واشنطن بوست: الخطر الوجودي على الأميركيين ليس خارجيا
تاريخ النشر: 19th, July 2024 GMT
نشرت صحيفة واشنطن بوست مقالا مارس فيه كاتبه أقسى أنواع النقد الذاتي للعيوب الكامنة في المجتمع الأميركي وسلبيات تجاربه في علاقاته مع الشعوب والدول الأخرى.
وجاء في المقال أن الأميركيين ظلوا دوما بحاجة إلى تهديد وجودي، وقد وجدوا ضالتهم في خلافاتهم الداخلية، التي أطلق عليها كاتبه "تصادم الثقافات" بين شرائح المجتمع المختلفة.
وأشار كاتب المقال مات باي إلى أنه يقصد بذلك حالات العنف والاستقطاب المثير للقلق والنقد اللاذع الذي بات سمة المجتمع الأميركي، مما يدعو إلى الحاجة لخفض درجة التوتر في سياسات الدولة، وفق ما ألمح إليه الرئيس جو بايدن عقب محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها خصمه الجمهوري دونالد ترامب مؤخرا.
حرب ثقافيةوقال الكاتب إن الأميركيين ليسوا بحاجة إلى من يخاطبهم "بتجهّم وتعال"، أو إلى دراسات أكاديمية لتخبرهم أنهم على أعتاب نوع من أنواع "الحرب الثقافية". أما لماذا ذلك؟ فإن باي يعتقد أن الإجابة عن السؤال ربما تتعلق بنظرة الشعب الأميركي للعالم أكثر من نظرة العالم له.
ومع ذلك، فإن مات باي يرى أن وسائل التواصل الاجتماعي هي التي تُضخِّم خلافات الأميركيين وتشجع على التطرف، وأن الظلم الناجم عن عدم المساواة والتمدن يثيران الغضب والاستياء، كما أن التغير الذي يطرأ تدريجيا على المجتمع، الذي يغلب عليه العِرق الأبيض، يهدد بتقويض نظام اجتماعي قديم.
ووصف تلك الأسباب بأنها مقنعة رغم أنها ليست مُرضية تماما. وقال "إننا شهدنا كل تلك الأنماط (من المشاكل) في القرن العشرين من تقنيات تحويلية وهجرات جماعية وحكم أثرياء خانق، ونجحنا بطريقة ما في تجاوز ذلك دون تدمير نظامنا السياسي".
ولكن ذلك لا يعني -وفق المقال- أنه لم تكن هناك لحظات من العنف المفجع أو الفوضى المخيفة، "إذ لا تزال فترة الستينيات ماثلة في الذاكرة".
وأضاف كاتب المقال أن الصراع الوجودي هو السمة التي اتصف بها الأميركيون على الدوام، وفي كل الظروف والأحوال. فمنذ تأسيس دولتهم -التي لم تكن مبنية على أي عرق أو دين مشترك، بل على الفكرة الجديدة القائمة على حرية الإنسان والحكم الذاتي- كان ما يربط الأميركيين ببعضهم بعضا إدراكهم المشترك أن البلاد ليست مجرد مكان للعيش فيه، بل "قوة حية لتقدم البشرية".
إبادات جماعيةومضى مات باي في نقده الذاتي ليقرّ بأن الأميركيين ارتكبوا إبادات جماعية في جميع أنحاء القارة الأميركية، وخاضوا حربا من أجل "استعباد البشر الآخرين"، وقهروا النساء، وأقاموا -في أجزاء كاملة من البلاد- دولة "فصل عنصري" حتى أواخر القرن العشرين.
ويقول باي إن كل ذلك صحيح، لكنه مع ذلك يرى أن تلك الممارسات ظلت موجودة في العقل الجمعي للأميركيين، التي تستند على الفكرة التي أطلق عليها الرئيس أبراهام لينكولن -الذي حكم الولايات المتحدة في الفترة ما بين عامي 1861 و1865- "ديننا السياسي"، وهي فكرة تقوم على أن الشعب الأميركي أمة مرتبطة ببعضها بعضا بإيمانها بالقوانين والحريات، ليس فقط لنفسه ولكن للعالم بأسره.
على أنه من العدل القول -بحسب المقال- إن الدول الأخرى تنظر إلى هذا المفهوم بعين الحيرة، ذلك بأن معظم الدول، التي شهدت آلاف السنين من الإمبراطوريات والغزوات، تصبو لأن تعيش في أمان وازدهار، وتفخر بتراثها المشترك.
لقد تميز القرن العشرين بتصادمات مع الاستبداد خيمت على كل جوانب الحياة الأميركية، بدءا مع الفاشية ثم مع الشيوعيين. فإذا كان معظم العالم ينظر إلى أميركا على أنها القوة الأحدث في سلسلة طويلة من القوى الإمبريالية، فإن الأميركيين يعتبرون أنفسهم "حصنا ضد قوى الظلام والشر"، على حد تعبير كاتب المقال.
نهاية التاريخ؟وانتقد مات باي أطروحة "نهاية التاريخ" التي وضعها المُنظّر الاجتماعي الأميركي فرانسيس فوكوياما ويعني بها أن الحكم الاستبدادي المطلق بجميع أشكاله -من ملكية وفاشية وشيوعية- قد استنفد أغراضه لتحل محله إلى الأبد أنظمة ديمقراطية ليبرالية صيغت على النمط الأميركي.
ويعتقد كاتب المقال أن فوكوياما كان مخطئا في ما ذهب إليه، "فالحرية لم تحقق نصرا نهائيا على الاستبداد في العالم، أو حتى لم تمر بشهر عسل طويل". بيد أنه يرى أن المفكر الأميركي كان محقا في إيمانه بأن صدام الحضارات الذي هيمن على "خطابنا السياسي" ردحا من الزمن، قد تلاشى فجأة.
وطبقا للمقال، فقد ظلت حاجة الأميركيين لنوع من المنافسة الوجودية قائمة، ويبدو أن ذلك ظهر جليا في "تصادم الثقافات" بين شرائح المجتمع المختلفة.
وزاد باي أن الأميركيين وجدوا مبتغاهم في مجتمعات الإنترنت، التي تتسم بثنائية الصراع "فإما أن ينتصر أحد الطرفين، وإما يختفي سريعا من الوجود".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات ترجمات کاتب المقال
إقرأ أيضاً:
إغناتيوس: نهج ترامب لتحقيق السلام بأوكرانيا مبني على 3 أوهام
قال الكاتب الأميركي ديفيد إغناتيوس إن نهج الرئيس الأميركي دونالد ترامب في التعامل مع محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا فوضوي ومربك ومبني على 3 أوهام.
وأكد إغناتيوس، في مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست، أن على ترامب رؤية الأمور على حقيقتها وتغيير نهجه تجاه أوكرانيا إذا كان يريد لجهوده الدبلوماسية أن تسجل في التاريخ كـ"علامة شرف" لا كـ"وصمة عار".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 210 أشياء عن الرئيس الروماني الجديد نيكوسور دانlist 2 of 2إعلام أميركي: شعبية ترامب تتراجع وتحالفه يتفككend of list "روسيا تسعى للسلام"وأول افتراض خاطئ لدى ترامب، وفق الكاتب، هو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى إلى السلام، إذ لم تُظهر موسكو حتى الآن أي بوادر حقيقية تدل على رغبتها في إنهاء الحرب سلميا.
وذكر المقال أن بوتين لا يزال يُصرّ على "القضاء على الأسباب الجذرية للأزمة"، وهي عبارة تدل على رفضه الكامل لاستقلال أوكرانيا ورغبته في إخضاعها مجددا للنفوذ الروسي، وفق رأي الكاتب.
"روسيا منجم اقتصادي"وأضاف المقال أن ترامب مخطئ بافتراض إمكانية تحويل روسيا بعد الحرب إلى "منجم اقتصادي ضخم يُوفّر فرصا استثمارية هائلة للولايات المتحدة".
ولفت إلى أن هذا التصوّر يصطدم بالواقع الاقتصادي الروسي، فروسيا تعاني من الفساد وسوء الإدارة، واقتصادها قائم على تصدير الطاقة والمعادن دون تنويع حقيقي.
وفي المقابل، حسب الكاتب، نجحت أوكرانيا بتطوير بيئة ابتكار عسكرية واعدة بسبب الحرب، رغم أنها تعاني أيضا من الفساد، وهذا يفتح الباب أمام فرص استثمار في مجالات التكنولوجيا والدفاع.
إعلان "أوكرانيا ضعيفة"وأكثر الافتراضات بعدا عن الواقع، وفق المقال، هو أن أوكرانيا باتت ضعيفة إلى حد يمكن فيه فرض شروط استسلام عليها، ويتجاهل هذا التصور الدعم الأوروبي القوي والمتنامي لكييف.
وشدد الكاتب على أن الدول الأوروبية باتت تدرك تماما أن انتصار روسيا في هذه الحرب سيعيد تشكيل موازين القوى في القارة بطريقة تهدد أمنها واستقرارها، مما دفع هذه الدول مؤخرا لاتخاذ خطوات فعلية لتعزيز قدراتها العسكرية والوقوف بحزم إلى جانب أوكرانيا.
تذبذب سياسيولفت الكاتب في مقاله إلى أن ترامب لم ينجح حتى الآن في تحقيق أي تقدم ملموس، إذ اقترح الرئيس بداية وقف إطلاق نار محدودا يشمل البنية التحتية للطاقة والمجالات البحرية، وعند فشل ذلك طلب فريقه من الجانبين صياغة شروط كانت متباينة لدرجة حالت دون التوصل لاتفاق.
وأكمل الكاتب بأن ترامب حاول بعدها إجراء محادثات مباشرة مع روسيا دون أن يؤدي ذلك إلى نتيجة، وأخيرا قرر أمس اثنين أنه لا دخل للولايات المتحدة بمحادثات السلام وعلى أوكرانيا وروسيا حل الصراع بمفردهما.
وانتقد المقال هذا التذبذب السياسي واصفا إياه بأنه "وصفة للفشل"، ومؤكدا ضرورة تحلي ترامب بالصبر وإدراك أن الصراع لن يحل بسرعة.
ونصح الكاتب ترامب بأن يتعلم من وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية الأسبق هنري كيسنجر، الذي وصفه الكاتب بأنه "أحد أفضل صانعي الصفقات في التاريخ الدبلوماسي الحديث"، وقد قال كيسنجر إن "أي مفاوض يقنع نفسه بأن شخصيته وحدها ستؤدي تلقائيا إلى حل دبلوماسي" لن يفلح.