هل ترُدَّ الصفعة؟!
تاريخ النشر: 18th, September 2024 GMT
صاحب السمو السيد/ نمير بن سالم آل سعيد
إذا أتيت بثلاثة أشخاص على حدة وفاجأتهم بصفعة قوية مُتساوية القوة على وجه كل واحدٍ منهم، هل ستكون ردة فعل الثلاثة واحدة؟!
قد يغضب الأول غضباً شديداً ويرد الصفعة بأقوى منها مُباشرة. أما الثاني فقد يمسك خده من الألم ولا يصدر منه أي ردة فعل سوى النظر إلى صافعه بخوف وصمت لكف الضرر عنه مخافة التصعيد والأذى الإضافي.
وإذا حصل لك ما حصل بأن يصفعك أحدهم على وجهك، ماذا أنت بالحال فاعل؟! هل سترد الصفعة؟! أم تستسلم للخوف والصمت والتأجيل رغم الألم والإهانة الفورية المُبرحة؟! وتتحمل وتتجاوز الموقف وكأنه لم يكن مُؤثِرًا السلامة على أمل أن يرد حقك ولو بعد حين، مؤمنًا بأنك لن تصل إلى الإنصاف إلا بعد تكبد مرارات الإجحاف؟ أم أنَّ ردة فعلك تعتمد على من يكون الصافع والحالة التي أنت عليها ومصلحتك الشخصية لتتفاعل وفق ذلك حسب ما يأتي به الموقف؟!
أم أنت لا تقبل الظلم والاستبداد من أي كان، وستنتصر لكرامتك المهانة حتى ولو كان ذلك سيتسبب في إيذائك؟!
الصفعة واحدة، وردود الأفعال مختلفة، هكذا الإنسان محركه تفكيره، وتقوده تصرفاته لتأتيه النتائج حسب ما يقوم به من أفعال.
والصفعة في الحياة ليست بالضرورة أن تكون لطمة على الخد، وإنما قد تكون ظلمًا تتعرض له في حياتك يأتيك من جهة عامة أو خاصة أو جماعة أو فرد يسلبك حقك أو يتعدى على حدودك.
وتلك قد تكون من أشد الصفعات التي قد يتلقاها المرء في حياته، وقد تأتيه مرة واحدة في الحياة أو مرات متوالية. والقرار هل النهوض والمواجهة والمقاومة إلى النهاية وليكن ما يكون؟! أم الاستسلام والاستكانة والصبر على الظلم والهوان خشية من ضرر أكبر وخسارة أفدح؟!
مثل ذاك الهندي الفقير الذي قام بصفعه الضابط الإنجليزي أيام الاحتلال البريطاني في الهند. فأعاد الهندي الفقير الصفعة بمثلها وأقوى منها، مُنتقمًا لكرامته؛ فذهب الضابط إلى قائده وأخبره بجرأة الهندي الفقير وتمرده بقيامه بصفعه، وهو الضابط الإنجليزي ذو المهابه والاحترام. فقال له قائده لا تعاقبه أو تسجنه؛ بل اذهب واعطه المال ليفتح تجارة، فاستغرب الضابط من ذلك لكنه نفَّذ تعليمات قائده مستجيبًا لأوامره.
وبعد عدة سنوات قليلة ازدهرت تجارة الهندي الفقير وأصبح غنيًا، فقال القائد المسؤول عن الضابط، اذهب الآن إلى ذلك الهندي في السوق واصفعه بقوة أمام حشد من النَّاس. وفعلاً ذهب الضابط وصفع الهندي وأطاح به على الأرض، فنهض الهندي دون أن يُبدي أي مقاومة، ناظرًا إلى الضابط محركًا رأسه يمينًا وشمالًا وكأنه مُستعد لتلقي المزيد من الصفعات برضاه!!
ذهب الضابط إلى قائده ليخبره بما حصل، فقال له قائده: اسمع أيها الضابط: حين صفعته وهو فقير لم يكن لديه ما يخسره أو يدافع عنه إلّا كرامته التي أهدرتها بصفعه أمام جماعته. فكان لا بُد أن يستعيد كرامته المفقودة التي ليس لديه سواها، فردَّ عليك الصفعة بأقوى منها غير مبالٍ حتى لو تسبب ذلك في مقتله!
لذلك.. احذر من يأس اليائسين وامنحهم الأمل ليقتاتوا به ويعيشوا عليه. ولذا عندما أصبح الهندي غنيًا خشي على تجارته وأمواله ومستقبله ومصالحه، فلم يقدر أن يرد الصفعة، وحتى لو انهالت عليه الصفعات كثيرًا!
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الفأرة التي في أيدينا.. كيف كانت وكيف أصبحت؟
#سواليف
يصعب اليوم تخيل عالم #الحواسيب دون ذلك الرفيق الصامت الذي يلازم أيدينا، ينقل نوايانا إلى الشاشة بنقرة أو سحبة بسيطة في دقة متناهية.
إنها #الفأرة، ذلك الجهاز المتواضع الذي حول التفاعل مع الآلة من مهمة معقدة محصورة بالمختصين إلى حركة بسيطة في متناول الجميع. لم تكن رحلتها من فكرة ثورية في رأس مخترع إلى قطعة أساسية على ملايين المكاتب مضمونة أو مباشرة، بل هي قصة إبداع ورؤية مستقبلية وصبر طويل.
في أوائل ستينيات القرن الماضي، كان الحاسوب عملاقا غامضا يتواصل معه المستخدمون عبر لغة غريبة من الأوامر النصية. كان على الشخص أن يكون مبرمجا ليأمر الآلة بتنفيذ ما يريد.
مقالات ذات صلةفي هذا الجو، تخيل المهندس الأمريكي #دوغلاس_إنجلبارت مستقبلا مختلفا تماما، يتعاون فيه البشر والحواسيب بطريقة طبيعية، بصرية، وبديهية. سعى إلى كسر الحاجز بين الإنسان والآلة، وولدت من هذا الحلم فكرة جهاز تتبع حركة اليد.
في اليوم التاسع من ديسمبر عام 1964، تحول الحلم إلى قطعة خشب ملموسة. جنبا إلى جنب مع زميله بيل إنجلش، أنتج إنجلبارت أول نموذج عامل لما نسميه اليوم الفأرة. لم تكن أنيقة، بل كانت صندوقا خشبيا مستطيلا متواضعا، به عجلتان متعامدتان في أسفله، واحدة لتتبع الحركة الأفقية، والأخرى للرأسية.
في أعلى الصندوق، زر واحد فقط. كان كابلها المتدلي هو ما أوحى فيما بعد بتسميتها “فأرة” بشكل غير رسمي، إذ ذكر العاملون في المختبر بأنها تشبه هذا القارض بجسمه وذيله الطويل.
لم يكن الصندوق الخشبي مجرد جهاز غريب، بل كان نافذة على فلسفة جديدة. أراد إنجلبارت واجهة رسومية، وطريقة للإشارة والنقر بدل الكتابة. وجاءت لحظة الانطلاق الكبرى في عرضه الشهير عام 1968، الذي أطلق عليه لاحقا “أم كل العروض التوضيحية”.
أمام جمهور مذهول، استخدم إنجلبارت فأرته لتقديم مفاهيم ستبدو مستقبلية لعقود، نافذة رسومية، تحرير نصوص بالنقر والسحب، روابط تشعبية تنقل المستخدم بين النصوص، وحتى مكالمة فيديو مشاركة مع زميل بعيد.
كان هذا العرض أول ظهور علني لوعد الحوسبة الشخصية الحديثة، وكانت الفأرة هي العصا السحرية التي قادت هذه العملية الثورية. مع ذلك، وبعد كل هذا البريق، سقط الاختراع في صمت طويل.
العالم لم يكن جاهزا بعد. ظلت الحواسيب كبيرة وباهظة، وافتقرت إلى الواجهات الرسومية التي تجعل للفأرة معنى. لقد سبق إنجلبارت عصره بعقدين كاملين. بقي اختراعه حبيس مراكز الأبحاث والمختبرات المتطورة، حتى جاءت الثمانينيات ومعهما ثورة الحواسيب الشخصية.
عندما أطلقت شركة أبل جهازها الشهير “ماكنتوش” في عام 1984، مزودا بواجهة مستخدم رسومية بديهية، كانت الفأرة هي مفتاح الدخول إلى هذا العالم الجديد. عندها فقط، انتقلت الفأرة من كونها اختراعا عبقريا إلى ظاهرة ثقافية وتجارية. أصبحت فجأة في كل مكان، وبدأت رحلة تطورها السريع، تحولت العجلتان الميكانيكيتان إلى كرة، ثم اختفت الكرة تماما لتحل محلها أدوات بصرية قادرة على العمل على أي سطح. تقلص الحجم، تعددت الأزرار، ظهرت العجلة الوسيطة التي سهّلت التصفح، ثم قطعت الأسلاك لتتحرر لاسلكيا. تحسنت الدقة والراحة والشكل، لكن المبدأ الرئيس الذي وضعه ذلك الصندوق الخشبي، تحويل حركة اليد في الفضاء ثنائي الأبعاد إلى حركة للمؤشر على الشاشة، بقي على حاله.
الآن، بينما نمسك بأيدينا فأرات ملساء مصنوعة من البلاستيك أو المعدن، تكمن مفارقة عظيمة. الفأرة التي نشأت من رغبة في استكشاف الفضاء، حيث مولت وكالة ناسا أبحاثها المبكرة، وجدت نفسها غير مناسبة لانعدام الجاذبية في المركبات الفضائية. بدلا من أن تسافر إلى الفضاء البعيد، تمسكت بالأرض وربطت البشر بعضهم ببعض عبر الشبكة العنكبوتية العالمية.
مخترعها الرائد، دوغلاس إنجلبارت، لم يجنِ ثروة منها، إذ أن حقوق براءة الاختراع كانت ملكا لمعهد ستانفورد البحثي الذي عمل فيه. لكن إرثه لا يقدر بثمن. الفأرة لم تكن مجرد أداة، بل كانت حجر الزاوية في فلسفة جعلت التكنولوجيا في متناول الجميع، وساهمت في تقريب الحوسبة من أي شخص بغض النظر عن خبرته التقنية.
إنها قصة ذلك الصندوق الخشبي البسيط الذي لم ينعزل في متحف التاريخ فحسب، بل تحول إلى امتداد حيوي لأيدينا وعقولنا، يترجم أفكارنا إلى فعل على الشاشة، ويذكرنا بأن أعظم الابتكارات هي تلك التي تختفي في بساطتها لتصبح جزءا لا يتجزأ من تفاصيل حياتنا اليومية.