قراءة في خذلاننا المعاصر: الخلل وأين نبدأ
تاريخ النشر: 3rd, September 2024 GMT
لعلك تعجبت من خذلاننا المشين لأهلنا في غزة، وربما تسأل نفسك أيضا كيف لم نرق إلى حال الأمريكي أرون بوشنل الذي أشعل في نفسه النار رافضا أن يكون جزءا من هذا الخزي والعار، وهو ليس بفلسطيني أو عربي أو مسلم، وكيف توصلت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا للحل في كسر حصار التجويع لأهل غزة، في حين لم يدع شيخ الأزهر إلى ذلك حتى الآن أو يقم بذلك فعليا؛ الوزيرة دعت لقيام قوات عسكرية من عدة دول بحراسة قوافل المساعدات كي تتجه لغزة وتكسر حصارها.
أطمئنك ان هذا الحال من الهوان ليس جديدا، فقد مرت به مجتمعات المسلمين زمن التتار وسقوط الخلافة العباسية وفي الأندلس زمن سقوط آخر ملوك الطوائف. وسبب السقوط في تلك الحالتين والآن واحد: خراب بوصلة الأولويات لدينا جميعا وفساد المنظومة بكافة جوانبها. وبصورة أوضح: ضعف الهمة والترف والتثاقل إلى الأرض وتعطيل الجهاد كمنهج حياة ومفهوم وأحكام وشروط ومتطلبات. والنتيجة حتمية وواضحة: ذل وهوان وخذلان، لذلك قال أبو بكر رضي الله عنه: "ما ترك قوم الجهاد في سبيل الله إلا خذلهم الله بالذل".
مشكلتنا الوجودية ليست في حل طلاسم "الحداثة واستنباط الأطر الأنطولوجية والأبستمولوجية في التعامل معها"، فكل هذا مقصود به تغييب وعينا وتزييفه وإشغالنا عن المشكلة الرئيسية؛ لغو لن يخرجنا من مرقدنا وهواننا، وتحطيم متعمد لذواتنا من الداخل. قاربنا على المائتي عام ونحن نشمر سواعد الجد في خوض المعارك الفكرية وسجالات اللغو،مشكلتنا ليست مشكلة أفكار أو مشاريع فكرية، فالمكتبات زاخرة بالآلاف من المشاريع الفكرية والنهضوية التي لم تؤت ثمارها، آلاف الرسائل الجامعية حول النهضة وكيفية تحقيقها، ولم نر نهضة حتى الآن، وفي نماذج التنمية الناجحة ولم ننجح في تحقيق تنمية حقيقية. مشكلتنا هي إعادة تركيب أنفسنا وحياتنا كي تدور ليس على المال والشهادات التعليمية الزائفة، وإنما على الجهاد والاجتهاد في المقام الأول وندور في حلقات مفرغة لم نخرج منها إلى الآن باتفاق حول أسباب تخلفنا وكيف ننهض، ما زلنا نسأل الأسئلة الخطأ ونتجنب حسم الأسئلة الكبرى، أما المعارك الحقيقية فلا نعد لها العدة ولا نربي عليها الرجال، إلا من رحم ربي.
مشكلتنا ليست مشكلة أفكار أو مشاريع فكرية، فالمكتبات زاخرة بالآلاف من المشاريع الفكرية والنهضوية التي لم تؤت ثمارها، آلاف الرسائل الجامعية حول النهضة وكيفية تحقيقها، ولم نر نهضة حتى الآن، وفي نماذج التنمية الناجحة ولم ننجح في تحقيق تنمية حقيقية. مشكلتنا هي إعادة تركيب أنفسنا وحياتنا كي تدور ليس على المال والشهادات التعليمية الزائفة، وإنما على الجهاد والاجتهاد في المقام الأول. وهذان المفهومان يكمن فيهما الحل والمفتاح لمشكلتي الحداثة والتحرر (زكي الميلاد).
أولا: الجهاد كحركة تحريرية شاملة ضد الاستبداد الداخلي والهيمنة الخارجية، أي أنه حركة واقعية إيجابية وليس مجرد أفكار فلسفية.
- الجهاد هو "ثورتنا الدائمة" (محمد جلال كشك)، وهو مشروع المقاومة الحضارية للاستعمار الداخلي المفروض على شعوبنا والمدعوم من الخارج، ومقاومة الاستعمار الخارجي وكسر سيطرته وهيمنته علينا وتحقيق تحررنا الفعلي.
- الجهاد بكافة أشكاله يتطلب أن يكون هو الدور الوظيفي الأساسي للدولة ومركز الحركة للمجتمع معا؛ عليه تتم تنشئة وتربية أفراده، ويتمثل في الإعداد الدائم له (وأعدوا لهم) من أجل تحقيق الاكتفاء والتصنيع الحقيقي وامتلاك القدرات العلمية والعسكرية، أي حل مشكلة "التحديث والتقدم".
ثانيا: الاجتهاد كحركة مجتمعية جماعية من أجل رؤية شاملة للعالم والقضايا التي تهمنا نحن، يتجدد حسب تغير وتطور تلك القضايا (الإبداع والتحديث).
- الاجتهاد والفتاوى للأفراد ضرورية ولكنها لا تغير المجتمعات، وإنما يغيرها الاجتهاد في قضايا المجتمع الحقيقية (مثلا كالاجتهاد في حكم الأنظمة المسلمة التي تحمي وتعاون إسرائيل وشرعية تلك الأنظمة وموقفنا منها، الاجتهاد في موقفنا من الحكام المتخاذلين عن نصرة الضعفاء من المسلمين، من نظم تدعي الإسلام وتشارك في حصار المسلمين، من الولاء للغرب المستعمر وعدم البراء منه وعدم موالاة المسلمين، ممن تقاعس عن إعداد القوة من تصنيع وتحقيق التقدم العلمي والتكنولوجي، ممن تقاعس عن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء والدواء، من حكم الإسراف والسفه في نماذج التنمية الزائفة وإهدار إمكانات المجتمعات المسلمة.. وغيرها من القضايا التي تحتاج إلى اجتهاد مجتمعي.
- أمور المجتمعات الحديثة بلغت من التعقيد بحيث لا تدركها تخصصات وعلم الفقهاء المعاصرين، ومن ثم نحتاج إلى اجتهاد جماعي يشارك فيه أصحاب التخصصات الدقيقة والحديثة. والعالم في تخصصه يحق له الاجتهاد داخل هذه المنظومة الجماعية من متخصصين وفقهاء.
أين نبدأ؟
1- بالتمرد على هذا الواقع ورفضه كليا والعمل على تغييره.
- دول المنطقة لا يفيد معها الإصلاح والتدرج وإنما التفكيك الكامل لمؤسسات دولة ما بعد الاستعمار، حتى لو عانينا من فوضى لمدة محددة يتبعها تأسيس منظومة ومؤسسات جديدة.
- لا تعايش مع تلك الأنظمة الفاقدة لإرادتها السالبة لإرادة شعوبها.
- ما تلحقه تلك الأنظمة من دمار في مجتمعاتنا لا يمكن معه الانتظار، فهي لن تسمح للمجتمع أن يقوى ويتخلص منها، كما لا يمكن للمجتمعات أن تنتظر حتى تأتي تلك الأنظمة على البقية الباقية من إرادتها وعزتها.
2- إعادة الاعتبار للذات (إقبال).
- تقدير أنفسنا وذواتنا وثقافتنا وإسلامنا وحضارتنا.
- التخلص من الفردية والاستهلاكية والترف والانهزامية والشك في النفس والذات، فكلها مقدمات الهيمنة والاستعباد.
- الاستعداد للبذل والتضحية لقيم أكبر من النفس.
الوضع بعد غزة سيفرز خطابا جديدا وعملا جديدا، الخطاب الجديد سيكون خطاب صدق مع النفس ومع الآخرين، خطابا يفصل بين القديم والجديد، خطابا يفصل بين المتخاذلين وأصحاب الإرادة الحرة
3-استعادة الوعي (شريعتي).
- إعادة تعلم المنهجية الإسلامية في النظرة للكون والعالم والعلوم والعمران.
- التغيير الجذري لنظم التعليم من أجل استعادة ذواتنا الأصيلة وتاريخنا وحضارتنا.
- عدم الوقوع في فخ التشتت الفكري والفلسفي، والتخلي عن تبني قضايا ومفاهيم ومصطلحات غيرنا، والتركيز على مهامنا الأساسية (الإعداد للجهاد كثورة دائمة والمقاومة كمنهج حياة، وتحصيل ملكات الاجتهاد المجتمعي والجماعي، وتحقيق العمران كقدرة ومنعة).
4- القيادة الرشيدة التي تمهد الطريق للشعوب بالرؤية والتنظيم والحركة، ليس من أجل السلطة والسيطرة على تلك الشعوب، وإنما من أجل كسر التبعية وإعلان التحرر التام على مستوى الدولة والمجتمع.
- البدء بتحرير دولة قوية في المنطقة -ولتكن مصر مثلا- واستعادة مركزيتها ودورها المؤثر، ومعها السودان وليبيا كعمق استراتيجي وأمني واقتصادي طبيعي (الدفاع المشترك- التكامل).
- مصر وسوريا: تظل مصر دون الشام كموسى بلا هارون، يطلبه معه ليشد أزره في مسيرة التحرير. فلا تحرير لفلسطين دون مصر وسوريا في صف واحد.
الوضع بعد غزة سيفرز خطابا جديدا وعملا جديدا، الخطاب الجديد سيكون خطاب صدق مع النفس ومع الآخرين، خطابا يفصل بين القديم والجديد، خطابا يفصل بين المتخاذلين وأصحاب الإرادة الحرة، خطاب مقاومة ونصر، خطاب جهاد وعزة وقدرة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة المسلمين الاجتهاد التحرر غزة المسلمين التحرر اجتهاد خذلان مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاجتهاد فی تلک الأنظمة من أجل
إقرأ أيضاً:
أنجبت الفوضى "نبيًا"!
الطليعة الشحرية
في تاريخ الأمم، لا يُولد الغلو إلّا في أحشاء الاضطراب، وعندما تهتز الخلافة، أو تسقط الدولة، ينهض من تحت الركام من يدّعي أنه المُنقذ، إما بوحي من السماء، أو ببيعة مزوّرة تحت ظل السلاح. الأحمدية وداعش وجهان متضادان لعملة واحدة: عملة الفوضى، والتشظي، وانهيار المركز الديني والسياسي في العالم الإسلامي.
عند اختلال ميزان القوى ينتشر الفراغ الأسود مبتلعًا الغث والسمين فتنتفخ بطن الباطل وتلد لنَا أنبياء وسكاكين، في التاريخ الإسلامي الحديث، يُمكن تتبُّع نشأة تيارات منحرفة مثل الأحمدية وداعش ضمن سياقات سياسية مضطربة جعلت من الوعي الديني فريسة سهلة لأصحاب المشاريع الأيديولوجية أو للأنظمة التي تبحث عن أدوات للسيطرة.
المهدي بلا سيف!
في عام 1889، كان الإسلام جريحًا، الدولة العثمانية تترنح، والاحتلال البريطاني يعبث بجسد الهند، والمقاومة تُنهكها الانقسامات. في هذا السياق، خرج ميرزا غلام أحمد القادياني، مدّعيًا أنه المسيح الموعود والمهدي المُنتظر. ذكر ميرزا غلام عن التعاون المثمر بين الاحتلال والطائفة الأحمدية في كتبة مثل "تبليغ رسالة وإزالة الأوهام"؛ حيث أكدد مرارًا طاعته للسلطة البريطانية قائلًا: "لقد أنفقت عمري في تأييد الحكومة البريطانية، وألّفتُ عشرات الكتب ضد الجهاد"، وهذا ما أكدته وثائق الأرشيف البريطاني (India Office Records)؛ حيث أشارت إلى متابعة نشاط الأحمديين لا كخطر؛ بل كجماعة "مفيدة" لكبح التطرف الإسلامي.
لم يحمل مهديّ هذه المرحلة سيفًا؛ بل قلمًا يُحرِّم الجهاد، ويحُث على طاعة المَلِكة البريطانية، ويصف حكومتها بأنها "من نِعَم الله على المُسلمين". رجل يضع يده في يد المحتل، ويزعم أن وحيًا إلهيًا ينزل عليه من السماء، بينما تتبخّر كرامة الأمة تحت حذاء الإمبراطورية.
تغاضت بريطانيا عن دعوته؛ بل سُمِح له بنشر كُتُبه، وتأسيس جماعته، ونشر دعاة جماعته في كلّ مستعمرة بلغها النفوذ البريطاني. أكان ذلك من قبيل حرية التعبير؟ أم لأنها كانت دعوة تُخدّر لا تُحرّك، تُلهي لا تُحرّض؟
هكذا تستثمر الإمبريالية الاستعمارية منذ عقود الفوضى وتصنع انبياء يخفون سكاكين تقطر دمًا خلف ظهورهم، تتوشح السنتهم بالخطاب السلمي كالأحمدية، فيما حملت داعش راية الجهاد ونصرة الحق والمظلوم إلا أن كليهما وُلد في لحظة سقوط، وتمدد في زمن الفراغ، واستثمر في أزمات الأمة. وبين المهدي البريطاني وخليفة الخراب، أنجبت الفوضى أنبيائها.
الخليفة بلا عقل
في القرن الحادي والعشرين، ظهر ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) كظاهرة صادمة في تاريخ الحركات "الإسلامية الجهادية"، بعنفه الدموي وتطرفه المُفرِط، واستطاع أن يحتل أجزاءً واسعة من سوريا والعراق، وأن يُعلن ما زعم أنها "خلافة إسلامية" سرعان ما تحولت إلى أداة لإثارة الذعر وتشويه صورة الإسلام عالميًا.
اللافت أن صعود داعش تزامن مع انسحاب القوات الأمريكية من العراق عام 2011، ومع تصاعد الفوضى في سوريا، نعم إنها الفوضى الخلاقة التي تُنجب نبيًا.
اتُهم التنظيم بالاستفادة من "فراغ السلطة" الذي خلفه التدخل الأمريكي، كما وُجهت اتهامات مباشرة للاستخبارات الأمريكية (CIA) والبريطانية (MI6) بأنها غضّت الطرف أو حتى ساعدت في خلق الظروف التي سمحت بظهوره، ضمن استراتيجية "الفوضى الخلاقة" لإعادة رسم خرائط المنطقة بما يخدم المصالح الغربية.
وكما صعد نبيٌ مهديٌ بلا جهاد قبل قرن، صعد على المنبر نبيٌ يطلب الجهاد بلا عقل، يُعيد ويكرر السياق ذاته، ويخرج شبح آخر، ليس مهديًّا هذه المرة؛ بل "خليفة المسلمين"، يعلن خلافة من الموصل إلى الرقة، ويستحل الدم باسم الدين.
داعش لم تكن مشروعًا إصلاحيًا؛ بل آلة قتل، تحوّلت فيها السجون إلى مدارس "شرعية"، والعمليات الانتحارية إلى "مناهج جهادية"، والإسلام إلى مسرحٍ للمجازر.
ومثل ما خرجت الأحمدية من تحت عباءة الاستعمار البريطاني، خرجت داعش من رحم الاحتلال الأمريكي، وفساد الحكومات، وتواطؤ القوى الكبرى. كلا التنظيمان استغلا الغيبوبة الجماعية التي تصيب الأمة عند انهيار الدولة؛ حيث وُلِد داعش مُستثمِرًا الفراغ والفوضى وصُنع أنبياء الخلافة على جماجم المدن، فيما وُلِد مهدي الإنجليز وخليفة البنتاجون من رماد الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003.
حلَّ الجيش العراقي، وفكَّكت مؤسسات الدولة، وتصاعدت الطائفية، وظهر تنظيم "التوحيد والجهاد" بقيادة أبو مصعب الزرقاوي، ثم لاحقًا تطور إلى ما يُعرف بـ"الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش). عزف داعش على أوتار مظلومية السنّية، مستفيدًا من المجازر الطائفية وتوسع نطاق الانقسامات الداخلية. واستغل السجون مثل "بوكا" في العراق، والتي خرج منها أغلب قادة داعش، كمدرسة لصناعة الجهاديين وانطلق مشروع الدماء بإعلان الخلافة في 2014 بقيادة أبو بكر البغدادي.
وعلى الرغم من معاداته "داعش" للغرب، فإن بروزه المفاجئ، وامتلاكه تمويلًا وتسليحًا متطورًا، طرح تساؤلات حول اختراقه استخباراتيًا.
تقاطع المُصلحين الزائفين
رغم تناقضهما، فإن المقارنة بين الأحمدية وداعش تكشف مفارقة مثيرة: الأولى زعمت أنها تُحيي الإسلام عبر مهديٍ يُحرِّم الجهاد، والثانية زعمت إقامة الخلافة عبر الجهاد المُسلَّح ضد الجميع... إلّا إسرائيل!! الأحمدية سلّمت للمُستعمِر، وداعش حرَّكت السيف ضد الأمة نفسها.
كلا المشروعان نشأ في فراغ سياسي، وكلاهما قدّم نفسه كمُخلِّص؛ الأول نزع عن المسلمين سلاح الجهاد، والثاني جعلهم ضحاياه. أحدهما حارب العقل بنبوءات مختلقة، والثاني حارب الإسلام نفسه بتكفير الجميع.
بين نبي لا يُوحى إليه وخليفة بلا أمة
لطالما استخدمت القوى الاستعمارية الدين كأداة ناعمة لفرض النفوذ عبر التاريخ، وحرصت الإمبراطوريات الكبرى قديمًا وحديثًا على تمزيق النسيج الديني والثقافي لمجتمعات مُستهدفة، وتمكين تيارات وظيفية تشكل واجهة أيديولوجية لنزع السلاح الفكري أو إثارة الفوضى وتمكين تيارات وظيفية تمارس التأثير باسم الدين، وتخدم أجندات السياسة.
في هذا السياق، لا يُمكن فهم الأحمدية أو داعش كظواهر دينية بحتة؛ بل كمشاريع سياسية مُتنكِّرة في زي العقيدة. الأحمدية ظهرت في لحظة أُفول الخلافة، فدعت إلى طاعة المُستعمِر، وداعش وُلدت من رماد الاحتلال الأمريكي، فدعت إلى الذبح باسم الخلافة، الأولى نزع عن المسلمين سيف الجهاد، والثانية ألغت العقل وحارب الإسلام نفسه بتكفير الجميع. والأدهى أن كليهما استفاد من غفلة الأمة، وصمت العلماء، وتوظيف القوى الكبرى لهذه التيارات، سواء بالتساهل، أو بالتوظيف غير المباشر.
في النهاية، لا الأحمدية كانت نبوءة، ولا داعش كانت خلافة، كلاهما كان انفجارًا دينيًا في فراغ سياسي. أحدهما لبس عباءة الأنبياء وحرَّم الجهاد، والآخر رفع راية الخلافة وحرَّم العقل. وكلما ضعفت الدولة، وبهت العلماء، سيخرج من تحت الركام "مهدي جديد"، أو سفّاحٌ يرتّل سورة "الحديد" على جماجم الأبرياء.
وبين هذا وذاك، يبقى المسلم العادي هو الضحية… بين نبي لا يُوحى إليه، وخليفة لا يعرف من الخلافة سوى السيف.
رابط مختصر