هل تنهي التحاليل الجينية لرفات الضحايا ملف معتقل تازمامارت بالمغرب؟
تاريخ النشر: 13th, September 2024 GMT
الرباط- كان الطيار محمد الشمسي أول من فارق الحياة في المعتقل السري السابق "تازمامارت" جنوب شرقي المغرب، في فبراير/شباط 1974، وشهد له زملاؤه أنه كان يحثهم على الصبر والتفاؤل، إلى أن سقط فجأة جثة هامدة، ودفن في حفرة بالمعتقل الذي سجن فيه 58 عسكريا، ممن تورطوا في انقلابي 1971 و1972 وتُركوا هناك يواجهون الموت البطيء.
بعد الشمسي، توالت الوفيات بين المعتقلين الذين لم تتحمل أجسادهم القوية والرياضية ظروف الاعتقال المزرية واللاإنسانية، فسقطوا تباعا خلال 18 سنة من السجن، كان آخرهم النقيب عبد الحميد بندورو الذي توفي في مارس/آذار 1991، بعيد أشهر من إغلاق المعتقل والإفراج عمن حالفه الحظ وظل حيا.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2شاهد.. آثار تعذيب وضرب شاب مقدسي في تل أبيبlist 2 of 2منظمة روهينغية تدعو للإفراج عن مسلمي أراكان المحتجزين بالهندend of listروى الناجون أن 32 من زملائهم ماتوا ودفنوا في ساحة المعتقل، دون غسل ولا كفن ولا صلاة جنازة، حيث كان الحراس يلفونهم في أغطيتهم المهترئة والمتسخة ويدفنونهم في حفرة ويهيلون عليهم التراب.
وبعد مرور 3 عقود على إغلاق المعتقل، وإطلاق برنامج هيئة الإنصاف والمصالحة لإنصاف ضحايا الاعتقال السياسي وتعويضهم في إطار تصفية انتهاكات الماضي، قرر المجلس الوطني لحقوق الإنسان إجراء تحاليل الخبرة الجينية لتأكيد هويات المتوفين والمدفونين في المعتقل السري تازمامارت.
واتصل المجلس بعائلات المتوفين من أجل أخذ عينات منهم، وهو ما حدث مع 7 منهم إلى غاية يوم الثلاثاء الماضي، فيما عملية التواصل مستمرة مع باقي العائلات وذوي الحقوق.
يقول عبد الله أعكاو رئيس جمعية ضحايا معتقل تازمامارت وهو أحد الناجين منه، للجزيرة نت، إن هذا المطلب رفعته الجمعية التي تمثل الضحايا وعائلاتهم منذ أزيد من 20 سنة.
واستغرب أحمد المرزوقي المعتقل السابق في تازمامارت تأخر السلطات في إجراء هذه العملية، وقال للجزيرة نت "لقد خرجنا من السجن منذ 33 سنة ولم يقرروا تحديد هويات الضحايا المتوفين إلا اليوم".
بينما يقول المجلس الوطني لحقوق الإنسان إنه أطلق هذه العملية في الرابع من سبتمبر/أيلول الجاري 2024 بعد أن أصبح التطور التكنولوجي يتيح استخراج الحمض النووي من عينات عظام بحالة متدهورة لتحديد هويات أصحابها.
وكشف المجلس أنه كان قد حصل على نتائج إيجابية في يوليو/تموز 2023 من المختبر الجيني الدولي بمدينة نانت الفرنسية، بعد إخضاع عينات عظام من رفات مفترض للضحايا سبق تسليمه للمختبر، بعد أن تعذر في مرحلة سابقة استخراج الحمض النووي وإجراء التحاليل لتحديد هويات أصحابها، بسبب تدهور حالتها.
ولفت إلى أنه جرى توزيع العائلات على مجموعات، بما فيها مجموعة لعائلات تضم مسنين سيجرون التحاليل بمنازلهم، تحت إشراف النيابة العامة.
بالنسبة لعبد الله أعكاو فإن تحديد هويات المعتقلين المتوفين المدفونين في معتقل تازمامارت هو من أولويات العدالة الانتقالية، ويدخل ضمن حق العائلات في معرفة مكان دفن أبنائها.
وأشار المرزوقي أن تحليل رفات الضحايا "كان قطب الرحى في مطالبنا لحفظ الذاكرة، عندما خرجنا من الزنازين أخبرناهم أن إدارة المعتقل كانت لديها سجلات للموتى وما عليهم سوى إخراجها وتحديد الهويات"، وأضاف "عندما كان يموت أحد المعتقلين كان يدفن في حفرة ويوضع عليها علامة حمراء ويكتب فوقها رقم، ذلك الرقم كان يقابله اسم في سجلات إدارة السجن".
والتقى ممثلون عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان بجمعية ضحايا تازمامارت يوم الخميس 12 سبتمبر/أيلول بطلب منها، وقال عبد الله أعكاو إن الجمعية التي تمثل الناجين من المعتقل وعائلات المتوفين وذوي الحقوق أكدت في هذا الاجتماع على ضرورة حل الملف بصورة شاملة.
فإلى جانب التحليلات الجينية لرفات الضحايا لتحديد هوياتهم، طالبوا بالتسوية الإدارية والمالية لملفاتهم وتخصيص معاشات لهم، إسوة بباقي المعتقلين السياسيين في ملفات أخرى، وأضاف مستغربا "ملفنا هو الوحيد الذي استثني من التسوية الإدارية والمالية، ربما بسبب كوننا كنا ننتمي للمؤسسة العسكرية".
أما المرزوقي فيوضح أن معتقلين سابقين كانوا قد سجنوا بنفس التهم التي وجهت له ولزملائه في معتقل تازمامارت، تم تعويضهم وتخصيص معاشات لهم بما يرضيهم ويحفظ كرامتهم لأنهم كانوا يعملون في التعليم أو الأمن أو قطاعات أخرى.
وتابع قائلا "لقد استثنينا نحن من هذا الأمر، رغم أننا نشكل -باعتراف الجميع- المنتهى في انتهاكات حقوق الإنسان، بعد أن تم الزج بنا في مقابر -ونحن أحياء- معزولين عن بعضنا وعن الدنيا لمدة 18 سنة، فيما كانت الأحكام الصادرة في حق بعضنا لا تتعدى سنتين و 5 سنوات".
وبعد مرور أزيد من 30 سنة على الإفراج عن الناجين من المعتقل المذكور وإغلاقه، لا تستطع عائلات 32 من الضحايا الذين توفوا داخله تمييز قبر أبنائها لزيارته، وتأمل هذه العائلات أن يمكّن تحليل الرفات من تحديد هويات المدفونين، ويضع حدا لمعاناة ذويهم، ويقول عبد الله أعكاو إن التحليل الجيني سيكشف الحقيقة، وسيمكن العائلات من زيارة أبنائها للترحم عليهم.
وبحسب شهادته، ففي آخر زيارة قاموا بها ضمن فعالية للجمعية إلى المعتقل السابق، اكتشفوا الإهمال الذي توجد فيه المقبرة بعد أن نبتت عليها الأعشاب وأصبحت ممرا للدواب، وأضاف "أبلغنا المجلس في لقائنا معه أنه تم تنظيف المقبرة وتهيئتها، وذلك ضمن عملية ترميم المعتقل السابق التي يشرف عليها".
وكان المجلس قد أطلق منذ عام 2020 أشغال ترميم للمعتقل السري السابق تازمامارت، ضمن برنامج إعادة تهيئة المعتقلات السرية السابقة بهدف تحويلها إلى فضاءات لحفظ الذاكرة، وتهيئة مدافن ضحايا الاختفاء القسري، تنفيذا لتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وخصصت لهذا الأمر ميزانية تبلغ 55 مليون درهم (حوالي 5.6 ملايين دولار).
وحسب تقرير للمجلس الوطني لحقوق الانسان، فقد خصصت وزارة الإسكان 12 مليون درهم (1.2 مليون دولار) لدعم إعادة تهيئة "تازمامارت"، كما خصصت وزارة الفلاحة 18.3 مليون درهم (1.8 مليون دولار) من أجل استصلاح وزراعة حوالي 420 هكتارا من الأراضي المتاخمة لقرية تازمامارت، وتمويل مشاريع مدرة للدخل لفائدة شباب ونساء القرية.
كما تكفلت وزارة الصحة ببناء مؤسسة صحية جديدة خارج فضاء المعتقل السابق، وتجهيزها بتكلفة إجمالية تبلغ 900 ألف درهم (حوالي 92 ألف دولار).
وبلغ مجموع ملفات ضحايا معتقل تازمامارت 58 ملفا وفق المجلس، تمت دراستها من طرف هيئة التحكيم المستقلة للتعويض، ثم من طرف هيئة الإنصاف والمصالحة، وصدرت لفائدة هؤلاء مقررات تحكيمية قاضية بالتعويض، وبلغت الكلفة المالية لجبر الأضرار 164 مليون درهم (16 مليون دولار)، بالإضافة إلى التغطية الصحية والتكفل الطبي الذي يتابعه المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات حريات المجلس الوطنی لحقوق الإنسان ملیون درهم بعد أن
إقرأ أيضاً:
اشتوكة أكبر منطقة منتجة للطماطم بالمغرب تحذر من انتكاسة بعد وقف دعم البذور
زنقة 20 ا الرباط
وجّهت جمعية المنتجين الفلاحيين بإقليم اشتوكة أيت باها رسالة احتجاج رسمية إلى وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات أحمد البواري، تُعبّر فيها عن قلقها العميق إزاء القرار الوزاري الصادر في 7 ماي 2025، والقاضي بـإيقاف استقبال طلبات الدعم المالي المخصص لاقتناء بذور ومشاتل الطماطم المستديرة، إلى جانب بذور البطاطس والبصل، انطلاقاً من 30 أبريل المنصرم، وذلك بموجب القرار المشترك رقم 1993.23 الصادر بتاريخ 31 يوليوز 2023.
الجمعية اعتبرت أن هذا القرار يشكل تهديداً مباشراً لقطاع الطماطم المستديرة، الذي كان يعاني أصلاً من ارتفاع غير مسبوق في تكاليف الإنتاج، تجاوزت في بعض الحالات 700 ألف درهم للهكتار الواحد، مما دفع العديد من الفلاحين إلى التخلي عن زراعة الطماطم أو التحول نحو زراعات بديلة، وهو ما تسبب في تقلص المساحات المزروعة وارتفاع أسعار الطماطم بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وهو ما أثار استياءً متزايداً لدى المستهلكين.
واعتبرت الجمعية أن برنامج الدعم المالي الذي أقرّته الوزارة – والذي بلغ 70 ألف درهم للهكتار في حالة الزراعة المغطاة – قد ساهم بشكل واضح في إعادة إنعاش الإنتاج، من خلال عودة عدد من الفلاحين إلى زراعة الطماطم وتوسيع المساحات المزروعة، وهو ما أدى إلى تحقيق نوع من التوازن في السوق واستقرار نسبي في الأسعار.
لكن القرار الأخير، وفق تعبير الفلاحين، يهدد بنسف المكتسبات المحققة، في ظل استمرار تحديات متعددة، أبرزها ظهور فيروسات فتاكة كـ”التوتا”، والقيود الصارمة التي يفرضها المكتب الوطني للسلامة الصحية على المبيدات والأدوية الزراعية، إضافة إلى ضعف المردودية التي لا تتجاوز في أفضل الحالات 120 طناً للهكتار، ما يضطر الفلاحين إلى العمل بدورتين إنتاجيتين سنوياً لضمان تموين مستقر للأسواق.
وفي الوقت الذي أكدت فيه الجمعية انخراطها الجاد في إنجاح برامج الوزارة وتثمين مجهوداتها السابقة، لم تُخفِ استغرابها من غياب رؤية واضحة لاستمرارية الدعم، وفشل الوزارة في طمأنة المهنيين بشأن مستقبل الإنتاج الوطني، مطالبة الوزير بـمراجعة القرار وتمديد العمل ببرنامج الإعانة إلى حين معالجة الإشكالات البنيوية التي تقف أمام استقرار القطاع.
وحذّرت الجمعية في ختام رسالتها من أن وقف الدعم في الظرفية الحالية قد يؤدي إلى انتكاسة جديدة لقطاع الطماطم، تُعيد الأسعار إلى الارتفاع، وتزيد من زعزعة ثقة المستثمرين، وتُهدد استقرار السوق الوطني، مشددة على ضرورة تبني مقاربة تشاركية أكثر نجاعة ووضوحاً لضمان استدامة الإنتاج الفلاحي ومصلحة المستهلك المغربي.