متى يُعلن حزب الله حربه الجهادية ضد إسرائيل؟
تاريخ النشر: 19th, September 2024 GMT
لمن يتخّوف من أن تشنّ إسرائيل حربًا شاملة وواسعة على لبنان نسأل مع السائلين: هل ما أقدمت عليه إسرائيل عبر أخطر عملية تفجير عن بعد ألحقت الأذى بما يقارب الثلاثة آلاف شخص، حال مئتان منهم حرة، واستشهاد أحد عشر، وما خلفته من ذعر استطاعت الأجهزة الحكومية المعنية، وبالأخص القطاع الطبي، التعامل مع تداعيات هذه العملية بمسؤولية وشجاعة، ليست حربًا شاملة.
وهل ما يتعرّض له الجنوب من قصف ممنهج ومدروس ليس حربًا بكل ما في ضراوتها من حقد تاريخي أعمى، وهل تفريغ القرى الجنوبية من أهلها بالكامل هو مجرد مسرحية قد يكون "الأبطال" الظاهريون فيها يستندون في أداء أدوارهم إلى سيناريو محكم الإعداد، نصًّا وإخراجًا وتمثيلًا، وهل يمكن اعتبار دكّ البيوت على رؤوس ساكنيها في منطقة جغرافية محدّدة كيلومتراتها بما يوازي العشرة من الأمور غير المخطّط لها والهادفة إلى تحويل هذه المنطقة إلى أرض محروقة وخالية من السكّان وربما من المسلحين في مرحلة لاحقة، وهل استهداف مقاتلي "حزب الله" في تنقلاتهم على الطرقات العامة والفرعية هو مجرد صدفة، أم أن الهدف من "القنص الصاروخي" إثبات مدى فعالية تكنولوجيا العمل المخابراتي الاسرائيلي، وهل يمكن الركون إلى ما تقوم به الولايات المتحدة الأميركية من ضغوطات عبر موفدها آموس هوكشتاين لمنع إسرائيل من القيام بأكثر مما تقوم به حاليًا في الجنوب، خصوصًا أن الأميركيين مشغولون بانتخاباتهم الرئاسية على الأرجح أكثر من أي أمر آخر؟
كل هذه الأسئلة وغيرها الكثير مما يفيض تمرّ كالومض، ولكن من دون أن يلقى السائلون أجوبة شافية عن اسئلتهم. أمّا ما يمكن اعتباره تأكيدًا غير قابل للشك فهو أن ما قامت به إسرائيل من عمل اجرامي موصوف، فضلًا عن الحرب الدائرة في الجنوب على خلفية الحرب المستمرة فصولًا في غزة تزيد من قلق اللبنانيين على المستقبل والمصير، خصوصًا أنهم لا يلمحون أي بارقة أمل بفكّ الارتباط القائم بين الجنوب اللبناني وقطاع غزة بفعل ذاك الإصرار على أن تبقى الجبهة الجنوبية جبهة مساندة وإشغال، وإن لم تكن كذلك في رأي بعض اللبنانيين المستمرين على رفض "وحدة الساحات" على رغم اقتراب موعد انطواء سنة من عمر هذه الحرب، والتي قد تستمر سنوات وسنوات قبل التوصّل إلى ما ينهيها بطريقة لا تذهب فيها بعض التضحيات سدىً.
وإذا كان فك الارتباط بين الجنوب والقطاع غير وارد في واقع الأمر فإن فك الارتباط بين الوضع الجنوبي المتفجرّ وعدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية يبدو حتى اشعار آخر شبه مستحيل، وذلك لأسباب كثيرة. وقد يكون من بين هذه الأسباب الكثيرة سبب رئيسي ظاهر، وهو الذي لا يزال يحول دون هذه الانتخابات، وذلك على رغم إقرار الجميع بأن إتمام هذا الاستحقاق وفق الأصول الدستورية هو المفتاح الوحيد لكل الأبواب المغلقة في وجه الحلول المجمدة والعالقة عند حدود نهر الليطاني.
ويقول بعض العارفين إن "حزب الله"، الذي يقدّم الشهيد تلو الشهيد في حرب يعتبرها دفاعًا عن كل لبنان في وجه عدو متغطرس وعدواني ومجرم، لن يهادن في الاستحقاق الرئاسي إن لم يكن له ما يريد، أي أن يضمن مجيء رئيس لا يطعن "المقاومة" في ظهرها ولا ينقلب عليها. أمّا إذا لم تكن الظروف مؤاتية لمجيء رئيس كما تريده "حارة حريك" فإن الجهود التي تبذلها مرّة جديدة "اللجنة الخماسية"، التي لا تمتلك حتى الآن من أدوات الضغط سوى التمنيات، ستذهب أدراج الرياح، وسيبقى غبار الفراغ الرئاسي عامي العيون والقلوب.
فاستنادًا إلى المعطيات السياسية والميدانية فإن الحديث عن حلحلة وشيكة في الملف الرئاسي يبقى من ضمن دائرة التكهنات المدرجة في خانة التشكيك العلمي، الذي لا يعترف بعلم الغيب كوقائع حسّية وملموسة. إلا أن ما هو أكيد في الحيثيات اللبنانية فهو استمرار استنزاف ما تبقّى من قدرات، هي في الأساس شحيحة لدى أغلبية اللبنانيين، مع استمرار القلق من الوصول إلى الطريق المسدود بعدما أصبحت الحرب المفتوحة بين إسرائيل و"حزب الله" بخلفية إيرانية واضحة المعالم على قاب قوسين أو أدنى بمجرد أن يلملم الحزب آثار العدوان الإسرائيلي لينتقل في أسرع من البرق إلى "الحرب الجهادية"، التي ستبدأ من جنوب لبنان، ولن تكون إيران وحلفاؤها في المنطقة غير معنيين بتقديم كل أنواع الدعم في هذه الحرب، التي يُعتقد أنها ستكون بداية مرحلة جديدة في المنطقة.
المصدر: لبنان 24
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: حزب الله
إقرأ أيضاً:
من مكة إلى الكرامة… الرصاصة التي أصبحت جيشًا
صراحة نيوز ـ بقلم: جمعة الشوابكة
في العاشر من حزيران من كل عام، لا يمرّ اليوم على الأردنيين مرور الكرام، بل ينبض التاريخ في وجدانهم من جديد. إنه اليوم الذي تختصر فيه الأمة مسيرتها المجيدة بين سطرين خالدين: الثورة العربية الكبرى التي أطلقها الشريف الحسين بن علي عام 1916، ويوم الجيش العربي الأردني، حين توحّدت البندقية بالراية، والعقيدة بالوطن.
لم تكن الرصاصة الأولى التي انطلقت من شرفة قصر الشريف في مكة مجرد إعلان تمرّد على الحكم العثماني، بل كانت البيان التأسيسي للسيادة العربية الحديثة، وبداية مشروع تحرر قومي لا يعترف بالتبعية، ولا يرضى بأقل من الكرامة. قاد الشريف الحسين بن علي هذا المشروع بوعي تاريخي عميق، وسلّمه لابنه صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن الحسين آنذاك، الذي جاء إلى شرقي الأردن مؤمنًا بأن الثورة لا تكتمل إلا ببناء الدولة، وأن الدولة لا تنهض إلا بجيش عقائدي يحمل راية الأمة ويحميها. وهكذا، وُلد الجيش العربي، من رحم الثورة، ومن لبّ الحلم القومي، لا تابعًا ولا مستوردًا، بل متجذرًا في الأرض والهوية.
كان الجيش العربي الأردني منذ تأسيسه أكثر من مجرد تشكيل عسكري، كان المؤسسة التي اختزلت روح الوطن. شارك في معارك الشرف على ثرى فلسطين، في باب الواد والقدس واللطرون، ووقف سدًا منيعًا في وجه الأطماع والعدوان، حتى جاءت اللحظة المفصلية في معركة الكرامة عام 1968، حين وقف الجندي الأردني بصلابة الرجولة خلف متاريس الكرامة، وردّ العدوان، وسطّر أول نصر عربي بعد نكسة حزيران، بقيادة جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال – طيب الله ثراه – ليُثبت أن الكرامة لا تُستعاد بالخطب، بل تُنتزع بالدم. لقد كان هذا النصر عنوانًا حيًا للعقيدة القتالية الأردنية، القائمة على الانضباط، والولاء، والثبات، وفهم عميق للمعركة بين هويةٍ تُدافع، وقوةٍ تُهاجم.
وفي قلب هذه المسيرة، وقف الشهداء، الذين قدّموا دماءهم الزكية ليظل هذا الوطن حرًا شامخًا. شهداء الجيش العربي الأردني لم يكتبوا أسماءهم بالحبر، بل خلدوها بالدم، في فلسطين، والجولان، والكرامة، وفي كل ميدان شريف رفرف فيه العلم الأردني. لم يكونوا أرقامًا في تقارير، بل رسل مجدٍ وخلود، يعلّموننا أن السيادة لا تُمنح، بل تُحمى، وأن كل راية تُرفع، تحمل في طياتها روح شهيد.
ومن بين هؤلاء، كان جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال – رحمه الله – أول القادة الذين ارتدوا البزة العسكرية بإيمان وافتخار. تخرّج من الكلية العسكرية الملكية في ساندهيرست، وخدم جنديًا في صفوف جيشه، ووقف معهم في الخنادق، لا على المنصات. كان القائد الجندي، الذي يرى في الجيش رمزًا للسيادة، وركنًا من أركان الدولة، وظل يقول باعتزاز: “إنني أفخر بأنني خدمت في الجيش العربي… الجيش الذي لم يبدل تبديلا.” فارتقى بالجيش إلى مصاف الجيوش الحديثة، عقيدةً وعتادًا، قيادةً وانضباطًا، ليبقى المؤسسة التي لا تتبدل ولا تساوم.
واليوم، يواصل المسيرة القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية، جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم – الملك الممكِّن والمعزّز – الذي تربّى في صفوف الجيش، وتخرّج من الميدان قبل أن يعتلي عرش البلاد. يرى جلالته في الجيش العربي الأردني شريكًا استراتيجيًا في بناء الدولة، لا مجرد مؤسسة تنفيذية. ولهذا، شهدت القوات المسلحة في عهده قفزة نوعية في الجاهزية القتالية، والتحديث، والتسليح، والتعليم العسكري، حتى أصبح الجيش الأردني عنوانًا للانضباط والسيادة الإقليمية والإنسانية، وصوت العقل في زمن الفوضى.
ويأتي تزامن يوم الجيش مع ذكرى الثورة العربية الكبرى تتويجًا لهذه المسيرة، ليس كمجرد مصادفة تاريخية، بل كتجسيد حي لوحدة الرسالة، واستمرارية المشروع الهاشمي، من الشريف الحسين بن علي، إلى الملك المؤسس عبد الله الأول، إلى الملك الباني الحسين بن طلال، إلى جلالة الملك الممكِّن والمعزّز عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم. فهذه ليست محطات منفصلة، بل خط سيادي واحد، يبدأ بالتحرر، ويُترجم بالجيش، ويُصان بالسيادة. لقد بقي الجيش العربي منذ نشأته على العهد، حاميًا للوطن، وحارسًا للهوية، ودرعًا للشرعية، لا يُبدّل قسمه، ولا يخون ميثاقه.
في العاشر من حزيران، لا نحتفل فقط، بل نُجدد القسم: أن هذا الوطن لا يُمس، وأن هذه الراية لا تُنكّس، وأن هذا الجيش لا يُكسر. من مكة إلى الكرامة، الرصاصة أصبحت جيشًا، والجيش أصبح عقيدة، والعقيدة أصبحت وطنًا لا يُساوم على كرامته، ولا يُفرّط بذرة من ترابه.