيات ، أن الاستكبار مرض صامت، قد يصيب البسطاء كما يصيب الجبابرة، وأن السكوت عن الحق، رغم معرفته، هو صورة من صور الكبر والعناد، كما أن المبادرة إلى الخير ضمانة نفسية وأخلاقية للنجاة، والقيامة ليست حدثًا مستقبليًا بل هي معيار للحاضر.
الشهيد القائد يقدّم خطابًا عمليًا، لا تأمليًا فقط، ويحرّك النفس نحو العمل الصالح لا الاكتفاء بالموعظة ..