جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-31@11:28:13 GMT

صلابة التسامح في المجتمع العماني

تاريخ النشر: 17th, July 2024 GMT

صلابة التسامح في المجتمع العماني

 

 

أنور الخنجري

alkhanjarianwar@gmail.com

ما بين الميلاد والموت سلسلة مُتصلة من الأحداث، تعود بنا أحيانا إلى واقع عايشناه أو قرأنا عنه وسمعناه، وحينا نتلمسه يوميًّا من خلال ما تطالعنا به وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة من تغريدات ومدونات...وغيرها من منصات الإعلام العشوائي واسعة الانتشار، بعضها يأخذ طابع الغلو والتشدد والتنطع باسم الدين أو المذهب أو العرق أو غيرها من المُسميات، وبالمقابل هناك من يختلف معها من تيارات ومذاهب، وبعضها يُعارض بشدة هذه الانتماءات والتوجهات ومؤيد للحداثة ومنهاجها الدنيوي.

إنَّ مثل هذه التجاذبات الشرسة الحاصلة في المجتمع، أي مجتمع في العالم، لهي دليل واضح على تغيُّر بعض السلوكيات التي أخذت طابع التطرف والانفعال، وأبرزت دون شك طبقة تُحاول أن تكون متميزة بفكرها وعقيدتها وفرضها على الآخر من خلال صراعات مجتمعية ممنهجة. هذه الصراعات -خاصة في عالم متعدد الثقافات والقوميات والمرجعيات- تكون عادة أشد شراسة عن غيرها من المجتمعات؛ حيث تحاول كل فئة سحق من يُخالفها بقوة الكلمة تارة وبقوة السلاح تارة أخرى، وجميعها في كل الأحوال وعلى مر التاريخ يكون الماضي جزءا من حاضرها الكئيب، بل يُهيمن عليه ويقوده إلى ارتكاب أفعال لا يتقبلها العقل لأنها لا تستند في عصرنا هذا على فكر ناضج أو إبداع مُتميز يقود الأمة إلى التَّحضر والتقدم والرقي الذي تدعو إليه جميع الأديان والمذاهب والطوائف والملل باسم الخالق جلَّ وعلا وباسم الإنسانية عموماً.

نحن هنا في عُمان لم نكترث كثيرا لمثل هذه التجاذبات العقيمة، موقنين أنها صراعات عبثية ليست في صالح الأمة قطعاً، إننا هنا في عُمان يكفينا أن نكون بشراً خيِّرين لننال ثقة واحترام وتقدير الآخرين، إننا كمواطنين لا ننظر إلى الدين أو المذهب أو العرق كأساس لتعاملاتنا مع الآخر، بل نتعامل مع كل الطوائف والتيارات على صعيد واحد، ونؤمن بأنَّ الأديان والمذاهب جزء من الاختلاف، بل هي من الفطرة أن نتعايش مع كل الأجناس والأطياف على حد سواء، إننا لم نختر مذاهبنا بل كلنا لمذاهب آبائنا منتمون، لذلك نحن متعايشون مع بعضنا، ولا يستطيع أي بعض منَّا أن يدعي أنه على حق دون غيره. لدينا -ولله الحمد- المساجد والكنائس والمعابد، ويعيش بيننا المسلمون بمختلف مذاهبهم وطوائفهم، كما يعيش بيننا النصارى والهندوس لمئات السنين، في وئام تام دون أن تكون هناك صراعات مذهبية أو دينية، وإنما سِلم ومحبة وأمان، ولم يسجل التاريخ أبدًا حروبًا دينية أو مذهبية بينهم، رغم أن بلادنا تحوي أتباع مختلف الأديان والطوائف والمذاهب.

إنَّ طبيعة الكون التطور، والعالم الذي نعيش فيه اليوم مختلف عمَّا عاشه أجدادنا، عالم اليوم بالغ السرعة صاخب الضجيج متشابك المصالح، ولا يُمكن أن تسيطر عليه أنماط محددة من الأفكار، أو أن تفرض فئة دون غيرها هيمنتها على الآخر. لا نريد أن نكون عند مفترق الطرق لا نعلم ماذا نحن فاعلون، فلدينا من ماضينا الكثير من العبر والدروس التي يمكننا الاستفادة منها لتوجيه البوصلة للاتجاه الصحيح لرسم سلوكياتنا وفق ما لدينا من قيم ومبادئ حدَّدها لنا ديننا الإسلامي الحنيف، مع الأخذ بالأسباب التي لا تشغلنا عن همومنا الحقيقية أو تعزلنا عن الآخر.

هذا الاخر هو أيضا جزء من نسيجنا الاجتماعي، ومكون مهم لا يمكن أن نمقته لمجرد أننا نختلف معه في الرأي أو الفكر أو الدين أو المذهب. كما أن النهج الناجع الذي رسمه لنا السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- وما حققه من إنجاز عظيم في توحيد الأمة العمانية بكل مكوناتها وخلفياتها العرقية يعدُّ مدرسة بحد ذاتها يمكن الاقتداء بها وتطويرها للاستمرار في بناء عُمان الخير من أقصاها إلى أقصاها؛ فخلال الخمسين عامًا الماضية استطاع -رحمه الله- أن ينتشل عُمان من براثن الفقر والبؤس والصراعات الداخلية لننعم اليوم بالخير والسلام كدولة يُضرب بها المثل في التسامح والتعايش السلمي، ونحن بعون ألله، وتحت القيادة الرشيدة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ورعاه، على نفس النهج سائرون.

إنَّ الحادث الذي شهدته بلادنا موخراً في منطقة الوادي الكبير من ولاية مطرح، لهو حدث مؤسف ونادر، لم يسبق له مثيل على هذه الأرض الطيبة، وأيًّا ما كانت انتماءات أو توجهات الفاعلين فهي "عدوان سافر لا يورث إلا الأحقاد ولا يعقب إلا الفتن"، كما قال شيخنا الجليل سماحة أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام السلطنة. إن ما حدث يقتضي أن نكون مدركين لخطورة مثل هذه الأفعال التي قد تسيطر على عقول بعض الفئات غير المدركة لعواقب الأمور، ويتوجَّب علينا في مثل هذه الظروف أن نعي حقيقةً حجم المسؤولية الملقاة على عاتقنا كمواطنين لدرء خطر الإنجذاب نحو تصديق كل ما تُورِده حسابات التواصل الاجتماعي من تفاهات.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا إلى سواء السبيل.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

البرامج الموجهة للمرأة بالجامع الأزهر توضح الأعمال التي تعادل الحج والعمرة

عقد الجامع الأزهر اللقاء الأسبوعي من البرامج الموجهة للمرأة، تحت عنوان" الأعمال التي تعادل الحج والعمرة"، بحضور الدكتور فتحية محمد الحنفي، أستاذة الفقه بجامعة الأزهر، والدكتورة فاطمة عبد المجيد هنداوي، أستاذة البلاغة والنقد بجامعة الأزهر الشريف ووكيلة كلية الدراسات العليا للقطاع الشرعي والعربي، وأدارت اللقاء الدكتورة حياة حسين العيسوي، الباحثة بالجامع الأزهر.

ملتقى الجامع الأزهر: تقبيل الحجر والطواف شعائر توحيد لا وثنية كما يزعم البعضملتقى الجامع الأزهر يوضح المفهوم الشامل لتعظيم شعائر اللهالحج عبادة بدنية مالية

وأوضحت الدكتورة فتحية محمد الحنفي، أن فريضة الحج الركن الخامس من أركان الإسلام بعد الشهادتين والصلاة والزكاة والصيام، والحج عبادة بدنية مالية قال تعالي "وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلً"، فشرط أداء هذا الركن هو القدرة المالية والبدنية، وهذه العبادات يشترط فيها النية الخالصة لله تعالى كي يترتب عليها الثواب.

وأضافت أنه بالرغم من ارتفاع تكاليف الحج وعجز الكثير عن أداءها، فإن الله عز وجل جعل للمؤمن فسحة في دينه، فهناك كثير من الفرائض والنوافل والطاعات التي إذا فعلها المؤمن مع توافر النية الخالصة لله ينال الثواب الذي يعادل الحج والعمرة، ومنها أداء الفرائض الخمس في جماعة ، قال:" من خرج من بيته متطهرا إلي صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم"، وخصوصًا صلاة الفجر في جماعة ثم الجلوس لذكر الله حتي تطلع الشمس ثم صلاة  الضحى، ومنها أداء العمرة في رمضان والتي تعادل في ثوابها حجة، روي أن النبي قال:" عمرة في رمضان تقضى حجة معي "- رواه البخاري ومسلم.

وتابعت أستاذة الفقه بجامعة الأزهر: أن من أعظم الأعمال، بر الوالدين فالله عز وجل قرن برهما والإحسان اليهما بعبادته سبحانه وتعالى" وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا "، وكذلك صدقة التطوع بكل أنواعها وإخراجها في السر والخفاء، فالصدقة تقرب العبد من ربه، وتكفر الذنوب وتطفىء غضب الله تعالي، قال تعالي " إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ"، إضافةً إلى مساعدة المحتاجين بجميع أنواع المساعدات مادية كانت أو معنوية، وطلب العلم وحضور مجالسه خاصة العلم الشرعي الذي تحفه الملائكة، فعن  أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ"وما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده".

بداية جديدة وعهد جديد

في ذات السياق ذكرت الدكتورة فاطمة عبد المجيد هنداوي، أن الحج ولادة جديدة وبداية جديدة وعهد جديد في حياة الحاج ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قالَ: سَمِعْتُ رسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقولُ: منْ حجَّ فَلَم يرْفُثْ، وَلَم يفْسُقْ، رجَع كَيَومِ ولَدتْهُ أُمُّهُ.. متفقٌ عَلَيْهِ"، ولقد أفاض الله على عباده، فجعل بعض العبادات تساوي في ثوابها الحج والعمرة، وعد من الأعمال الصالحة عشرة أعمال يومية بسيطة لا تلغي شعيرة الحج بل جمع أعمال ثوابها عند الله لمن حج واعتمر، وله أن يكررها أو بعضها كل يوم، والحج متاح لمن استطاع إليه سبيلاً، ومن هذه الأعمال، التوبة إلى الله عز وجل، فهي على رأس الأعمال الطيبة كلها، والأذكار عقب الصلوات المفروضة، والمحافظة على صلاة الفريضة في المسجد، والتبكير لصلاة الجمعة، وحسن تبعل الزوجة لزوجها وطلبها مرضاته.

وبينت حياة حسين العيسوي، أن الاستطاعة قد تحول دون تحقق أداء فريضة الحج لدى كثير من المسلمين؛ لكن الله عز وجل برحمته فتح لعباده أبواباً أخرى من الفضل، فجعل بدائل يسيرة في عباداتٍ يسيرة يمكن للمسلم أداؤها دون مشقة أو عناء ويدرك بها أجر الحج وثوابه إذا صدقت النية وتححق اخلاص، لعل أجلها الأذكار بعد الصلوات الخمس، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : جَاءَ الْفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الْأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ ؛ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ. قَالَ : " أَلَا أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ : تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ". فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا، فَقَالَ بَعْضُنَا : نُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَنَحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ : " تَقُولُ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلَاثًا.

طباعة شارك الجامع الأزهر الحج والعمرة البرامج الموجهة للمرأة بداية جديدة وعهد جديد الاستطاعة فريضة الحج

مقالات مشابهة

  • عرفة.. خطيب المسجد الحرام: يوم وفاء بالميثاق الذي أخذه الله على بني آدم
  • وزير المالية: نعمل على خفض زمن وتكلفة الإفراج الجمركي لتحفيز الاستثمار والتصدير
  • الحج .. رحلة الروح إلى اليوم الآخر
  • حكم الحاج الذي يحلق شعره ناسياً.. اعرف التصرف الشرعي
  • وزير الأوقاف: نعتز برسالة التسامح التي تتبناها مصر والسنغال ونتطلع لمزيد من التعاون
  • نهيان بن مبارك لـ«الاتحاد»: تعلمنا من زايد أن «الهوية» و«التسامح» ليسا شعارات.. بل أفعال مترابطة
  • فيتش: آفاق النمو القوية تدعم صلابة البنوك الإماراتية
  • السيد القائد عبدالملك: جيل الأمة الإسلامية في أمس الحاجة إلى الرُشد الذي مصدره الله سبحانه وتعالى
  • السيد القائد الحوثي: القرآن الكريم النعمة الكبرى بكتاب الهداية الذي فيه البركة الواسعة في كل مجالات الحياة
  • البرامج الموجهة للمرأة بالجامع الأزهر توضح الأعمال التي تعادل الحج والعمرة