شمسان بوست / متابعات:

عند مطلع كل شهر، تذهب أم عصام إلى محل الصرافة القريب من منزلها وسط مدينة تعز لاستلام حوالة مالية محولة من ابنها المغترب في السعودية، حيث بات هذا المبلغ هو الدخل الوحيد للأسرة عقب اندلاع الحرب في اليمن في مارس/ آذار 2015.



تقول أم عصام لـ”العربي الجديد” إنه “بعد اندلاع الحرب في تعز، فقد زوجي راتبه، كما أن الحرب أفقدتنا جميع مصادر الدخل، وكنت أملك بعض الحلي والذهب، فقمت ببيعها من أجل شراء فيزة عمل لابني الأكبر كي يسافر للسعودية ويشتغل هناك، والآن لا يوجد لدينا مصدر دخل سوى ما يرسله ابننا لنا، حيث يحول لنا ألف ريال شهريا، بالكاد تكفينا لنعيش على الكفاف لمدة شهر”.



أسرة أم عصام هي واحدة من ملايين الأسر اليمنية التي باتت تعتمد بشكل رئيس على تحويلات أبنائها المغتربين في الخارج، بعد توقف صرف رواتب الموظفين الحكوميين منذ سبتمبر/ أيلول 2016، وانهيار سعر الصرف، وانعدام فرص العمل، واضطرار مئات آلاف الأسر اليمنية للنزوح إلى القرى والمدن الأخرى هربا من المعارك المسلحة بين الحكومة المعترف بها دوليا، وحكومة الانقلابيين الحوثيين.



وقد أصبحت السعودية هي الوجهة المفضلة للاغتراب بالنسبة لليمنيين، نتيجة توفر فرص العمل بشكل كبير، والتي تضمن مقابلا ماديا مقبولا لدى المغترب، سواء كان يحمل مؤهلا علميا كي يعمل في مجال تخصصه، أو لا يحمل أي مؤهل حيث يعمل في مهن وحرف مختلفة تضمن له ولأسرته عيشا كريما.

المهندس أحمد المجيدي، مغترب يمني في السعودية، يقول لـ”العربي الجديد”: “تخرجت من كلية التجارة في جامعة تعز، وأصبحت غير قادر على السفر إلى صنعاء والبحث عن فرصة عمل لأسباب أمنية، أضف لذلك قلة توفر فرص العمل عما كانت عليه قبل الحرب، بالإضافة إلى انعدام فرص العمل في المناطق المحررة، وإن توفرت فرصة عمل فلا يمكن الحصول على راتب أكثر من 200 دولار”.

يضيف المجيدي: “هذا الوضع الذي عشته مع أصدقائي الشباب من أبناء منطقتي جعلنا نرى أن الخيار الوحيد هو الاغتراب بحثا عن الرزق، بعت بعض المقتنيات الخاصة بأسرتي، واقترضت مبلغا من المال لشراء فيزة عمل في السعودية، واغتربت للعمل مع حوالي 100 شاب من أبناء قريتي يحملون مؤهلات علمية في المحاسبة والهندسة والطب”.



المحلل الاقتصادي، إياد سعيد، يقول لـ”العربي الجديد” إن هناك ما يقرب من مليون أسرة يمنية تعتمد بشكل رئيسي على تحويلات أبنائها المغتربين، وخاصة المغتربين في السعودية وأميركا، حيث تقدر التحويلات المالية إلى اليمن سنويا بما يقرب من تسعة مليارات دولار، معظمها من تحويلات المغتربين، وجزء منها تحويلات المنظمات الدولية، حيث تصل النسبة العظمى من هذه التحويلات إلى مناطق سيطرة الحوثيين نتيجة تركز النسبة الأعلى من السكان في تلك المناطق والمقدرة بـ 70%، بالإضافة إلى وجود مقرات المنظمات الدولية في صنعاء”.



ويضيف المحلل الاقتصادي أن تحويلات المغتربين ساهمت في إبقاء دورة الاقتصاد خلال الحرب اليمنية، حيث مثلت المصدر الوحيد للدخل لمئات آلاف الأسر التي باتت تعتمد بشكل رئيسي على ما يتم تحويله لها من أبنائها المغتربين، في ظل الوضع الاقتصادي المنهار والمتمثل بالتضخم، وضعف القيمة الشرائية للريال اليمني، وارتفاع الأسعار، وانعدام فرص العمل، وتوقف صرف الرواتب، وقلة قيمة الراتب – في حال تم صرفه – حيث صار راتب الموظف الحكومي في المتوسط أقل من 50 دولاراً”.

وأكد المحلل الاقتصادي أن التحويلات المالية للمغتربين تلعب دورا هاما في دعم الاقتصاد اليمني، وتعد من أهم الموارد المالية للدولة، ومن شأنها تعزيز استقرار سعر الصرف في اليمن، وتحسين مستوى المعيشة لمئات الآلاف من الأسر التي تعتمد بشكل رئيسي على تحويلات أبنائها المغتربين”. ووفقاً لأحدث الإحصائيات الصادرة عن مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) في عام 2024، بلغ حجم التحويلات المالية من السعودية إلى اليمن ما يقارب 3.2 مليارات دولار خلال العام الماضي.



وتمثل السعودية الوجهة الأولى للمغتربين اليمنيين، حيث تصدر عدد المغتربين اليمنيين قائمة المقيمين في السعودية، وذلك بعد الوافدين من دول بنغلادش، الهند، وباكستان، حسب أحدث إحصائية للسكان نشرتها المملكة. وأكدت الإحصائية أن عدد اليمنيين المغتربين في السعودية بلغ حتى نهاية 2022، 1,803,469 شخصا، بينهم 1,334,481 ذكرا، و468,988 أنثى.

وأفادت مصادر في وزارة الخارجية والمغتربين بالحكومة اليمنية المعترف بها دوليا “العربي الجديد”، بأن أعداد اليمنيين في الخارج تتجاوز تسعة ملايين يمني، ويمثلون ما نسبته أكثر من 36% من إجمالي السكان، حيث تضاعفت الأرقام خلال سنوات الحرب الأخيرة، لأسباب عدة على رأسها الاشتباكات المسلحة المندلعة منذ مارس 2015 وكذا الأوضاع الاقتصادية الصعبة في اليمن. وهناك قسم من المغتربين اليمنيين، وفق المصادر، فقدوا صلتهم بالوطن الأم، واستقروا بشكل كامل في بلد الاغتراب، وأغلبهم في شرق آسيا حيث يعملون في التجارة، فيما حوالي 5 ملايين مغترب، يقومون بالتحويلات المالية إلى اليمن والتي تقدر بمليارات الدولارات سنوياً.

المصدر: شمسان بوست

كلمات دلالية: التحویلات المالیة العربی الجدید فی السعودیة تعتمد بشکل فرص العمل عمل فی

إقرأ أيضاً:

مجلة بريطانية تسلط الضوء على حضرموت.. الجانب الآخر من اليمن البعيد عن صخب الحرب والحوثيين (ترجمة خاصة)

سلطت مجلة "ذا سبيكتاتور" البريطانية، الضوء على محافظة حضرموت (شرقي اليمن) التي تعج بالحياة، بعيدا عن ضجيج الحرب وجماعة الحوثي.

 

وقالت المجلة في تقرير أعده الكاتب الأسترالي "ماركوس راي" الذي زار حضرموت مؤخرا إنه في المخيلة الغربية، يُنظر إلى اليمن على أنها رمز للإرهاب والموت. وتُختزل صورها في عناوين الصحف العالمية في ثلاثية من المعاناة: الحوثيون، والجوع، واليأس.

 

وأضافت المجلة في التقرير الذي ترجمه للعربية "الموقع بوست" إن الحرب الأهلية استمرت لأكثر من عقد، تاركةً معظم أنحاء البلاد في حالة دمار، الحياة قاسية على ملايين الناس الذين يعيشون حياتهم اليومية وسط حالة من عدم الاستقرار المزمن. يواصل الحوثيون - المتحصنون في العاصمة صنعاء - تشديد قبضتهم على السلطة في الشمال الغربي. وقد أثارت هجماتهم على سفن الشحن في البحر الأحمر ردود فعل انتقامية دولية وأججت التوترات الإقليمية. ولا تزال وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية البريطانية تنصح المواطنين البريطانيين بعدم السفر إلى البلاد.

 

وتابعت "لذا، فإن اليمن ليست وجهة العطلات التقليدية. لكن اليمن أكثر من مجرد الحوثيين".

 

يقول ماركوس "على حافة الربع الخالي، في شمال شرق البلاد، تقع حضرموت. ومن هنا أتيتُ لألقي نظرة على يمن مختلف، بعيدًا عن خطوط المواجهة وبعيدًا عن متناول سيطرة الحوثيين. لقد نجت من صخب الحرب اليومي، ولذلك - متحمسًا للمغامرة والسفر كسائح، على الرغم من التحذيرات - صعدتُ على متن طائرة إيرباص قديمة تابعة للخطوط الجوية اليمنية إلى مدينة سيئون، بوابة إلى المناطق النائية في المنطقة".

 

وأضاف "تمتد حضرموت عبر وديان جافة محفورة في عمق الصحراء. تحيط بها منحدرات تحبس حرارة حضرموت القاسية، وتنتشر عجائب معمارية شامخة في تحدٍّ أشبه بالأحلام تتخلل مناظرها الطبيعية".

 

 

وأكد أن مدينة شبام هي أروع هذه الآثار الطينية والزمنية. كانت في يوم من الأيام عاصمة مملكة غابرة ومحطة قوافل مهمة على طريق البخور عبر جنوب شبه الجزيرة العربية. اليوم، تشتهر شبام، المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، بناطحات السحاب الطينية ذات الحواف الحادة التي تُهيمن على أفقها، والمبنية على أنقاض أساساتها.

 

وحسب ماركوس "تُعتبر شبام، التي تُستشهد بها غالبًا كأول مثال عالمي للتخطيط الحضري العمودي، شاهدًا على الخيال اليمني. وقد أطلقت عليها فريا ستارك، التي جابت المنطقة في ثلاثينيات القرن الماضي، لقب "مانهاتن الصحراء".

 

وأردف "يعود تاريخ العديد من الأبراج البالغ عددها 444 برجًا، والتي يمكن أن يصل ارتفاعها إلى 11 طابقًا، إلى القرن السادس عشر. وهي ذات شكل شبه منحرف، مصنوعة من طين الوادي، ومغطاة بجص من الحجر الجيري الباهت، وأسطحها عبارة عن خليط من اللونين الأصفر والأبيض. وتُحيط بالأبواب أعمال خشبية مزخرفة".

 

وتحيط بالمدينة، التي تقع على قمة تل، سور محصن، كان في السابق حصنًا منيعًا ضد غزاة البدو المهاجمين. يقول ماركوس "قضيتُ يومًا صيفيًا قائظًا أتجول في أزقتها، برفقة حراسة عسكرية تحمل كلاشينكوف. في وقت مبكر من بعد الظهر، انكشفت متاهة داخلية - معلقة في الزمن وخالية من الحياة - في الداخل. كان الهواء كثيفًا برائحة الطين المخبوز بأشعة الشمس، وقد لجأ سكان شبام البالغ عددهم 3000 إلى الظلال والظلال بحثًا عن ملجأ صامت.

 

وزاد "امتزجت أي علامات على الحداثة بسلاسة مع الهندسة القديمة لأبراج المدينة. بين الحين والآخر، يقف مبنى مهجورًا، حيث يتفتت الطين عائدًا إلى الأرض، وقد غادر سكانه السابقون منذ زمن طويل إلى المملكة العربية السعودية أو إلى الخارج. لم يكن صدى ثغاء الماعز يتردد من تجاويف مظلمة. ومع ذلك، لم يكن صمت المدينة يعني العزلة. خلف النوافذ الشبكية، كان جمهور صامت يراقب الغرباء".

 

ولكن مع غروب الشمس، بدأت شبام تنبض بالحياة. خرج الأطفال للعب في الأزقة، متجمعين في مجموعات ضاحكة. تدافع كبار السن إلى الساحة وهم يحملون أكياس القات - ذلك النبات المخدر الذي يُلين الكلام ويُطيل الزمن - مستعدين لبدء مضغهم المسائي. انطلقت أصوات ألعاب الدومينو على الصناديق الخشبية خارج المقاهي في الساحة الرئيسية. عاد إيقاع شبام بنبضات هادئة. انطلقت المدينة في رقصة رثائية خاصة بها، تعطلت للحظات بسبب أقدام الأجانب، وفق الكاتب الاسترالي.

 

وأشار إلى أن حضرموت تحتضن العديد من الأماكن الأخرى التي تُشبه عظمة القصص الخيالية. هناك مدينة تريم الدينية، وقرية حيد الجزيل، وقصر بقشان الفخم، الذي تتناقض ألوانه الساحرة مع محيطه القمري. خارج هذه المنطقة أيضًا، ثمة ثراءٌ لا يقلّ شهرةً عن صنعاء، وإن كان الكثير منه لا يزال مُعرّضًا لخطر الدمار، وهو، في الوقت الحالي، بعيد المنال.

 

على الرغم من روعتها -وفق ماركوس- إلا أن روائع حضرموت بدت سينمائيةً للغاية لدرجة أنها لم تُجسّد ديناميكية اليمن الحديث. في سيئون، كانت الحياة تنبض بالحياة بكل ألوانها، حيث كانت الدراجات النارية تتهادى بين أكشاك العسل والمآذن، حاملةً الأذان.

 

واستدرك "كانت رائحة الهيل والديزل تفوح في الهواء، بينما كان التلاوة الرقيقة تنبعث من مدرسة دينية قريبة. كان الأطفال يتدربون على ملاعب كرة قدم رملية، وكان الفنيون يجلسون تحت سيارات مُتهالكة، ودخان السجائر يتصاعد فوق هياكلها".

 

وقال " زأرت فتاةٌ في مروحة، مُبتهجةً بصوتها الأجشّ المُتقطّع، ثم انقلبت ضاحكةً. كان رجلٌ يُضبط عوده القديم تحت نخلة تمر. هذا النوع من الأمور العادية لا يُصبح خبرًا. لكن في بلدٍ غالبًا ما يُنظر إليه من منظور الانهيار، يُمكن للحياة الطبيعية أن تُشعِرنا بالكشف".

 

وختم الكاتب الأسترالي ماركوس تقريره بالقول "تقاوم إيقاعات حضرموت اليومية وعجائبها المعمارية الروايات السهلة المفروضة من بعيد. ليس كل شيء هنا يتوافق مع صورة أمة مُحاصرة. اليمن أكثر من مجرد عناوين رئيسية تُعرّفها. إنه بلدٌ يعيش فيه التاريخ جنبًا إلى جنب مع الصعاب، ويصمد شعبه دون أي استعراض".

 

 


مقالات مشابهة

  • هل يواجه اليمن أسوأ كارثة غذائية في تاريخه؟ تقرير أممي يكشف المستور
  • البدريون قادمون من صنعاء ... ستكتشف السعودية كما اليمن أنها الخاسر الأكبر من مخرجات لا تفهم الجغرافيا
  • رهف سامي جميل عبدالله تحرز لقب بطلة تحدي القراءة العربي في اليمن
  • 36 كيس شادو .. ننشر تقرير المعمل الكيماوي في إتجار سائق بالمخدرات بالمعصرة
  • لجنة الإعلام والتوعية المصرفية بالبنوك السعودية تنظم محاضرة توعوية عن الاستثمار وتنويع مصادر الدخل لمنسوبي وزارة الدفاع
  • هل يرحل فيستون ماييلي عن بيراميدز؟.. مصدر يجيب
  • صباح غالب فقدت ولديها على جبهتي الحرب في اليمن
  • تقرير بريطاني: اليمن غيّر قواعد الاشتباك في البحر الأحمر
  • افتتاح المعرض الأول للأسر المنتجة والحرف اليدوية بـ طور سيناء
  • مجلة بريطانية تسلط الضوء على حضرموت.. الجانب الآخر من اليمن البعيد عن صخب الحرب والحوثيين (ترجمة خاصة)