عربي21:
2025-06-10@22:25:21 GMT

بطل الشاشات (2)

تاريخ النشر: 18th, July 2024 GMT

جاءت واقعة شاشة شارع فيصل في محافظة الجيزة المصرية، لتُظهر نموذجا جديدا من أشكال السخط المصري، لكنه كان مبدعا ومختلفا عن مشاهد الاحتجاج الأخرى التي أوصلت نفس رسالة التظاهرات بصورة أخرى، وإذا كان سبق الحديث عمن أسميناه من قبل بطل الشاشات، بسبب اهتمامه بالصورة التي يريد التقاطها في أي حدث محلي أو دولي، فقد أصبحنا أمام معركة جديدة يخوضها السيسي على الشاشات أيضا، لكن شاشته لا تشبه شاشة شارع فيصل.



فور تداول المقطع، استدعت جهاتُ الأمن الإعلاميين ومسؤولي اللجان الإلكترونية للتعامل الأوَّلي مع الموقف، ليُطِلَّ الإعلاميون من وراء شاشات الكمبيوتر مهللين ومسبحين بحمد النظام، ومهاجمين جماعة الإخوان المسلمين، محمِّلينها مسؤولية ما حدث.

في الوقت ذاته، انطلقت حملة بوليسية في شارع فيصل، وبدلا من "جذب قابس الشاشة فقط"، قررت قوات الأمن جذب قابس الكهرباء عن شارع فيصل الحيوي والتجاري! ما يشير إلى عمق وخطورة ما حدث على رسالة القمع الأمنية المستمرة منذ أكثر من عشر سنوات، فما حدث ليس مجرد احتجاج محدود بل رسالة وصلت إلى آلاف المارِّين وقت عرض الصور الكاشفة للسيسي، ثم وصولها إلى ملايين الساخطين عليه والمعارضين لحكمه عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لكن ما الإشكال فيما حدث؟

ما حدث ليس مجرد احتجاج محدود بل رسالة وصلت إلى آلاف المارِّين وقت عرض الصور الكاشفة للسيسي، ثم وصولها إلى ملايين الساخطين عليه والمعارضين لحكمه عبر وسائل التواصل الاجتماعي
في فترة العمل الطلابي قبل ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، كنا نتظاهر داخل الحرم الجامعي، ومع ارتفاع سقف الخطاب السياسي من جهة، وشراسة القمع الأمني تجاه الطلاب من جهة أخرى، بدأت التظاهرات تأخذ طابعا جديدا، إذ تبدأ التظاهرة أمام الجامعة على رصيفها المقابل للشارع العام لمدة من الوقت، وبعدها ننتقل إلى داخل الجامعة، أو نحيل التظاهرة بأكملها على الرصيف الجامعي، وكان ذلك دون تعطيل لحركة المرور، إذ كنا نستخدم الرصيف فقط، فكانت مطالب الأمن وقتها، ألا نقف أمام الجامعة وأن نتظاهر بحرية داخلها، أو تقليل مدة الوقوف في الشارع.

كان السبب في هذا الرفض المستمر والمتكرر، أن التظاهرة في الشوارع تخرج من نطاق المشاهدة على الشاشات، أو حدود الطلاب، ويراها آلاف المارين من أمام الجامعة، وتُسهم المشاهَدَة المباشرة والمعايَنة للحدث في كسر حالة الخوف بالتدريج، وكنا في المقابل نريد هذا التأثير والضغط لتقليل القمع، فكانت العادة إبقاء التظاهرات في الشوارع قبل دخول الحرم الجامعي. ومن هنا تَشَابَه تأثير شاشة فيصل مع التظاهرات من جهة كسر الحواجز الأمنية، فضلا عن تميُّز فعل الشاشة بالابتكار غير المسبوق؛ ما يفتح الباب أمام استخدام عشرات الآلاف من الشاشات في شوارع مصر بالطريقة نفسها، وهو أمر أقل تكلفة بصورة عظيمة من تكلفة التظاهرات بالنظر إلى القمع الأمني، ومَنْ سَنَّ هذه السُّنة فإليه يُنسب فضلها وفضل من عَمِل بها.

لاستعادة الهيبة الأمنية، قرر أمن السيسي، وربما هو بنفسه، شن حملة اعتقالات عشوائية عنيفة، خاصة أن نغمة بدأت تسري بين أهل فيصل، على سبيل التندُّر، بأنهم الأكثر جرأة في رحاب المحروسة، فبدأ التنكيل بالمنطقة؛ قُطعت الكهرباء عن المنطقة أولا، بحسب صور متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، بالتزامن مع حملة أمنية مسعورة، واعتقالات عشوائية وإغلاق الشارع، وفَضِّ التجمع أمام الشاشة، خوفا من انطلاق تظاهرة تستكمل المشهد المثير لاستفزاز الأجهزة الأمنية ورأس النظام.

كانت التصرفات المذعورة والشرسة متوقعة من النظام، لكن لم يخطر بالبال استخدام حدث سياسي كهذا في تصعيد خطابات الكراهية ضد اللاجئين السودانيين في مصر، ومعلوم أن منطقة فيصل إحدى مناطق تجمعهم، لكن انحطاط اللجان الإلكترونية للنظام يتماهى مع كل نقيصة، فأشاعت أن سودانييْن اخترقا الشاشة، ورغم نفي الداخلية تورط السودانيين عموما، إلا أن حملة الكراهية استمرت، من حسابات لا تفعل سوى التمجيد في السيسي ونظامه، وترى هؤلاء المسوخ يدورون على الصفحات الخاصة باللاجئين أو المنظمات الداعمة لهم، يبثون خطاب الكراهية ضدهم، ويطالبونهم بترك مصر، كأن مصر والسودان لم يكونا أمة واحدة ودولة واحدة، ولا يزال يربطهما مصير واحد، وماء يرتوي منه الجميع، يَرِد على أهل النقاء والصفاء في السودان أولا، ثم نرتوي منه بعدهم.

تركت الدولة للكيانات غير الرسمية بث خطاب الكراهية ضد مجتمع اللاجئين، ووجهت الخطاب الرسمي تجاه جماعة الإخوان المسلمين، وبعدما كان الإعلام يتحدث عن عدم وجود جماعة الإخوان في مصر، ونجاح السيسي وأجهزته في القضاء عليها، أشاعوا خطابا مغايِرا عن وجود أعضائها، وتَخَفِّيهم بين قطاعات المجتمع، ثم أدار السيسي معركة جديدة على الشاشات أيضا للذم في الإخوان، مستفيدا من الفكرة العبقرية التي وصفتْه، فوجَّه شاشات الإعلانات بالشوارع للهجوم على الإخوان، إذ بات معلوما أن الشارع لا يشاهد مهرِّجيه في برامجهم، فقرر فرض رؤيته على المنتظرين في زحام القاهرة، والمارين في الشوارع، ليخبرهم بأن الإخوان تسببوا من قبل في سوء الوضع الاقتصادي، وأزمات الكهرباء، والمفارقة أن نظامه أمام الأزمة نفسها، مع فارق كبير بين مَن تورَّط في الأزمة بسبب أجهزة الدولة المعارضة له، ومَن وصل إلى الأزمة بسبب سوء إدارته وفشله.

اللافت أيضا في تلك الحملة على الإخوان، أن السيسي يصر على إحياء الإخوان في وجدان المجتمع، وهذه الحماقة مثيرة للانتباه، فهو يعتقد أن إحياء كراهية الإخوان في قلوب الشارع مهم، لأن المجتمع ينسى بعد فترة وجيزة الوقائع، فضلا عن حضور أجيال جديدة لم تشهد حكم الإخوان ولا فترة تواجدهم السياسي. أدار السيسي معركة جديدة على الشاشات أيضا للذم في الإخوان، مستفيدا من الفكرة العبقرية التي وصفتْه، فوجَّه شاشات الإعلانات بالشوارع للهجوم على الإخوان، إذ بات معلوما أن الشارع لا يشاهد مهرِّجيه في برامجهم، فقرر فرض رؤيته على المنتظرين في زحام القاهرة، والمارين في الشوارع، ليخبرهم بأن الإخوان تسببوا من قبل في سوء الوضع الاقتصادي، وأزمات الكهرباءوإعادة التذكير بخطايا فصيل أمر صحيح نظريا لضمان استمرار إبعادهم، لكن الواقع العملي يخالف ما يريده السيسي، فمن أراد ذم انقطاع الكهرباء عليه أن يوفرها، ومن أراد ذم سوء الأوضاع الاقتصادية عليه أن يحسِّنَها، ومن أراد ذم مناخ الحريات عليه أن يسمح بالتعددية.

إذا لم تفعل شيئا من هذا وأردتَ ذم السلوك نفسه، فإنك ستحيي خصمك لا محالة، بل ستجعل الأجيال الجديدة التي لم تر سوى إخفاقاتك تعتقد وتؤمن أنهم مظلومون، وتكرار اسمهم سيجعل الكثير منهم يُقبل عليهم إذا أتيحت الفرصة لهم. وفي حين أن الجماعة انقسمت وربما تسبب هذا الانقسام في إضعاف فرصها، فإن السيسي أحياها وهو يريد قتلها، والكارثة أنه لا يستطيع ألا يتحدث عنهم باستمرار وتحميلهم مسؤولية إخفاقه وسوء إدارته، ولا يستطيع أيضا أن يسكت عنهم لأنه يعتقد أن السكوت عنهم يعني رفع أسهمهم.

إذا، دخل السيسي شكلا جديدا من معارك الشاشات، بمعدات أكبر وقدرات لا محدودة، لكن ربما يشبه الأمر طوفان الأقصى، إذ فارق الإمكانيات ضخم للغاية، لكن الصفعة التي توجهها المقاومة للصهاينة تكون أشد إيلاما من صاروخ يزن ألفي رطل، وتظل عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر المسمار الأهم على الإطلاق في نعش دولة الاحتلال، وهكذا وضْع شاشة فيصل بمحدودية الإمكانيات، ورداءة التصميم، لكنها فتحت الباب أمام شكل جديد وغاية في الإبداع من النضال السياسي، وستكون مسمارا من أهم مسامير نعش الحكم الأسوأ والأحط في تاريخ مصر الحديث، ومرة أخرى، لن تكون شاشته كشاشة شارع فيصل.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه شارع فيصل المصرية الشاشات السيسي الإخوان مصر السيسي الإخوان شاشات شارع فيصل مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على الشاشات فی الشوارع شارع فیصل ما حدث

إقرأ أيضاً:

ماذا وراء مهاجمة عدنان إبراهيم لحسن البنا ولجماعة الإخوان؟

هاجم الباحث في الفكر الإسلامي، الدكتور عدنان إبراهيم في ورقته المقدمة لندوة "تنظيم الإخوان المسلمين.. خطاب التطرف والتضليل" التي نظمتها جامعة محمد بن زايد الإنسانية في أبو ظبي بتاريخ 27 تموز/مايو الماضي، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، الشيخ حسن البنا هجوما قاسيا وعنيفا، ووصفه بـ"الشخصية الاستحواذية الإقصائية الفاشية المرعبة، وهو عكس ما يصور تماما"، مضيفا "حسن البنا شأنه شأن أبي الأعلى المودودي كانا يحبذان الفاشية".

وفور انتشار المقطع المصور لمحاضرته السابقة استرجع ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع أخرى مصورة له وهو يمدح البنا ويثني عليه، ويصفه بـ"الإمام الشهيد حسن البنا.. الذي رُشح للمجلس النيابي مرتين، وهو يرى شرعية ذلك، وقد مضى شهيدا سعيدا ولم يكن يساوم على دينه..".

هذا التغير الجذري في موقف عدنان إبراهيم من مؤسس جماعة الإخوان، الشيخ البنا أثار جملة من التساؤلات عن أسباب ودوافع تغير رأيه وموقفه منه؟ فهل يعود تغيره لاطلاعه على مواد وأفكار وخفايا جديدة حملته على تغيير رأيه وموقفه منه أم أن تغيره يرجع إلى أسباب سياسية محضة تتعلق بجهات الدعم والتمويل، ومحاولة التماهي مع موقف تلك الجهات من الإخوان والبنا وفق مراقبين؟

ومن الملاحظ أن تغير رأي وموقف إبراهيم من حسن البنا، من كيل المديح له والإعجاب به إلى الهجوم المقذع عليه، أثار حفيظة عدد من متابعيه ومريديه، الذين رأوا في موقفه الجديد تصرفا انفعاليا مندفعا، أبعد ما يكون عن شخصيته الناقدة، التي تحاكم الأفكار بموضوعية وتزنها بميزان علمي دقيق، معتمدا في ذلك كله على الأدلة والبينات والبراهين.

في تحليله لأسباب تغير عدنان إبراهيم من حسن البنا ومهاجمته له، قال الباحث والناشط الأردني، نائل أبو عاصم "هناك عدة مستويات لتفسير هذا التغير، فعلى صعيد المستوى المعرفي/النقدي، فمن المحتمل أنه أعاد النظر في التراث الحركة للإخوان بعد اطلاع أوسع على أدبياتهم، وخصوصا العلاقة بين فكر البنا وتطرف بعض تلامذته كسيد قطب والمودودي".

وأضاف "وقد يكون هذا التحول نابعا ـ وفق رأيه بالطبع ـ من مراجعة فكرية جادّة، يرى فيها البنا مسؤولا عن التأسيس لفكر الجماعة والتنظيم السري، والتربية المغلقة، أما على صعيد المستوى النفسي/ الشخصي فعدنان إبراهيم شخصية تميل إلى المبالغة في تأييدها أو خصومتها، ولا يخفي إعجابه أحيانا أو خصومته لاحقا بشكل قاطع".

وتابع أبو عاصم وهو المتابع لإبراهيم من بدايات ظهوره "هذه الثنائية تظهر كثيرا في مواقفه السابقة تجاه شخصيات مثل الغزالي والشافعي، ما قد يعني أن جزءا من التغير يتصل بطبيعته المزاجية، أو النزعة الخطابية".

وردا على سؤال "عربي21" بشأن تغير عدنان إبراهيم من منظور سياسي/ واقعي لفت أبو عاصم إلى أنه "لا يُستبعد أن موقفه الأخير يعكس تحوّلات سياسية أو استجابة لضغوط مرتبطة بجهات إعلامية أو داعمة، خصوصًا في ظل تراجع شعبية الإخوان في بعض الأوساط الإقليمية، ومحاولة عدنان تبرئة نفسه من تهمة "الإخواني المتخفي" التي لاحقته سابقًا" على حد قوله.


                                                  نائل أبو عاصم باحث وناشط أردني

ورجح أن يكون "للعامل السياسي الحضور الأقوى في تغير عدنان إبراهيم الأخير، وليس لاطلاعه على مواد وأفكار جديدة، لا سيما أن التحول لم يكن نقدا موضوعيا متدرجا، بل هجوما حادا ومشحونا بالصفات السلبية القاطعة، وهو ما لا يتناسب عادة مع شخصية فكرية تعتز بمنهج البحث والتوثيق".

وأردف "ومع أن نقد حسن البنا وارد وممكن وله مسوّغاته، إلا أن التحول من مديحه المطلق إلى شيطنته التامة يطرح تساؤلات حول دوافع أخرى غير معرفية، خصوصا إذا قورن بتوقيت التصريح ومنصّته وسياقاته السياسية".

وعن تداعيات هذا التغير على صورة عدنان إبراهيم ومكانته في أوساط محبيه والمعجبين به، أكد أبو عاصم، وهو المتابع له والمعجب بمنهجيته النقدية التحقيقية، أن "هذا التناقض الصارخ يُضعف من صورة عدنان إبراهيم كمثقف موضوعي، ويؤكد اتهامات سابقة بالتقلب والانفعال الخطابي، مما يؤثر سلبا على ثقة جمهوره به".

وتابع: "كثير من مريديه يرون أنه خان اتساقه الفكري، وبدأ يملي مواقفه بحسب الاتجاه السائد إعلاميا، ما قد يؤدي إلى انكماش قاعدته المتعاطفة معه، وخصوصا في الأوساط التي كانت ترى فيه صوتا حرا لا ينحاز للسلطة، ولا يتبنى خطابا إقصائيا".

وخلص إلى القول "تحول عدنان إبراهيم في موقفه من حسن البنا لا يبدو نتاجا لنقد علمي موضوعي، بل يعكس حالة من الانفعال الأيديولوجي أو الاصطفاف السياسي، كان الأولى به أن يفكك فكر البنا نقديا، لا أن يصفه بالفاشية بلا تفصيل، هذه الخفة في التغير تُضعف رصيده كمثقف، وتفتح الباب للشك في دوافعه".

وفي ذات الإطار رأى الكاتب والأديب اليمني، خالد بريه "أنَّ تغير موقف عدنان إبراهيم من حسن البنا من الثناء إلى التهجّم العنيف يكشف أولا عن اضطراب منهجي في تقييم الشخصيات الإسلامية التاريخية، وهو اضطراب متكرر في خطاب عدنان، حيث تنقلب مواقفه فجأة دون مسوغات معرفية معلنة، ما يدل على أنَّ المراجعات عنده ليست ناتجة عن تأصيل علمي، وإنما عن مزاج فكري متقلب، ودونك رأيه المتقلب في بعض الصَّحب الكرام رضوان الله عليهم".

وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول "كما إن القسوة التي صبّها على شخصية كالبنا، بوصفها (فاشية إقصائية مرعبة)، لا تعبّر عن قراءة نقدية متأنية، بل هي أقرب ما تكون إلى محاولة تشويه تعسفي تسقط أوصافا لا تنطبق على واقع الرجل، ولا على مشروعه الدعوي الذي بُني على التربية، والتدرج، والحكمة، بل إن البنا ـ كما هو معلوم ـ كان حريصا على وحدة الصف، ومدّ الجسور مع مختلف التيارات، حتى تلك التي تخالفه جذريا".

وأضاف: "ولعل من المفيد أن أشير إلى (نزعة العدوان على الرموز) لدى عدنان إبراهيم، التي تظهر كلما أراد أن يُعيد تسويغ مواقفه الجديدة في الفضاء السياسي أو الإعلامي، وكأن مهاجمة البنا أو المودودي أو الصحابة في أوقات مختلفة هي بمثابة (كفّارات) يقدمها للمنظومات التي ينخرط فيها، وهذا ينزع عن نقده المصداقية العلمية، ويضعه في خانة الاستخدام الأداتي للفكر" وفق قول.
.
وعن أسباب ودوافع عدنان إبراهيم في تغيير موقفه من البنا نبّه بريه إلى أنه "من حيث الاحتمالات، قد يُفترض أن هناك مواد جديدة اطّلع عليها، لكن اللافت أنه لم يقدم في نقده الأخير أي وثيقة جديدة، أو تحليل لمصدر مغفول عنه، بل اكتفى بإسقاطات إنشائية وأوصاف شديدة الغلظة، وهذا ما يرجح أن الدافع ليس معرفيا بل سياسيا".


                                                       خالد بريه كاتب وأديب يمني

وتابع: "عدنان يعيش في فضاء إعلامي تتقاطع فيه الحسابات السياسية، ويبدو أنه أُدرج ضمن منظومة ناعمة تشتغل على إعادة صياغة الوعي الديني بما يتماشى مع أجندات ما بعد (الربيع العربي)، ومع هذا فإن تماهيه مع الخطاب الرسمي لبعض الجهات في مهاجمة الإسلاميين، وخاصة الإخوان، يجعل من موقفه الأخير امتدادا لهذا التوظيف السياسي، لا نتاجا لتطور فكري ناضج، ولا يعني هذا بحال أن الإخوان أو البناء فوق النقد، وإنما نحاول أن نصف الأمور كما هي".

وأبدى الكاتب والأديب اليمني بريه تخوفه الشديد على صورة عدنان إبراهيم في أوساط محبيه بعد تقلباته الحادة، مشددا على أن "ما يفقد العالم أو المفكر هيبته هو خفة التحول، لا مجرد التحول، فالناس تتقبل أن يغير المفكر رأيه، بل يحترمون من يراجع مواقفه إذا قدّم حجته، وأبان وجهته، لكن ما وقع من عدنان إبراهيم هو انقلاب فجّ دون تأسيس، وشتائم دون برهان، ما جعل الكثيرين يشعرون بالخذلان".

وأردف متسائلا "إذ كيف لرجل كعدنان إبراهيم يتحول في موقفه من رجل واحد إلى النقيض دون تقديم شيء، وإنما أحسن إليه في السابق بكلام يقطر أدبا وجمالا، ثم حمل عليه وأساء إليه الآن بكلام لا يليق ولا ينبغي أن يصدر عنه، فعدنان قد بنى ثقة الناس به من خلال تقديمه صورة للمثقف المستقل، المتحرر من الإملاءات".

وختم بالقول "وللأسف فقد باتت صورة عدنان إبراهيم مرتبطة بالتماهي مع الاتجاهات الرسمية لبعض الدول، وتحوله إلى بوق ناعم لتصفية التيارات الإسلامية، وإن أجهد نفسه في عقلنة النقد الذي يوجهه للخصوم، وهذا الانكشاف السياسي، إضافة إلى تهجمه على رموز كبرى في لحظات حرجة من تاريخ الأمة، جعله يفقد المصداقية التي لا تعوّضها البلاغة، ولا الاطلاع الموسوعي".

من جانبه وصف الناشط على مواقع التواصل الاجتماعي، المهتم بالقضايا الفكرية، سمير خوجه "أسباب تغير عدنان إبراهيم من حسن البنا بالمركبة، لكن من الواضح أنه انتقل من خطاب تربوي توفيقي إلى خطاب نقدي هجومي متشدد، يُحمّل البنا شخصيا مسؤولية كاملة عن تصور الجماعة ومآلاتها".


           سمير خوجه ناشط على مواقع التواصل الاجتماعي مهتم بالقضايا الفكرية

وأكمل فكرته بالقول "هذا الانزياح لا ينبع فقط من خلاف فكري، بل يتغذى أيضا على نزعة نرجسية معرفية تسعى للتفرد، ولإظهار النفس على أنها "أكثر وعيا" و "أشد استقلالا"، حتى لو كان ذلك عبر الانقلاب على قناعات سابقة".

وعن طبيعة تغير عدنان إبراهيم الأخير، أكدّ الناشط خوجه في تصريحاته لـ"عربي21" على أن "التحول الفكري حق مشروع لكل مفكر وباحث، إلا أن طريقة الدكتور عدنان في الطرح ـ المزج بين العنف اللفظي والتحقير الشخصي ـ لا تشير إلى مراجعة علمية عميقة، بل توحي أن التغير له بعد سياسي واصطفافي".

وأردف "إضافة إلى أن السياق الإقليمي الذي تراجعت فيه حظوظ الإسلاميين، والضغوط الإعلامية لبعض الجهات الممولة، جعل من نقد الإخوان (بطاقة عبور) للمقبولية في فضاءات سياسية معينة، ما يجعل فرضية التماهي مع جهة الدعم قائمة بقوة، خاصة أن لهجة الخطاب باتت أقرب للدعاية منها للنقد الموضوعي".

وأنهى كلامه بالتأكيد على أن "ما نراه ليس تحولا ناضجا في الرأي والموقف، بل انزياح خطابي يتقاطع فيه الضغط السياسي مع الرغبة في التمايز الشخصي، على حساب الاتزان العلمي، والإنصاف التاريخي".

مقالات مشابهة

  • الديوان الملكي: وفاة الأمير فيصل بن تركي بن سعود الكبير آل سعود
  • سبب وفاة الأمير فيصل بن تركي بن سعود الكبير آل سعود
  • ماهر فرغلي: الإخوان فشلوا في الحكم رغم عقود من العمل السري
  • ماذا وراء مهاجمة عدنان إبراهيم لحسن البنا ولجماعة الإخوان؟
  • الطرق الفعالة لتنظيم نومك بعد إجازة العيد
  • بين الاضطرابات النفسية ووسائل الترفيه.. كيف نقيّم علاقة الأطفال بالهواتف الذكية؟
  • الموضوع صعب أوي.. تامر عاشور يحكي كواليس غنائه أمام الرئيس السيسي
  • دفن جثمان سوداني سقط من الطابق السابع في فيصل
  • غموض يحيط بالعثور على جثة سوداني أسفل عقار في فيصل
  • استعمال الشاشات قبل النوم يرفع ضغط الدم.. دراسة تحذّر