فيرجينيا وولف.. قصة تحرّر من خلال الصّحافة
تاريخ النشر: 28th, August 2024 GMT
ماريا سانتوس ساينز
الترجمة عن الفرنسية: حافظ إدوخراز
إذا كنا نعرف فرجينيا وولف كروائيةٍ وكاتبة مقالات وناشرة، فإن مسيرتها المهنية كصحفية تبقى غير معروفة عند كثيرين. غير أنها قد كانت وبحقٍّ ممثلةً جديرة لمهنة الصحافة انطلاقًا من عام 1904، بالنظر إلى غزارة كتاباتها الأدبية الممتازة التي تعاونت فيها مع الصحف في ذلك الوقت ومقالاتها السياسية الملتزمة بقضايا المرأة والسلام.
كتبت فيرجينيا وولف أولى مقالاتها، وهي في سن التاسعة من عمرها، للصحيفة التي أنشأتها رفقة أختها الكبرى فانيسا عام 1891. وقد اختارتا كعنوانٍ للصحيفة اسم «هايد بارك غيت نيوز» (Hyde Park Gate News)، وهو عنوان مستوحًى من اسم الشارع الواقع في حي كنسينغتون (Kensington) الرّاقي حيث يوجد المنزل الذي كانتا تقطنانه. كانت الصحيفة تنشر مقالات إخبارية مختصرة مكتوبة بخط اليد عن الحياة اليومية، فضلًا عن الألغاز والقصص التي يكتبها أفراد من العائلة والأصدقاء، وأيضا مراسلات متخيَّلة. وقد استمرت هذه المغامرة الصحفية طيلة أربع سنوات.
كانت الصحافة جزءًا من عالم الأسرة، فوالدها السير ليسلي ستيفن (Sir Leslie Stephen) كان صحفيا وكاتبا. وأظهرت فيرجينيا الصغيرة، التي سارت على خطى والدها، ولعًا مبكرًا بالكتابة والإبداع منذ طفولتها. لقد نشأت على الحب غير المشروط للقراءة والكتابة، وكتبت في مذكراتها عام 1904: «لا أستطيع التوقف عن الكتابة». وفي ذلك العام، أصبحت الصحافة أول مهنة تحترفها.
تحويل كل التجارب إلى كلمات
أتقنت فيرجينيا وولف فن تحويل كل تجربة إلى كلمات. لقد كانت عصاميةً ولم تذهب قطّ إلى المدرسة أو الجامعة، واكتشفت الكلاسيكيات والأعمال الأدبية العظيمة في مكتبة العائلة الرائعة، فأصبحت قارئةً نهمة. خطت فيرجينيا خطواتها الأولى في الكتابة الاحترافية بفضل الصحافة وبدأت عملها الصحفي عام 1904، أي سنواتٍ قبل أن تصبح كاتبة روائية بنشرها لروايتها الأولى «عبور المظاهر» (1915) وفي عمرها آنذاك ثلاثة وثلاثون عامًا.
وبموهبتها الرّفيعة، كتبت فرجينيا وولف عددًا وافرًا من المراجعات النقدية الأدبية ومن المقالات الصحفية على مدى حياتها. ونشرت العديد من المقالات في وسائل الإعلام المختلفة - في إنجلترا كما في الولايات المتحدة - وبشكل رئيسي في صحيفة الغارديان، وملحق التايمز الأدبي، ومجلة كرايتريون (Criterion)، ومجلة «أتلانتيك الشهرية» (Atlantic Monthly)، ومجلة السبت للأدب (Saturday Review of Literature)، وصحيفة «نيويورك إيفنينغ بوست» (New York Evening Post)، وفي الصحافة النسائية الشعبية مثل مجلة «غود هاوس كيبينغ» (Good Housekeeping) ومجلة «فوغ» (Vogue).
بحثًا عن الاستقلالية..كانت الصحافة الأدبية مصدر دخلها الرئيسي، وفضاءً تشكّل فيه قلمها، كما كانت فرصةً للتجريب وتوسيع أفق تفكيرها. لقد ذكرت في مقالتها الشهيرة «غرفة تخص المرء وحده» (1929)، أن «المرأة يجب أن تمتلك ما يكفي من المال وغرفة خاصة بها إذا ما أرادت أن تكون قادرة على أن تكتب قصصًا». وقد أتاحت لها مهنة الصحافة إمكانية الحصول على الاستقلالية المالية التي لطالما تطلّعت إليها ودافعت عنها لكي تكون امرأة حرّة.
وفي محاضرة ألقتها حول موضوع «المهن النسائية» في الجمعية الوطنية للنساء، في الواحد والعشرين من يناير عام 1931 بالعاصمة لندن، برّرت الكاتبة انطلاقًا من تجربتها الخاصة كصحفية أهمية تحرر المرأة:
«لنعد إلى قصتي، إنها بسيطة. يكفي أن تتخيّلن فتاةً صغيرة جالسةً وفي يدها قلم رصاص. كل ما عليها فعله هو تحريك القلم هذا من اليسار إلى اليمين من الساعة العاشرة صباحًا حتى الساعة الواحدة ظهرًا. ثم تأتي بخاطرها فكرة القيام بشيء هو في نهاية المطاف بسيط وغير مكلّف، وهو دسّ بعضٍ من هذه الصفحات في ظرف، ووضع طابع بريدي بقيمة بنسٍ واحد في أعلى الظرف جهة اليمين، ثم رميه في صندوق البريد الموجود في زاوية الشارع. هكذا أصبحت صحفية، وقد كوفئت جهودي في الأول من الشهر التالي برسالة من مدير إحدى المجلات تحوي شيكًا بقيمة جنيهٍ وبضعة شلنات، وقد كنت يومها في غاية السعادة.»
يبين هذا النص مدى افتخار فيرجينيا وولف بعملها كصحفية، وهي مهنة تمّ تجاهلها في معظم السير التي كُتبت عنها. وإذا كانت الصحافة قد مكّنتها من كسب لقمة العيش وأسهمت في تشكيل أسلوب كتابتها، فإنها قد كرّست نفسها بالكامل لهذه المهنة قبل أن تقتحم عالم الكتابة الروائية. وقد بقيت تمارسها حتى بعد أن أصبحت روائية معروفة، مانحةً إيّاها الأهمية نفسها التي لأعمالها السردية. والدليل على ذلك أنها نشرت مجموعة مختارة من مقالاتها الصحفية عام 1925 تحت عنوان «القارئ العادي»، مما أكسبها شهرة كبيرة كناقدة أدبية. وقد جمع المحرر الأدبي أندرو ماكنيلي (Andrew McNellie) معظم مقالاتها ونشرها في عدة مجلدات.
ويبدو أن الأكاديمية ليلى بروسنان (Leila Brosnan) وحدها هي التي اهتمت على نحوٍ جادّ بالمسار الصحفي لفيرجينيا وولف، وذلك في كتابها الموسوم «قراءةٌ في مقالات فيرجينيا وولف وكتاباتها الصحفية» (Reading Virginia Woolf›s Essays and Journalism). تقدّم الدراسات الأدبية الأكاديمية بشكل عام فيرجينيا وولف ككاتبة مقالات فقط - دائمًا تحت عنوان «مقالات فيرجينيا وولف» - وبالكاد كصحفية، لأن الصحافة تعدّ ربما جنسًا ثانويًا وأقل أهمية. غير أنه من اللازم أن ننتبه إلى أهمية البعد الصحفي لمقالاتها التي تتفاعل مع الأحداث الجارية وتتوجه إلى قراء الصحف المكتوبة.
مقال عن الأخوات برونتينشرت فيرجينيا وولف أول مقال لها في صحيفة الغارديان وهي في سن الثانية والعشرين. إنه عمر لا يزال فيه العديد من الصحفيين الشباب اليوم في طور التدريب. لقد عرّفتها صديقتها فايلت ديكنسون (Violet Dickinson) على رئيس تحرير الملحق النسائي بالصحيفة – الباب الوحيد أمام المرأة الطامحة إلى ممارسة مهنة الصحافة في ذلك الزمان – وعرضت عليه فيرجينيا التعاون معهم. نشرت بدايةً مراجعةً نقدية لعمل روائي من تأليف الكاتب الأمريكي وليام دين هاولز (William Dean Howells)، ثم مقالا بعنوان «الحج إلى هاورث» في الواحد والعشرين من ديسمبر 1904، وتروي فيه فيرجينيا زيارتها إلى منزل الكاهن في قرية هاورث، حيث كانت الأخوات برونتي (The Brontë Sisters) يعشن. وهكذا بدأت حياتها المهنية كصحفية.
كانت مراجعاتها النقدية الأولى في صحيفة الغارديان تُنشر بدون اسم. ولاحقًا، ستتعاون فيرجينيا مع منشورات مرموقة أخرى مثل ملحق التايمز الأدبي ومجلة «نيشن أند أثينيوم» (Nation & Athenaeum)، التي كانت صفحاتها الأدبية تحت مسؤولية زوجها ليوناردو وولف، والذي أسّست بمعيته دارًا للنشر تحت اسم «هوغارث بريس» (Hogarth Press).
من المؤسف جدًا أن النشاط الصحفي لفيرجينيا وولف لم يمنح كل الاهتمام الذي يستحقه، لأن الصحافة قد لعبت دورًا أساسيًا في مسيرتها الأدبية وأسهمت في تشكيل أسلوب كتابتها. لقد انخرطت الروائية على نحوٍ رئيسي في النقد الأدبي، غير أنها قد كتبت أيضًا الكثير من المقالات السياسية المرتبطة بالأحداث الجارية، والتي دافعت فيها عن القضية النسوية والنزعة السلمية ودعمها للجمهورية إبّان الحرب الأهلية الإسبانية، والتي فقد ابن أخيها حياته فيها عندما انخرط في صفوف الكتائب الدولية. ولأنها كانت داعيةً متحمسة من دعاة السلام، فقد تناولت في مقالتها الاجتماعية والسياسية «ثلاث جنيهات» مسألة «كيفية تجنّب الحرب؟»، والتي أدانت فيها الفاشية والنزوع نحو الحرب والتمييز ضد النساء في المجتمع الإنجليزي الأبوي.
فن المقالة الصحفيةيشهد الإنتاج الصحفي الغزير لفيرجينيا وولف، والمتمثل في مجموعة تتشكّل مما يزيد عن 500 مقال، على شغفها والتزامها. ويبرز في هذا السياق نوعان من النصوص. فهناك من ناحية، المقالات التي تتعلق بالأخبار الأدبية والمراجعات النقدية للكتب. ومن ناحية أخرى، ثمّة مقالات عميقة تنتمي إلى جنس المقالة الصحفية حيث تطلق الكاتبة العنان لتفكيرها حول قضايا الأدب والإبداع.
لقد أتاحت لها المقالة الصحفية إمكانية الدخول في حوار مباشر مع القراء، إلى جانب المصادمة بين التقاليد الأدبية والثقافة. كما أنها كانت وسيلة للكشف أحيانًا عن اعترافاتها الخاصة، والولوج إلى منطقة الخيال بحريةٍ تامة. وفي مقال بعنوان «انحطاط المقالة» نُشر في مجلة الأكاديمية والأدب بتاريخ 25 فبراير 1905، وضعت فيرجينيا وولف أساسات تصورها لهذا الجنس الصحفي الذي نعتته بـ «المقالة الشخصية»:
«إن أبرز هذه الابتكارات الأدبية هو اختراع المقالة الشخصية. لا يسعنا الإنكار بأن هذا النوع من الكتابة يرجع بالفعل إلى مونتين (Montaigne)، غير أنه بإمكاننا بسهولة تصنيفها ضمن الابتكارات الحديثة. [...] ينطوي الشكل الخاص للمقالة عن مادة معينة، إذ إنها تتيح لنا قول ما لا يسمح أي شكل آخر بقوله بالدقّة نفسها».
كما سنلاحظ في إنتاجها الصحفي مقالات عن سير كبار الأدباء ومؤلفيها المفضّلين مثل الأديبين الروسيّين دوستويفسكي وتولستوي والفيلسوف الفرنسي مونتين على سبيل المثال لا الحصر، دون أن ننسى الروائية جين أوستن (Jane Austen) وكتّابًا مثل كيبلينغ (Kipling) أو ويتمان (Whitman) أو هنري جيمس (Henry James). وفي مقالٍ نشر في ملحق التايمز الأدبي بتاريخ 31 يناير 1924، أشادت فيرجينيا وولف بمونتين قائلة:
«هذه الطريقة في الحديث عن الذات وفقًا لما يجود به الإلهام، مع إبراز التعرّجات والوزن واللون للروح في كل اعترافاتها وتلويناتها ونقائصها - يرجع هذا الفن إلى رجل واحد، إنه مونتين. [...] إن قول الحقيقة بشأن الذات، والكشف عنها أمام الآخرين، ليس بالأمر الهيّن.»
أبٌ سلطوي..نشرت فيرجينيا وولف مقالًا حول «فن السيرة» يحمل نفس العنوان في مجلة أتلانتيك الشهرية في أبريل من العام 1939. لقد ورثت هذه الذائقة الخاصة والاهتمام بالسيرة من والدها، السير ليسلي ستيفن، محرر معجم السيرة الوطنية (Dictionary of National Biography). لقد تحول الأب المهذّب، إلى أب متسلطٍ في تعامله مع بناته بعد أن أصبح أرملًا. واعترفت فيرجينيا لاحقًا في مذكراتها، في 28 نوفمبر 1928، وعن عمر يناهز 46 عامًا، كيف أن وفاته قد حرّرتها من أجل الكتابة:
«إنه عيد ميلاد والدي. كان ليبلغ من العمر ستةً وتسعين عامًا، أجل ستةً وتسعين عامًا اليوم، ستةً وتسعين عامًا مثل أشخاص آخرين عرفناهم. لكن حمدًا للرب أنه لم يعمّر حتى يبلغها. لقد كانت حياته لتبتلع حياتي كلها. ماذا كان سيحدث؟ لم أكن لأكتب أي شيء، ولا كتابًا واحدًا. ذلك أمر لا يعقل.»
وفي مقالاتها المخصّصة للنقد الأدبي، كانت فيرجينيا وولف متحمّسة للأعمال الكلاسيكية والتأثير الذي مارسته عليها، وخاصةً الأدبين الفرنسي والروسي. ونجد في هذه المقالات من المؤلفين الذين قضوا نحبهم أكثر مما نجد من المؤلفين المعاصرين لها. كانت فيرجينيا وولف تجد صعوبة في الحكم على معاصريها، وهي معضلة دائمة نجدها عند الكتّاب الذين يمارسون النقد الأدبي إلى جانب الكتابة. ولقد أشاد بعض المؤلفين مثل الكاتب البريطاني فورستر (Forster) بأسلوبها الشخصي والحر والفريد من نوعه. ففي محاضرة ألقاها فورستر بعد وفاة فيرجينيا، أشاد بمزاياها كناقدة أدبية وبدقّة تحليلاتها وأهميتها. غير أنه انتقد الصعوبة التي كانت تجدها في تحليل معاصريها من الكتّاب. وينطبق ذلك على جيمس جويس (James Joyce)، الذي وصفته بعد نشره لرواية «عوليس» (Ulysses) بـكونه «كارثةً لا تُنسى».
كانت فرجينيا وولف تشعر بالإرهاق من جرّاء عملها الصحفي المتواصل أحيانًا، لأنها كانت تكرّس نفسها له وتبذل في سبيله الكثير من الوقت والطاقة، وتقول في مذكراتها بتاريخ 11 أبريل 1931:
«لقد تعبت كثيرًا من تصحيح كتاباتي – هذه المقالات الثمانية – مع أنني قد تعلمت أن أكتب بسرعة، مما يعني التخلي عن الاحتشام. أعني أن الأسلوب حر؛ لكن التصحيح عمل مقرف، مما يشعرني بالغثيان. ثم هناك التكثيف والتقطيع. ويطلبون مني مزيدًا ومزيدًا من المقالات. سأضطر إلى كتابة المقالات إلى الأبد».
الحركة النسوية والالتزام السياسيومن بين مقالاتها التي تتناول الأحداث الجارية، تبرز كتابات سياسية ملتزمة، مثل «مذكرات تعاونية عمّالية»، والتي نشرت في مجلة ييل (Yale) في سبتمبر من عام 1930. لقد طالبت فيها فيرجينيا وولف، وبلهجة حازمة، بتحسين الظروف المعيشية للعمال، واستندت إلى شهادات قوية ووجهت نداءً للمسؤولين:
«أنا زوجة عامل منجمٍ عاد لتوّه إلى المنزل مغطًّى بالسّخام. عليه أولًا أن يغتسل، ثم بعدها أن يتناول عشاءه، غير أننا لا نملك سوى سطلٍ خشبي لغسل الملابس. وموقدي يعجّ بالأواني. من المستحيل أن أفعل ما يتحتم عليّ القيام به. كل أطباقي قد أصبحت مغطاة بالغبار مرة أخرى... لما يا إلهي لا أستطيع الحصول على الماء الساخن والكهرباء مثل نساء الطبقة المتوسطة... ولذا فإني أقف لأطالب بـ «الراحة المنزلية وإصلاح المساكن». أنا أقف باسم السيدة جايلز دورام، وباسم السيدة فيليب دي بيكاب، وباسم السيدة إدواردز ولفرتون».
لقد وصفت الرغبة في تحرّر العاملات وطالبت بحق المرأة في التصويت:
«في هذا الجمهور العريض، ومن بين كل هؤلاء النساء اللاتي عملن، وهؤلاء النساء اللاتي أنجبن أطفالا، وهؤلاء النساء اللاتي نظّفن وطبخن وتفاوضن حول كل شيء. ولا واحدة منهن تتمتع بالحق في التصويت».
وفي فقرات أخرى، طالبت بحق النساء في الطلاق والحق في التعليم وتحسين أجور النساء العاملات، ودعت إلى تقليص يوم العمل. واستندت في هذا المقال على وقائع عديدة في إدانتها لظروف عمل النساء واستغلالهن:
«لقد بدأت معظم هؤلاء النساء العمل في السابعة أو الثامنة من أعمارهن، في تنظيف السلالم أيام الأحد مقابل فلس واحد، أو حمل وجباتهن إلى الرجال العاملين في المصاهر مقابل بنسين. ودخلن إلى المصانع في سن الرابعة عشرة. إنهن يعملن من السابعة صباحًا حتى الثامنة أو التاسعة مساءً، ويكسبن ما بين ثلاثة عشر وخمسة عشر شلنًا في الأسبوع».
كانت فيرجينيا وولف ملتزمة نحو قضايا عصرها، وصارت أيقونةً أساسية للحركة النسائية في نضالها من أجل تحرير المرأة من طغيان النظام الأبوي. لقد استعملت الصحافة للتعبير عن مواقفها حول الأحداث السياسية والتاريخية الجارية في عصرها. وهو مجال صبّت فيه العديد من الأفكار التي طوّرتها لاحقًا في مقالاتها الشهيرة: «غرفة تخص المرء وحده» (1929) و «ثلاث جنيهات» (1938).
وخلال الحرب العالمية الثانية، وبينما كانت لندن ترزح تحت قصفٍ متواصل، نشرت الكاتبة الصحفية في الواحد والعشرين من أكتوبر عام 1940 مقالا بعنوان «اعتبارات بشأن السلام في زمن الحرب» في مجلة نيو ريبابليك (New Republic)، وكان المقال بمثابة نداءٍ سلمي ضد الهمجية التي ما تزال سائدة في العالم اليوم مع كل هذه الصراعات المسلحة:
«لقد حلّق الألمان فوق المنزل خلال الليلتين الماضيتين، وها هم قد عادوا من جديد. إنها لتجربة غريبة أن تنام في الظلام وتنصت إلى دبور يقترب منك، وأنت تعلم أن لدغته قد تكلفك حياتك في أي لحظة. إنه صوتٌ يحول دون أي تأملٍ قد نخلو فيه إلى أنفسنا لنفكر في السلام. ومع ذلك، فهو صوت ينبغي أن يشجعنا على التفكير في السلام أكثر من أي صلاة أو ترانيم».
تكتسي قراءة هذه المقالات التي كتبتها فيرجينيا وولف أهميةً كبيرة في عالمٍ لا يزال يعاني من آفة الحرب، ولكن أيضًا بسبب الحاجة إلى مواصلة النضال النسوي من أجل المساواة الكاملة. إن صدى أعمالها ما يزال يتردّد في وعينا المعاصر.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من المقالات فی مقالات فی مجلة غیر أنه
إقرأ أيضاً:
خالد حنفي: 500 مليار دولار حجم مشروعات إعادة الإعمار التي تستهدفها مبادرة عربية - يونانية جديدة
كشف الدكتور خالد حنفي أمين عام اتحاد الغرف العربية، خلال افتتاح أعمال المنتدى الاقتصادي العربي-اليوناني الرابع عشر، الذي عقد بعنوان: "نحو تعاون أوثق – الانشاءات والطاقة"، في أثينا – اليونان، بمشاركة وفود من 17 دولة عربية تمثل رؤساء شركات ورجال اعمال ومسؤولين، بالإضافة إلى حضور 180 رجل أعمال يوناني يمثلون رؤساء شركات ومسؤولين، إلى جانب حضور عدد من السفراء العرب المعتمدين في اليونان، بالإضافة إلى رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع، عن إطلاق اتحاد الغرف العربية أربعة مبادرات للتعاون بين العالم العربي واليونان "المبادرة الأولى تقوم على بناء جسور بين العالم العربي واليونان من أجل التعاون في مجال إعادة الإعمار، حيث هناك مبالغ مرصودة تقدّر بنحو 450 إلى 500 مليار دولار للدول العربية التي تحتاج إلى إعادة إعمار".
وتابع: "أما المبادرة الثانية فتقوم على إنشاء ممر للهيدروجين الأخضر والطاقة النظيفة، من خلال التشبيك بين الشركات الموجودة في العالم العربي واليونان، وذلك عبر التنسيق والتشاور بين القطاع الخاص من كلا الجانبين ولا يسما بين اتحاد الغرف العربية والغرفة العربية اليونانية".
وتقوم المبادرة الثالثة وفق أمين عام اتحاد الغرف العربية على إنشاء مركز للذكاء الاصطناعي في الطاقة والمياه، حيث أنّ الدراسات تشير إلى أنّ الذكاء الاصطناعي يستطيع أن يساهم في خفض نسبة الانبعاثات الكربونية بنسبة 30 في المئة، وفي حال نجحنا في إدارة هذا الملف بالشكل المطلوب فإننا سنتمكّن من تحقيق النجاح المطلوب في ملف إعادة الإعمار.
أما المبادرة الرابعة والأخيرة المقترحة من جانب اتحاد الغرف العربية، بحسب الدكتور خالد حنفي، فتقوم على تحالف لوجستي وإنشاء موانئ محورية تقوم على مبدأ التعاون لا التنافس وذلك ضمن منظومة متناغمة تكون اليونان محطة محورية فيها بالشراكة مع الموانئ المحورية المتواجدة في العالم العربي، ومنها قناة السويس التي تقوم من خلال رئيس هيئة القناة الفريق أسامة ربيع بجهود جبارة وقد تجلى ذلك في الفترة الأخيرة من خلال الأزمة التي شهدها البحر الأحمر، مما ساهم في القاء ربط مصر والعالم العربي بجميع دول العالم.
وتابع: "إننا في ظل ما يواجهه العالم من تحديات اقتصادية ومناخية متزايدة، نحتاج إلى شراكة مبنية على الابتكار والمسؤولية المشتركة، تضع الإنسان والبيئة في صميم المعادلة الاقتصادية، وتُحوّل التحديات إلى فرص نمو مشتركة".
وخلال كلمة لأمين عام الاتحاد، بصفته منسّقا ومديرا لجلسة بعنوان: "الطاقة والبناء في عصر الذكاء الاصطناعي"، ضمن فعاليات المنتدى الاقتصادي العربي-اليوناني الرابع عشر"، شدد على "أننا نحن نجتمع اليوم في لحظة مفصلية، حيث تتلاقى ثلاث قوى تشكل مستقبل الاقتصاد: الطاقة والبناء والتحوّل الرقمي من خلال الذكاء الاصطناعي، ومن المتوقع أن تشهد الاستثمارات في تقنيات الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط نموًا بنسبة كبيرة، حيث تأتي المنطقة في طليعة الاستفادة من هذه التقنيات، خصوصا وأنّ التبني الاستراتيجي للذكاء الاصطناعي مع تعزيز المرونة المناخية قد يضيف ما يصل إلى232 مليار دولار إلى الناتج المحلي لمنطقة الشرق الأوسط بحلول عام 2035.
وهناك شركات كبرى في قطاع الطاقة بمنطقة الشرق الأوسط بدأت فعليًا في تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين الكفاءة التشغيلية، وذلك في ظل القلق المتزايد من الاستهلاك المتنامي للطاقة نتيجة للنمو السريع في مراكز البيانات، وهو ما يُلقي بظلاله على الطلب الكهربي مستقبلا".
وأضاف: "أما في قطاع البناء، فيمكن للذكاء الاصطناعي أن يعيد تشكيل تصميم المباني، التكلفة، الصيانة، وحتى استهلاك الطاقة. كما أن التحول الرقمي في البناء من خلال الذكاء الاصطناعي يفتح فرصًا للشراكة بين القطاعين العربي واليوناني، سواء في البنية التحتية أو في بناء المدن الذكية ومستدامة".
ودعا إلى أهمية الاستفادة من خبرات اليونان، وكذلك من قدرات الدول العربية، لبناء نموذج تعاون مستقبلي يُسهم في التنمية الخضراء والرقمنة.
ومن هذا المنطلق على القطاعين العام والخاص في اليونان والعالم العربي، التفكير في إطلاق مبادرات ملموسة ومشاريع تجريبية في مجالات الطاقة والبناء الذكية، بما يرفع من مستوى العلاقة القائمة بين الجانبين العربي واليوناني من إطارها التقليدي القائم على التبادل التجاري، إلى الشراكة الاستراتيجية بما يساهم في تحقيق التطلعات المشتركة.