وقفت أكثر من خمس ساعات في طابور طويل من الطلاب من جميع الكليات في جامعة الملك سعود في فترة الحذف والإضافة في الأسبوع الأول من بداية العام الدراسي ، محاولاً إضافة مقرر تذوّق القصة القصيرة ، أو كما هو اسمه في اللغة الإنجليزية Appreciating Fiction والذي كان يدرّسه الفيلسوف العربي الكبير عبدالوهاب المسيري.
كان على الطالب في ذلك الوقت استخدام نموذج للحذف والإضافة يوقّعه الطالب يدوياً من مرشده الأكاديمي، ثم يذهب به إلى دهاقنة الحاسب الآلي في صالة القبول والتسجيل لإتمام عملية التعديل على الجدول الدراسي للطالب الذي لم يتمكّن من الحصول على مقاعد في المقررات والشعب التي اختارها أول الأمر لأسباب تتعلّق بامتلائها بالطلاب أو لأي أسباب أكاديمية أخرى.
كان هؤلاء الموظفون البيروقراطيون خلف شاشات الكومبيوتر العملاقة ،يمتلكون سلطات كبيرة ومطلقة في إضافة المقررات وحذفها كما يشاؤون. لم أصدّق أنني كنت أقف أمام أحدهم لأخاطبه عبر نافذة زجاجية بضرورة إضافة هذا المقرر عند الدكتور عبدالوهاب. رفض الموظف إضافة المقرر بحجة أن شعبة الدكتور المسيري ممتلئة، بل إن هناك أسماء تمت إضافتها فوق الحد المتاح ولا سبيل إلى إضافة هذا المقرر، لكنه قال لي أن هناك شعبة أخرى متاحة ولا يوجد بها إلا ثمانية طلاب فقط ويمكن إضافة هذا المقرر. كنت أعرف أن هناك شعبتين لهذا المقرر إحداهما عند الدكتور المسيري والأخرى عند أستاذ أمريكي اشتهر بلقب رامبو بسبب اتباعه لأسلوب دموي في التقويم إلى درجة أن ثلاثة أرباع الطلاب الذين يدرسون عنده لا يتمكنون من النجاح في أي مقرر يقوم بتدريسه.
لم أنجح في إقناع الموظف المتمترس خلف شاشة الكومبييوتر والذي لم يرفع نظره ليلقي نظرة على محدّثه وقبلت على مضض إضافة المقرر عند رامبو. كنت أتابع بحسرة كبيرة تلك القصص التي يرويها الطلاب الذين يدرسون عند المسيري عندما نلتقي في كافتيريا الكلية بعد كل محاضرة عن الأسلوب المختلف الذي كان يطبّقه المسيري معهم. وقد خصّصنا أحد المقالات السابقة حول التقويم يمكن الرجوع إليه من هذه السلسلة.
كنت قد درست عند المسيري في مقررات أخرى وأعرف سرّ هذا الإقبال الكبير على محاضراته، وأعرف أن التقويم كان أحد أسباب هذا الإقبال، لكن كانت هناك أسباباً أخرى جذبت الطلاب نحوه ، لعل أهمها الشفافية العالية في مناقشة الأفكار والقضايا، إذ يمكن القول أن هذا الفيلسوف يتمتع بحرية أكاديمية عالية إلى الدرجة التي يمكن أن يتحدث فيها عن أي شيء تقريباً دون أن يقع في أي مزالق رقابية يجفل منها الأساتذة الآخرون.
جاءت هذه الحرية الأكاديمية التي يتمتع بها المسيري كنتيجة طبيعية لموهبته الفطرية العالية في استخدام ثقافته الواسعة في الثقافتين العربية الإسلامية من جهة، والثقافة الغربية من جهة أخرى، وتقديمها للطلاب بطريقة تتناسب مع سياقاتهم ومشاكلهم.
لعل الوقت يسمح في مقال قادم بإلقاء المزيد من الضوء على الأسباب الأخرى التي جعلت محاضرات المسيري أكثر جاذبية ومتعة.
khaledalawadh @
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: هذا المقرر
إقرأ أيضاً:
ترامب يعزل أمينة مكتبة الكونغرس من منصبها
أثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إقالة كارلا هايدن من منصبها كأمينة مكتبة الكونغرس جدلاً واسعاً، نظراً لما تمثله هايدن من رمزية تاريخية، بوصفها أول امرأة وأول أميركية من أصل أفريقي تتولى هذا المنصب منذ تأسيس المكتبة عام 1800.
واتهم البيت الأبيض كارلا هايدن بتقديم مبادرات "مثيرة للقلق" لتعزيز التنوع والمساواة والشمول و"وضع كتب غير مناسبة للأطفال في المكتبة".
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت للصحفيين "نحن لا نعتقد أنها كانت تخدم مصالح دافعي الضرائب الأميركيين على نحو جيد، لذلك عزلت من منصبها، ومن حق الرئيس أن يفعل ذلك".
لكن هذه الخطوة أثارت ردود فعل غاضبة من جانب الديمقراطيين الذين اتهموا ترامب بمحاولة إسكات الأصوات المعارضة.
وقال حكيم جيفريز، زعيم الديمقراطيين في مجلس النواب، إن إقالة هايدن "عار وهي أحدث جهود (ترامب) المستمرة لحظر الكتب وتبييض صفحة التاريخ الأميركي وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء".
وأضاف في بيان "مكتبة الكونغرس هي مكتبة الشعب. وستكون هناك محاسبة عاجلا وليس آجلا على هذا الاعتداء غير المسبوق على أسلوب الحياة الأميركية".
وكان مارتن هاينريش، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية نيو مكسيكو، قد نشر رسالة بريد إلكتروني مساء الخميس، تتضمن تبليغا بإنهاء عمل كارلا هايدن كأمينة مكتبة الكونغرس "فورا".
إعلانوأشاد هاينريش بإدارة هايدن لمكتبة "كانت مفتوحة أمام جميع الأميركيين، حضورا وعبر الإنترنت".
ورُشحت هايدن عام 2016 لإدارة أكبر مكتبة في العالم، لكنها تعرضت لانتقادات من المحافظين، بمن فيهم أعضاء "مؤسسة المساءلة الأميركية" الذين اتهموها بالسعي لـ"تلقين أطفال أميركا أيديولوجيات جنسية متطرفة".
وقبل ساعات من الإقالة، كتبت المؤسسة على مواقع التواصل الاجتماعي أن "كارلا هايدن من أتباع الصحوة ومعادية لترامب وتروج للأطفال المتحولين جنسيا. حان الوقت لطردها وتوظيف شخص جديد".
منذ تعيينها في عام 2016، قادت هايدن جهوداً لتحديث المكتبة، شملت رقمنة المجموعات وتوسيع الوصول إلى المجتمعات الريفية والمحرومة، إضافة إلى تعزيز مبادرات التنوع والشمول. كما دافعت عن حرية الوصول إلى المعلومات وخصوصية المستخدمين، مما جعلها تحظى بتقدير في الأوساط الثقافية والأكاديمية، بحسب مؤيديها.
وكان من المقرر أن تنتهي العام المقبل ولاية هايدن كأمينة مكتبة الكونغرس التي تستمر عشر سنوات.
مكتبة الكونغرسوتُقدم المكتبة الأبحاث والمعلومات اللازمة للعملية التشريعية، إضافة إلى إدارة مجموعة ضخمة من الكتب والأفلام والتسجيلات الصوتية وغيرها من المواد.
وأمين مكتبة الكونغرس مسؤول عن وضع سياساتها وإدارة موظفيها، إضافة إلى الإشراف على مكتب حقوق النشر الأميركي وتعيين شاعر الدولة.
تُعد مكتبة الكونغرس أكبر مكتبة في العالم، حيث تضم أكثر من 170 مليون مادة، بما فيها الكتب والمخطوطات والخرائط والتسجيلات الصوتية والأفلام. تأسست المكتبة بقرار من الرئيس جون آدامز عام 1800، وكان من أبرز محطاتها التاريخية اقتناء مجموعة توماس جيفرسون الخاصة بعد حريق عام 1814، ما أسهم في توسيع نطاقها لتشمل جميع مجالات المعرفة، وليس فقط ما يخدم المشرّعين .
وأعرب العديد من الشخصيات الثقافية والسياسية عن دعمهم هايدن، معتبرين أن إقالتها تمثل هجوماً على حرية التعبير والتنوع الثقافي. كما أُلغي عرضٌ مسرحي كان مقررا في مكتبة الكونغرس احتجاجاً على الإقالة، في خطوة تعكس التضامن مع هايدن ورفض تسييس المؤسسات الثقافية.
إعلان