فلسطينيون في طريق الاستغناء عن العمل بإسرائيل.. كيف؟
تاريخ النشر: 12th, July 2024 GMT
نابلس– من أرضٍ بور بالكاد تُزرع بالقليل من القمح سنويا، أضحى السهل الغربي في قرية بيت دجن قرب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية جنة خضراء، وذلك بعد أن عمرها أصحابها بعشرات البيوت البلاستيكية وزرعوها بأصناف شتى من الخضار في خطوة أحيوا بها اقتصاد البلدة وتحدوا بها ظروف معيشتهم الصعبة التي يعانونها منذ عشرة أشهر.
وفي مبادرة جماعية قرر أكثر من 70 من "عمال إسرائيل" في بيت دجن استصلاح أراضيهم وزراعتها وصولا إلى الاستغناء الكامل عن الاحتلال الإسرائيلي الذين منعهم من الوصول إلى أماكن عملهم منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وبدعم قدمته الإغاثة الزراعية (غير رسمية) عبر شق الطرق ومد خط شبكة المياه، وبتوفير المجلس القروي لخدمات البنية التحتية من كهرباء وغيرها، أُطلق المشروع الزراعي في القرية منذ أكثر من شهرين وبدأ يطرح نتاجه.
وكغيره بين أكثر من 200 من "عمال إسرائيل" في قرية بيت دجن، كان حال الأربعيني مازن أبو جيش الذي فقد عمله بعد 12 عاما في إسرائيل، وظل دون عمل حتى مارس/آذار الماضي إلى أن بادر والعشرات من أمثاله لاستصلاح أراضيهم في السهل الغربي.
الأرض أفضل من "عبودية إسرائيل"ومن 150 دونما (الدونم يعادل ألف متر مربع) عمَّر أبو جيش دونما ونصفا هي مساحة أرضه، وزرعها بالطماطم والفلفل الأخضر، فأنتجت محصولا وفيرا حقق دخلا جيدا في ظل أوضاع اقتصادية صعبة وبطالة جاوزت 32% بالضفة الغربية واقتربت من 80% في غزة حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
وتجولت الجزيرة نت في المنطقة المستهدفة بقرية بيت دجن، واطلعت من قرب على هذه التجربة التي برزت كأولى المبادرات الجماعية التي استفاد منها "عمال إسرائيل"، وأوجدوا البديل الذي وفَّر عليهم جهدا ووقتا، والأهم كما يقول أبو جيش "عودتهم لأرضهم وتثبيت هويتها بعيدا عن عبودية العمل في إسرائيل".
ويضيف أبو جيش للجزيرة نت أن "المقابل المادي في إسرائيل قد يكون أفضل إلى حد ما، لكنّ العمل هناك مرهق وبلا كرامة".
وبلغة الأرقام يصف أبو جيش مشروعه الجديد ويقول إنه أفضل من العمل في إسرائيل، فمقابل 6 ساعات من العمل في الأرض يقابلها 17 ساعة في إسرائيل، إضافة إلى العمل بحرية وأمان وهدوء وراحة نفسية وانتماء، كما أن الحفاظ على الأرض أكثر أهمية من الجدوى الاقتصادية.
ومن مدخول بسيط لا يتجاوز الـ200 دولار أميركي ثمنا لإنتاج الدونم الواحد من القمح سنويا، أصبحت المساحة ذاتها تدر أضعافا كثيرة بعد الزراعة داخل البيوت البلاستيكية، وبمبلغ يفوق الـ8 آلاف دولار أميركي سنويا حسب أبو جيش، لأنها زراعة مستدامة طوال العام وجدواها الاقتصادية أنجع.
ويعمل أبو جيش في مزرعته رفقة اثنين من أبنائه، ويعكف مثل بقية المزارعين على تشغيل آخرين من "عمال إسرائيل"، كما يعمل على تطوير زراعته بأصناف جديدة من الخضار والفواكه كالعنب والفراولة.
استصلاح الأراضي وحمايتها من الاستيطانومنذ الحرب على غزة قبل 9 أشهر، أغلقت إسرائيل منافذها ومعابرها بوجه 200 ألف من العمال الفلسطينيين، متسببة بخسارة قدرها مليار و250 مليون شيكل شهريا (نحو 342 مليون دولار) حسب الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين.
ومثل أبو جيش اختار المواطن سمير جميل حامد العودة إلى أرضه وزراعتها بعد أن استصلحها وحصل على الخدمات الأساسية للزراعة وأهمها الماء. يقول إن عشر سنوات من العمل بإسرائيل أرهقته ولم تشعره بالفرح الذي يعيشه الآن في أرضه.
ومن خلال دفع جزء وتقسيط آخر من ثمن البيت البلاستيكي الذي يقدر بـ10 آلاف دولار أميركي، استصلح حامد أرضه وزرعها بالخيار والطماطم، ولا يدخر جهدا في تطوير مزرعته وتحسين إنتاجها وزيادته.
ويهدف حامد والمزارعون أمثاله إلى زيادة عدد الدونمات المستصلحة لتصل 300 دونم خلال العام القادم 2025، هذا بالطبع إضافة لتحسين اقتصاد قريتهم وتشغيل أبنائها لحماية أرضه من المصادرة والاستيطان، خاصة وأن الاحتلال يصنفها مناطق "سي" ويُخضعها لسيطرته الأمنية والإدارية، مما دفع مواطنين كثرا لاستئجار أراض بور من أصحابها وزراعتها.
وسط إقبال كبير .. ماذا يقول الداعمون؟وتقوم فكرة الإغاثة الزراعية أساسا على تحويل الزراعة البعلية في سهل بيت دجن إلى زراعة مروية، وتزامن ذلك مع وقف العمل بإسرائيل، ليلجأ عشرات العمال من القرية إلى الاستفادة من المشروع الذي بات يُشغِّل 300 عامل بشكل يومي وفق المدير العام للإغاثة الزراعية منجد أبو جيش.
ويضيف منجد أبو جيش في حديث مع "الجزيرة نت" أنهم بصدد توسيع المبادرة لتشمل زراعات أخرى، خاصة وأن شبكة المياه توافرت وأصبحت تغطي نحو 5 آلاف دونم من أراضي السهل الممتدة بين قريتي بيت دجن وبيت فوريك اللتين تُعدان أكثر من 20 ألف نسمة.
ويقول "الزراعة بمختلف أصنافها ستسد الاحتياج المحلي لهاتين البلدتين المحاصرتين خلف حاجز عسكري (حاجز بيت فوريك) الذي يتحكم بمصيرهم".
ولتنمية مثل هذه المبادرات والمشاريع وتيسير السبل على المواطنين تقدم الإغاثة الزراعية الدعم للمزارعين مباشرة، كما تجهز البنية التحتية من شبكات مياه وطرق وغير ذلك، إضافة إلى دعم نماذج زراعية بعينها لإنجاحها، والعمل بكل طاقة على تسويق المنتوج وهو المعضلة الكبرى التي تواجه المزارعين.
وثمة معطيات تقريبية تقول إن جزءا كبيرا من "عمال إسرائيل" والعمال بشكل عام توجهوا للقطاع الزراعي عقب طوفان الأقصى باعتباره "الخيار الأقرب" لهم وفقا لمنجد أبو جيش الذي أضاف أن الإقبال على الزراعة زاد 30% بعد الحرب عما كان عليه قبل ذلك، مشيرا إلى أنه تم تشييد أكثر من 7 آلاف بيت بلاستيكي.
من جهته، يقول مدير دائرة الزيتون بوزارة الزراعة رامز عبيد إن لديهم مؤشرات خاصة بزيادة الرقعة الزراعية في الضفة الغربية، واهتمام الناس أكثر بها.
ويضيف أنهم لمسوا ذلك من خلال مشروع تخضير فلسطين الذي يوزعون فيه نصف مليون شجرة سنويا، وأوضح أن الطلب زاد من خلال مديريات الزراعة المختلفة، كما زاد الطلب على البيوت البلاستيكية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات عمال إسرائیل فی إسرائیل بیت دجن أکثر من أبو جیش
إقرأ أيضاً:
أكثر 70 فنانا يوقعون على عريضة تدعو لإقصاء إسرائيل من مسابقة يوروفيجن 2025
أكثر من 70 من فناني يوروفيجن السابقين طالبوا بإقصاء إسرائيل من المسابقة بسبب حربها على غزة، واتهموا اتحاد الإذاعة والتلفزيون الأوروبي بازدواجية المعايير. حيث اعتبروا السماح بمشاركة إسرائيل "تبييضًا لانتهاكاتها وتطبيعاً للإبادة بحق الفلسطينيين". وفق تعبيرهم. اعلان
في بيان موقع جماعياً، وجّه أكثر من 70 من المشاركين السابقين في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) انتقادات لاذعة لاتحاد الإذاعة والتلفزيون الأوروبي واتهموه بـ"التغاضي عنالجرائم الإسرائيليةفي غزة" وفق تعبيرهم، ومطالبين بطرد هيئة البث الإسرائيلية الرسمية "كان" من عضوية الاتحاد.
ووفقاً لتقارير نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية، فقد جاءت هذه المبادرة استجابة لما اعتبره الفنانون المشاركون تواطؤاً من الاتحاد مع الحرب الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة، من خلال السماح لتل أبيب بالمشاركة في المسابقة، رغم ارتكابها "انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني".
وقد ذكرت صحيفة "ذا اندبندنت" البريطانية أن الرسالة التي وُجهت مباشرة إلى إدارة اتحاد الإذاعة والتلفزيون الأوروبي، تساءلت عن "ازدواجية المعايير" المعتمدة، إذ سبق للاتحاد أن استبعد روسيا من المسابقة عام 2022 عقب غزوها لأوكرانيا، في حين ما زال يسمح لإسرائيل بالمشاركة في الفعالية رغم ما يجري في غزة.
وعلّقت المغنية المالطية ثيا غاريت، التي مثلت بلادها في يوروفيجن 2010 وأحد الموقّعين على الرسالة، بالقول: "لا يجوز أن تكون هناك قاعدة لروسيا وقاعدة مختلفة لإسرائيل. إذا قمت بالقصف، تُقصى".
كما رأى الفنانون الموقعون على البيان أن قناة "كان" الإسرائيلية شريكة في ما وصفوه بـ"الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين"، واتهموا اتحاد الإذاعة والتلفزيون الأوروبي بـ"تبييض صورة إسرائيل وتطبيع جرائمها" من خلال السماح بمشاركتها في المحافل الثقافية.
ورداً على هذا الضغط المتزايد، أعلن الاتحاد أنه "يدرك تماماً حجم القلق الدولي المرتبط بالصراع في الشرق الأوسط"، مؤكداً أنه "يُجري اتصالات مستمرة مع الجهات المشاركة في دورة هذا العام".
ووصف الموقعون على الرسالة مسابقة هذا العام بأنها "الأكثر تسييساً وفوضوية وإزعاجاً في تاريخ يوروفيجن"، في ظل تصاعد التوترات المحيطة بمشاركة إسرائيل، والتي بدأت منذ النسخة السابقة من المسابقة.
وكانت مشاركة الدولة العبريةفي يوروفيجن 2024 محل جدل العام الماضي، بعد أن طلبت اللجنة المنظمة من المتسابقة الإسرائيلية إيدن غولان تعديل كلمات أغنيتها "أمطار أكتوبر" بسبب ما اعتُبر تلميحات مباشرة لهجمات السابع من أكتوبر. وهددت البعثة الإسرائيلية حينها بالانسحاب من المسابقة، في سابقة أثارت انقساماً واسعاً داخل أروقة اتحاد الإذاعة والتلفزيون الأوروبي.
أما هذا العام، فقد وصلت البعثة الإسرائيلية إلى مدينة بازل السويسرية، حيث تنطلق التصفيات النصف النهائية في 15 مايو الجاري، ويمثل الدولة العبرية هذه السنة المغني يوڤال رافائيل (24 عاماً)، وهو أحد الناجين من مهرجان نوفا الموسيقي التي هاجمه عناصر حركة حماس في السابع من أكتوبر.
Relatedإردوغان يهاجم مسابقة يوروفيجن: "حصان طروادة للفساد الاجتماعي وتهديد للأسرة التقليدية"فرقة "زيفربلات" الأوكرانية تغادر إلى سويسرا لتمثيل بلادها في مسابقة يوروفيجن 2025بعد منعها من "يوروفيجن".. موسكو تُعيد إحياء المسابقة الغنائية "إنترفيجن" بأوامر من بوتينتجدر الإشارة إلى أن الأصوات المطالبة بإقصاء إسرائيل لم تظهر حديثاً، بل تعود إلى الدورة السابقة، حين تسببت مشاركة إيدن غولان في موجة احتجاجات واسعة، وصلت إلى حد انسحاب ممثلين من بعض الوفود (مثل أيرلندا واليونان) من التفاعل معها، وتعرّضها لصيحات استهجان خلال أدائها في تصفيات نصف النهائي والنهائي. وقد صرّحت غولان لاحقاً بأنها اضطرت لارتداء شعر مستعار كما وضعت تحت حماية أمنية مشددة بسبب مخاوف على سلامتها الشخصية.
ويرى البعض أن نسخة 2025 من مسابقة يوروفيجن ستشكّل اختباراً لمصداقية الاتحاد الأوروبي للإذاعة في التعامل مع النزاعات الدولية وتطبيق معاييره على نحو متساوٍ، بعيداً عن حسابات السياسة والتحالفات.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة