لجريدة عمان:
2025-05-09@03:43:37 GMT

العماني المتوهَّم

تاريخ النشر: 22nd, July 2024 GMT

إن حادثة الوادي الكبير هي واحدة من أكثر الحوادث الدينية- السياسية التي أحدثت صدمة كبيرة في المجتمع العماني، وذلك يعود إلى ندرة الحوادث المشابهة التي تحدث في سلطنة عُمان، فإن التاريخ العماني المعاصر لم يكد يشهد حوادث مماثلة.

وعلى الرغم من الندرة وقدرة العمانيين المرنة في تجاوز الكثير من المحطات المشابهة التي تمر بها المنطقة، وسيطرة الأجهزة الأمنية الجيدة على حماية الدولة والمجتمع، وهذا الوصف مأخوذ من البروفيسور هوشانج حسن ياري في لقائه مع بي بي سي الفارسية بعد الحادثة مباشرة، حيث قال استطاعت -أي الأجهزة الأمنية- أن تجعل عمان حصينة من الحوادث التي مرت بها المنطقة منذ عقود عديدة، إلا أن وقوع هذه الحادثة يشي بحدوث فجوات في الهندسة الاجتماعية كان ينبغي الالتفات إليها من قبل، حيث إن وقوعها يعني أن هناك مشكلة يجب الالتفات إليها، ومراجعة آليات قراءة الواقع العماني المعاصر المتغير وإمكانية وقوع حوادث شبيهة لا سيما مع اشتعال المنطقة منذ أحداث الربيع العربي وظهور منظمات إرهابية جديدة عاثت فسادا في كثير من الدول المجاورة واستطاعت تنفيذ عمليات في مراكز مهمة.

لقد نشأت فجوة خطيرة يجب مراجعتها، وهي ما يركز عليها هذا المقال، وهي تشكل «العماني المتوهَّم»، حيث إنه تم تشكيل هذا العماني ليكون في قالب واحد، وهو المواطن المتسامح، المسالم، البريء، الصامت، والعديد من الصفات التي تصب في القالب المثالي الواحد، وعلى الرغم من أن كثيرا من هذه الصفات صحيح، لكن لا يمكن القول: إنه ينطبق على الجميع ثم وضعهم في هذا القالب بالضرورة، حيث إن المجتمع العماني مثل أي مجتمع آخر، فيه قوالب عديدة، تتعلق بالمعتقدات الدينية والسياسية والأفكار والرؤى.

كل هذا متعلق بتشكل الخيال، حيث إنه تم صنع خيال واحد عن الشخصية العمانية، واعتبار أن هذا اللباس ينطبق على الجميع، دون مراجعة السياقات المعرفية والاجتماعية الجديدة، ولكي يُفهم الخيال السياسي يجب في البداية تعريفه والتفريق بينه وبين الوهم السياسي، فالخيال هو «مجموعة من العمليات الحسية والإدراكية والمعرفية وما وراء المعرفية والانفعالية النشطة التي تكوّن الصور الداخلية وتحولها وتحللها وتركبها وتنظمها في أشكال جديدة يجري تجسيدها بعد ذلك في أعمال وتشكيلات خارجية»، وهذا مختلف عن الوهم السياسي الذي يمكن تعريفه على أنه «التصورات والأفكار والخرافات التي يعتقد المرء بصحتها من دون أي أساس واقعي ومنطقي وعقلي وعلمي، وبأنها قابلة للتحقق في الواقع. كما أنه رغبات تأخذ صورة الحقيقة من دون التفكير المنطقي الواقعي بإمكانية تطابقها مع مطلب الحياة وحاجاتها مع منطق الأشياء والوقائع. فكل ما ليس بممكن الحدوث الآن ولا في المستقبل هو وهم».

بعد هذين التعريفين، يمكن طرح سؤال ما إذا كان تشكيل الصورة الذهنية عن العماني، هو من قبيل الخيال السياسي العلمي المبني على حقائق وواقع، أم وهم دون أي أساس عقلاني؟ والجواب الواضح هو الثاني، إذ لا يُمكن حصر أي مجتمع بشري في إطار واحد، لتعدديته في جميع الأشكال والصور، وبالتالي فإن تشكيل هذه الصورة الذهنية هي نوع من الركون إلى مناطق الراحة دون فهم المتغيرات المجتمعية والسياسية، والسياسة هنا -كما هو معلوم- ليست مرتبطة بالسلطة، وإنما بالمجتمع وأفكاره. إن الأوهام هي سلعة رائجة في جميع المجالات، يقوم ببيعها وشرائها الدول والمؤسسات والأفراد، وبالتالي فهي ليست عملية بسيطة، إذ تحتاج إلى عمليات عقلية معقدة من أجل فهم الطبيعة المجتمعية ثم تصدير الوهم المناسب لهذه الطبيعة، كما يصفه عبدالله الملحم في مقاله (كارثية الوهم السياسي). كما أن هذا الوهم يُمكن أن يغير الواقع الخارجي في الذهن، فيجعل الصورة الخاطئة صورة صائبة.

لذلك فإن الخيال السياسي المجتمعي يجب أن يكون قائما على أسس علمية سليمة ومنطقية وعقلانية، حتى لا يتحول إلى أحلام يقظة وهمية. يُمكّن الخيال السياسي الصحيح من فهم الواقع والتنبؤ بالمستقبل أو على الأقل محاولة فهم مآلات الأحداث والتغيرات، ولكي يكون هذا ممكنا يجب أن تتم دراسة الماضي وفهمه واستيعابه، ثم فهم الحاضر بدقة ومعرفة ما يدور فيه من خلال أدوات المعرفة المتاحة والدقيقة. لقد حدد عمار علي حسن في كتابه (الخيال السياسي) أحد عشر منبعا مهما للخيال السياسي العلمي، هي استقراء التاريخ، والوعي بالمستقبل، والدراسات عبر النوعية، وروح الفريق -يعني أن يكون العلم ذا طابع جماعي-، والخيال المنطقي الخلّاق والتفكير الجانبي والتباعدي، ونظرية المباريات -وهي النظرية التي تحلل تضارب المصالح وتصارع الأهداف من أجل الوصول إلى أفضل خيار ممكن ومنطقي، تستخدم هذه النظرية كثيرا في الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والحربية-، وتوظيف الخيال الإبداعي، والمحاكاة -وهي تقليد للواقع الاجتماعي الحقيقي مما يتيح تحليل الظاهرة ومعرفة جوانب النقص والقوة فيها-، واستطلاعات الرأي، ووجود القائد المتبصر، وأخيرا استعراض التجارب الناجحة ودراستها.

هذه المنابع يجب أن تؤخذ في الحسبان من أجل تشكيل خيال سياسي واقعي عن المجتمع ومعرفة الفجوات فيه، وكيف يمكن معالجتها، وعلى الرغم من عدم القدرة على مناقشة كل واحد من هذه المنابع في هذه المقالة البسيطة، إلا أنه يُمكن أخذ مثال واحد منها وهو استطلاعات الرأي. يُمكن القول إن استطلاعات الرأي في عُمان ضعيفة نسبيا ومتأخرة غالبا، وحتى مع وجودها فإنها بشكل أو بآخر تتجاهل التغيرات المجتمعية وتفاعلها مع العالم، ومن ثم تحليلها ودراستها، فإن هذا له أهمية كبرى في فهم أعمق للمجتمع واحتياجاته.

إن هذا الخيال السياسي، مرتبط أيضا باللغة ارتباطا وثيقا، فإن الشعارات التي تطلق والتي تعبر عن صناعة الشخصية العمانية المقولبة في قالب واحد، هي ضارة أكثر منها نافعة، ولعل هذا يُمكن أن يُدرك من خلال ردة الفعل المنصدمة بعد وقوع الحادث حتى أصرت بعض الحسابات الإعلامية في مواقع التواصل الاجتماعي على نزع اللباس العماني عن منفذي الهجوم، إن هذه الشعارات عادة ما تجذب جمهورا واسعا من المستمعين دون أن يكون لديهم الفهم اللازم لمقتضياتها وكيفية ممارستها، وهذا ما يشكل تناقضا صارخا في السلوك الظاهري والباطني، فعلى سبيل المثال، يجب أن يُستحضر سؤال رئيس في مسألة تسامح الشخصية العمانية، هل السلوك مع الآخر المختلف جاء نتيجة اقتناع بأن الجميع متساوون دون أي فوارق استعلائية تتعلق بالمعتقد الديني أو العرقي أو غيره؟ إذا كان الأمر لم يأتِ عن اقتناع تام فإن الإنسان يتحول إلى آلة في تعامله مع الآخر المختلف ثم يعود إلى اعتقاداته الحقيقية في حديثه مع ذاته أو المقربين منه المتساوون عادة في المحددات الهوياتية -مثل المعتقد الديني أو العرق- وبذلك يصبح هذا التسامح -مثلا- عبارة عن تسامح مجازي فقط، ففي المخيلة أن الشخص المتسامح هو الفرد الذي يستوعب الآخرين ويتفهم تنوع المجتمع، «لكن كثيرا من جوانب هذه الصورة لا يمثل الواقع أو الحقيقة، التي تشي بأن هناك مسارات مضمرة أو خفية للتعصب»، ويحاول الناس أن يخفونها أو ينكرونها. فيقع على الفرد عبء إثبات تقبل الآخر، ولذلك يظل هذا التسامح نسبيا يتسع بالقدر الذي يؤمن الناس به أو يضيق. إن هذا المسار للتسامح الحقيقي يكون عبر هندسة اجتماعية تقوم على عاملين مهمين هما الدولة والمجتمع، وهذا ما حدث في عمان منذ عقود، فقد عمل العاملان معا من أجل تثبيت روح التسامح عند الجميع، لكن المشكلة في عدم مراجعة الطريقة التي تتم بها هندسة المجتمع مما خلق فجوة غير ملحوظة أو متجاهلة بين ما ينبغي أن يكون وما هو كائن عند الكثير من الأفراد، الذين يصفهم عمار علي حسن في كتابه (المجاز السياسي) أنهم يتفقون ظاهريا مع فكرة التسامح ويحاولون أحيانا فعل ما يوافقها أو يحقق الحد الأدنى منها، لكنهم في الواقع غير مؤمنين بها بشكل قاطع، لأن هناك دائما جانبا غير معلن عند كل فرد حين ينظر إلى غيره من المختلفين طبقيا أو عرقيا أو دينيا، لأن فكرة التسامح المتخيَّل نفسها هي في الحقيقة تأكيد على التفاوت، حيث إن المتسامح يعتقد -صراحة أو ضمنيا- أنه في مرتبة أعلى من الآخرين الذين يتسامح معهم، أو ربما يصل الأمر إلى الاعتقاد أنهم على خطأ ولا بد من التغاضي عن أخطائهم، أما إذا دخل عامل آخر وهو الأيديولوجيا المتطرفة والاعتقاد الكامل بأنه يجب أن تنزع الحرية من ممارسي هذا «الخطأ» يتحول الأمر من فكرة ذهنية -الاعتقاد بأن الآخر على خطأ- تختلف عن الفعل الواقعي، إلى فعل هجومي.

بناء على هذا تكون المبالغة في الاعتقاد بهذه الصورة المتوهمة هي نوع من الضرر، وعادة يمكن ملاحظة الوصول إلى حالة المبالغة في الصورة الذهنية المتوهمة من خلال اللغة ذاتها، عن طريق وسائل لغوية مثل المغالاة في العدد (كأن يقال بأن العمانيين كلهم بهذه الصورة)، والكم، والحجم، واستخدام صفات المقارنة، وأفعل التفضيل، والصفات التي تشير إلى العلو والرفعة، وحتى لو سلمنا بأن الخطاب العماني اليومي الذي يجعل المجتمع بأكمله في قالب واحد، لا يستخدم كل أدوات اللغة هذه، إلا أن كثيرا منها مستخدم، ولا يحتاج هذا لمثال يوضحه، فيمكن ملاحظته بسهولة.

إن كل هذا يسهم في صناعة هذه الفجوة الغائبة عن الذهن بسبب عدم المراجعة المستمرة، لكن أيضا يطرح سؤالا يتعلق بكيفية تكوّن الإرهابي في دولة آمنة جدا مثل عُمان، لم تعرف منذ عقود طويلة أي منظمات إرهابية، واستطاعت التعامل مع التهديدات الخارجية بسياسة بارعة نسبيا؟

في كتابه (فهم الإرهاب) يذكر جيمس بولاند أن واحدة من أهم العلامات الثابتة للإرهابي المنتحر هو شعوره باليأس، والمشاعر السلبية تجاه المستقبل، وذكر أن إيميل دوركايم يعتقد بأن الإرهابي المنتحر يكون منفصلا عن المجتمع والعائلة والتصورات المختلفة للدين، فيكون شديد الالتصاق باعتقاداته الشخصية ومشاعره، هذا ما يقود إلى اعتقاده بأن القيام بمثل هذا الأمر هو نوع من التحول في صورته الاجتماعية من «لا أحد» إلى «شهيد».

إن الإرهاب الديني عادة ما يكون مرتبطا بالاعتقاد أن الأفعال الإرهابية هي إرادة الله، وبالتالي فإن مسألة الموت تتحول من خيار ممكن إلى رغبة ملحة للحصول على الثواب في الآخرة، وهذا ما حدث في الحادثة التي وقعت في الوادي الكبير، فإن منفذي الهجوم لم يستسلموا للأجهزة الأمنية حتى هلكوا جميعا.

يعتقد مارتن كرامر في مقال له حول سيكولوجية الإرهابيين وأيديولوجياتهم، أن بعض الهجمات الإرهابية الدينية تهدف إلى التعبير عن الإيمان الديني والحماسة القومية، أما إذا أضيف المرض العقلي -حقيقة أو مجازا- إلى هذين فإنه يصبح خليطا خطيرا على المجتمع بأكمله، كما أن القيام بالهجوم الإرهابي الذي يهدف إلى الموت يضفي -بالنسبة للإرهابيين- نوعا من المعنى للحياة.

وبعد الحادثة، تبنّت داعش الهجوم، وكانت هناك تساؤلات حول كيفية استطاعة داعش الوصول إلى العمانيين وتوجيههم، وهنا يجيب بروس هوفمان في مقاله (دروس 11/9) الذي يلاحظ فيه وجود الشبكات الفضفاضة بين الجماعات الإرهابية، حيث هذه الشبكات تتميز عادة باللامركزية، فتعمل الخلايا الإرهابية بشكل شبه مستقل مما يجعل اكتشافها معقدا وصعبا، كما يمكن لهيكل الخلايا أن يتكيف مع التغييرات من خلال التمتع بنوع من الاستقلالية فلا حاجة لانتظار التعليمات الواردة من القيادات المركزية، والمهم في الهجمات أن تخدم ذات سردية المنظمة، وسواء كان الأمر صحيحا أن حادثة الوادي الكبير تابعة لداعش أم لا، فإن فهم نظام الشبكات الإرهابية الفضفاضة مهم لتكون هناك قراءة لتحركات الخلايا.

فضلا عن ذلك، فإن هناك استراتيجية أكثر تعقيدا للإرهاب، وهي الإرهاب الفردي، فالأفراد في هذه الحالة يتصرفون بإرادتهم الفردية، مما يشكل صعوبة في اكتشافهم بداية بسبب عدم وجود الشبكة المنظَّمة أو التنظيم الهيكلي، وصعوبة في الحصول على أي معلومات منهم في حالة القبض عليهم، لأنهم ببساطة لا يعلمون أي شيء. إن هذه الطريقة تستخدم في حالات عدم تكافؤ الفرص بين الإرهابيين والطرف المحارب لهم، فيتم إقناع الأشخاص ذوي التوجهات المشابهة بتنظيم مجموعات صغيرة جدا، أو تنفيذ عمليات فردية دون الاتصال مع المجموعة الرئيسة أو القادة، وتكون أعمال هؤلاء الأفراد مستقلة دون الحاجة لتلقي الأوامر.

لا أقول إن هذا ينطبق على الهجوم الذي حدث، لكنه مهم لفهم سياق سلوك الجماعات الإرهابية وكيف تعمل، حيث لا تضطر للوجود بذاتها، وإنما فقط عن طريق الشبكات الفضفاضة أو الأفراد، والطريقتان يكون العمل فيهما مستقل وغير مرتبط بالقيادة المركزية للتنظيم.

في الأخير، يجب علينا جميعا مراجعة خيالنا، وعدم تشكيل الشخصية العمانية في قالب واحد، بل يجب إدراك أن العمانيين هم -كأي مجتمع آخر- قوالب متعددة متعلقة بالهويات الصغيرة، وتجاهل هذه القوالب لتشكيل قالب واحد يؤدي إلى عدم معرفة الفجوات الواقعة ومن ثم عدم معرفة التغير الاجتماعي والسياسي، لذلك يجب أن تتم مراجعة الأمر بناء على أسس علمية ومنطقية، ومن ثم محاولة سد الفجوات الموجودة من خلال الوسائل الناعمة، المتعلقة بالسياسات العامة فيما يتعلق بالدولة، والتنشئة الاجتماعية على الوحدة الوطنية والدينية الحقيقية دون تعزيز الشعور بالفوقية ضد أي طائفة مختلفة فيما يتعلق بالمجتمع.

إن تخيل المجتمع عبارة عن قوالب متعددة، لكلِّ قالب طريقته في العيش وتقبل أو رفض الأفكار والتشكل، يسهل من دراسته ومحاولة تحليله ثم معرفة مآلات أفعاله وسلوكياته، حيث إن هذه الصورة تعطي لكل فرد حقه الهوياتي الضيق، فلا يشعر بأي اضطهاد اجتماعي من خلال إرغامه على التشكل مع القالب الواحد، وبذا تسهل الهندسة الاجتماعية -التي تمارسها الدولة والمجتمع نفسه- وتنمية الشعور الوطني المدني عند الجميع، أي أنه على الرغم من الاختلاف في القوالب لكن الجميع متساوٍ في الحقوق المدنية سواء المواطنين أو الأجانب، ولا يحق لأي أحد نزع هذه الحرية والحق إلا من خلال القانون وما يحدده، وهذا يؤدي إلى الاعتقاد بأن لكل طائفة الحق في ممارسة شعائرها الدينية بما يحفظ حقوق الآخرين وحرياتهم، وعلى الرغم من أن هذا هو السائد في عمان كما نعرفه جميعا، إلا أن مثل هذه الفجوات ممكنة الحدوث ويجب مراجعة الطريقة التي يتم التعامل بها مع المتغيرات المجتمعية والعالمية.

حفظ الله عُمان دائما من شر الفتن والمصائب، ورحم الشهداء.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: على الرغم من هذه الصورة من خلال أن یکون هذا ما من أجل حیث إن یجب أن إن هذا إلا أن

إقرأ أيضاً:

حظر الأردن لجماعة الإخوان المسلمين.. وانعكاس ذلك على مسار الإصلاح السياسي

تدحرجت الأزمة بشكل سريع بين الإخوان والسلطات الأردنية بعد إعلانها عن ضبط خلية لتصنيع الصواريخ والطائرات المسيّرة مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين. الحكومة اتهمت الخلية بأنها كانت تسعى إلى استخدام تلك الأسلحة المصنّعة لاستهداف منشآت حيوية في الداخل الأردني، مدللة على ذلك بأن الصواريخ مداها لا يتجاوز 5 كيلومترات، بينما سارعت جماعة الإخوان إلى التبرؤ من الفعل واعتباره أخطاء فردية لأفراد من الجماعة ولا يشكل منهج الحركة ولا أسلوب عملها السلمي، إلا أنها في ذات الوقت بررت الفعل بأنه جاء لنصرة المقاومة داخل فلسطين. تبع ذلك بيان لحركة حماس يطالب الحكومة الأردنية بإفساح المجال لنصرة القضية الفلسطينية، وتبعه بيان منسوب للتنظيم العالمي للإخوان يدعم خيار الشباب في دعم القضية الفلسطينية، ذات الأمر أكد عليه الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في مناطق عرب 48.

خطوات متصاعدة وحسم مبكر

منذ الساعات الأولى للإعلان عن ضبط الخلية، اتهم الناطق الإعلامي للحكومة جماعة الإخوان ووصفها بالجماعة المنحلة، ليتم بث اعترافات الخلية الإخوانية عن التهم المنسوبة إليهم، وأعلن بعضهم ارتباطه بجماعة الإخوان.

بعد ذلك، بدأت الماكينة الإعلامية للحكومة الأردنية عبر الفضائيات في التحشيد ضد الخلية وضد جماعة الإخوان المسلمين، مركزة على عدة أمور، فكانت تُكرر بشكل يومي بأن الإخوان يسعون لوجود أكثر من سلاح في الدولة الأردنية، وأن وجود أكثر من سلاح يعني فشل الدولة وفشل الأمن والاستقرار فيها. كما كانت تركز الحملة الإعلامية الحكومية على أن الإخوان يريدون أن يعتدوا على صلاحيات الملك في إعلان السلم وإعلان الحرب من خلال حيازتهم على صواريخ يعلنون أنهم يريدون أن يستخدمونها ضد الكيان الصهيوني، وأن مثل هذا القرار يمكن أن يدخل الأردن في حرب لا تريدها الدولة، ويعيد للأذهان معركة الكرامة التي شنها الكيان الصهيوني في عام 1968 من أجل احتلال الغور الأردني بحجة القضاء على المقاومة الفلسطينية التي كانت منتشرة في منطقة الغور الاردني في ذلك الوقت. بعد أن أعلنت الحكومة عن اكتشاف الخلية، بدأت ترتفع أصوات الرافضين للإصلاح السياسي من جديد، وتنادي بحل البرلمان وإعادة النظر بكل منظومة الإصلاح السياسي، لترتفع أكثر مطالب هؤلاء بعد حظر جماعة الإخوان المسلمين، مطالبين بالتراجع عن خطة الإصلاح السياسي بالكاملكما ركزت الحملة الحكومية على أن السلاح كان يُراد استخدامه في الداخل الأردني وضد منشآت حيوية، وذهب بعض الإعلاميين للتلميح إلى أن الصواريخ كان الهدف منها استهداف طائرة العاهل الأردني. وهذا ما كانت تنفيه جماعة الإخوان المسلمين وترفضه بشدة، وخلال كل تلك الحملة الإعلامية الحكومية كان هناك تغييب تام لأي من المدافعين عن وجهة نظر الإخوان المسلمين.

انتقلت الحكومة من معركة الإعلام ضد الإخوان لتذهب إلى المؤسسة التشريعية لإدانة الإخوان، وعلى لسان أعضاء مجلس النواب، في ذات الوقت أُعطي الوقت لنواب الإخوان وحزبهم، حزب جبهة العمل الإسلامي، للدفاع عن أنفسهم وتوضيح وجهة نظرهم بالقضية، بعد جلسة المجلس توترت الأجواء السياسية في البلاد وسادت حالة من التكهنات المستقبلية في كل اتجاه.

انتهى المشهد بعد ذلك بخروج وزير الداخلية الأردني مساء يوم 23 نيسان/ أبريل 2025 ليعلن حظر جماعة الإخوان وكل ما يترتب على هذا القرار من آثار قانونية، لتبدأ حملة مداهمات لمقرات حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، وتتم مصادرة الوثائق الخاصة بالجماعة وجميع مقتنياتها الإلكترونية، ثم ليعقب ذلك حملة اعتقالات ضيّقة حتى الآن؛ طالت بعض أعضاء المكتب التنفيذي للجماعة أبرزهم نائب المراقب العام وبعض الشخصيات التي يرى البعض أنها كانت تمسك ببعض الملفات المالية للجماعة.

وذهبت كل محاولات الوساطة بين الجماعة والدولة أدراج الرياح في ظل وجود قرار حاسم في الذهاب بهذا الملف في هذا الوقت إلى النهايات، رغم أن الخلاف بين جماعة الإخوان والدولة الأردنية بدأ منذ عام 1993، لتسوء العلاقة أكثر في أثناء الربيع العربي وما تلا ذلك من انشقاقات كبيرة في الجماعة في عام 2015 لتصبح خمسة كيانات سياسية.

وأصدر القضاء الأردني في حزيران/ يونيو 2020 قرارا قضائيا نهائيا باعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة منحلة منذ عام 1956 حكما، إلا أن القرار لم ينفذ، وبقيت الدولة الأردنية تتعامل مع الإخوان بحكم الأمر الواقع وسمحت لهم بخوض الانتخابات باسمهم واسم حزب جبهة العمل الإسلامي، وحصدوا فيها ثلث أصوات الناخبين.

توجس وتربص في مسيرة الإصلاح السياسي

منذ أن أعلن العاهل الأردني عن تكليف رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي بتشكيل لجنة لوضع خارطة طريق للتحديث السياسي وتعديل قانون الانتخاب وقانون الأحزاب ومواد الدستور الخاصة بالتحديث السياسي، بدأت ماكينة التيار الرافض للإصلاح السياسي في محاولات إفشال تلك اللجنة أو التأثير على نتائجها ومخرجاتها. فتمت مهاجمة بعض أعضاء هذه اللجنة، واستُخدم التحشيد السياسي والديني ضد أعضاء اللجنة قبل أن يتدخل الملك ويؤكد دعمه الكامل لعمل اللجنة ومخرجاتها، وتعهد بضمانه شخصيا لتطبيق مخرجاتها.

بعد الحسم الملكي لدعم مسيرة الإصلاح السياسي، استسلم التيار المناوئ لذلك، والذي يرى في الديمقراطية خطرا يهدد نفوذه السلطوي، وفي الحرية خطرا يهدد الهوية الوطنية من وجهة نظره، كما يعتبر الانفتاح السياسي نقيضا للأمن. هؤلاء استسلموا أمام الحزم الملكي في الإصلاح السياسي، لكنهم كانوا يثيرون المخاوف بين الحين والآخر من هذا الإصلاح ومآلاته.

وأتت بعد ذلك حزمة من التعديلات الدستورية المقدمة من الحكومة لجمع صلاحية تعيين بعض المناصب السيادية في الأجهزة الأمنية (قائد جيش ومدير مخابرات ومدير الأمن العام ومفتي المملكة) بيد العاهل الأردني. وبذلك استطاعت هذه التعديلات أن تهدئ مخاوف الرافضين للإصلاح السياسي، وفي ذات الوقت أن تهيئ المناخ لتمرير أكبر جرعة إصلاح سياسي عرفتها المملكة منذ تأسيسها، وتفضي إلى حكومة برلمانية في عام 2032.

جرت أول انتخابات برلمانية في خريف العام الماضي، وحصلت جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي على أكثر من 450 ألف صوت في القوائم الحزبية، لتحصد 23 في المئة من مقاعد المجلس، مما دفع التيار المتربص بالإصلاح السياسي إلى الاستنفار من جديد، وبدأت الإشاعات تتسرب عن حل مجلس النواب وتقديم مقترحات وبصيغ مختلفة من أجل التراجع عن مسار الإصلاح السياسي وتفريغه من مضمونه بحجة مواجهة الإسلام السياسي، إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث، بل كانت كل التأكيدات الرسمية تتوارد من صانع القرار بأنه لا تراجع عن خطة التحديث السياسي.

استغلال أحداث الخلية لإنهاء الإصلاح السياسي

بعد أن أعلنت الحكومة عن اكتشاف الخلية، بدأت ترتفع أصوات الرافضين للإصلاح السياسي من جديد، وتنادي بحل البرلمان وإعادة النظر بكل منظومة الإصلاح السياسي، لترتفع أكثر مطالب هؤلاء بعد حظر جماعة الإخوان المسلمين، مطالبين بالتراجع عن خطة الإصلاح السياسي بالكامل، وبرروا بأن الظرف السياسي المضطرب في المنطقة لا يسمح بمثل تلك القفزة السياسية الكبيرة، وأن الإصلاح السياسي يعني تسليم الدولة إلى من لا يحسنون إدارتها ولا يهتمون بأمنها ومستقبلها، ويرتهنون للخارج ومشاريعه العابرة للحدود.

القلق الذي ينتاب النخب السياسية الأردنية الحريصة على استمرار مسيرة الإصلاح السياسي هو سعي خصوم الاصلاح السياسي للإجهاز على عملية التحديث السياسي بالكامل، وإعادة الأردن إلى مملكة شمولية أو ديمقراطية شكلية لا قيمة لمخرجاتها في إدارة الدولة وحكمها، محذرين من أن ذلك لو تحقق، فسيلقي بظلال سيئة جدا على عملية التحديث السياسي ومستقبل البلاد واستقرارها
رغم كل الضجيج السياسي، تبقى كل الاحتمالات واردة فيما يتعلق بحل حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، بعد أن تتكشف أكثر تفاصيل الاعترافات في قضية الخلية المعروضة أمام المحاكم العسكرية حاليا، وبعد تفتيش مقرات الإخوان والتداخل بينها وبين حزب جبهة العمل الإسلامي، إلا أن حل البرلمان أصبح خيارا مستبعدا حتى الآن، خاصة مع وضوح قانون الانتخاب الذي يحدد كيفية انتقال مقاعد الحزب الذي يحل إلى الأحزاب التي تليه.

القلق الذي ينتاب النخب السياسية الأردنية الحريصة على استمرار مسيرة الإصلاح السياسي هو سعي خصوم الاصلاح السياسي للإجهاز على عملية التحديث السياسي بالكامل، وإعادة الأردن إلى مملكة شمولية أو ديمقراطية شكلية لا قيمة لمخرجاتها في إدارة الدولة وحكمها، محذرين من أن ذلك لو تحقق، فسيلقي بظلال سيئة جدا على عملية التحديث السياسي ومستقبل البلاد واستقرارها من عدة وجوه:

- التراجع عن التحديث السياسي يعني أن تبقى الدولة تُحكم من مجموعة من الحكومات والنخب السلطوية، والتي أوصلت الأردن إلى الحالة الاقتصادية المتردية والرثة التي تعاني منها، والتي بلغت فيها البطالة والفقر والمديونية أرقاما قياسية لم يصل إليها الأردن من قبل، وهي حالة اقتصادية تهدد استقرار الدولة وأمنها ومستقبلها.

- التراجع عن التحديث السياسي يعني أن تدفع المهتمين بالشأن العام إلى حالة من خطاب التيئيس السياسي الذي سوف يدفعهم للنزول إلى الشارع، وبذلك ينتقل الحوار والنقاش من تحت قبة البرلمان والتدافع لتشكيل الحكومات البرامجية إلى الشارع بسقوف وشعارات لا يمكن ضبطها ولا يمكن التنبؤ بمآلاتها النهائية.

- التراجع عن التحديث السياسي أو تفريغه من مضمونه هو اعتداء على ضمانات الملك لتلك المخرجات، فمشروع الإصلاح السياسي مشروع الملك، والعبث به عبث بمشروع الملك، ولذلك آثار سلبية كبيرة.

- التبرير الذي يسوقه البعض بالانتقاص من الإصلاح السياسي من خلال الإشارة إلى مخرجات مجلس النواب الحالي والحالة الحزبية المتردية الموجودة تحت القبة، لكن البعض يرد على هؤلاء بأن المخرجات الحزبية الحالية نتاج طبيعي لحالة التجريف السياسي للنخب السياسية على مدار ثلاثة أرباع القرن من تعطيل الحياة السياسية الحقيقية، وأن الشعوب وحتى الأحزاب تنضج بالتجربة لا بالحرمان والمنع والتجريف.

رغم كل المؤشرات على استمرار الإصلاح السياسي القائمة، وخصوصا دعم الملك لهذا المشروع، لكن خصوم الإصلاح السياسي يمثلون حالة خطر كبيرة تهدد استقرار الأردن السياسي عند كل منعطف تمر فيها البلاد، وهؤلاء خطرهم لا يقل عن خطر تعريض أمن البلاد الخارجي للخطر.

مقالات مشابهة

  • خسائر مالية هائلة لإيلون ماسك بعد فشل منصبه السياسي
  • هذه خسائر إيلون ماسك المالية بعد مغادرته منصبه السياسي
  • حظر الأردن لجماعة الإخوان المسلمين.. وانعكاس ذلك على مسار الإصلاح السياسي
  • تعاون بين البنك الوطني العماني و"نفط عُمان" لتقديم عروض مميزة للعملاء
  • خطة أمريكية أولية لإدارة غزة تثير جدل الاحتلال السياسي
  • قشوط: أمريكا خلف العنف السياسي في ليبيا للتمهيد للتغيير القادم
  • محاضرة طلابية حول "تصورات الشباب العماني للمستقبل في ظل التغيرات القيمية والمعيارية"
  • خطوة استباقية عراقية.. دعوة للسوداني لحظر الاستغلال السياسي للأديان
  • أحمد أبو الليل: ثقة كبيرة منحت للاتحاد العماني في الاستضافة
  • الطيران العماني: 12 رحلة يوميا إلى صلالة خلال موسم الخريف