شهدت مكتبة الإسكندرية أولى جلسات سلسلة ندوات «العلوم الاجتماعية في عالم مُتغير»، والتي تُقام بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات الاجتماعية بكلية الآداب جامعه القاهرة، وذلك من خلال برنامج دراسات التنمية المستدامة وبناء قدرات الشباب ودعم العلاقات الإفريقية بقطاع البحث الأكاديمي بالمكتبة.

جاءت الندوة بعنوان «آفاق المستقبل في علم الاجتماع: نظرة على الجمعية الدولية لعلم الاجتماع ونشاطاتها»، ألقاها الدكتور مبروك بوطقوقة أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعه باتنة 1 بالجزائر وعضو اللجنة التنفيذية للجمعية الدولية لعلم الاجتماع والمشرف العام لمركز فاعلون.

وأدار الندوة الدكتور أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع ومدير مكتبة الإسكندرية، قائلا إن مكتبة الإسكندرية تُقيم هذه الندوات إيمانًا منها بأهمية العلوم الاجتماعية، فنحن الآن في عالم مُتغيّر ومليء بالأزمات والمُشكلات، ومن هنا تأتي أهمية العلوم الاجتماعية وعلماء الاجتماع في رصد هذه المتغيرات.

وأكد أهمية أن يكون لدينا تصورات مُشتركة حول هموم علم الاجتماع، لافتًا إلى ضرورة الانطلاق نحو ما لدينا وما علينا معرفته وأن نبتعد عن نقد الذات وتجاوز خطاب الأزمة.

مدير مكتبة الإسكندرية: الحوار هو ما يفتح آفاق العقول

وأشار زايد إلى أهمية البعد عن التحاور في الجدل العقيم والاتجاه نحو طرح الأفكار لأن الحوار هو ما يفتح آفاق العقول، لافتًا إلى أن اللقاءات تُعد فرصة جيدة للباحثين في علم الاجتماع من أجل الاستفادة من الأفكار المطروحة والصعود بعلم الاجتماع العربي إلى المستوى الدولي.

من جانبه، قال الدكتور مبروك بوطقوقة، أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة باتنة في الجزائر، إن هذه الجلسة تهدف إلى تحفيز علماء الاجتماع العرب للانضمام للمؤسسات الدولية الكبرى وممارسة الأنشطة من خلالها.

وأوضح أننا لدينا إشكال كبير في العالم العربي هو ضعف وتشرذم جهود علماء الاجتماع العرب، لافتًا إلى أن هذه العلوم تقوم على جناحين الأول هو الجناح الرسمي المُتمثل في المؤسسات التعليمية والمراكز البحثية فيما يتعلق الجناح الثاني بالجمعيات المتخصصة في هذا المجال.

تأسيس مركز فاعلون

وتطرق عالم الأنثروبولوجيا بجامعة باتنة في الجزائر إلى محاولاته كسر حالة التشرذم التي يعاني منها الوضع العربي، من خلال تأسيس مركز فاعلون، فضلًا عن المشاركة في المؤسسات الدولية خاصة الرابطة الدولية لعلم الاجتماع.

وأشار إلى أن الوجود العربي في المؤسسات الدولية شبه منعدم ولا يعكس التاريخ الكبير للعلماء العرب، لافتًا إلى أنهم يعانون من مشكلة التقوقع على الذات.

وتحدث بوطقوقة عن الرابطة الدولية لعلم الاجتماع، مشيرًا إلى أنه تأسس في أعقاب الحرب العالمية الثانية ويضم في عضويته 6 آلاف باحث من مختلف دول العالم وينعقد كل أربعة سنوات من أجل انتخاب اللجنة التنفيذية الخاصة به والمكونة من 16 شخصًا بالإضافة إلى رئيس الاتحاد وأربعة نواب له.وقال إن الوضع في العالم العربي شهد تطورًا خلال السنوات العشر الأخيرة خاصة مع تأسيس المجلس العربي للعلوم الاجتماعية وكذلك المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية، مؤكدًا ضرورة التواصل مع العالم الغربي للوقوف على المُستجدات في مجال علم الاجتماع والقضايا التي يناقشونها ويبحثون فيها.

وناشد بوطقوقة الباحثين العرب بضرورة الانضمام إلى المنظمات الدولية، قائلًا:" هذه هي الطريقة الوحيدة للسماح للباحثين العرب للوصول إلى كل ما هو جديد من النقاشات بخصوص علم الاجتماع في العالم.وقال إنّ الرابطة الدولية لعلم الاجتماع تحاول أن تكون صوتًا لأولئك الذين لا يسمع صوتهم في العالم، لافتًا إلى أنها تجربة ستغير نظرتكم للعالم وللعلوم الاجتماعية.

وأكد على أهمية الانضمام للاتحادات التي تضم أناسًا من جنسيات وخلفيات كثيرة ويدخلون في نقاشات.

وتابع قائلًا: إذا أردنا أن نتطور فعلينا الانضمام إلى هذه الجمعيات فلن نستطيع أن ننجح كأفراد فوجود المؤسسات والجمعيات المبنية على التطوع أمر ضروري جدًا لأنها تسعى لتنظيم الأفراد في كيانات مؤثرة وبدونها يبقى اشتغال الأفراد ضعيف فهي قناة لجمع الجهود لخدمة علم الاجتماع.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: مكتبة الإسكندرية أحمد زايد مدير مكتبة الإسكندرية علم الاجتماع مکتبة الإسکندریة فی العالم

إقرأ أيضاً:

المجال الجوي العربي والحروب العبثية

أن تجد أطفالا في القرية يشكّلون فريقين أو ثلاثة أو أكثر في طرق المارّة أو الحدائق العامّة يجرّهم أحيانا إلى المشاجرة البدنيّة ثمّ يعودون إلى حياتهم الطّبيعيّة وكأنّه شيء لم يحدث؛ هذا شيء طبيعيّ، بيد أن تجد ساسة يتلاعبون بملايين البشر، ويجرّونهم إلى صراعات دمويّة، يخرّبون البلدان، ويقتلون الأبرياء من الأطفال والنّساء، ويعيثون في الأرض الفساد، منهم من يستدعي الماضي وأحلامه الخلاصيّة، ومنهم من يتشبث بقيم الإنسان المعاصرة، والنّاس تبع لهذا وذاك، لا يختلفون بحال عن ساسة التّأريخ وما أحدثوه من قتل ودمار، فما دخلوا قرية إلّا أفسدوها وجعلوا أعزّة أهلها أذلّة، فليت تلاعب هؤلاء السّاسة لا يتجاوز عقول الأطفال، بيد أنّهم يجرّون العالم أجمع إلى حروبهم العبثيّة، وصراعاتهم الحيوانيّة البعيدة عن التّعقّل الإنسانيّ.

شاء القدر أن يكون عالمنا العربيّ في جغرافيّته قلبا وسطا بين العالم أجمع، بتأريخه القديم والحديث، يحمل ذاكرة الشّرق والغرب، حباه الله بخيرات زراعيّة ومعدنيّة وجغرافيّة وبشريّة، كانت صفحته بيضاء أمام حربين عبثيتين وما بعدهما في القرن العشرين، كانت دمارا وبلاء على العلم والبشريّة، فكانت غاية عالمنا العربيّ أن ينال استقلاله وحرّيته مِن يد مَن وضع وثيقة حقوق الإنسان ذاتها، فلم يتمدّد شرقا ولا غربا ليعيث في الأرض فسادا، بل احترم ما استقرّ عليه المجتمع الدّوليّ من مواثيق ومعاهدات دوليّة، فخرج المستعمر بعساكره، لكنّه بقي بتحكّمه وغطرسته، وزرع كيانا لباسه دينيّ ماضويّ لاهوتيّ، وواقعه تحكّم استعماريّ، ينقض كلّ ما يدعون إليه من أنسنة وسلم عالميّ وحقوقيّ، ويمارسون العنف اليوم باسم إعادة خريطة شرق الأوسط الجديد منذ جورج بوش الابن ووزيرة خارجيّته كوندليزا رايس، وما تبع ذلك من دمار في المنطقة لا يكاد تنطفئ جذوته في مكان إلّا وتشتعل ناره في مكان آخر من عالمنا العربيّ.

هذا الكيان مع الاستعمار الأوسع قبله وحّد قلب عالمنا العربيّ، فلم يعرف حينها يمينيّا ولا يساريّا وغيرها من التّيارات بالمعنى التّشويهيّ، ولا مسلما أو مسيحيّا أو يهوديّا وغيرها من الأديان، ولا عربيّا أو سريانيّا أو كرديّا أو قبطيّا أو أمازيغيّا وغيرها من العرقيّات، ولا سنيّا أو شيعيّا أو صوفيّا أو سلفيّا وغيرها من المذاهب والتّوجهات، جمعهم غاية التّحرّر من الاستعمار، مع غاية الإحياء والنّهضة العلميّة والحضاريّة كسائر العالم، فكان عقلاؤه يتجهون به هذا الاتّجاه، إلّا أنّه انحرف عن مساره، وتصارع بين هويّاته، فأصبحت شعوبه عربيّة اسما لا قلبا، وتحوّلت الانتماءات إلى غايات أثارت بينهم الشّقاق والفرقة، فلم نعد نسمع الإحياء العربيّ، ولا الأمّة العربيّة الواحدة بالمفهوم النّهضويّ والإنسانيّ.

بعد معاهدة كامب ديفيد 1978م بدأ عالمنا العربيّ يتراجع بشكل واضح، بعدما تراجع ثقله العروبيّ عن أرض مصر، وما تبع ذلك في سوريا والسّودان، ثمّ لاحقا العراق، وأخيرا اليمن، واستخدم الغربُ العرب درعا بشريّة في مواجهة الرّوس، ممّا أفقد ثقله خصوصا بعد حرب الخليج الثّانية (1990-1991م) وحتّى اليوم، فأصبح عالمنا العربيّ لا يرى قوّته في ذاته ووحدته، بل في ولاءاته الخارجيّة، على مستوى أحزاب الدّولة ذاتها، كما هو الحال اليوم في لبنان واليمن مثلا، لتفقد الدّولة الوطنيّة وجودها، أو على مستوى الدّولة القطريّة ذاتها، فلم يعد انقسامهم مقتصرا عند الكتلتين الشّرقيّة اليساريّة والإمبريالية الغربيّة، بل تمدّد اليوم طائفيّا إلى تركيا وإيران، وقد يتمدّد ديمغرافيّا إلى الهند وباكستان، واقتصاديّا إلى كوريا والصّين، وتطبيعيّا إلى إسرائيل لتكون عنصر هيمنة في الدّاخل وفق الشّرق الأوسط الجديد.

إنّ أحداث ما بعد 7 أكتوبر لم يكشف حالة الانهزام والضّعف في عالمنا العربيّ فحسب، بل كشف حالة تراجع حتّى على مستوى الولاءات الوطنيّة، فأصبحت الشّعوب تبحث عن ولاءات لها خارجيّة تنظر إليها بعين المخلّص من انهزامات الدّاخل، قد تتطوّر لاحقا سلبا على مستوى الأمن الوطنيّ المتمثل في وحدته الجغرافيّة، خصوصا أنّ النّقط الولائيّة الخارجيّة لم تعد محصورة في كتل خارجيّة لا تتعدّى الكتلة أو الكتلتين، بل نقطا متباينة تزداد يوما بعد يوم، ومع ضعف الدّولة الوطنيّة ذاتها تظهر هذه الولاءات الخارجيّة المتباينة على مستوى الأقليّات والأحزاب والعرقيّات المختلفة.

والمتتبع في الجانب الإعلاميّ الرّقميّ في وسائل التّواصل الاجتماعيّ نتيجة الحرب الأخيرة يدرك هذا الوضع تماما، إذ أصبحنا أمّة لا تشكّل ثقلا تحترم جغرافيّتها، وتهاب كلمتها، بل أصبحنا نحارب بعضنا بعضا، لنشتغل بتخوين الذّات، واستدعاء الماضي، وإشعال فتيل الطّائفيّة بين فترة وأخرى، فقافلة الصّمود، والّتي هي أقرب إلى رمزيّة عروبيّة شبابيّة لا تتجاوز لفت العالم من خلال رسالة سريعة لفكّ حصار جزء من عالمنا العربيّ والإنسانيّ يتعرّض لأكبر حالة إبادة وتجويع في القرن الحادي والعشرين، هذا الحصار الجائر الّذي نراه مباشرة مصحوبا بالدّماء والإبادة العبثيّة يكفي لتحرّك العالم لوقفه، ويكفي أن يوحد هذه الأمّة العربيّة لتقول كلمتها، وهو الّذي حرّك قافلة الصّمود من خلال فتية لا يحملون أسلحة ولا غيرها، ولكنّها كُبتت من قبل أبناء العروبة أنفسهم، وليست من غيرهم.

صحيح أنّ العالم أصبح يعيش متقاربا على بعضه، ومن الجيّد أن تتوزع القوى في العالم لأجل التّدافع الّذي يحافظ على استقرار المنطقة دون الهيمنة الأحاديّة المؤدية إلى الاستكبار العالميّ، لكن هذا كلّه لا يعني أن لا نكون شيئا أمام هذه القوى، وأن نكون مسرحا دائما لها، ما بين قواعد وميلشيّات وولاءات طائفيّة وحزبيّة، كانت نتيجته هذا الواقع المؤلم في عالمنا العربيّ من تمدّد الصّراع، وانتشار الفقر والبطالة، وتشريد العديد من أبنائه بحثا عن الحياة والاستقرار، فإن لم ينتبه عقلاء العروبة اليوم، ويراجعوا أوراقهم من جديد؛ فإن ما نراه ونشاهده اليوم من تجاذبات طائفيّة وحزبيّة وولاءات متباينة قد يتمدّد أثره واقعا بشكل أكبر مستقبلا، لا أريد بهذا أن نكون جزءا من الصّراع في إثارة الحروب، لكن على الأقل أن لا نكون دوما مسرحا لهذا الصّراع، وأضحوكة العالم وكأنّه لا عقلاء لدينا، ولن يتحقّق ذلك ما لم تكن هناك وقفة حازمة وجادّة أمام القضيّة الفلسطينيّة ابتداء، وأن نكون نحن من نشكّل عالمنا من خلال ذاتنا وعقلائنا، ولسنا بحاجة إلى شرق أوسطيّ جديد يشكّله غيرنا وفق الاستعمار النّاعم الحديث.

بدر العبري كاتب مهتم بقضايا التقارب والتفاهم ومؤلف كتاب «فقه التطرف»

مقالات مشابهة

  • محافظ الجيزة يعقد أولى اجتماعات اللجنة التيسيرية لتطوير منطقة الكيت كات
  • وزير التموين يتابع انتظام منظومة الخبز المدعم ويؤكد استمرار تطوير الخدمة وتحقيق العدالة الاجتماعية
  • تعلن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أنه تقرر الاجتماع التأسيسي لجمعية نهوض وإحسان الاجتماعية الخيرية
  • عالم آثار العالم القديم.. كتاب جديد لعيد مرعي
  • بالتعاون مع الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا.. مكتبة الإسكندرية تشهد ورشة "الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم"
  • المجال الجوي العربي والحروب العبثية
  • الاتحاد السكندري يعقد أولى اجتماعاته بعد رحيل مصيلحي
  • المخرج موني محمود: إقبال جماهيري لافت على عرض أفلام مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير بالقاهرة
  • الملك عبدالله الثاني… صوت العقل في عالم يضج بالحروب
  • إيلون ماسك معاون دجال.. عالم: الشركات تستغنى عن الإنسان وتستعين بالروبتات