الجنجويد و’تقدم’ تعملان على إحياء الكيزان
تاريخ النشر: 26th, August 2024 GMT
[email protected]
بقلم: حسين بَقَيرة
برمنغهام
الأحد الموافق 25/08/2024
الأحزاب السودانية التقليدية، خاصة حزب الأمة، هي من صنعت الجنجويد نظريًا وطورتها منذ أيام قريش 1 وقريش 2. وفي ثمانينات القرن الماضي، حين كان فضل الله برمة، الرئيس الحالي لحزب الأمة، وزير دولة للدفاع، تم تكليفه بملف قريش 1 و2، ومنها حادثة مدينة الضعين الدموية التي شهدت إحراق قطار كامل من الجنوبيين بسبب عرقهم، حيث تم تطهيرهم عرقيًا.
ثم جاء عهد الكيزان، أي المؤتمر الوطني الدموي، الذي حاول تطبيق جميع النظريات التي اعتقد أنها ستضمن بقاءه في الحكم لأطول فترة ممكنة. قام بتطبيق نظريات قريش 1 و2، مما أنتج ميليشيا الدعم السريع، وهو الاسم الجديد للجنجويد الذي تم تغييره عدة مرات لمواكبة الأحداث وإخفاء جرائمها. تغيرت الأسماء من "مراحيل" إلى "حرس الحدود" وأخيرًا "الدعم السريع"، لكن الغاية كانت واحدة: إخفاء الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوداني والهروب من المحاسبة لاحقًا.
استخدم الكيزان هذه الميليشيات ظنًا منهم أنها ستخلصهم من الثوار الذين وقفوا ضد نظامهم. قامت ميليشيا الدعم السريع بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وتطهير عرقي ضد سكان دارفور، حتى أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق قادتهم وقادة الكيزان. حتى الآن، لم يُقبض سوى على كوشيب، الذي يُحاكم حاليًا في لاهاي بأكثر من ثلاثين تهمة، والقائمة طويلة وتضم مطلوبين آخرين، بعضهم معروف والبعض الآخر لم يُعلن عنه بعد.
ما لم يدركه المؤتمر الوطني (الكيزان) وحزب الأمة في ذلك الوقت هو أن الجنجويد كانوا، منذ البداية، يبنون مجدهم لإنشاء دولة العطاوة لاستيطان عربان الشتات على حساب الشعب السوداني. استخدموا سياسة مكيافيلية (الغاية تبرر الوسيلة) حتى لو كان ذلك يعني إبادة الشعب بأكمله، كما يحدث الآن.
استدرجت الجنجويد الأحزاب التقليدية للوصول إلى اللحظة المناسبة لإعلان دولتهم. وجاءت هذه اللحظة على طبق من ذهب عندما استغلوا ثورة ديسمبر، وبرز المجرم حميدتي كقائد جنجويدي متسلقًا على أكتاف أحزاب قحت ليعين نائبًا للرئيس من العدم. تم ذلك عبر صفقة بينه وبين أحزاب قحت التي اعتقدت أنه الضامن الأساسي لها للوصول إلى السلطة. تم تمكين حميدتي ودعمه حتى أصبح يملك جبالًا من الذهب (جبل عامر) بترخيص من الحكومة تحت رئاسة د. حمدوك، الذي أضاع أعظم فرصة للشعب السوداني بسبب سياساته المنافقة وغير الجادة، واعتماده على عملاء من دول الشر.
ما يُظهر ذلك بوضوح هو الوضع الحالي مع هذه الحرب اللعينة التي كشفت المستور. أصبحت قحت الجناح السياسي للجنجويد، حيث قامت فقط بتغيير اسمها إلى تنسيقية "تقدم" لتبدو شاملة. كل من الجنجويد و"تقدم" تلعبان دورًا هامًا، حيث تظهر "تقدم" موقفًا حياديًا علنًا، لكن قادتها يظهرون نواياهم الحقيقية بين الحين والآخر. ما صرح به د. علاء نقد، القيادي البارز في تنسيقية "تقدم"، بأنهم قاموا بالتنسيق مع مليشيا الدعم السريع الإرهابية في ولاية الجزيرة وساعدوا الإدارة المدنية المعينة هناك من قبل الدعم السريع، حتى وصلت أعمالهم إلى مرحلة متقدمة، حيث تبرعت "تقدم" للدعم السريع بما يقارب 200 مليار جنيه سوداني، حسب قوله في تسجيل فيديو. كما صرح خالد سلك القيادي في"تقدم": "استبعاد خيار تشظي السودان يغالط تاريخنا الخاص وتجارب الإقليم الشبيهة من حولنا"، وهذا يؤكد دعمهم لخيار تقسيم السودان كما تتبناه مليشيا الدعم السريع الإرهابية.
هذان التصريحان الخطيران يؤكدان أن "تقدم" والجنجويد وجهان لعملة واحدة، تعملان بخفاء على تدمير السودان وشعبه وفقًا لخطط مدروسة من دول الإمبريالية بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها من دول محور الشر.
الجنجويد و"تقدم" وأبواقهما يرمون اللوم على الكيزان ويبررون جرائمهم ضد الشعب بمبررات واهية، لكن في واقع الأمر، يعملون بكل جدية لإحياء الكيزان بتحالفات خفية مع العملاء التي تهدد السودان برمته. ولكن ليعلم الجنجويد و"تقدم" أن الشعب السوداني قد قرر، ووصل إلى نتيجة حتمية، أنه مستعد للوقوف مع من يحارب الجنجويد وأعوانهم، حتى لو كان ذلك الشيطان نفسه، ناهيك عن الكيزان والفلول. الأولوية الآن هي التخلص من مليشيا الدعم السريع الإرهابية، ومن ثم لكل حادث حديث. لا أحد يمكنه المزايدة على الشعب السوداني الذي حارب الكيزان لسنين عدة. إذا استمرت تنسيقية "تقدم" بهذه الطريقة، فستصبح يومًا ما أخطر من الجنجويد أنفسهم، لأنهم فقدوا السلطة التي أفسدوها على مدى ثلاث سنوات عجاف، ويحلمون بالعودة إليها بأي ثمن. وفي هذا السياق، يتم ابتزازهم من قبل الجنجويد باتفاقيات خفية، مما يجعلهم عاجزين عن التبرؤ من المليشيا. لكن سيأتي اليوم الذي يندمون فيه على كل خطوة اتخذوها ضد السودان وشعبه. الأيام القادمة ستكشف الكثير من الحقائق.
حسين بَقَيرة
برمنغهام
الأحد الموافق 25/08/2024
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الشعب السودانی ا الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
شبكات الكبتاغون تنتقل من سوريا إلى السودان.. مصنع ضخم داخل حقل ألغام للدعم السريع
في عمق منطقة صناعية مهجورة على الضفة الشرقية لنهر النيل، تقبع ثلاثة مبانٍ غير مكتملة، يحيط بها حقل ألغام. لعدة أشهر ظلّ مقاتلو مليشيا الدعم السريع العسكرية يحذّرون السكان المحليين من الاقتراب من هذا المجمع المسوّر.
ولم يكن ذلك عبثاً؛ إذ كشف تفتيش ميداني للمكان عن مصنع سرّي لإنتاج حبوب الكبتاغون، قادر على تصنيع نحو ألف قرص في الساعة، بحسب ما أفادت به السلطات السودانية.
يعد الكبتاغون، الذي بات شائعاً بين المقاتلين ورواد السهرات في الشرق الأوسط خلال العقد الماضي، هو نوع رخيص من الأمفيتامين، يزيد التركيز، ويمنح شعوراً بالنشوة، ويعزز القدرة البدنية. هذا المخدر المحظور أضحى صداعاً مزمناً للحكومات العربية، من الخليج إلى شمال أفريقيا.
ووفقاً لمصادر أمنية تحدثت لموقع "ميدل إيست آي"، فإن قوات الدعم السريع توزّع الكبتاغون على مقاتليها لتحسين اليقظة وكبح الشعور بالجوع، كما تقوم ببيعه للمدنيين كوسيلة للتمويل الذاتي.
من سوريا إلى السودان
حتى كانون الأول/ديسمبر الماضي، كانت سوريا تمثل مركز الإنتاج والتصدير الأبرز للكبتاغون في المنطقة، بغطاء وحماية من نظام المخلوع بشار الأسد.
لكن مع انهيار النظام، جرى تفكيك عشرات المختبرات ومسارات التهريب التي لطالما ازدهرت تحت مظلته. ومع تراجع الإنتاج في سوريا، بدا أن أنظار شبكات تصنيع الكبتاغون تتجه إلى جنوب شرقها، حيث يشتعل صراع دموي آخر.
في شباط/فبراير الماضي، وبينما كانت القوات المسلحة السودانية تواصل هجومها ضد قوات الدعم السريع، سيطرت على منطقة مصفاة الجيلي شمالي الخرطوم بحري، لتكتشف داخلها مصنعاً متكاملاً لإنتاج الكبتاغون.
يضم المصنع خمس آلات، بينها ضاغطة أقراص وخلاط صناعي كانا قيد التشغيل عند فرار القائمين على الموقع. يقول اللواء جلال الدين حمزة، من شرطة مكافحة المخدرات، لموقع "ميدل إيست آي" إن "بقايا بيضاء دقيقة كانت تغطي أجزاء من الآلات، وقد عُثر على أقراص داخل الماكينة، تحمل علامة الهلالين، المعروفة بأنها شعار غير رسمي لإنتاج الكبتاغون غير المشروع".
خيوط تربط بالإمارات وسوريا
بجانب إحدى الآلات، وُجدت صناديق خشبية لم تُستخدم بعد، وعليها ملصقات شحن تشير إلى شركة "Amass Middle East Shipping Services"، وهي شركة شحن مقرها دبي. لكن عند محاولة تتبّع الشحنة باستخدام الرقم المُرفق، لم تُظهر نتائج. الشركة لم ترد على استفسارات "ميدل إيست آي"، كما تجاهلت قوات الدعم السريع بدورها طلبات التعليق.
يُذكر أن الإمارات، رغم نفيها الرسمي، تواجه اتهامات متزايدة بدعم قوات الدعم السريع بالسلاح والتمويل. كما أن دبي تُعدّ نقطة محورية في مسارات الشحن عبر البحر الأحمر.
وبعد عرض صور المعدات على الباحثة كارولين روز، الخبيرة في ملف الكبتاغون لدى معهد "نيو لاينز" بواشنطن، أكدت أن "الآلات تشبه كثيراً تلك التي صُودرت من مختبرات سورية خلال العام الماضي".
مسحوق غامض وآثار مثيرة للريبة
داخل غرفة مظلمة في المجمع، تناثرت مئات الأكياس من مسحوق أبيض، بعضها موسوم بأنه مكملات غذائية بيطرية، وأخرى كمحلول إلكتروليتي للحيوانات. اللافت أن جميع الأكياس كُتب عليها أنها "صُنعت في سوريا" و"غير مخصصة للاستهلاك البشري".
أسماء الشركات المُصنّعة، مثل "Hi Pharm" و"PropioTech"، لم تُعثر لها على أثر في السجلات التجارية السورية، وبعضها يستخدم بريدًا إلكترونيًا على منصة "Yahoo"، وقد عادت الرسائل المُرسلة إليه. ويقع عنوان إحداها في ضاحية برزة قرب مركز البحوث العلمية في دمشق.
التحقيقات جارية لمعرفة ما إذا كانت مكونات هذه الأكياس تُستخدم في صناعة الكبتاغون، رغم أن تحاليل "ميدل إيست آي" لم تعثر على مواد معروفة تدخل في تصنيع المادة، مثل الأمفيتامين أو الثيوفيلين.
لكن روز تعتقد أن تلك الأكياس قد تكون وسيلة لتهريب المواد الأولية (Precursor materials) اللازمة للتصنيع، مموهة في شكل مكملات بيطرية. وتضيف: "من المحتمل أنهم أفرغوا المواد في الأكياس وقالوا: ما دامت تُضغط على شكل أقراص، فلا مشكلة".
وتُصنّع أقراص الكبتاغون غالباً بمزيج غير دقيق من مواد مثل الكافيين والزنك والنحاس، ما يعكس طابعها غير المُراقب. وتوضح روز: "هؤلاء لا يهتمون بسلامة الخليط الكيميائي، هم يريدون فقط سحق أي مادة وتحويلها إلى أقراص".
وفي واقعة لافتة، ذكر مصدر عسكري أن أحد أفراد الأمن خلط ملعقتين من المسحوق في كوب ماء، ثم شربه، وبقي مستيقظاً ليومين كاملين وهو في حالة من النشاط الحاد. وقال المصدر: "كان يقفز طوال الوقت، لم يغفُ لحظة واحدة".
سوق الخليج في مرمى التهريب
تشير التحقيقات إلى أن تعاطي الكبتاغون لم يكن منتشراً في السودان قبل الحرب، لكن الوضع تغيّر مع اشتداد القتال. فبحسب اللواء حمزة، سُجل أول مصنع في 2015 بمنطقة جبل أولياء، بقدرة إنتاجية وصلت إلى 5000 قرص في الساعة. ثم اكتُشف مصنع ضخم آخر في ولاية النيل الأزرق مطلع 2023، قبل اندلاع الحرب بثلاثة أشهر.
ويُعد مصنع الجيلي المكتشف مؤخراً الأكبر منذ بدء الصراع في نيسان/ أبريل 2023، وجاء بعد العثور على منشأة أخرى شمال الخرطوم قبل ذلك بستة أشهر.
وبين أركان المصنع، حفرت قوات الدعم السريع فجوة ضخمة بعمق عدة أمتار، لم تكن موجودة بحسب صور الأقمار الصناعية المؤرخة بيوم 14 نيسان/أبريل 2023. يشتبه المحققون بأن الحفرة كانت معدّة لتخزين كميات هائلة من الأقراص.
وعند سؤاله عمّا إذا كانت تلك الحبوب مُعدة للتصدير، رفض اللواء حمزة التعليق، قائلاً إن "المعلومات حساسة" والتحقيق لا يزال جارياً. لكن الخبراء يرجحون أن السوق الخليجي، الذي يُعد أحد أكثر الأسواق ربحية لهذه الحبوب، هو الوجهة المحتملة، خاصة مع توقف شبكات الأسد عن العمل.
تقديرات الأمم المتحدة والجهات الأمنية أشارت إلى تدمير أكثر من 200 مليون قرص كبتاغون في سوريا منذ سقوط النظام. لكن تقريراً حديثاً لمعهد "نيو لاينز" حذّر من أن "الخبرات التقنية لصناعة الكبتاغون ما تزال موجودة، ويمكن نقلها إلى أماكن جديدة".
وتقول روز إن معامل جديدة تُكتشف في السودان سنوياً منذ 2022، وهو ما لا يُلاحظ في دول الجوار. وتتابع: "كان يُعتقد أن هذه مختبرات فردية أو نتيجة انتقال محدود من سوريا، لكن وجود مواد تغليف سورية يُرجّح وجود صلة مباشرة مع شبكات النظام السوري السابق وحتى شبكات الجريمة العابرة للحدود".